شبكة ذي قار
عـاجـل










تحدثنا في الجزء السابق عن الأسباب الخارجية التي ساهمت في مؤامرة انفصال الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 ، والتي لازالت تعمل بكل قوة الآن من اجل زرع الفرقة والفتنة والتناحر ، ليس بين الأنظمة العربية فحسب وإنما تعدوها إلى شعوب الأقطار العربية عند احتلال العراق في العام 2003 ، وما تبعه في أقطار الأمة الأخرى بما سموه بالربيع العربي ، واشتعال فتيل الحرب الطائفية التي قد تؤدي إلى تقسيم بعض الأقطار إلى دويلات ضعيفة ترتبط بجهات خارجية لأنها لا تقوى على البقاء ، أي أنهم لا يريدون لقاءا للعرب في وحدة جامعة تعود بصورة الوحدة بين مصر وسوريا ولأي من الأقطار الأخرى ، وهنا مطلوب منا أن نسلط الضوء على موقف الدول الكبرى من الوحدة العربية ، لأنها لها ادوار في عرقلة قيام أية خطوة على طريق الوحدة وتعمل على إجهاضها ،

وعندما نريد أن نبين موقف تلك الدول من الوحدة فعلينا أن نتعرف أولا على أهمية الوطن العربي بالنسبة إليها ، فأمريكا والغرب لا يستطيعون إيصال إمداداتهم العسكرية إلى حلفائهم الأسيويين إلا عبر الوطن العربي ، كما يشكل المحيط الهندي أهمية كبرى لهم ويتحكم بهذا المحيط مضيق هرمز والبحر الأحمر وبحر العرب ، كما أن للسواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط اثر فعال في توجيه أي حركة مقبلة أو مواجهة عسكرية خصوصا أن تركيا واليابان من دول الحلف الأطلسي ، كما أن دعم إسرائيل لايتم إلا من خلال موقع الوطن العربي ، باعتبارها حليفا استراتيجيا لأمريكا والغرب ، ويشكل النفط العربي أهمية كبيرة لأمريكا والغرب وتحتوي منطقة الخليج على 55 بالمائة من الاحتياطي النفطي العالمي ، وتتطلع أمريكا ودول الغرب أيضا إلى إبقاء مضايق البسفور والدردنيل وجبل طارق وقناة السويس تحت سيطرة دول صديقة وحليفة ، ولهذا تقوم بعقد الاتفاقيات لتامين مصالحها وفي حالة قيام الدولة العربية الفيدرالية ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام قطب سادس ، قد يقوض مصالحها وذلك للموقع الجغرافي والقدرات الاقتصادية الثرية وإمكانات التأثير في العالم الثالث وإفريقيا ، لكن إسرائيل في هذه الحالة لا تترك مجرى الأمور كما هو ،

فهي لن تقبل بقيام دولة عربية فدرالية أكثر عددا وإمكانيات اقتصادية وعسكرية منها ، وان هذه الدولة الفدرالية لها إمكانية الحصول على الرادع النووي لخلق توازن مع إسرائيل ، وعندها ستضطر الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ سياسة الليونة مع القطب العربي ، إذا ما فشلت في إجهاض أية خطوة على طريق الوحدة وتأليب دول الجوار الجغرافي لاستنزاف الجسم العربي الجديد ، وهكذا الحال للدول الأوروبية الكبرى الأخرى ، وعلينا أن نعي حقيقة وهي أن التنسيق الاستعماري الصهيوني ومنذ منتصف القرن التاسع عشر كان قد بدأ نشاطه لمنع قيام الوحدة العربية ، ونذكر في هذا المجال الوثيقة البريطانية الصادرة عام 1907 باسم رئيس الوزراء البريطاني ، ودعت تلك الوثيقة إلى العمل من اجل إبقاء المنطقة العربية مجزأة ومتأخرة ، كما دعت إلى محاربة اتحاد الجماهير العربية أو ارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي ، وذلك من خلال خلق دولة دخيلة لليهود في المنطقة العربية ( إسرائيل ) وهذا ما حصل ، وهذه الوثيقة صدرت قبل صدور اتفاقات سايكس بيكو .

أما الاتحاد الروسي فموقفه من الوحدة العربية الفيدرالية لا يمكن رسمه إلا من خلال مصلحة روسيا في هذه الوحدة ، فعندما كان الاتحاد السوفييتي سابقا كان ينظر للوحدة من خلال أساسها الإيديولوجي ، فإذا ما أقامت على أساس إسلامي فسيكون الموقف ذا طابعا سلبيا ، أما إذ كان الأساس الإيديولوجي علمانيا فسيجد الاتحاد السوفييتي فيها صديقا ويحرص على تمتين روابط التعاون مع الدولة العربية ، والسوفييت كانوا يعرفون إن استمرار النزاع العربي الإسرائيلي يعني استمرار حاجة العرب إليهم في جميع المجالات ، يقول ستالين ( إننا ضد الطابع الرجعي للوحدة الإسلامية والسوفييت لا يريدون الدين ، أي دين محورا أساسيا للدولة ) ومع هذا فقد وقف الاتحاد السوفييتي موقفا متحفظا من إعلان الرئيس جمال عبد الناصر عن الوحدة بين مصر وسوريا ، وأشار خروشوف إلى أن الوحدة العربية تقدم إيديولوجيا ونموذجا خاصا بها ، لا تفسح مكانا للإيديولوجية الشيوعية ، لكنهم اضطروا في النهاية إلى الاعتراف بالجمهورية العربية المتحدة ، أملا للعمل على تحطيم المواقع التقليدية المساندة للمعسكر الغربي أيام الحرب الباردة ، أما الآن فالأساس الإيديولوجي للروس هو غير الشيوعية ، ويكشف تتبع السياسة الروسية في المنطقة على مدي العقد الماضي عن تغير ملحوظ ليس فقط مقارنة بما كانت عليه خلال فترة الاتحاد السوفيتي السابق، وإنما مقارنة أيضا بحقبة التسعينيات في ظل قيادة الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين ، فقد عادت روسيا لتلعب دورا فاعلا ،

وتتخذ مواقف واضحة في العديد من القضايا الدولية والإقليمية ، ولكن ما إن استطاعت روسيا ترتيب أوضاعها في المنطقة بجهد كبير وزيارات متتالية ومكثفة قامت بها القيادة الروسية على مدى السنوات الماضية ، حتى هبت رياح التغيير لتعصف بكل الأوراق وتطرح ضرورة إعادة ترتيبها من جديد ، فثورات ما يسمى بالربيع العربي التي بدأت بتونس في ديسمبر 2010 ، ولا تزال تتطور في العديد من الدول العربية ، توفر فرصا وتفرض تحديات علي روسيا. ولاشك في أن هذه التطورات سوف تؤدي إلى بروز متغيرات إقليمية جديدة تماما. وبنهاية مرحلة التحول سوف يعاد تعريف الحلفاء وكذلك الخصوم أو المنافسين ، الأمر الذي سيؤثر حتما في السياسة الروسية وتحالفاتها. فالمنطقة بأكملها سيعاد رسم خريطة القوى والتحالفات بها ، وذلك بالنظر إلى التغير السريع والجذري الذي تمر به ، والذي سيغير دون شك من حسابات روسيا ومعطيات اتخاذ قرارها الخارجي . ويعد هذا التغير في حد ذاته تحديا مهما يواجه السياسة الروسية.

ويستند عزم روسيا إلى دفع علاقاتها قدما بالعالم العربي إلى رؤيتها له باعتباره جارا مهما ترتبط معه بعلاقات صداقة تقليدية واحترام متبادل، ووجود خلفية تاريخية راسخة من التواصل الحضاري والتعاون الاستراتيجي علي مدي عقود طويلة. وفي هذا السياق، يمكن رصد مجموعة من المعطيات التي تلعب دورا محوريا في تحديد وتوجيه حسابات موسكو وتقديراتها ، فالبرغم من أهمية العامل السياسي والعسكري لدول المنطقة في نظر الدول الكبرى ، فروسيا لا تسعي إلى تحقيق مكاسب سياسية أو ممارسة دور أمني أو عسكري ينافس الوجود الأمريكي المكثف في المنطقة العربية ، وإنما تسعى إلى شراكة إستراتيجية بالمعنى الاقتصادي والتقني ، ذات عائد اقتصادي مباشر لروسيا، وعائد تنموي حقيقي لدول المنطقة ، وهذا بدوره يؤسس ويصب في بناء علاقات سياسية متينة ، وتنسيق وتعاون في المجال العسكري ، ويحتل التعاون والتنسيق في مجال الطاقة قمة أولويات السياسة الروسية في المنطقة العربية ، وحوله تتمحور الدبلوماسية الروسية والتقارب الروسي مع الدول العربية بغض النظر عن إيديولوجيتها ، لاسيما دول الخليج العربي ، ويلي ذلك أوجه التعاون الأخرى، سواء في المجال التقني أو الاقتصادي أو الاستراتيجي العسكري.

فقطاع الطاقة يمثل أحد المجالات الأساسية التي تتلاقي فيها المصالح العربية والروسية، وهو جوهر الشراكة العربية - الروسية في المستقبل والدعامة الأساسية لها. ويتسم موقف روسيا من القضايا العربية بالاعتدال والتوازن وتأييد الحق العربي ،في ضوء مصالحها وعليه تعقد آمال الدول العربية في مزيد من العدالة والإنصاف في مواقف المجتمع الدولي تجاه القضايا العربية المختلفة ، لاسيما القضية الفلسطينية ، كما أن روسيا أكثر ميلا واستعدادا للتعاون مع "العالم العربي" ككيان إقليمي ، وهي بذلك تختلف في موقفها عن دول كبري أخري، ترفض من حيث المبدأ مفهوم الوطن العربي ، وتسعي إلي إذابته في كيان أكبر "شرق أوسطي" أو "متوسطي"وهذا ما تريده أمريكا وحلفاؤها ، إن مشكلة الربيع اللاعربي سوف لن يتمخض عنها ميلاد أنظمة سياسية مستقلة في قرارها وسيادتها ، ما دام ذراع أمريكا في المنطقة لا زال طويلا ، ومخططاتها لا زالت فاعلة وهي في وسط هذه الأحداث ، ناهيك من أن الذين انخرطوا تحت لافتة الربيع اللاعربي هم من وجهوا وجهتم نحو أمريكا وحلفائها ،

وهذا يعني أن لا تفاؤل في وجود أنظمة عربية مدركة لمشكلاتها وتتبنى إن الوحدة هي الحل لكل أزمات العرب والمنطقة ، وان انشغال الأنظمة العربية بقضاياها القطرية وأمنها الداخلي وخلافاتها الثنائية الآن جعلها تفكر بالمحافظة على وجودها ، على اعتبار أن الخطر الداخلي يهددها أكثر من الخطر الصهيوني الخارجي ، أو من خطر آخر ، وان التقسيم يخيم على أرضها وسمائها بل وعلى تفكير الطائفيين الناشطين المدعومين من الأجنبي لتقسيم أقطار الأمة . وفي النهاية فان العوائق الخارجية للوحدة العربية بدأت مع بداية التدخل الاستعماري الغربي في الوطن العربي ، واستمرت بوجود الخطر الصهيوني في فلسطين ، لكن علينا بالمقابل أن نؤكد حقيقة وهي أن وجود مناعة حقيقية لدى العرب كيانات وقوى سياسية وشعوب ضد فايروس التدخل الأجنبي ، سيساهم بشكل جدي لقيام خطوات بناءة على طريق الوحدة ، ومن ثم قيامها وعلى الأنظمة والقوى السياسية العربية القومية والوطنية والإسلامية أن لا تلقي بأسباب عدم قيام الوحدة لعامل واحد وهو الموقف الأجنبي وتأثيراته على قيامها ، فالإرادة عندما تتوفر لها مستلزماتها المادية والمعنوية ويحضر الإيمان المطلق بالوحدة في عقول القادة فإنها ستتحول إلى واقع حقيقي على الأرض وهذا ما يخشاه أعداء الأمة . وللموضوع صلة .






الاثنين ٢١ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة