شبكة ذي قار
عـاجـل










وداعاً حركات الإسلام السياسي الغيبية

حسن خليل غريب


مقدمة

الحل القومي لقضايا الأمة العربية يتفوق على كل الأيديولوجيات الأخرى:

منذ أن دخلت الأمة العربية في القرن العشرين وهو عصر بناء الدولة الحديثة، نص دستور حزب البعث العربي الاشتراكي على قيام الدولة القومية، على أن تكون قواعدها مبنية على توفر شرطين أساسيين هما:

الفكرة:( إن القومية حقيقة حية خالدة، والشعور القومي الواعي الذي - يربط الفرد بأمته ربطاً وثيقاً هو شعور مقدس).

الرابطة القومية: (هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية التي تكفل - تحقيق وحدة الهوية والشعور والانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية) .

وانسجاماً مع ثوابته في الفكر القومي، فقد وقف حزب البعث العربي الاشتراكي ضد أية دعوات تنطوي على تقسيم الأمة سواء أكانت قطرية أم أممية، دينية أو وضعية. ولأن المشاريع السياسية الأممية وقفت حائلاً دون توحيد الأمة العربية، لأن تفتيتها يُعتبر ممراً إلزامياً للهيمنة عليها وسرقة ثرواتها من جهة، ولأنها مشاريع لا تحوز شروط نجاح التنفيذ، فقد تم تحليلها في هذا المقال لإثبات استحالة تنفيذها.

 

مدخل في تهافت الأيديولوجيات الإمبراطورية الوضعية

في كتاب (تهافت الأصوليات الإمبراطورية)، المنشور في العام 2009، تم التوصل في محاججة أيديولوجية، واثباتات واقعية، إلى أن كل إيديولوجيا تحمل عامل التوسع الأممي السياسي والعسكري تحمل عوامل الانقراض في ذاتها. فقد أفرز تاريخ الأفكار والاستراتيجيات السياسية في العالم فلسفات متباينة بشكل شاسع بين (جمهورية أفلاطون) التي تدعو إلى قيام مجتمع عالمي تحكمه القيم الإنسانية العليا، والنظرية الشيوعية التي أسس لها كارل ماركس، والتي بشر فيها بسيادة المرحلة الشيوعية التي يصل فيها الإنسان إلى قناعة بأنه (على كل إنسان أن يعطي ما يستطيع القيام به، وعلى كل إنسان أن يأخذ ما يحتاج إليه).

وعلى صعيد المساواة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، قدم طيفاً واسعاً شديد التناقض، وتباين واضح بين أيديولوجيا الامبريالية الأميركية الأكثر انحيازا للطبقات الغنية، والتي ادعت بناء (قرن أميركي جديد) يحكم العالم، وبين تجربة الاتحاد السوفياتي الذي عمل طوال عشرات السنين من أجل بناء أنموذج سياسي يحكم العالم بأكثر الأيديولوجيات انحيازاً للطبقة العاملة.

إلا إنه، وعلى الرغم من ذلك فقد تم التوصل في الكتاب المذكور إلى نتائج أثبتت انهيار أغلب تلك الأيديولوجيات الإمبراطوريات الوضعية، لأنها بالضرورة تعمل على التوسع على حساب حق الشعوب في تقرير مصيرها، فقد بدأت مثلاً مراحل انهيارها في بنية الاتحاد السوفياتي في العام 1990م، أثر فشل احتلال افغانستان، على أيدي مشروع غورباتشوف. وفي بنية المشروع الأميركي في العام2011 على أيدي المقاومة الوطنية العراقية.

وماذا عن مشاريع حركات الإسلام السياسي؟

لقد سبق لنا البحث في أيديولوجيا حركات الإسلام السياسي: (مشروع الإخوان المسلمين)، و(مشروع ولاية الفقيه). وتم تناول الأدلة التي تثبت تهافت أيديولوجية كل منهما، وكذلك تهافت مشروعيهما.

وكما تم ذكره في الكتاب المذكور: (وداعا لمشاريع التوسع الإمبراطوري الوضعية)، نكرر القول في هذه الدراسة: (وداعا لمشاريع التوسع الإمبراطوري الدينية الغيبية).

سيتم فيما يلي استعراض العوامل والتجارب الميدانية التي مهدت لتهافت المشاريع الدينية الغيبية. تلك المشاريع التي تشهد الآن فصل نزاعها الأخير.

فلقد أريد لها أن تخدم إقامة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، القائم على مبدأ تفتيت الوطن العربي إلى دويلات طائفية. والتي لو نجح المشروع في تعميمها، فسوف تشهد المنطقة كلها حروباً طائفية لن تنتهي. وفي الوقت الذي تبدأ فيه تلك الدويلات بحروب بينية تكفيرية متواصلة، وصولا إلى الهدف الذي ستتفرغ فيه الرأسمالية العالمية والصهيونية لنهب الثروات واستعباد المجتمعات.

ومن الجدير بالتأكيد هنا إلى أن ما سمي بـ (الربيع العربي) كان قد تم استغِلال الحراك الشعبي فيه لحرفه عن أهدافه الشعبية الحقيقية، باتجاه تنفيذ مؤامرة مخطط لها عن سابق تصور وتصميم. لحظت فيها قوى الاستعمار والصهيونية دوراً بارزاً للحركات التي تدعي الإسلام السياسي، لأن عقائدها قائمة على إسقاط انظمة الدولة المدنية لمصلحة إقامة أنظمة تتخذ من الدين غطاءً لسياساتها.

ومن أبرز من يمثِّل تلك الحركات تياران، وهما: حركة الإخوان المسلمين التي يرتبط بعضها بصيغة أو أخرى خلال السنين الأخيرة بالحكومة التركية، وحركات وأحزاب الولي الفقيه والتابعة لها بقيادة النظام الإيراني الحالي.

وكان من أهم الأدوار التي قامت بها، هو أنها ركبت موجة الحراك الشعبي وقامت باستغلاله وحرفه مستغلة حاجة الجماهير الشعبية للحرية السياسية والعدالة الاجتماعية التي صادرتها أنظمة القمع والديكتاتورية والتي مهدت بمصادرتها تلك لانطلاقة حواضن الحراك الشعبية، بالنزول إلى الشوارع، وكان ذلك واضحاً في كل من تونس وليبيا وسورية، وأكثر وضوحاً في مصر.

 

تمهيد مكثف للأدوار الإقليمية في مشروع ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد:

سنولي الاهتمام فيما يلي بالعوامل التي أدت إلى بداية انهيار المشروعين الغيبيين معاً. بداية، بعد أن تفجرت الألغام في مسارات تنفيذ مشروع ما يسمى " بالشرق الأوسط الجديد"، أخذت فصول تنفيذه تواجه الفشل واحداً تلو الآخر. وهذا الواقع دفع بأميركا والصهيونية، أصحاب المخطط الرئيسيين، إلى اتخاذ خطوات تراجعية متلاحقة. ولأن مراحل التنفيذ السابقة كادت أن تودي بالصداقات الاستراتيجية مع عدد من الأنظمة الرسمية في المنطقة، شعر أصحاب المشروع أنهم لم يربحوا المعركة، ولكنهم أيضاً بدأوا يخسرون أصدقاءهم من تلك الأنظمة.

1-          الدور التركي، بدايات ومآلات:

كانت محاولة فرض استراتيجية مشروع "الشرق الأوسط الجديد" قد بدت واضحة في أربعة اقطار عربية وهي: تونس، ليبيا، مصر، وسورية. وقد بدا واضحاً دعم الحكومة التركية للأطراف المنفِّذة في تلك الساحات. وبالفعل استطاع حزب النهضة في تونس من الاستيلاء على النظام. كما استلم الإخوان المسلمون في مصر سدة الحكم. وفي ليبيا، استولت ميليشيات الإخوان المسلمين على السلطة بدءاً من بنغازي، وبعد طردهم منها، انتقلوا إلى طرابلس وثبتوا أقدامهم فيها مدعومين من دول التحالف الغربي، حيث تحتكم تلك المجاميع بأوامر الميليشيات التكفيرية. وأما في سورية، فقد وضعت تركيا كل ثقلها بتشكيلات ميليشياوية للإخوان المسلمين، مدعومة بالميليشيات التي تدفقت من الخارج.

لماذا بدأت خطوات التراجع؟ وكيف؟

ساهم الوعي والرفض الشعبي العربي في التصدي لما يسمى " بالشرق الأوسط الجديد " التقسيمي، كما لعبت بعض الأطراف الرسمية دوراً في التصدي للمشروع، فقد لعبت المملكة العربية السعودية ومصر دوراً هاماً وخاصة بعد أن توضحت الأهداف الحقيقية له خاصة بعد أن أخذت حركة الإخوان المسلمين تهدد وحدة القطرين، مصر والسعودية. إضافة إلى أقطار عربية أخرى في مرحلة (الربيع العربي)، وعملتا على مكافحتهما. وتم النجاح في إنهاء سيطرتها في مصر، ومن ثم في تونس، ولا زال التصدي لها قائماً في ليبيا.

ومن متابعة وضع التدخل التركي في هذه المرحلة، يبدو واضحاً أنه يتخبط هنا وهناك، خاصة أنه تم توريطه بعمليات استنزفت موارده واقتصاده وأصبح محاصراً من كل الجهات. وقد خسر كل أوراقه التي كان يهدف إلى استخدامها، ومن ثم خسر مشروعه الذي كان يعمل على تنفيذه بالجملة، كسلة متكاملة. وراح يفتِّش، في هذه المرحلة عن حصة صغيرة في هذه الساحة العربية أو تلك بعد أن أدرك أن مصلحته الحقيقية هي في التعاون الإيجابي مع أقطار الأمة العربية وليس في استهدافها.

 

2-         المشروع الإيراني، ينتقل من عصره الذهبي إلى حالة من التقهقر السريع:

لا بُد من التذكير أن إدارة جورج بوش الابن عقدت تحالفاً مع نظام الولي الفقيه الإيراني قبل القيام باحتلال العراق لحيازته على حاضنة من التبعية الإيرانية ممن تمت تسميتهم "معارضة" عراقية مهاجرة إلى إيران من جهة، ولأنه يشكل حاجة لوجستية جغرافية لقربه من العراق من جهة أخرى. وبالفعل نفذ النظام المذكور موجبات بنود الاتفاقية، وقد أكد القيام بدوره كاملاً لتسهيل الاحتلال الأمريكي للعراق من خلال إقرار أكثر من مسؤول فيه بالتصريح: (لولا طهران لما استطاعت أميركا من احتلال كابول وبغداد).

لقد حصل النظام الإيراني على جوائز كثيرة لقاء تنفيذ التزامات اتفاقه مع أميركا التي يطلق عليها في تناقض صارخ (الشيطان الأكبر)، ومن أهمها جائزتين استراتيجيتين، وهما:

بعد احتلال العراق في سنة 2003:

نتيجة لإمساكه بقرار الكثيرين من رجال الدين من الطائفة الشيعية، استطاع وباستخدام الغطاء الطائفي أن يبني حاضنة شعبية بلغ تعدادها مئات الآلاف من المضلل بهم. وهذا الأمر سهل له لاحقاً الهيمنة على الموارد وكل مفاصل ما تبقى من الدولة العراقية بكل تفاصيلها.

بعد العام 2011 ، وحتى العام 2019 :

ونتيجة لاتفاق آخر بين النظام الإيراني و(شيطانه الأكبر أميركا) لزمته إدارة أوباما احتلال العراق بشكل شبه كلي، وذلك بدعوى ملء الفراغ الذي سيتركه انسحاب قوات الاحتلال الأميركي من جهة وبدعوى السيطرة على مشروعه النووي. فكانت فرصته الذهبية لتعزيز اندفاع مشروعه الاحتلالي التقسيمي لأجزاء من الوطن العربي.

وفي تلك المرحلة، جند النظام عشرات الميليشيات مستغلاً ارتفاع معدلات البطالة في العراق بشكل غير مسبوق، وغياب فرص العمل والعيش الكريم في ظل العملية السياسية الاحتلالية البائسة. فوجد الآلاف من منتسبي تلك المليشيات مصدر رزق لهم فيها. وبهم وبقوتهم الضاربة استولى رؤساء الميليشيات على كل مفاصل السلطة السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية. وتتالت فصول النهب والفساد، وانهالت مزاريب الذهب، لبناً وعسلاً على النظام الإيراني ورؤساء الميليشيات التي حولت موارد العراق الضخمة والعملية السياسية برمتها إلى أداة بيد الولي الفقيه الحاكم في طهران.

وقد شكلت تلك المرحلة، الفرصة الذهبية للنظام الإيراني ولم يتأخر في قطاف حصادها، بل أخذ يضفي عليها طابعاً دينياً معزياً سببها زوراً وبهتاناً إلى (نُصرة إلهية). فراح يعزِّز قوته في سورية، ويزيد من إمكانياته في لبنان، وامعاناً في اشاعة الطائفية التقسيمية للوطن العربي أصبح يُطلق عليها (الهلال الشيعي) الذي يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت.

ومن أجل تحقيق هدف دولة الكيان الصهيوني في تفتيت الأقطار العربية القريبة منها، وخاصة ذات الكثافة السكانية من جهة، ولمحاصرة أقطار الخليج العربي من جهة أخرى، استكمل النظام الإيراني العمل من أجل الاستيلاء على القسم العربي في آسيا مستهدفاً اليمن، فدخل إليها من بوابة الحوثيين. كل هذا يُضاف إلى اختراقه للصف الفلسطيني.

تلك الخطوات التي قام بتحقيقها لمشروعه خلال عشر سنوات، دفعت به إلى الاستسلام إلى أحلامه في إعادة الإمبراطورية الفارسية، وجعل عاصمتها بغداد. وهذا ما راحت تؤكده تصريحات أكبر المسؤولين المتربعين على عرش نظام (ولاية الفقيه).

وبدلاً من أن يبدأ بتعميم العدل كما جاء في زعمهم أن (الإمام المهدي المنتظر) (سيملأ الأرض عدلاً، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً)، فقد عم الظلم والجور أينما حل النظام الإيراني وارتحل. وبمراجعة للوضع في العراق المحكوم بقيادة المرشد الأعلى في إيران، مثلاً، نجد أن الظلم والجور فيه قد بلغ درجة من السوء، بما يفوق ما تمارسه كل أنواع الأنظمة الديكتاتورية في العالم، وهلم جرا.

هذا وقد شمل هذا الظلم والجور شرائح المجتمع العراقي بطوائفه وقومياته كافة وفي مقدمتهم أبناء المحافظات الجنوبية حيث كانوا وما يزالون في مقدمة من لم توفره أساليب الظلم والتعسف والحرمان، على الرغم من أن قطاعات واسعة من بينهم كانوا قد خُدعوا في البداية بأنهم سيحضون بحياة مرفهة وسعيدة تحت خيمة نظام يحكم باسمهم ويزعم أنه ما دخل العراق "إلا لكي يحرر شيعته من ظلم الأنظمة الوضعية "، وفي المقدمة منها حسب زعمه النظام الوطني السابق. رغم أن هذا النظام قد سعى وبشهادة العالم إلى تحقيق العدالة الاجتماعية لكافة أبناء الشعب دون تمييز، وبناء دولة حضارية وعصرية حققت الكثير من المنجزات الكبيرة وعلى كافة الأصعدة.

منذ العام 2019 ، حتى الآن:

بدأت أقنعة الخداع التي ارتداها نظام (ولاية الفقيه) تتكشف وتتساقط تباعاً أمام أنظار المخدوعين من أبناء شعبنا في العراق، وخاصة في محافظاته الجنوبية وفي كل قطر عربي حل فيه هذا النظام، إذ وجدوا أنفسهم عبيداً وخدماً في بلاط (الولي الفقيه) الإيراني. لا يجدون سبلاً للعيش الكريم، عندما فقدوا حقهم بالعلم والعمل والأمن والخدمات، واكتشفوا أن دورهم المرسوم لهم ينحصر في مهمة القتال نيابة عن الحرس الثوري الإيراني، وبأوامر إيرانية، ولمصالح الطبقة الحاكمة في إيران.

عندما بلغ السيل الزبى عند جماهير الشعب، انطلقت أول ثورة شبابية في بغداد، واستجاب شعبنا في جنوب العراق لأصدائها وخاصة في البصرة والناصرية والنجف وكربلاء، منذ تشرين الأول من العام 2019 . وهي لا تزال مستمرة بصيغة أو أخرى، وتتصاعد على الرغم من كل أنواع القتل التي تعرض لها الثوار الشباب والشابات، والذين سقط منهم الشهداء والشهيدات الذين فاقت أعدادهم المئات. كما وفاقت أعداد المعتقلين والمصابين عشرات الآلاف.

ولم يعد سراً أن من كان يقوم بكل تلك الجرائم في التصدي للثوار هم عشرات الميليشيات، التي هي عبارة عن صناعة إيرانية، يقوم نظام (ولاية الفقيه) باستخدامها في تعميم وسائل الظلم والجور بأبشع الطرق وحشية وانتقاماً.

وإذا كان هذا الواقع مما يستهلك عشرات التقارير والدراسات للإحاطة بتفاصيل وقائعه، فإننا نعتبر أن الثورة ستبقى مستمرة، ليس من قبيل التمني، بل لأنها أثبتت ذلك بالوقائع الملموسة.

ورغم أن الثورة محافظة على سلميتها، فإنها بالمصطلح الثوري وباكتسابها لشروط الاستمرار قد دقت المسمار الأساس في نعش وجود النظام الإيراني في العراق. وهي دلالة لا شك فيها، على أنها ستساهم في تجفيِف وسائل الدعم المالي والبشري للنظام الإيراني، كما ستجرده من البيئة الشعبية الحاضنة له على أرض العراق، وكذلك من الرابط اللوجستي الجغرافي الذي يربط طهران بدمشق وبيروت.

فإذا جفت السرقات من ثروات العراق، وإذا انقطعت وسائل التواصل مع ما يزعم نظام (ولاية الفقيه) أنه أصبح عمق ا للإمبراطورية الفارسية، فإن ذلك يعني قطع وسائل الإمداد الإيراني لهذا العمق مما يؤدي إلى أضعافه تدريجياً حتى يبلغ درجة الصفر.

العوامل التي وضعت مشروع النظام الإيراني على حافة الانهيار:

خلافاً لما قبل مرحلة تشرين الأول من العام 2019، يواجه النظام الإيراني اليوم متغيرين استراتيجيين، واللذين إذا ما استمرا سوف يهدمان مشروعه الغيبي، وهما:

الأول: موقف أنظمة الخليج العربي، التي إذا ما ضغطت على الجالسين إلى طاولة المفاوضات في فيينا والمعنيين بالملف النووي الإيراني، بالوصول إلى نتائج تستجيب لموجبات أمنها القومي العربي، خاصة إزالة أسباب اختراقه بواسطة الوجود الإيراني في العراق. فإن هذا يعني تجريده من العمق الجغرافي المجاور للخليج العربي من جهة، وتجفيف مصادر العائدات المالية الهائلة التي تتأتى من سرقة ثروات العراق، وهي الوحيدة التي تمده بأسباب بقاء مشروعه الغيبي حياً.

والثاني: انطلاقة واستمرار ثورة الشباب السلمية، خاصة في المحافظات الجنوبية من العراق، التي أشرنا إليها والتي بدأت تعمل بشكل جدي على إنهاء الحاضنة الشعبية لذلك النظام، خاصة أن تلك الحاضنة، أخذت تنهار بشكل متواصل.

وفي النتيجة دخل النظام الإيراني نفق التراجع، تحت ضغط شعبي عراقي من جهة، وضغط عربي دولي من جهة أخرى. ولن يصمد المشروع الإيراني – الغيبي طويلاً حتى نرى نهاية ستكون كارثية له حتى في داخل إيران، حيث تلعب فيه المعارضة الإيرانية في خارج إيران دوراً مؤثراً، وهي مدعومة وإن بوسائل وأهداف أخرى بتيار إصلاحي له ثقله الوازن في الداخل الإيراني.

في النتائج:

إن وقائع الأوضاع الراهنة بالنسبة للمشروعين السياسيين اللذين يستخدمان الدين والطائفية غطاءً لهما، تؤكد أن المشروعين يواجهان انسداداً تاريخياً لن تقوم لهما قائمة بعده في المستقبل القريب. وإن فشل تنفيذهما أصبحت حقيقة ثابتة على الرغم من المكابرة والغرور التي أصيبا بها.

فبعد تهافتهما الأيديولوجي وتهافت مشروعيهما التنفيذي، خلال عشر من السنوات، يمكننا القول: وداعاً للمشاريع السياسية التي تستخدم الدين غطاء لها.

ولأن العلاقات بين الدول يجب أن تقوم على القواعد المتكافئة، وخاصة بين دول الجوار الجغرافي، وبعد ارتكابهما خيانة مبدأ حسن الجوار الجغرافي من جهة، والتنكر لمبدأ التعاون بين الدول الإسلامية من جهة أخرى، يترتب على الشعوب الإيرانية والتركية وضع حد للمشروعين اللذين يتصفان بالتخلف والغيبية، وانهاء دورهما العدواني على الأمة العربية. وبالمقابل على العرب أن يبدؤوا بالعمل على تحقيق ما يلي:

1-   بناء نظام أمني إقليمي عربي، قوامه الاعتراف بترابط الأمن القومي – لكل دول الإقليم، على أن يكون قائماً على قاعدة عدم التدخل في شؤون الأمة العربية وأمنها القومي، وقاعدة حسن الجوار، واحترام حق شعوب المنطقة بتقرير مصيرها.

2-   مواجهة الأخطار المحدقة بالوطن العربي والإقليم خاصة أخطار المشاريع الاستعمارية والصهيونية.

وإذا كانت الأنظمة الرسمية القائمة حالياً تتعرض إلى تحديات هائلة تجعلها عاجزة عن تحقيق أية استراتيجية تعمل على إنقاذ الأمة من التحديات التي تستهدف وجودها وهويتها ومستقبل أجيالها بالصميم، فإن الجماهير العربية، بقيادة الأحزاب والقوى الوطنية والقومية، كونها هي المستهدفة بالأساس، وهي صاحبة المصلحة في تحرير الأراضي المحتلة، وصاحبة المصلحة في بناء دول عصرية حديثة، هي الوحيدة التي نراهن على أنها ستملأ الفراغ.

إن المراهنة على الجماهير العربية ليست نزعة رومانسية، بل هي نزعة واقعية، بدليل وقائع التاريخ، القديم منها والحديث. ففي المرحلة المعاصرة فقد عرفت العديد من الثورات الجماهيرية التي أخذت تحقق عدداً من المنجزات. وما استعادة ما فعلته (ثورات الشباب العربي) في السودان، ولبنان، وليبيا، وتونس، سوى أمثلة تدل على مدى تأثير تلك الثورات الجماهيرية على إحداث تغيير في الوقائع على الأرض. وتأتي الثورة الشبابية في العراق في طليعة تلك الثورات، لأن المتغيرات التي سوف تحدثها في المستقبل، ستؤدي إلى تهديم آخر الأحلام الفارسية كأخطر أنموذج لمشاريع حركات الإسلام السياسي وأكثر الأنظمة تعسفاً وظلماً وظلامية وتخلفاً وغيبية.

إن الأولوية التي تحتلها ثورة الشباب في العراق تتمثل في أنها ستغلق بوابة العراق المفتوحة أمام جحافل التخلف والغيبية التي تتضمنها مشاريع بناء الأنظمة التي تستغل الدين ورسالته السمحاء غطاء لها.

إن الدولة القومية المدنية، التي يعتبرها البعث استراتيجيته الثابتة، هي الوحيدة التي ستقطع الطريق أمام كل الأطماع التي تستهدف الأمة من خلال مشاريع الإمبراطوريات الاستعمارية مهما كان الغطاء الذي تستتر به، وضعياً كان أم غير ذلك.






الثلاثاء ١٤ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة