حسبت اني كثيرا اسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
ذهبت انا وابوبكر وعمر ، ودخلت انا وابو بكر وعمر ، وخرجت انا وابوبكر وعمر . (علي بن ابي طالب – صحيح البخاري )
نصر الله المسلمين باسلام عمر ، وكان عزة للاسلام ، و كان رسول الله يدعوا له دائما و يقول (( اللهم أعز الإسلام بأحد العُمرين)) و هما ( عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ) , و من هنا بادر سيدنا عمر بن الخطاب بشجاعته و قام و قال لرسول الله : يا رسول الله : ألسنا على الحق ؟ قال الرسول نعم , قال عمر أليسوا على الباطل ؟ قال رسول الله : نعم , فقال عمر بن الخطاب : ففيما الإختفاء ؟ قال رسول الله : فما ترى يا عمر ؟ قال عمر : نخرج فنطوف بالكعبة , فقال له رسول الله : نعم يا عمر , فخرج المسلمون لأول مرة يكبروا و يهللوا فى صفين , صف على رأسة عمر بن الخطاب و صف على رأسة حمزة بن عبد المطلب و بينهما رسول الله يقولون: الله أكبر و لله الحمد حتى طافوا بالكعبة فخافت قريش و دخلت بيوتها خوفاً من إسلام عمر و من الرسول عليه الصلاة والسلام و صحابته رضى الله عنهم , و من هنا بدأ نشر الإسلام علناً ثم هاجر جميع المسلمون خفياً إلا عمر بن الخطاب هاجر جهراً امام قريش و قال من يريد ان ييُتم ولدة فليأتى خلف هذا الوادى , فجلست قريش خوفاً من عمر , ثم أشتد الحصار على المسلمين وأخذت قريش تضيق الخناق على رسول الله و علقوا صحيفة لمقاطعة محمد و أصحابه رضى الله عنهم ومن أسلم معهم فأخذت قريش تقاطع بنى هاشم و بنى عبد المطلب إجتماعياً و اقتصادياً و أدبياً فأضطر أهل الرسول عليه الصلاة والسلام إلى النزوح إلى شعاب أبى طالب بشرق مكة و بعد ثلاث سنوات من الحصار طالب زهير بن أمية برفع الحصار عن بنى هاشم وبنى عبد المطلب ووافقت قريش على ذلك و تم نقض الصحيفة.
يرى البعض بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تسلم زمام الامور مع مهام الخلافة فور وفاة ابي بكر ، بلا معارضة ، لا بموجب وصية ، ولكن ذلك كان امرا مقررا ومعترفا به ومسلما له منذ ايام النبي صلى الله عليه وسلم ، فأبو بكر كان ثاني اثنين ، وعمر بن الخطاب صار بعد اسلامه ثالثهما ، وذلك بموجب القواعد التحالفية القبلية ، وهي قواعد لم يزلها الاسلام ، وتمسك بها عمر وسعى الى تطويرها . وحقق العرب في عهد عمر رضي الله عنه نجاحاتهم الكبرى في الفتوح ، وواجهت الدولة مشاكل خطيرة للغاية استطاع عمر بما أوتيه من طاقات ان يحلها بنجاح جميعا ، ونظم عمر ادارة الدولة وراقب موظفيه وعماله مراقبة شديدة ، حالت بينهم وبين استغلال مناصبهم للظلم والثراء غير المشروع . وتنبه لقضية الجند ، فراقب كبار القادة ، ولم يمكنهم من الثراء غير المشروع والاستغلال ، ومنعهم من التجرؤ على التدخل في شؤون السلطة السياسية ، أو مجرد التفكير بذلك ، ولعل عزله خالد بن الوليد فيه دليل على هذا ، كما أنه قام بنفس الوقت برعاية مصالح الجند بشكل دائم ، فأوجد ديوانا خاصا بهم ، وفرض لهم العطاء ، وكان بين أونة واخرى يقوم بزيارة البقاع المفتوحة ، كما انه كان على اتصال مستمر بواسطة البريد بكافة ولاته ، يعرف مايجري في دولته ويراقبه عن كثب .
ومعلوم ان عمر رضي الله عنه حين استلم السلطة كانت الدولة الاسلامية الناشئة تجتاز مرحلة حاسمة ، وتواجه مشاكل خطيرة جديدة تحتاج الى حلول ، وتطلبت مثل هذه الحلول ممارسة الخليفة حق التشريع ، وكان ان يمنح انسان مثل هذه الصلاحيات بعد وفاة النبي بفترة وجيزة من الامور الخطيرة . ولكن اما والكثير من المشاكل كان جديدا ، ليس له نظير بين مشاكل العصر النبوي ، كان لابد من عمل ما ، وهنا تبرز صورة واضحة لفهم عمر ورجال عصره للاسلام ، كما تبرز عظمة عمر ومقدرته الادارية وعبقريته التنظيمية .
ومن هذه المشاكل – على سبيل المثال لا الحصر – قضايا : المؤلفة قلوبهم ، والسواد ، ونصارى تغلب ، حيث كان النبي يدفع مبالغ كبيرة للمؤلفة قلوبهم وحيث قضت الاحكام بتقسيم الغنائم التي يحصل عليها المسلمون وفقا لنسب حددها القران الكريم ، كما قضى الاسلام ان يدفع اهل الذمة من نصارى وسواهم من غير المسلمين الجزية دونما استثناء .
فبعد الاستيلاء على سواد العراق ، وفتح الجزيرة ، اقتضى تنفيذ الاحكام ، تقسيم ارض السواد بين المقاتلة ، ودفع قبيلة تغلب العربية الجزية ، وأنفوا من ذلك ، كما ادرك عمر ما يمكن ان يلحقه تقسيم السواد من مضار على حاضر العرب ومستقبلهم الاقتصادي والاجتماعي والعسكري ، فما كان منه الا ان ترك قسمته ، ولجأ الى اسقاط الجزية عن تغلب مقابل مضاعفة الصدقة على نصارى القبيلة – اي دفع ضريبة من نفس النوع الذي يدفعه المسلم انما الكمية مضاعفة – اما بالنسبة للمؤلفة قلوبهم فقد اوقف الدفع لهم قطعيا .
ان في اقدام عمر رضي الله عنه على مثل هذا العمل ، يعني انه قد منح نفسه صلاحيات تشريعية ، أوقفت الحكم بقوانين سابقة ، واحلت محلها قوانين جديدة – تبعا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الاسلام – وفي اقدام عمر رضي الله عنه على ذلك لم يعد خليفة بمعنى النائب ( المتبع ليس المبتدع ) وانما غدا صاحب امر وصلاحيات ، أو بالحري صار اشبه بامير الجيش الذي حدد له قائده مهمته ، ورسم له خططه واعطاه تعليمات خاصة ، لكنه في ساحة المعركة واثناء التطبيق وجد جوانب كثيرة لم تشملها تفاصيل الخطة ، كما وجد من الضروري تعديل بعض جوانب الخطة ، ومخالفة بعض تفاصيل التعليمات ، انما دون المساس بالجوهر والغايات الاساسية ، وفي الاطار العام للاهداف العظمى .
وربما لهذا السبب ، ولقيام هذا الحال ، تخلى عمر رضي الله عنه عن لقب خليفة ، ليكتسب لقب ( امير المؤمنين ) وفي هذا التعبير مؤشرات تدل على تبدل جوهري في المفاهيم السياسية للدولة الاسلامية ، خاصة وان العرب المسلمين كانوا قد اختلطوا بشعوب كانت خاضعة للحكومات الامبراطورية : فارس وبيزنطة قبل خضوعها للعرب ، فتركت بعض التأثير .
لقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قوي البنية ، مهابا ، فيه غيرة المؤمن ، رقيق المشاعر والاحاسيس ، عبقريا مؤمنا بالاسلام كل الايمان وساعيا نحو تطبيق مبادئه بشكل مثالي رائع ، لهذا حقق المسلمون في ايامه معجزة التاريخ الانساني العظمى ، ولهذا ايضا ضاق بمثاليته الاعداء والاصدقاء ، فتمنوا الخلاص منه ، لأنهم ظنوا – وبعض الظن اثم – ان موته سيفتح ابواب كنوز الثروات مع ابواب الفتنة والتمزق .
اللهم اني أسألك باسمك الطاهر الطيب المبارك الاحب اليك الذي اذا دعيت به اجبت ، واذا سئلت به اعطيت ، واذا استرحمت به رحمت ، واذا استفرجت به فرجت ، افرج على اهلنا في العراق وانصر المجاهدين في العراق وفي كل ديار المسلمين ، ولك الحمد لا اله الا انت .