شبكة ذي قار
عـاجـل










قد لا يحتاج التّدليل على التّحالف الاستراتيجيّ الوثيق والتّماهي البعيد والكبير الموغل في القدم بين المشروع الصّهيونيّ والمشروع الفارسيّ الصّفويّ الخمينيّ لكثير من الجهد والعناء فتلك مسألة لا يخطئها ذو بصر وبصيرة كما تتحدّث الشّواهد المتعدّدة والقرائن التّاريخيّة المتنوّعة بطلاقة عن هذه الحقيقة رغم حرص الطّرفين الصّهيوني والفارسيّ الصّفويّ واجتهادهما في إخفائها ناهيك عن محاولات إنكار كلّ المرتبطين بهذين المشروعين من شرذمة ضالّة مضلّة من العرب اختارت التّنكّر لأمّتها وعملت دوما بالضدّ من مصالحها وتخندقت مع أعدائها وأعاقت إمّا حسم الصّراع معهم أو رجّحت كفّتهم وقلّلت من فرص النّجاح في التّقليل من أخطار ما يحاك للعرب من مؤامرات ودسائس.

وتأبى الحقائق الفاضحة لمدى التّطابق بين المشروعين الصّهيونيّ والفارسيّ الصّفويّ الخمينيّ إلاّ مزيدا من التّكشّف يوما بعد آخر، وتبلغ أحيانا مراتب تنعدم فيها أيّ فرصة لمزيد من الخداع والمناورة والتّحذلق بادّعاء العداء بين الصّهاينة والفرس وتسقط علكة الممانعة وتقبر الشّعارات الفضفاضة التي يتظاهر الفرس ونغولهم وبيادقهم خصوصا بالمداومة على إطلاقها من قبيل " الشّيطان الأكبر" و" الموت ( لإسرائيل ) "، ولعلّ آخر الفضائح المدوّية التي تشكّل بدون أدنى شكّ ما رفع النّقاب عنه هذه الأيّام حول وثيقة السّفر الإيرانيّة التي كانت بمعيّة بطاقة عضو الليكود في الكنيست الصّهيونيّ بإدارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث جاء في حديث لأحد الإعلاميّين الصّهاينة من الاذاعة االصّهيونيّة ما يلي :

( اليوم التقينا بأحد أصدقائنا المواطنين " الإسرائيليّين " من ذوي الأصول الإيرانيّة، ولاحظنا أنّه قد وضع وثيقة سفره الايرانيّة ( الجنسيّة ) بجانب بطاقة العضوية في أحد أكبر الأحزاب الصّهيونيّة الليكود برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. فقد كان الأمر ملفتا جدّا في ظلّ الأوضاع التي من المفروض أن يكون هنالك تضادّ بين الدّولتين !!! ).

إنّ نقل هذه الحادثة من هذا الإعلاميّ الصّهيونيّ و تعليقه بشأنها واستغرابه من حيثيّات الحادثة تلك وخاصّة سماح حزب اللّيكود الصّهيونيّ بزعامة رئيس الوزراء نتانياهو وهو أحد اكبر الأحزاب الصّهيونيّة تطرّفا وعنصريّة، إنّما هو دليل مضاف لعرى التّعاون الوثيق بين النّظام الشّعوبيّ المجرم في إيران والكيان الصّهيونيّ الغاصب، وهو ما ينسف نسفا لا مجال لإنكاره التّصريحات الإعلاميّة والتّرويجات الاستهلاكيّة حول العداء المزعوم بين الصّهاينة والفرس.

فلا نخال مثلا أنّ حزب اللّيكود بما يعرف عنه من صرامة وتشدّد وتصلّب لا يعلم مثل هذه الحادثة، بل إنّه سيكون من العبث والحمق بمكان أن يذهب ببال الواحد أنّ هذه الحادثة التي نقلها الإعلاميّ الصّهيونيّ هي حالة يتيمة وشاذّة في اللّيكود بل وفي غيره من الأحزاب الصّهيونيّة الأخرى، وهو الأمر الذي يوضّح بمنتهى الجلاء التّنسيق السّرّي بين الجانبين والتقائهما المدروس والثّابت على تذبيح العرب وإلحاق شتّى الشّرور والمصائب بهم مع الالتزام المتناهي بالتّظاهر بالتّنافر والتّضادّ والتّصارع لحدّ التّلويح المتبادل من الطّرفين بالسّعي الدّؤوب لإنهاء أحدهما للآخر وذلك بنيّة التّمويه والخداع وشقّ الصّفّ العربيّ لا على المستوى الرّسميّ فقط بل وحتىّ الشّعبيّ وخصوصا على مستوى النّخب والقوى الحيّة في الأمّة التي زاغ كثير منها بفعل هذا التّراشق بالتّهم واستمرار الحرب الكلاميّة المتناقلة عبر وسائل الإعلام سواء الصّهيونيّة او الفارسيّة، فانقسم أغلبها بين داعم صريح لإيران بتعلّة أنّها الواجهة الأبرز في صدّ أطماع الكيان الصّهيونيّ الغاصب ما انجرّ عنه إنكار ولا مبالاة بشتّى جرائمها السّادّية والعنصريّة ضدّ العرب في كلّ من الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة واليمن ولبنان ومنطقة الخليج العربيّ وما أبعد من ذلك لتشمل المغرب العربيّ ومصر والسّودان وحتّى الصّومال، وبين مروّج مهزوم لإمكانيّة الاستعانة بالصّهاينة للجم الأطماع الفارسيّة في المنطقة.

إلاّ أنّه وفي ظلّ هذه الانقسامات الحادّة التي تعصف بالصّفّ العربيّ، تتمسّك القوى الحيّة الحقيقّة للأمّة بالبوصلة السّليمة والمتينة والتي لا تتحرّك إلاّ وفق المصلحة القوميّة العربيّة الاستراتيجيّة العليا بما لديها من قدرة عظيمة على تشخيص الواقع العربيّ والدّوليّ وقراءته القراءة السّليمة والوجيهة بعيدا عن الانخداع بصراع مغلوط بين القوى الإقليميّة وعلى رأسها الكيانين المجرمين المعاديين تاريخا وواقعا وفعلا للعرب والمتحالفين على إنزال كلّ المصائب بهم من تقتيل واستنزاف ونهب للخيرات والمقدّرات وخاصّة ضرب العقل العربيّ وتغييبه.

وإنّه ما من مبالغة إذا ادّعينا وزعمنا أنّ هذه النّخبة الحيّة الحقيقيّة المتمترسة دفاعا ومنافحة عن العروبة يتقدّمها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وحلفاؤه في الجبهة الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة، أكّدت كلّ التّطوّرات مدى صحّة خياراتها وتوجّهاتها ونضالاتها، فمتى يدرك العرب رسميّين ونخبا وجماهير هذه الحقيقة فيلتحقون بها وينخرطون في مشروعها لئلاّ يندموا يوم لا ينفع النّدم؟

أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في  ٢٩ / ٦ / ٢٠١٧





الثلاثاء ١٠ شــوال ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / تمــوز / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة