شبكة ذي قار
عـاجـل










مثلما كان منتظرا، وكما أشرنا إلى ذلك، وفور الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر واشنطن في 13-03-2019 بعد مؤتمر ميشيغين في 05-01-2019، حيث تسعى نخبة من أبناء العراق البررة لمخاطبة الرأي العام الأمريكي والدولي وعرض قضيّة العراق ومأساته المفتوحة منذ 16 سنة، تعالت الأصوات المستنكرة والمتهجمة على المؤتمر وعلى المشرفين عليه، وتهاطلت سيول الانتقادات وارتفعت موجات التشكيك والتخوين، وتفننت جهات معلومة مكشوفة في التشويش على المؤتمر وعلى أعضائه والإساءة إليهم وشيطنتهم وتشويههم.

وإن كان مفهوما أن تنحو الحكومة العميلة الفاسدة المنتصبة فيما يسمى بالمنطقة الخضراء وإيران وأذرعها وميليشياتها وبيادقها وتوابعها المعلومة والمتسترة هذا المنحى، فإن الغريب والصادم أن تصدر مواقف وقراءات تكاد تتطابق تماما مع الرواية الفارسية والحكومية الجاسوسية العراقية إزاء المؤتمر ممن يفترض بهم أن يكونوا عونا وسندا له أو في أقل الحالات أن يلتزموا الصمت أو يبسطوا آراءهم ويعرضوا نقدهم بعيدا عن العلنية والحدية بحيث يقدمون خدمة مجانية غالية لأعداء العراق والأمة وسيما العدو الفارسي الإيراني، سواء بوعي أو بدون وعي.

إننا لن نأتي بجديد إذا ما ذكرنا بما انتهى إليه الوضع في العراق، وما يلفه من قتامة وسوداوية وفظاعة غير مسبوقة في التاريخ البشري كله، ولن ندعي العبقرية ولا السبق إذا قلنا إنه وبترو وبهدوء، سنعلن واثقين مطمئنين غير مغالين ولا متوهمين أن ما ارتكبته إيران وميليشياتها الإرهابية والطائفية من جرائم وحشية هزت العراق أرضا وشعبا وتاريخا وحضارات ومقدرات وثروات هزا عنيفا، يفوق عشرات المرات الجرائم التي ارتكبها الغزاة وحلفهم الشيطاني الآثم، بل إن تلك الجرائم ساهمت إيران في إنجازها تشفيا وغيلة وحقدا بما يتلاءم مع عقيدتها العنصرية الشعوبية وبما يرضي أحقادها وثاراتها تجاه العرب والعراق خاصة.

وعليه فإنه لا نكاد نعثر على مبرر واحد للتسليم بجدوى التصريح بمثل هذه المواقف الصادمة خاصة من بعض أصدقائنا وحتى رفاقنا للأسف الشديد.

أيعقل أن يتناسى هؤلاء تلك الوحشية الإيرانية التي مزقت أرض العراق وشعبه ومقدراته؟ وهل يستوي أن يتجاهلوا التنسيق العالي والدور القذر الذي لعبته إيران في تسهيل العدوان الكوني على العراق؟ وهل من العدل والإنصاف في شيء استكثار فعل وجهد عراقي خالص كل هدفه محاولة إحداث ثقبا في جدار التجاهل العالمي لمأساة العراق وما حل به من دمار وتخريب؟

أليس نقل وجع العراق، ومظالم أهله، لمن تسبب فيها، ومواجهته بالحقائق وتذكيره بالمسؤولية القانونية والسياسية والعسكرية وحتى الإنسانية الأخلاقية وبما يتوجب عليه بناء عليها، هو عمل نضالي وجهد ديبلوماسي وفعل شعبي حميد ومطلوب؟ فأيهما الأحرى يا ترى: دعمه أم رفضه وتشويهه وشيطنته؟

ألا يعلم هؤلاء أن ما بنوا عليه تحاليلهم – وإن كانت ذات وجاهة ظاهرية على الأقل – إنما هو محض اندفاع وقفز على أبجديات العمل السياسي وحتى الثوري الكفاحي؟

أيعقل أن يتهم هؤلاء المؤتمر والمشرفين عليه ومؤثثيه بأنهم واهمون في اللهث وراء صحوة أمريكية وإنصاف أمريكي؟

أيصدق هؤلاء أنفسهم أن المؤتمر يجهل أصحابه ومسؤولوه كل ما كان من أمريكا، وأنهم لا يعلمون ما ارتكبته الإدارات الأمريكية المجرمة من مجازر واعتداءات سافرة على العراق؟ ألا يتحسسون أنهم قسوا كثيرا لا على المؤتمر شخوصا وأفكارا وتطلعات فحسب، بل وعلى العراق الكسير وشعبه الجريح المكلوم، لحد لم يبقوا للتفاعل مع طرحهم أي سبيل؟

ثم، أتراهم حقا لا يعلمون أن الاحتلال الأمريكي للعراق زائل لا محالة، وأن هكذا حدثنا التاريخ؟ أم تراهم لا يتبينون الفارق الواسع والبون الشاسع بين طبيعة الاحتلال الأمريكي والاحتلال الإيراني الفارسي؟ أتراهم فعلا لا يدركون أن خطر الفرس أكبر وأبشع؟ أليست إيران جارا تتقاسم مع العراق حدودا مترامية ممتدة على مئات الكيلومترات؟ أنسوا عبر التاريخ وما يحدث به من تآمر ثابت وحقد أزلي فارسي على كل ما هو عربي وخاصة على العراق؟

طيب.. آمنا بالله..
ولنفترض جدلا أن نقدهم وانتقادهم للمؤتمر ومناصبته العداء مشروع ووجيه وسليم..
ثم ماذا بعد؟ أدورهم فقط النقد والانتقاد والتثبيط وخلق مناخات التشكيك وأجواء اليأس والقنوط؟

فإذا كان فشل المؤتمر حقيقة ثابتة لديهم وفق فراستهم ونباهتهم وفطنتهم ودهائهم وتجربتهم وحدسهم، وإذا كان الفشل مسلما به قبل انعقاد المؤتمر..

فأين بديل هؤلاء؟ وأين مقترحاتهم العملية المتوافقة مع خصالهم وواسع معرفتهم، وأين فعلهم لتخليص العراق من الاحتلالين المزدوجين؟
أين عبقريتهم طوال هذه السنوات الثقيلة الطويلة؟ لماذا لم يبادروا بما من شأنه إحداث التغيير الجذري المطلوب؟ ولماذا التأخر والتلكؤ والتسويف والقعود إذن؟
إن تحبير المقالات وخط النشريات والتدوينات والتصريحات الكلامية، كلها أمور يسيرة متاحة للجميع، ولكن الفعل والأثر والمردودية مسائل مختلفة تماما عن الأماني، والتكهن، والاعتصام بنقاوة ومبدئية لا تغادر النظريات فقط.

إن المؤتمر لم يدعي مطلقا أنه بمجرد انطلاق فعالياته سيتم الضغط بعدها على أزرار سحرية فتعيد العراق لسالف عهده، وسيحيي الموتى، ويبرئ ويشفي المرضى ويحرر الأسرى ويضخ التعويضات المادية والنفسية للعراق وشعبه عما تعرضا له. لكنه كان واضحا جدا في رهاناته وغاياته، وكانت أبسط بكثير مما ذهب إليه من حكموا على المؤتمر بفشله المسبق، ونصبوا المحاكم لمعاقبة النخب العراقية المشاركة، فالمؤتمر لا يزيد عن كونه منصة يروم أصحابها مخاطبة المجتمع الأمريكي ومن خلاله الرأي العام الدولي بمعانة العراق، وبضرورة تحمل أمريكا ذاتها مسؤولية إصلاح ما أفسدته هي نفسها.

أليست أمريكا من سمحت لإيران بالتنفذ في العراق والسيطرة عليه؟
وهل يمكن لإيران أن تتقدم شبرا واحدا في العمق العراقي لو صدتها أمريكا بمجرد إشعار صحفي يتيم؟

أيعقل أن يسمح البعض لأنفسهم بإطلاق العنان لأقلامهم وألسنتهم لمحاصرة إحدى المحطات الفارقة التي يعمل فيها أبناء العراق المخلصون على كسر التعتيم على ما يجري في العراق؟
إننا، لا نملك إلا أن نعرض هذه الأسئلة الحارقة على من يهمهم الأمر من أصدقائنا ورفاقنا الذين لا نشك للحظة في غيرتهم على العراق وانتخائهم له، عساهم يعدلوا أوتار معزوفاتهم النشاز.

كما لا نملك إلا أن نحيي العقول والسواعد العراقية التي فكرت وخططت وأشرفت والتي ستنفذ هذا المؤتمر الذي ستتبعه مؤتمرات وسيقفى بحراك شعبي هادر لن يتوقف عند عتبات واشنطن على درب تغيير الأوضاع ورفع معاناة العراق وتطبيب جراحاته العميقة والغائرة.





الجمعة ٢ رجــب ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أذار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة