شبكة ذي قار
عـاجـل










لبنان والنزوح السوري: المعالجة بمسؤولية وطنية وقومية

نبيل الزعبي

 

 ليس مصادفةً البتّة ما يجري اليوم من تسعيرٍ غير مسبوق في الخطاب الداخلي التحريضي الرافض لوجود النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية ، لتدخل على الخط الساخن ، السلطة اللبنانية عبر حكومة تصريف الاعمال التي استلحقت نفسها بالدخول على خطوط مواجهة هذا الواقع الذي ، كأنه،لم يكن ذو اهمية على الحاضر اللبناني بتفاصيله العديدة والمتشعبّة منذ العام ٢٠١١ ، عندما تجاهلت السلطة آنذاك المآلات الاقتصادية والسياسية التي سيشكلها هذا النزوح مستقبلاً فتركته يتمدد عشوائياً دون ان تبادر الى اعتماد ما سبقته اليها دولُّ مجاورة في التعامل مع النزوح كتركيا والاردن ، في ظل مزايدات حزبية وسياسية لم تفهم من هذا النزوح سوى المراهنات على قلب الاوضاع في الداخل السوري لصالحها وتراها اليوم تكثّف من مزايداتها العكسية في شحن الاجواء العنصرية وهي التي تتقاسم مع السلطة لعبة غض الطرف ماضياً عن بدايات النزوح ومن غير المقبول لها اليوم ما تعتبره تكفيراً عن نظرتها الضيقة وحساباتها التي تبين انها غير مطابقة للواقع ، كما انه من الخطورة بمكان على الامن الوطني اللبناني كل حالات الإجرام والسرقات والقتل التي يجب استئصال شأفتها ايّاً كان الجناة المرتكبين واتخاذ كل ما تقتضيه القوانين اللبنانية بحقهم من احكام . ما يجدر ذكره في هذه المعمعة التحريضية العارمة ، ان التيار العروبي الوحدوي في لبنان هو المتضرر اولاً واخيراً مما يجري ، بغض النظر عن الموقف من النظام السوري سلباً كان ام ايجاباً ، فما زرعته اواصر العروبة الجامعة على مدى العقود وحتى القرون من السنين ، يُقتَلَع اليوم على ايدي من يدفعون البلاد الى المجهول بدق اسافين الحقد والضغينة بين شعبٍ عربي واحد شطرته اتفاقية سايكس - بيكو الى اقطار متعددة ،رسمت لها حدوداً مصطنعة لطالما كانت في نصوص دساتير الدول ، غير انها لم تستطع ان تبدّل في الشعور والوجدان المتبادل على مدى السنين التي اعقبت الحربين العالميتين الاولى والثانية حيث كان من المستحيل على العائلة الواحدة التي توزع افرادها بين لبنان وسوريا والاردن وفلسطين ، على سبيل المثال ، ان لا تورث ذلك الحنين لاجيال إثر اجيال ، ولعمري ، هذا ما يُعمَل اليوم على خنقه وفق خططٍ ممنهجة تفضي الى استبداله بكل مفردات الكراهية وبؤر الحروب الصغيرة البينية في المستقبل . لا يختلف اثنان على ان النظام السوري راحلُّ حتماً طال الزمن ام قَصِر ، اما الشعب السوري ، فباقٍ ويتوالد ويحتفظ بذاكرة تتوسع وتسجل وتميّز بين العدو والصديق ومن وقف معه في الملمات ومن يتنصل من مسؤولية تهجيره والتنكيل به ، فأية مصلحة وطنية استراتيجية يجنيها الخطاب العنصري ضدهم اليوم ، ان لم نتطرق الى العواطف واواصر القربى التي تتهشم تدريجياً بالشكل الذي يصعب على العاقل تداركه وكأن هذا اللبنان يعيش في مكان ناءٍ من الكرة الارضية دون حاجته الى البلد العربي الوحيد الذي يحيط به ويربطه بعمقه العربي كظهير امني وطني استراتيجي له ، وهو المهدد على المقلب الآخر بعدوٍ تاريخي لم يخفِ مطامعه بالارض والبحر والجو اللبناني يوماً . لا يعني ما تقدم ان نتغافل عن المعاناة التي يعيشها اللبنانيون هذه الايام وليست كلها بسبب النزوح السوري وان كان هذا النزوح يشكل عبئاً غير مسبوق على البلد وبالامكان معالجته بعيداً عن الصخب والروح العدائية وزرع اسافين الكراهية بين اللبنانيين والسوريين ولا يعلم غير الله متى تلتئم وكيف ! وان هذه المعالجة لا يمكن ان تتحقق في ظل الانقسام الحكومي الحاصل والاتهامات المتبادلة بين من يتحمل مسؤولية التقصير ، ومن يرمي بها على غيره ، بينما المطلوب هو الموقف الموحد الذي يجب ان تتلاقى حوله كل الاطراف مجتمعةً وان تكون المعالجة محكومة بخلفية المسؤولية الوطنية والقومية.واذا كانت معالجة هذا الملف تتطلب اخراجه من دائرة التجاذب السياسي وعدم توظيفه في معطى الصراع الداخلي لانه ما من سلاح يؤجج الحروب البينية الصغيرة امضى من اسلحة الكراهية والضغينة وتراكم الاحقاد ، فحذار ، حذار من ذاكرة تمتلئ بكل ذلك لا يعرف غير الله متى،وكم تحتاج من السنين والعقود لمحوها.






الخميس ١٦ شــوال ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / نيســان / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة