شبكة ذي قار
عـاجـل










أطلق مصطلح الغزو الأمريكي على العمليات العسكرية التي وقعت في العراق من ١٩ آذار إلى ٩ نيسان ٢٠٠٣ , وأدت هذه العمليات إلى احتلال العراق عسكرياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بالتحالف مع دول أخرى مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا والدنمارك وبولندا، وبعض الدول الأخرى، حسب تعريف مجلس الأمن لوضع العراق بقرارها المرقم ١٤٨٣ في ٢٠٠٣ , وانتهت هذه العمليات العسكرية باحتلال الولايات المتحدة الامريكية العراق الدولة المستقلة والعضو في هيئة الأمم المتحدة في ٩ نيسان سنة ٢٠٠٣.

بعد مرور ١٨ سنة على غزو بلاد الرافدين واحتلالها وتدميرها راح ضحية ذلك الفعل الإجرامي أكثر من مليون ونصف المليون من السكان وتهجير نحو ٥ ملايين عراقي والاختفاء القسري لنحو مليون مواطن بالإضافة إلى تدمير البيئة والزراعة والصناعة وسرقة نحو ١٧٠ ألف قطعة من الكنوز والآثار الثمينة من المتاحف ومواقع الآثار التي تبين، لاحقاً، أن معظمها تم تهريبه إلى أميركا وبريطانيا وحليفاتها أثناء الاحتلال.

لابد لنا أن نراجع بعض جوانب الحملة العسكرية الشرسة التي شنت سنة ٢٠٠٣ وتأثيراتها السلبية على السكان والبيئة في العراق لغاية اليوم.

استخدمت الولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها في العدوان على العراق قوة تدميرية هائلة وأسلحة محرمة دوليا لقصف المدن المكتظة بالسكان في العراق وليس كما ادعت في نشراتها المضللة أنها استهدفت مواقع الجيش العراقي فقط.كذلك تعمدت القوات الغازية تدمير البنى الارتكازية الأساس والخدمات الضرورية لإسناد الحياة المدنية خلافاً للاتفاقيات والأعراف الدولية كافة، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة وملاحقها التي تمنع استهداف السكان المدنيين خلال العمليات الحربية.

بلغ إجمالي القوات المسلحة الفعالة لائتلاف الغزو الأمريكي للعراق ٣٠٠ ألف و٨٨٤ عنصراً وكانوا موزعين كالآتي : الولايات المتحدة الأمريكية ٢٥٠ ألفاً ( ٨٣ بالمئة ) ، المملكة المتحدة ٤٥ ألفاً ( ١٥بالمئة ) , كوريا الجنوبية ٣ آلاف و٥٠٠ عنصر ( ١.١ بالمئة ) ، استراليا ألفا عنصر ( ٠.٦ بالمئة ) , الدانمارك , ٢٠٠ عنصر ( ٠.٠٦ بالمئة ) بولندا ١٨٤ عنصراً والبيشمركة الكردية ٧٠ ألف عنصر.كما كانت هناك مشاركات بقوات رمزية دفاعية من بعض دول الخليج العربي التي فيها قواعد أمريكية.

ابتدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملتها العسكرية ضد العراق خلال أول ثلاث أيام للغزو ( ٢٠ - ٢٣ ) اذار ٢٠٠٣، بما عرف بسلاح ( الصدمة والرعب ( shock and awe ) والتي تم خلالها قصف العاصمة بغداد والموصل وكركوك بنحو ٢٣٠٠ صاروخ وقنبلة، بنحو مكثف ومتواصل، ليلا ونهاراً.

شملت حملة القصف الوحشية هذه ٥٠٤ صواريخ كروز موجهة من حاملات الطائرات البحرية في الخليج العربي وكذلك صواريخ جو ارض من ١٧٠٠ طلعة جوية لطائرات F١٥ , F١٦ , وطائرات الشبح العملاقة Stealth وطائرات هورنيت كما استخدمت في هذه الحملة الجوية التدميرية مؤثرات صوتية بترددات عالية الشدة ينتج عنها رنين في مخ الانسان.وعدّت منظمات حقوق الانسان استخدام أسلحة ( الصدمة والرعب ) على السكان المدنيين العزل خرقاً لبنود اتفاقية جنيف التي تؤكد على تجنب استخدام الأسلحة التي تؤدي الى خسائر ومعاناة بين السكان المدنيين قرب مناطق العمليات العسكرية.

يعتقد بعضهم أن القوات الغازية استخدمت تقنيات حربية تقع في نطاق التجارب التي يجريها البنتاجون على ما يُعرف ببرنامج High Frequency Active Auroral Research Program ( HAARP ) ، الذي دخل الخدمة، مطلع سنة ٢٠٠٣.وقد انتج هذا البرنامج تصنيع ما يُسمى بالسلاح الجيوفيزيائي القادر على إحداث تغييرات في الطبقات الجوية العليا المحيطة بكوكب الأرض، بخاصة نطاق الأيونوسفير وتوجيهه ضد الأهداف المراد تدميرها.وبكلمات أخرى جربت القوات العسكرية الامريكية الأسلحة كافة التي طورتها خلال عقدين من الزمن على السكان المدنيين في العراق بما يتناقض والرسالة ( الإنسانية ) التي أعلنتها مدعية فيها ان غزو العراق جاء لإنقاذ الشعب العراقي من القمع والدكتاتورية، في حملة يكاد ان يفسر هدفها بإبادة أكبر عديد ممكن من السكان المدنيين الأبرياء.

كذلك استخدمت قوات التحالف الأمريكي اثناء الغزو أسلحة محرمة دولياً ( الفسفور الأبيض والنابالم والعنقودية والنيوترونيه وأسلحة اليورانيوم المنضب الاشعاعية التي سبق أن استخدمتها بكثافة في حرب الخليج الأولى سنة ١٩٩١ في مناطق جنوب العراق.

أدى استخدام هذه الأسلحة إلى انتشار التلوث الإشعاعي لمساحات شاسعة في مناطق غرب البصرة والناصرية والقادسية.ونتيجة لتعرض السكان لهذا التلوث تضاعفت حالات الإصابة بالإمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والعقم وغيرها في هذه المناطق منذ منتصف التسعينيات لغاية اليوم.وبالرغم من مقاطعة الكثير من الدول الاوربية وغيرها لاستخدام أسلحة اليورانيوم المنضب وتخزينها لخطورتها على السكان المدنيين اعادت اميركا وبريطانيا استخدام هذه الأسلحة اثناء غزو واحتلال العراق سنة ٢٠٠٣.

وبالرغم من انكارها استخدام هذه الأسلحة، تبين لاحقا انها قصفت المدن العراقية المكتظة بالسكان بحدود ١٨١ ألف قذيفة يورانيوم منضب ومنها بغداد والفلوجة والحلة والنجف وبعقوبة وكربلاء وسامراء وغيرها من المدن.كذلك تم استخدام أجيال جديدة مما يسمى بالأسلحة الذكية والأسلحة التقليدية.

لقد شاركت في الحملة الجوية للعمليات العسكرية لغزو العراق ألف و٨٠١ طائرة للتحالف الأمريكي، نفذت ٢٠ ألفاً و٧٥٣ طلعة جوية قتالية أطلقت خلالها ( ١٨ ألفاً و٤٦٧ قنبلة ذكية، بالإضافة إلى ٩ آلاف و٢٥١ قنبلة تقليدية وتسمى عسكريا ( غبية ).وأطلقت سفن البحرية الامريكية ( ٨٠٢ ) صاروخ كروز.كما كانت هنالك ( ١٥٣ ) رحلة بحرية أطلقت صواريخEGBU٢٧ - موجهة بنظام ( GPS ) وقنابل موجهة بالليزر مع ٤٠٨ صواريخ مضاد للرادار.وتم إسقاط ( ٩٠٨ ) من القنابل العنقودية المحرمة دوليا والموجهة على مناطق ذات كثافة سكانية عالية.ومن بين الصواريخ الأخرى التي تم إطلاقها ما يسمى صواريخ "هيلفاير" شديدة التفجير والاشتعال وعديدها ٥٦٢ فضلاً عن ( ٩١٨ ) صاروخاً نوع ( Maverick٤ ) صاروخ نوع AGM١٣٠ - ) و٣ ) صاروخ نوع AGM٨٤ - SLAM و.AGM٥٤ -

اما القنابل ( الغبية ) ففي الغالب كانت من النوع شديدة الانفجار وغير موجهة وتم استخدام المدافع على نطاق واسع أيضا إذ قصفت بحدود ٣١١ ألفاً و٥٩٧ قذيفة حجم ٣٠ ملم.

و١٦ ألفاً و٩٠١ قذيفة قياس ٢٠ ملم.بينما حلقت ناقلات القوات الجوية الأمريكية بأكثر من ٦ آلاف طلعة جوية استهلكت خلالها اكثر من ٣٧٦ مليون باوند من الوقود.وبذلك فان مجموع الصواريخ والقنابل التي فجرتها قوات التحالف الأمريكي الغازية للمدة من ٢٠ آذار لغاية ٩ نيسان ٢٠٠٣ بحدود ٣٦٠ألفاً و١٨٠ صاروخاً وهذا هو العديد المعلن فقط ولنا ان نتخيل مدى وحشية هذه العمليات الحربية وإجرامها والتي تمت كلها في مدن مكتظة بالسكان وراح ضحيتها عشرات الالاف من الضحايا الأبرياء.

لقد أدى استخدام هذه القوة المفرطة بعد ثلاثة عشر عاما من الحصار الاقتصادي الظالم الذي فرضته هذه الدول الاستعمارية نفسها إلى خسائر بشرية كبيرة وتدمير هائل في البنى الارتكازية للاقتصاد والخدمات الضرورية لإدامة حياة السكان مثل الوقود والطاقة الكهربائية ومحطات تنقية مياه الشرب ومخازن حفظ الحبوب والاتصالات والكثير من الجسور والمصانع ومحطات تكرير النفط وغيرها بما يدل على ان أهداف الغزو لم تكن شل قدرة القوات المسلحة العراقية فقط وانما احداث خسائر بشرية هائلة تصل إلى مستوى الإبادة لتفادي أي مقاومة مسلحة قد تؤدي إلى خسائر كبيرة بين افراد القوات المسلحة للتحالف الذي يقود الغزو.وصاحب العمليات العسكرية، بتخطيط متعمد، عمليات نهب وحرق وتدمير لمؤسسات الدولة والوزارات من قبل المرتزقة وعملاء الاحتلال الذين تم تدريبهم على هذه المهمات من قبل المخابرات الامريكية والبريطانية تحت مسمى مشروع ( تحرير العراق ) الذي اقره الكونغرس الأمريكي منذ سنة ١٩٩٨.

سببت العمليات العسكرية وما صاحبها من تدمير وسرقة تلوثاً كبيراً بمواد كيمياوية واشعاعية سمية وخطرة نتيجة هجوم مرتزقة الاحتلال على مخازن المواد الكيمياوية في خان ضاري والمصانع والمجمعات الصناعية المختلفة ( بما في ذلك نهب وكالة الطاقة الذرية في التويثة ) ، و٣٠٠ موقع آخر شديد التلوث حددها برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وحالما سيطرت قوات القوات الامريكية على العاصمة بغداد واعلانها انهاء الحكم الوطني في العراق , أصدرت مجموعة قرارات استعمارية منها حل الجيش العراقي والقوات الأمنية واستبعاد الكوادر الوظيفية والمهنية كافة من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يقود الدولة في العراق من العمل في مؤسساتها مما أدى الى حالة من الفوضى والتخبط أسهمت بسرقة ممتلكات الدولة والاثار من المتاحف وتدميرها.

كذلك اصدر الحاكم المدني الأمريكي ( بول بريمر ) الذي يمثل سلطة الاحتلال مائة قرار ألغى من خلالها الدستور العراقي والإجراءات وقوانين العمل بالنظام الاشتراكي للدولة العراقية كافة والغيت من الناحية العملية اجراءات تأميم النفط وإعادة استيلاء شركات النفط الامريكية والبريطانية العملاقة على الحقول النفطية بموجب ما يسمى بعقود التراخيص التي فرطت بحقوق العراق النفطية.ولابد من الإشارة هنا ان هذه الإجراءات كافة تعدّ غير شرعية ولا قانونية حيث ان اتفاقيات جنيف الرابعة وتعديلاتها تنص على عدم أحقية سلطة الاحتلال تغيير الأنظمة والقوانين وثقافة وعقائد البلد الذي تحتله وبذلك فان هذه الإجراءات كافة تعدّ باطلة وغير مشروعة.

ان الحملة العسكرية لغزو العراق كانت مخالفة للبند الرابع من المادة الثانية للقوانين الدولية و التي تنص على انه "لا يحق لدولة عضو في الأمم المتحدة من تهديد او استعمال القوة ضد دولة ذات سيادة لأغراض غير اغراض الدفاع عن النفس ومن الجدير بالذكر ان السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان صرح بعد احتلال بغداد ان الغزو كان منافيا لدستور الأمم المتحدة وكان هذا مطابقا لرأي السكرتير السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي وفي ٢٨ ابريل ٢٠٠٥ اصدر وزير العدل البريطاني مذكرة نصت على ان اي حملة عسكرية هدفها تغيير نظام سياسي هو عمل غير مشروع.

وكما كان متوقعاً فحال اعلان بوش انتهاء العمليات العسكرية بدأت مقاومة شعبية مسلحة كبيرة ضد الاحتلال وقواته بلغت ذروتها في عامي ٢٠٠٤ و٢٠٠٥ حيث كانت قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني تواجه بحدود ٣ - ٤ آلاف عملية مقاومة مسلحة شهرياً، حسب تقارير مؤسسة بركونك الامريكية.

وكرد فعل على هذه المقاومة فرضت سلطة الاحتلال حصاراً وهجمات على مدن عراقية مناهضة للاحتلال في وسط العراق وشماله، منها ( الموصل، تلعفر، الفلوجة، بلد، الأنبار، حديثة، القائم، راوة، بغداد، كربلاء، العبيدي، ديالى، سامراء، تكريت، بيجي، حصيبه، المدائن، كبيسة، إلخ.) وتم فرض الحصار على هذه المدن قبل الهجوم عليها بالأسلحة الثقيلة من خلال حرمانها من الطاقة الكهربائية والمياه النظيفة والأدوية والرعاية الصحية للسكان المدنيين.وهذا بحد ذاته خرق لبنود اتفاقية جنيف كونها تمثل عقوبة جماعية للمدنيين الأبرياء.

ارتكبت قوات التحالف الغازية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا تعد ولا تحصى في ظل سكوت منظمات الأمم المتحدة والحكومات الغربية كافة التي أسهمت في غزو العراق واحتلاله.

واليوم وبعد ١٨ سنة من بدء العمليات العسكرية لاحتلال العراق الذي تم تسويغه على أسس ثبت كذبها إذ كان الهدف الأساس من هذه الجريمة السيطرة على نفط البلاد وثرواتها وتدمير قدرات العراق كافة في أعتى عملية قرصنة في التأريخ الحديث.







السبت ٢٠ شعبــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. سعاد ناجي العزاوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة