شبكة ذي قار
عـاجـل










طالما أننا في زمن "الربيع العربي"، لم يكن مستغرباً أن تثور المحافظات العراقية على حكومة المالكي لإخفاقها كما كل رواد "العملية السياسية" في توفير  إدارة ناجحة  للقضايا المعيشية والاقتصادية بعد تسع سنوات من تنصيب الاحتلال الأمريكي لهم، أقله بالمقارنة مع تقديمات حكم "البعث" إبان الحصار الأممي. إلا أن تحول المظاهرات إلى محطات شعبية للمطالبة بـ"عودة البعث"، رغم إعدام قائده صدام حسين واتخاذ قرار باجتثاثه بعد إقصائه بقوة الاحتلال عن السلطة، يطرح العديد من التساؤلات عما إذا كان "البعث" طارئاً على النسيج الشعبي العراقي أساساً ليُجتثَّ بقرار، أم انه تجدد بمقاومته للاحتلال الأمريكي فتحول مطلباً جماهيرياً، أم أن  النفوذ "الصفوي" المسيطر على سدة القرار العراقي اليوم أعاد بمطامعه "تسويق" البعث وأدبياته في الصراع مع الفرس مجدداً؟


لا شك أن الإجابات الشافية على هذه التساؤلات قبل تسع سنوات لم تكن واردة  لغير المقتنعين بالرؤية الأيديولوجية البعثية وإن كانت حاضرة. أما اليوم بعد كل ما شهدته الساحة العراقية والعربية من تحولات لم يعد ممكناً تكذيب حقيقة أن البعث وأدبياته راسخة في الوجدان الشعبي العراقي كرسوخ "نهر الرافدين"، فما من شيء يجبر الشباب العراقي المنتفض على المناداة بالبعث مجدداً والمطالبة بحلّ العملية السياسية أو رفع العلم  العراقي القديم وصور الشهيد صدام حسين مع العلم أن هذا الانتماء الذي هتفت له الحناجر الشابة  بات يحمل  الويلات على أصحابه عقب الاحتلال.


لقد عبّرت  هذه السلوكيات الشعبية بـ"عفوية منظمة"عن توافر بيئة حاضنة لـ"البعث" كخيار استراتيجي  ليس فقط في المناطق المصنفة سنية حسب التصنيف الطائفي  البغيض الذي أفرزه الاحتلال بل حتى في عمق المناطق الشيعية الرافضة لإدخالها في عصر "الفرسنة"، لذلك برزت مشاركة عشائر شيعية عربية بالمظاهرات المقامة في محافظة الأنبار السنية، ثم الكشف عن زيارة قام بها الأمين العام لحزب "البعث" عزت الدوري للعتبات المقدسة في الجنوب وإطلاقه كلمة متلفزة يصح وصفها بـ"خطاب القادسية الثالثة" من قلب محافظة بابل ذات الأغلبية الشيعية، مع ما يحمله هذا الخطاب من دلالات عن مدى قدرة "البعث" على الانتشار والتغلغل وسط المحافظات العراقية سيما الجنوبية، التي يرجّح إعلامياً أنها بمنأى عن المشكلات والتظاهرات بسبب لونها المذهبي الواحد(الشيعي). والواضح على الأرض أن "الصفوية" هي وحدها الطارئة على النسيج  الوطني في الجنوب العراقي  ما سيجعل هذه البقعة الجغرافية (الجنوب العراقي) مسرحاً لأكبر المفاجآت مع بدء توسع التحركات الاحتجاجية.


و الأكيد أن ما يحصل في العراق اليوم لم تسببه مصادفة تاريخية استطاع البعث الولولج عبرها إلى الشارع مجدداً لأنه أساساً منذ اتُّخِذ خيار  الاستغناء عن السلطة لصالح المقاومة والثورة انحاز إلى مطالب الجماهير مستفيداً من إمكانية تجديد كوادره بعد سنوات طويلة من الحكم وأثقاله، وفق ما أكده المناضل عزت الدوري في خطابه المتلفز الأخير، دون نكران  حقيقة أن المطامع "الصفوية" أعادت تأكيد أدبيات البعث تجاه المشاريع الفارسية ليس في الشارع العراقي فحسب،  كونه المعايش لحقائق الواقع، بل لدى الجارة العربية الأقرب جغرافياً المملكة العربية السعودية أيضاً، التي تأكد لها كما لكل دول الخليج العربي أنها أخطأت بقبولها مع أمريكا إسقاط حكم البعث في العراق، إذ تحول الأخير ساحة للنفوذ الإيراني الذي  سرعان ما انطلق للعبث بأمن الخليج من بوابة البحرين بعدما وسع نفوذه في سوريا ولبنان متخذاً من دعم مقاومة "حزب الله" في لبنان والمقاومة الفلسطينية غطاءً مرصعاً لحقيقة نواياه تجاه الشعب العربي.


وهنا يتبادر إلى الذهن ما سأله وزير خارجية السعودية سعود الفيصل، في إحدى المؤتمرات "من كان يصدق أن تعطي أمريكا العراق لإيران؟"، بما يتكامل مع ما قاله الدوري عن"تقديم العراق لإيران على طبق من ذهب، ومسؤولية العرب تجاه تصحيح ذلك"،موجهاً تحية خاصة لخادم الحرمين على "مواقفه من القضايا العربية". لذا من المتوقع أن يكون الدور السعودي المقبل في مواجهة النفوذ الإيراني مرتكزاً على قدرة العراق بقيادة البعث  المؤهل وحده على إحداث "ربيع الأمة" الهادف لدرء الأخطار "الصفوية" عن شبه الجزيرة العربية وسائر الأقطار العربية.


صحيح أن البعض يرى استحالة في عودة عقارب الساعة إلى الوراء بحكم طبيعة التاريخ الذي قد يعيد نفسه بالجوهر لا بالتفاصيل. وهنا يصح التذكير بالمصادفة التاريخية الوحيدة التي لم يخترها "البعث" حتماً، أنه في الوقت الذي كانت  فيه هتافات الشعب العربي تتصاعد  لإسقاط أنظمة الطغيان المعروفة بتآمرها على العراق منذ الحرب العراقية - الإيرانية، كان الشعب العراقي يهتف مطالباً بـ"البعث" ويرفع صور القائد الرمز صدام حسين والأمين العام الرفيق عزت ابراهيم، أليست هذه مفارقة تؤكد أن قَدَرَ البعث الحقيقي التاريخي متجسد بقيادة "ربيع الأمة" مجدداً؟!  

 

 





الخميس ٢٧ صفر ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة