شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يخفى على الجميع أن وسائل الاتصال الحديثة شبكة ( الانترنت ) وتقنياتها لها أهمية فائقة وتتميز بسرعة التخاطب والاتصال بين الأشخاص والمؤسسات العامة، ولها حرية الحركة إذ أصبحت جزء من حياة الكثيرين وحتى الحكومات وأجهزتها في تبادل المعلومات، إذ أصبح العالم قرية صغيرة ولا يمكن الاستغناء عن هذه الوسيلة أو تركها أو التخلي عنها كونها تقدم خدمة إنسانية للجميع، ومن الحق استخدامها لعدم تعارضها مع مبادئ حرية التعبير والفكر وحقوق الإنسان.

إن الاطلاع على قانون جرائم المعلوماتية العراقي الذي عرض على مجلس النواب يتصور إنه يقف أمام شبح مخيف يطارد الصحفيين والإعلاميين والمثقفين وأصحاب الرأي الحر الذين يعبرون عن مآسي وواقع الشعب العراقي المحكوم بعصابة امتهنت السرقة والإجرام، في الوقت الذي تعمل الشعوب وسلطاتها على توفير فرص للإعلام ليكون الإنسان والمجتمع متعلماً مثقفاً لمعرفة ما يحيط به من أحداث ومتغيرات اجتماعية وسياسية في البلد، ومن الحق حماية الإعلام وإتاحة الحرية له للتعبير عن الأفكار والآراء كمساهمة لتحصين المجتمع من سلوكيات منحرفة وبنائه على أسس إنسانية قانونية توعوية سليمة وصحيحة وخلق وعي عام من خلال نشر ثقافات تنويرية لأنه أحد مظاهر المجتمع الأساسي في العصر الحديث ومصدراً مهماً للمعلومات.

وعلى هذا الأساس ورد في الميثاق العربي لحقوق الإنسان للقمة السادسة عشر المادة ٣٢ ( حق الإعلام وحرية الرأي والتعبير والحق في استيفاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها ).

وجاء في المادة ( ٩٦ ) من القانون المصري لعام ١٩٥٦م ( إن حقوق الإعلاميين والصحفيين في الحصول على المعلومات وحق نشرها بحرية والارتقاء بالمعرفة، ويحظر فرض قيود تعوق تدفق المعلومات ).

لذا فالإعلام هو التعريف بقضايا العصر ومشاكله ومعالجة هذه القضايا داخلياً أو خارجياً.كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام ١٩٦١م المادة ( ١٩ ) ( لكل شخص الحق في حرية الرأي والرأي الآخر والتعبير عنه ).

فالإعلام يدخل في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، أما قانون شبكة الإعلام العراقي في ٢٨ / أيار / ٢٠١٥ ورد فيه ( إن حرية العمل الإعلامي أو صناعة البرامج واستقلاله والعمل على تطويره ) فالحرية هي حق كما ورد في المادة ( ٣٨ ) من الدستور العراقي.

وعليه لا حرية بدون حق ولا حق بدون حرية .. إلا أن مشروع قانون الجرائم المعلوماتية العراقي يهدف إلى إشاعة الخوف في المجتمع وكبته بطريقة بوليسية، يراد منه قمع الحرية وحرية الرأي والأصوات الوطنية المعارضة التي تنادي بالإصلاح السياسي والاجتماعي، لذا فالقانون يشكل تهديداً واضحاً لحرية التعبير من خلال نصوصه ومواده، إذ لا وجود لأي غاية من تشريعه غير الغايات السياسية في محاولة إقرار هذا القانون لوجود عجز واضح للنهوض بواقع حالة الشعب العراقي المكبل بالمشكلات، وهذا القانون قد أثار جدلاً كبيراً بين الناشطين والمشرعين والحقوقيين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية بالرفض لأنه يقمع المجتمع ولا يلبي حاجاته إضافة إلى احتوائه على تعاريف ومصطلحات فضفاضة لضبابية لغتها التي تقع في اشكالية النص والتطبيق القضائي لمخالفتها الأعراف الدستورية والإنسانية والشرعية القانونية من خلال عقوبات غاشمة تنتهك الحق والحرية والرأي التي يجب أن يتمتع بها الفرد والمجتمع، وكما ورد في المادة ( ٨ ) من قانون الجرائم المعلوماتية تكون العقوبة بالسجن لمدة لا تقل عن سبعة سنوات ولا تزيد عن عشرة سنوات وغرامات مالية كبيرة وتصل العقوبة في المادة ( ٣ و٦ ) إلى السجن المؤبد.

مع أن منظمة الأمم المتحدة أكدت في قرارها ٥٩ / ١ ( الالتزام بالحرية الإعلامية كونها حق أساسي لأن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن مجتمعه ) ، كما أكد مجلس الأمن بقراره ١٣٧٨ على ( سلامة الصحفيين والإعلاميين ووسائل الإعلام وألا يجوز أن تكون هدفاً لأعمال انتقامية ).

وأصدرت منظمة اليونيسكو في مؤتمرها القرار المرقم ١٠٤ في دورتها ٢٥ ( تعزيز حرية تداول الأفكار عن طريق الكلمة والصورة على الصعيدين الدولي والوطني وعدم حجبها لأي سبب ) وأن تكون الصحافة حرة مستقلة متعددة وعنصراً أساسياً لكل مجتمع ديمقراطي وإزاء هذه القرارات الدولية الواضحة نرى أن تشريع قانون الجرائم المعلوماتية يخالف صراحة حقوق الإنسان في التعبير عن حريته وبوسائله الخاصة، والأمر يتطلب موقفاً وطنياً موحداً لرفض قانون الجريمة المعلوماتية لمضمونه السيء في صياغته وأهدافه التي تخدم غايات سياسية سلطوية تجير للفاسدين بقاءهم في السلطة وعدم فضح فسادهم، فالضرورة تقتضي العمل على سحب البساط من تحت من يتبنى أو يروج لهذا القانون عبر كل الوسائل شعبياً وسياسياً وإعلامياً وقانونياً، فالشعوب الحرة لا تقبل المساومة على حريتها وحياتها ومصالحها الحيوية.





الاحد ٢٠ ربيع الثاني ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور عامر الدليمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة