شبكة ذي قار
عـاجـل










لكي نٌكَونْ صورة واضحة لحقيقة بروز ونمو ظاهرة التطرف الديني في العالم وبمضمون حقيقي وأمين وبالقدر الذي يهمنا كعرب,لابد أن تكون بدايتنا بإقرار بالحقيقة التالية بان التطرف الديني او الطائفي لم يقتصر يوماً على دينٍ سماوي أو غير سماوي,ويصح هذا الجزم عند الحديث عن الافكار أو الايديولوجيات الدنيوية أيظاً,فالتطرف ليست سمة دينية بشكل عام ابداً,ولكنه يمثل صورتين:الاولى:تتمثل بظاهرة الغلو عند الانسان بمعتقده الى الحد الذي ينمو عنده بعد ذلك سلوكاً يتسم بالكبرياء بمعتقده الذي يغذي فيه كبرياءاً بالنفس , والذي يُبنى عليه سلوك لا يحبه الله الخالق الواحد الاحد,والكبرياء هو الذي أسقط الشيطان من مرتبته الملائكية,لذا طريق الايمان الحقيقي لا يمكن أن يبدأ إلا بقتل هذا الشعور البغيض ويكون ذلك بسمو الانسان الى مستوى التواضع,وهو المستوى الذي يقبل به الانسان الاخرين ويظهر إستعداداً للحوار مع الافكار الاخرين.والثانية:المسببة لهذا التطرف هو عدم فهم الدين أو الاجتهاد أو حتى الفكر فهماً شاملاً, مما يجعل هذه الجهالة قاعدة للانطلاق نحو عدم الايمان بالراي أو المعتقد الاخروفي كل الاحوال تصل هذه الجهالة بحالة الانتقائية في المعتقد.ومن خلال هاتين الصمورتين يحق لنا ان نقول ولا اقول أن نحكم بأن التطرف لا يتماشى مع قلب الله الخالق الواحد,ونكون قد اقتربنا من القاعدة التدبيرية في الحياة بأن اي نوع من انواع التطرف أو النرجيسة أو الدوغمائية في فكر الفرد او المجموعة هو أيظاً مستهجن من قبل عموم البشرية,ويكون الانسان او الحزب الذي يرفع شعارات شمولية معبرة عن ايديولوجية قومية إنسانية كاللايديولوجية العربية الثورية والتي يؤمن بها البعث الخالد والتيار الناصري وبعض التجمعات القومية التحرريةوأيظاًحتى اللذين يؤمنون بالفكر الماركسي واللذين جربوا الخطأ الكبير والجسيم في نوعية تحالفاتهم والتي ظهرت نتائجها الانتكاسية في عام 2003 ( التجربة المرة لتحالف بعض الماركسيين مع الاحزاب الدينية في التأمر على النظام الوطني في العراق ومساهمتهم في غزو العراق تحت المظلة الامبريالية العالمية!! ) ,اقول صار لزاماً عليهم التحرز من التلوث باي نوع من أنواع التحالفات مع هذا التيار ( التيار الديني المتطرف ) والذي قد يُضَيعْ علينا فرص لاقامة العلاقات الشفافة والصريحة والصادقة مع الجماهير,وأيظاً لكي نحافظ على هويتنا الفكرية والنضالية ولانسئ في نفس الوقت الى مبادئنا وقيمنا العالية التي بنيناها عبر سنين من النضال التحرري..

 

إذن لابد من أن نتطرق لحقيقة أشكالية التطرف وبكل أشكاله و مكوناتها  وبشكل أوضح,وننقذ  الانسان العربي والغربي من تشوه حقيقي يحصل اليوم ضد الاسلام!وفي نفس الوقت نُعيد للثقافة  العربية الاسلامية والاسلامية بالذات حقيتها التي بنتها عبر قروناً طويلة والتي تتلخص بكامن الحقيقية الدينية الانسانية,وذلك عبر تسليط شعاع من الضوء  على حقيقة التطرف الديني عند الاديان والتي هي من صنع أما الانسان الطامع والاستغلالي أو الانسان الجاهل بمعرفته لدينه,والتي نتجت عنها مذهبية كريهة تشق الدين الواحد وتمزقه وتشوه حقيقته .نقول إن المذهبية المتعددة في المسيحية لم تنشاء في شرقنا الذي يحتضن موقع إنطلاقة المسيحية في فلسطين تحديداً,فالكثلكة نشأت في روما والبروتستانتية أنطلقت في أوروبا وما نتج عنهما من إجتهادات دينية مختلفة ومنها متطرفة الى حد الغلو, سواء ما ظهرمنها في أمريكاأو في أٌوروبا أو تلك التي اثرت على وحدة الدين في الشرق العربي,فهي  لم تنطلق ( هذه الاجتهادات الدينية ) من أُسس تتعلق برسالة السيد المسيح الى العالم اوفي ما يتعلق بحقيقة عمله الكفاري وايظاً لم تتعلق  أيً من هذه الاجتهادات بالتدبير الالهي لخلاص البشرية.ولكن كل الاجتهادات بُنيت وأيظاً نشأت على مصالح طبقية أنانية متبادلة بين السلطة الدينية ( رجال الدين ) والسلطة الدنيوية ( الملوك والامراء والقياصرة ) بمعنى لاعلاقة لها بأي حقيقة رسولية سواء الفلسفية منها أو التبشيرية, ولم تنطلق كل هذه النظريات الاجتهادية في الدين المسيحي من الارض العربية التي نشأت وأنطلقت منها المسيحية,وقد برزت ظاهرة التطرف في وقت تلوث بعض رجال الدين في أٌوروبا بمزايا وقوة السلطة,فأطروا القوة في الدين بعوامل قوة السلطة وهذا كان واضحاً في أهداف ووسائل الحرب الاستعمارية والتي سميت ب ( الحروب الصليبة ) وسيحاسب رب السموات والارض كل من حاول أن يلوث الصليب المقدس الذي هو رمزُ للفداء في الديانة المسيحية بحروب دنيوية وبأطماع ساهم بعض رجال الدين البعدين كل البعدعن حقيقة المسيحية,ايظا سيحاسب اللذين يحالون اليوم أن يسرقوا الشعوب ويستعمرونها بأسم الدين ويغزو بلداناً امنة ويحتلونها تحت شعارات كاذبة ( كما هو الحال في فلسطين وافغانستان والعراق والشرق عموم ) .وأيظاً.كل الحقائق تؤكد اولاً:أن الدين المسيحي ظهر في أرض عربية,وثانياً:كل أمثال السيد المسيح والتي حملت مضامين إلهية وبشخوص وصور دنيويةالتي كان يُحَدثْ بها الناس كانت من الواقع الاجتماعي العربي ( فلسطين وسوري ) ,وثالثاً:إن أنطلاقةو أنتشارالدين المسيحي بدءت من فلسطين وسورية ولبنان وكان تلاميذه اللذين حملوا الانجيل الى العالم من هذه الارض. ولم ينقسم الدين المسيحي و تنشأ فيه الطوائف عندما كان في الشرق العربي بالرغم من ظهور الكثير والعديد من الهرطقات التي خرجت عن حقيقية الدين ومبادئه و ظل الدين موحداً. وقد جاءت أسباب الانشقاق في الدين الى طوائف من الغرب!والاسباب الحقيقية لهذه الانشقاات لم تكن قضايا تمس اللاهوت المسيحي كما قلنا, ولكن كانت اما بسبب انانية بعض رجال الدين وحبهم للسلطة وحالة الخلط التي حدثت بين السلطة الدينية والمتمثلة بالكنيسة والسلطة الدنيوية والمتمثلة بالانظمة ومؤسساتها, أو كانت بسبب ضعف القدرة في فهم حقيقة الدين لافتقادهم المعرفة الكاملة للارضية التي نبع منها الدين وهي الواقع المحلي سواء في ارض فلسطين أو في سوريا او في فهم الانسان الذي تبنى التبشير بهذا الدين,فمثلاً كم هي المعرفة الغربية لطبيعة السامريين وعلاقتهم باليهود وأيظاً كم هي معرفتهم بالصدوقييون وتحريفهم لرسالة موسى ( ع ) بحشر مجموعة من الاعراف الاجتماعية في صلب النواميس.وقصة  المراة الزانية التي غفر لها السيد المسح كل خطاياها كيف تمكن العقل الغربي أن يستوعب حقيقة مغفرة الخطية الُمقَيَمة بالزنى وبين حالة الاستهجان الاجتماعي لسلوكها الخاطئ كمنحرفة وبين محبة السيد المسيح للبشر في مغفرته للخطايا,وعلى ضوء أحكام ناموس موسى الذي شدد على عقوبة الرجم لهذا النوع من الخطية, أي معايرة الزنى كخطية في المجتمع الشرقي والعربي بشكل خاص وموقعه ( الخطية ) بالنسبة لتقاليد والاعراف في المجتمع الغربي!.  وموقف شيوخ وكهنة اليهود الذي وصفهم السيد المسيح بالمراؤون في تجاوز الناموس بالرجم الى المغفرة! وكذلك في قدرة العقلية الغربية في ربط هذا كله بقول السيد المسيح : ( لم آت لأدعو ابراراً بل خطاة الى التوبة ) ( 1 ) اي مدى تستطيع النواميس الاخلاقية الغربية أن تنظر لحالة الرجم هذه ولأبعادها الحقيقية إذا ما قورنت بين كونها مفغرة لخطية وهوفعلٌ عظيم وكبير يعبر عن محبة الله للبشر! وبين إحتسابها جزءاً من حالة إجتماعية عادية وفق قوانين المجتمعات الغربية..إن الفهم والتعيير لحقيقة هذه الواقعة بالنسبة للعقلية الغربية بشكل عام معرفة وثائقية فقط لا يقدرون على تفحص ابعادها إلا بالهام روحي ومعرفة كاملة للواقع العربي الذي كان في عهد البشارة في القرون المسيحية الاولى.لكن المسيحي في الشرق يتحسس ويستطيع أن يتعمق في هذا الفعل العظيم.ومثل أخر في  هذا الجانب يتعلق بشخصية يهوذا الاسخريوطي مثلاً, ( الذي أسلم السيد المسيح للصلب ) سواء النفسية أو المادية في موقفه الخائن لسيده وذلك عندما يوضع فعل الخيانة الرهيب هذا في أحد كفة ميزان التحليل النفسي وأمام كونه احد تلاميذ السيد المسيح والكفة الاخرى في خيانة سيده السيد المسيح تعني أكثر من سلوك بشري بل هي تعكس نموذجاً للانسان الذي يخطأ ولا يعود لربه بل يصر على قواه البشرية في تدبيره لحياته ويرتكب جريمة مضافة والمتمثلة بشنق نفسه.فالعقل الغربي قدلا يستطيع أن يرى في شخصية يهوذا الاسخريوطي بالقدر الذي لا يتعدى  إنحراف في شخصية إنسان خان سيده كما يراه المسيحي الشرقي بحسب عاداته وتقاليده التي تحدد سلوكه وتُقَوَمْ أعماله بانها موقف أخلاقي .

 

والمسيحي الشرقي يعرف معنى ومغزى قول اليهود اللذين صلبوا السيد المسيح ( دمه علينا وعلى أولادن ) وأن إصراره على عدم تبرئة اليهود من دم المسيح له علاقة بفهم ( المسيحية وخاصة في الشرق ) لأحد اركان المسيحية الاساسية وهي مجئ السيد المسيح لخلاص البشر والذي يذكره التوراة في اكثر من مكان,ولكن المسيحي الغربي لايستطيع أن يفهمها بل يضعها في قوالبه المعاصرة, وكأنما هي جريمة جزائية أو جنائية لااكثر ولا اقل ويمكن معالجته بكونها أخطاء أباء ولا يتحملها الابناء,وفي نفس الوقت لا يقبلون بالحقيقية أن الابناء لا زالوا الى اليوم يقتلون تلاميذ وأتباع السيد المسيح والى اليوم, وينكرون الى اليوم حقيقة المسيحية ومجئ السيد المسيح الى العالم كمخلص.!..

 

والحال اليوم في شرقنا يتعرض الدين الاسلامي الحنيف لنفس هذا الاجتهاد المغلوط,فلو دققنا في وجه من أوجه التطرف من حيث النشأة والإنتشار فإننا سوف نتأكد من التطرف في الدين الاسلامي أيظاً لم ينطلق من أرض الجزيرة العربية ولا حتى من الشام ولا من العراق ولا من مصر.و لم يحمل لواء التطرف الشيعي مجتمعاً عربياً إسلامياً بل نشاء في بلاد إيران ولايزال يحمله وبكل تطرف أعمى,و أيظاً التطرف السني لم ينشاء في الجزيرة العربية بل جاءنا من بلاد باكستان وأفغانستان.هذه حقيقة يجب ان لاننساها ولاتغيب عن بال اي منصف او متدين و بالرغم من ان يعض القادة المعاصرون لهذا التطرف هم عرب ولكن لم تستوعبهم الارض العربية ( المجتمع العربي وقيمه وعاداته ) ولم تكن حاضناً لهم لهذا وجدوا في ارض الغير العربية بيئة صالحة لافكارهم المنحرفة ..ولهذه الاسباب ولهذا التطور في التطرف أو الانحرافية عن قيم ومبأدئ الاسلام الحنيف جعلا حداً فاصلاً بين كتابات المفكرين المسلمين من غير العرب المعاصرة على إنها تعبيراً عن التيار السلفي,عملاً بالقاعدة التي تقول بأن الفكر نتاج الواقع والبيئة التي ينشأ فيها,و أعود لأٌكد الحقيقية التالية بأن المفكرون العرب المسيحيون يقفون مع اقرانهم العرب المسلمون في مسئلة التجدد الديني الذي يعطي للدين الحنيف قوة في تقديمه للعالم كدين سماوي متعاون ويهدف الى السلام ويفند التطرف السلفي الذي أساء للدين الاسلامي من خلال سلوكياته في أعمال الارهاب والقتل ومحاربة كل أنواع التقدم والتطور,و أيظاً كانت طريقة تقديم الاسلام للعالم من قبل  المفكرون العرب المسيحين والمسلمين كانت مبنية بشكل أساس على وجه المحبة والسلام الذي يحمله الاسلام,وقد سمي هذا التيار بالليبرالي مقارنة بالتشدد عند التيارات السلفية.ومن مقدمة الكتاب العرب اللذين قدموا الاسلام في شكله الحضاري الانساني الاستاذ ميشيل عفلق فهو يجيب عن سؤال عن نظرة الحزب إلى الإسلام، كيف كانت منذ البداية؟ فيجيب قائلاً : ( نظرة الحزب إلى الإسلام هي هذه: انه حي في هذا العصر أكثر من أي شيء آخر، عصري، ومستقبلي أيضا، لأنه خالد يعبر عن حقائق أساسية خالدة، لكن المهم هو الاتصال بهذه الحقائق لكي تؤثر وتكون فاعلة ومبدعة. فكان رأي الحزب نتيجة التفكير ونتيجة المعاناة معا، ان هذا الاتصال لا يكون بالنقل الحرفي، ولا بالتقليد وإنما بان تكتشف هذه الحقائق من جديد، من خلال ثقافة العصر ومن خلال الثورة والنضال. ) ( 2 ) .إذاً يمكننا ان نقول الفكر العربي الاسلامي المعاصر هونتاج نظري يشمل المفكرين العرب ( مسلمين ومسيحين ) وأيظاًبعضٌ من مفكرين غيرعرب تلاحمت أفكارهم بالفكر العربي الاسلامي أكثر من غيرهم الذي فَضَلَ الانزواء بالفكر إذا صح التعبر,والفرق بين الاثنين هو الحضور أو الغياب الفكر الديني,حيث أن الفكر العربي المعاصر فيه مفكرين قوميون عروبيون يقودون تيارات قومية عربية مسيحيون أمثال الاستاذ ميشيل عفلق و الاستاذ نجيب عازوري,وكذلك عروبين مسلمين مثل المفكر الكبير ساطع الحصري والاستاذ عزت دروزة .وقد ساهمت هذه العقول في إنضاج الفكر والطريق الصحيح لعرض الدين الاسلامي للعالم على ما يحمله من تسامح وإحتضان للاديان الاخرى.فألاسلام في حقيقته دين أخلاقي ثوري,وكما يصفه ألاستاذ ميشيل : ( فالاسلام اذن كان حركة عربية، وكان معناه : تجدد العروبة وتكامله ) ( 3 ) ويضيف أيظاً: ( فرسالة الاسلام إنما هي خلق إنسانية عربية ) ( 4 ) .وأن جزء من رسالة الايديولوجية العربية الثورية عكس هذه الحقائق عن الاسلام للعالم وهي أمانة يتحملها الثوريون العرب وفي مقدمتهم البعث الخالد..

 

 ( 1 ) الانجيل حسب البشير مرقس/الاصحاح2/آلاية:17

 ( 2 ) حوار أجرته جريدة الجمهوريةالعراقية ، ونشر  على صفحاتها في 27/4/1980

 ( 3 )  خطاب القي على مدرج الجامعة السورية في 5 نيسان

 ( 4 )   =       =     =         =      =    =      =

 

 





الخميس٠٢ ربيع الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / كانون الثاني / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة