شبكة ذي قار
عـاجـل










الصلة بين الاستعمار والاستشراق والتنصير

عبد الله الحيدري

 

 يمكننا القول بأن أكثر المستشرقين من منسوبي الكنيسة ورجالها الذين يحملون في نفوسهم أهداف التنصير ومخططاته، كما أن المبشرين اعتمدوا على مؤلفات وكتب ورسائل المستشرقين واستفادوا منها في حملتهم التبشيرية، لقد كان المبشرون والمستشرقون هم المقدمات النفسية والمعنوية لطوابير الجيوش الاستعمارية، وهم الممهدون للسيطرة الغربية على مقدرات الأمة العربية ومواردها وخيراتها.

 وكان للمدّ الاستعماري في العالم الإسلامي دور كبير في تحديد طبيعة النظرة الأوربية إلى الشرق، وخاصة بعد منتصف القرن التاسع عشر، وقد أفاد الاستعمار من الدراسات الاستشراقية كما أفاد من طوابير المبشرين الذين زحفوا إلى البلدان العربية وكان للسيطرة الغربية على الشرق العربي دورها في تعزيز مواقف المستشرقين والمبشرين، وتواكبت مرحلة التقدم العلمي الضخم في المؤسسات الاستشراقية مع مرحلة التوسع الأوربي في الشرق. ولقد استطاع المستعمر الغربي أن يجند مجموعة من المستشرقين والمبشرين ليكونوا دعائم مخططاته وأدوات تنفيذ سياساته في البلدان الإسلامية. يقول اللورد بلفور وزير خارجية بريطانية وصاحب الوعد المشؤوم:"إن المبشرين هم ساعد جميع الحكومات المستعمرة وعضدها في كثير من الأمور المهمة ولولاهم لتعذّر على تلك الحكومات أن تذلل كثيراً من العقبات، ولذلك فإنا في حاجة إلى لجنة دائمة تعمل لما فيه صالح المبشرين". ويقول المستشرق الألماني "استفان فيلد": "والأقبح من ذلك أنه توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم عن الإسلام وتاريخه في سبيل مكافحة الإسلام والمسلمين، وهذا واقع مؤلم لابد أن يعترف به المستشرقون المخلصون لرسالتهم بكل صراحة".

 ومن أجل ذلك لم تبخل الحكومات، ولا الهيئات، ولا الشركات ولا المؤسسات ولا الكنائس في يوم من الأيام في دعم حركة الاستشراق وحركة التبشير المسخرتين في خدمة الاستعمار الامبريالي

 لقد تقاسم التبشير والاستشراق والاستعمار الأدوار في خطة غزو العالم العربي الرسالي ثقافة وفكراً، وعقيدة وشريعة، وأمة وأرضاً، وعملوا سوياً على إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين، فالتبشير حمل أعباء الدعوة الجماهيرية من خلال المدارس ورياض الأطفال والمستشفيات ودور الضيافة والملاجئ للعجزة والمسنين والنوادي الرياضية والاجتماعية، وأن التنصير قد اتكأ كثيرا على الاستشراق في الحصول على المعلومات عن المجتمعات المستهدفة، لا سيما الاسلامية، وخاصة عندما اكتسب مفهوم التنصير معنى أوسع من مجرد الإدخال في النصرانية إلى تشويه الإسلام والتشكيك في الكتاب والسنة والسيرة وغيرها. وحمل الاستشراق عبء الأعمال في ميدان المعرفة والعلم، فاستخدم التأليف والكتابة وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات، وإصدار الموسوعات والمجلات، وأما الاستعمار فقد أعان كليهما مادياً ومعنوياً، ليقوم كل منهما بمهامه وهو آمن على نفسه وعلى إنجاح خطته، واستطاعوا جميعاً إيجاد أجيال متعاقبة من المسلمين لا تفقه الإسلام ولا تحفظ من القرآن الكريم إلا آيات معدودة، أجيال تتنكر لدينها وهويتها العربية الاصيلة، وتعمل ضد مصالح المسلمين، أجيال تسخِّر نشاطها وأقلامها وأموالها في النيل من العروبة و الإسلام وعلومه وآدابه وحضارته. ولم تبخل الحكومات، ولا الهيئات ولا الشركات ولا المؤسسات ولا الكنائس في يوم من الأيام في دعم حركة الاستشراق ومدّها بما تحتاجه من مال، وتأييد وإفساح الطريق أمامها في الجامعات حتى بلغ عدد هؤلاء المستشرقين آلافاً كثيرة. ولقد كانت حركة الاستشراق مُسخَّرة في خدمة الاستعمار، وفي خدمة التنصير.

      وأن الاستشراق قد استشرى ونال رعاية الكنيسة ومباركتها عندما ثبت فشل الحروب العسكرية من خلال انحسار المد الغربي الصليبي بعد جهود قرنين من الزمان ، فاتجهت الكنيسة الغربية إلى التنصير من خلال الفكر والثقافة والعلم ، فكان التوجه إلى ما نسميه اليوم بالغزو الفكري في تحقيق ما فشل فيه سلاح الغزو الحربي الامبريالي الصليبي  هذا الغزو الذي اتخذ من الاستشراق منطلقا له ، سعى من خلاله إلى تشويه العروبة و الإسلام وبطرق شتى.

 

 






الخميس ٣ شعبــان ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الله الحيدري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة