شبكة ذي قار
عـاجـل










الاختلاف الأيديولوجي بين إيران واسرائيل لم يمنع التقارب التكتيكي بينهما من أجل المصالح المشتركة (2)

أ. د. مؤيد المحمودي

 

 

السياسة الإيرانية في المنطقة العربية تعتمد اسلوب التمزيق والتفرقة لمجتمعاتها، وتمارسها إما بالتبشير الطائفي أو بالدعم المالي أو بالابتزاز أو بالقوة أو من خلال المساومات السرية. وموقفها من القضية الفلسطينية لا يختلف عن موقفها من القضايا العربية الأخرى، فهي تحاول السيطرة عليها باسم الفكر الديني لتكون أداة إضافية في مساوماتها مع الكيان الصهيوني. وقد ظهرت انتهازية النظام الايراني من هذه القضية بصورة جلية في الحرب الحالية على غزة. فهي من جهة تدعي مناصرتها لهذه القضية من خلال تحريض ذيولها الميليشياوية في الدول العربية وخصوصا في العراق ولبنان على ضرب المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة. وتارة أخرى تدعوهم الى تجميد هذا الصراع مع تلك الدوليتين من منطلق حرصها على عدم توسعة الصراع الدائر كي لا ينعكس مردودها سلبا على حكومة الملالي.  كما أنها حاولت تجيير النتائج التي خرجت بها عملية طوفان الأقصى لصالحها بعد ادعاء أحد مسؤوليها العسكريين أن تلك العملية قد تمت كرد فعل لمقتل قاسمي سليماني، والذي سرعان ما نفته فصائل المقاومة الفلسطينية جملة وتفصيلا.

إن إيران هي أكبر دولة تضم تجمعات كبيرة لليهود خارج دولة إسرائيل ، اذ يقطنها ما يقرب من 40 ألف يهودي. وبالرغم من حاجة اسرائيل لاستقطاب أكثر عدد ممكن من اليهود في العالم الى داخل حدودها الا أنها لم تبذل جهودا حثيثة لاستقطاب هؤلاء اليهود وتشجيعهم على ترك ايران مثلما عملت مع يهود الفلاشا في السودان . فقد لجأت اسرائيل قبل سنوات الى اتباع طرق ملتوية من أجل جلب هؤلاء الأفارقة اليهود عنوة.الى اسرائيل رغم قلة عددهم . أما بالنسبة لليهود الايرانيين فان الدولة الصهيونية تدرك جيدا انهم يحظون برعاية خاصة من حكومة الملالي ولهم تأثير كبير في الحياة الاقتصادية الايرانية يجعلهم حلقة وصل مهمة بين البلدين. وهذا واضح من الرعاية المتميزة التي تخص بها ايران هذه الجالية اليهودية على باقي الأقليات والطوائف الأخرى. حيث أن كنائس اليهود في طهران وحدها قد تجاوزت  ال 200 معبد يهودي  بينما لا يسمح في ايران بوجود مسجد واحد يصلون فيه  مليون ونصف مسلم من المسلمين السنة كما أن عرب الأحواز يتعرضون باستمرارالى شتى أنواع الاهمال والتنكيل بالرغم من  كونهم  شيعة يتبعون نفس طائفة حكام طهران. وهذا الدعم المتميز الذي تقدمه ايران للأقلية اليهودية فيها وتتجنب في نفس الوقت التصادم معها لا يأتي من فراغ. بل وراء هذا الدعم مكاسب كثيرة خاصة فيما يتعلق بتأثير يهود ايران على العلاقات الخارجية الايرانية.  لما يمتلكه هؤلاء اليهود من امتداد مباشر مع اليهود في الكيان الصهيوني من الأصول الإيرانية البالغ عددهم 200 ألف يهودي . و الذين يمتلكون نفوذ واسع في التجارة والأعمال والمقاولات العامة والسياسة وتغلغل كبير في جيش الكيان الصهيوني .والأهم من ذلك كله أنهم لا زالوا  مرتبطين دينيا مع مرجعهم الكبير في ايران الحاخام يديديا شوفط المقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي وقادة الحرس الثوري الايراني .و كذلك يوجد تواصل بين هؤلاء اليهود الايرانيين والجالية اليهودية في أمريكا من الاصول الايرانية ، الذين يقدر عددها بحوالي 12 ألف يهودي . وهذه الجالية اليهودية في أمريكا  لها  دوركبير في الحياة السياسية الأمريكية . ذلك لأن بعضهم أعضاء في الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب و يمثل البعض الأخر جزءاً من اللوبي الصهيوني الذي  يلعب دورا مهم في السياسة الخارجية الأمريكية خاصة تجاه الشرق الأوسط على وجه التحديد.

 من ناحية أخرى فان الجالية اليهودية من الاصول الايرانية بما تملكه من نفوذ مؤثر في داخل اسرائيل، تتولى مسؤولية دعم العلاقات التجارية السرية بين الدولة العبرية وايران. وبحسب صحيفة  يدعوت أحرنوت الاسرائيلية فان حجم الاستثمارات الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية تقدر بأكثرمن 30 مليار دولار تساهم فيها حوالي  200  شركة إسرائيلية تقوم بتقديم خدمات تجارية لإيران . أغلبها في مجالات القطاع النفطي والطاقة ، وبناء مصانع أغذية  وتقديم الخبرة في مجال الهندسة والبترول، وتصدير.الأسمدة وأنابيب الري. وهذا التعاون الاقتصادي قد حصل رغم الإعلان الرسمي عن وجود عداوات متبادلة بين الجانبين. وللتأكيد على وجود هذا التبادل التجاري بين البلدين، أثير جدلا واسعا بين حكومة حسن روحاني والبرلمان عام 2014 بسبب تلكُّؤُ وزارتي الخارجية والمخابرات  في إرسال تقرير إلى مجلس الشورى الإيراني عن قيام 55 شركة إيرانية باقامة علاقات تجارية واقتصادية مع إسرائيل . وفي نفس الوقت قام مصطفى أفضلي فرد، المتحدث باسم لجنة الدستور في مجلس الشورى بالكشف عن وجود علاقات  تجارية بين شركات إيرانية وأخرى إسرائيلية، واتهم جهات حكومية إيرانية بإخفاء معلومات عن هذا التبادل التجاري مع الدولة العبرية. وأكد أفضلي فرد على لزوم قطع الدعم المالي والحكومي وتوقف التدابير المتخذة لتعزيز الشركات المتورطة في العلاقات مع إسرائيل، دون أن يكشف عن الجهات الحكومية التي تدعم هذه الشركات وتعمل على تعزيزها وتقويتها.

ان ايران واسرائيل تربطهما موقف استراتيجي موحد يتمثل في الحقد و نصب العداء للأمة العربية التي ينفصلون عنها تأريخيا و ثقافيا وسياسيا. فايران تكره العرب لأنهم اسقطوا دولة المجوس الساسانية وإسرائيل تريد أن تنتقم من العرب ثأرا لأجدادهم يهود خيبر وبني قينقاع . ووجود هذا التوافق الاستراتيجي المشترك بينهما لا يتعارض مع ظهور بعض التناقضات التكتيكية حتى لو اتخذت ظاهريا  طابع الصراع الاعلامي  من أجل ذر الرماد على العيون. وجوهرهذه الاختلافات التكتيكية بينهما يتمحور حول رغبة ايران في امتلاك أسلحة الدمار الشامل مثل القنبلة النووية والصواريخ بعيدة المدى كجزأ من  طموحها لكي تتتبوأ موقع جيوسياسي متميز في منطقة الشرق الأوسط يمكنها من اعادة مجد الامبراطورية الفارسية القديمة . ولضمان تحقيق هذه الأهداف فهي ترغب في اقامة علاقة ذات مصالح مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل تقديم أية خدمة لأمريكا تطلبها منها  يمكن أن تساعدها على بسط نفوذها بالمنطقة كما حصل في مرحلة احتلال العراق.الا أن  اسرائيل من جهتها لاترغب في وجود دولة أخرى مثل ايران تنافسها على امتلاك السلاح النووي في المنطقة  أو تشاطرها التعاون الاستراتيجي المتجذر مع الجانب الأمريكي.  لكن هذه التناقضات بين ايران واسرائيل تبقى محدودة وقابلة للحلول عن طريق المساومات و لا ترتقي الى مستوى الاختلاف  الاستراتيجي الذي يتحكم في الصراع العربي الاسرائيلي. فالفارق كبير بين المظاهرالعدائية المصطنعة وبين المحادثات والصفقات السرية التي تُعقد بين تلك الدولتين. ولعل التهديدات الاسرائيلية الفارغة التي تطلقها منذ عدة سنوات بضرب المفاعلات النووية الايرانية و لم تشهد لحد الأن أي تنفيذ جدي على أرض الواقع كما فعلت مع مفاعل تموز الصغير في العراق ، والتي يقابلها التهديدات الايرانية بامتلاكها قدرات صاروخية بعيدة المدى تستطيع محو تل أبيب في خمسة دقائق، كلها عبارة عن فرقعات اعلامية تندرج في مجال الصراع المظهري المصطنع بينهما.

ورغم هذا التواطأ الواضح بين هذين البلدين ضد مصالح أمتنا ، للأسف لا زال بعض العرب يتهافتون للتطبيع مع اسرائيل و يتعاملون مع ايران على أنها الجارة المسالمة والصديقة لهم . مما يدعو الى أهمية وجود مواثيق جدية تلزم العرب بموقف قومي موحد اتجاه التحديات التي تواجه هذه الأمة ، كي تستعيد قدرتها على التأثير الفعال في السياسة الإقليمية والدولية.  وكذلك تمكنها من التصدى للأطماع الاسرائيلية في ابتلاع الأراضي الفلسطينية والوقوف بكل حزم أمام طموحات ايران التوسعية في المنطقة  وارغامها على تقبل الأمر الواقع بأن عصر الامبراطوريات قد ولّى وأصبح من الماضي البعيد.






الاحد ٣٠ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة