شبكة ذي قار
عـاجـل










 بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم


 

تمهيد:-

حاولنا خلال دراستنا السابقة والمنشورة تحت عنوان "هل فشلت القيادة العراقية في تحرير العراق" تعزيز فرضيتنا للنجاح الجزئي للقيادة العراقية وتعزيز شعور ودراك القارئ الكريم بإمكانية القيادة العراقية في تحقيق النجاح الكلي والتام مستقبلا ، وهي المحاولة التي تطلبت هي الأخرى مزيدا من البحث والدراسة عن طبيعة القيادة وتوجهاتها وعن قدراتها الكامنة ، حتى بلغت تلك الدراسة تسعة أجزاء بأحد عشر قسم .

 

ولكن فان تعرفنا على حقيقة قدرات القيادة العراقية المجاهدة وحقيقة وضع المقاومة العراقية والذي أسميناه بمأزق المشروع الجهادي ، فأننا لم نتعرف بشكل مناسب على أسباب ذلك المأزق ، مثلما لم نوضح سبب ربطنا لمأزق المشروع الجهادي في العراق بما يسمى بالربيع العربي والذي نعتبره نحن مأزق كارثي أخر قد حل بالعديد من أقطار امتنا العربية ونعتقد بأنه لن يترك قطر عربي إلا وسحقه .

 

وحتى نتعرف عن كثب على أسباب مأزق المشروع الجهادي في العراق وأسباب مأزق أقطار امتنا العربية وحتى يفهم القارئ الكريم سبب اعتبارنا لما يسمى بالربيع العربي بأنه داء وليس دواء وحتى نوضح حقيقة ارتباط هاذين المأزقين . فان محور دراستنا هذه سينصب على معرفة ما الذي يحرك الإنسان بهذا الاتجاه أو ذاك في هذه الفترة أو تلك ، وبالتالي فهم واستيعاب أسباب سلوك الفرد العربي في الآونة الأخيرة والكيفية التي نجح بها العدو في توجيه ملايين من أبناء امتنا حسبما شاء ، أو ما نسميه بالخرق الفكري . والذي هو الأخر لن يفهم ولن يتم استيعاب معناه بشكل مناسب ما لم تتم دراسة ومعرفة الفكر نفسه ومعرفة أهم العوامل المؤثرة فيه . وحينما نتمكن من فهم واستيعاب ذلك كله ، فسنكون قادرين على وضع دراسة خاصة لكيفية توفير الحصانة الفكرية لأبناء امتنا ، أو بالأحرى لكيفية تخليصهم من اختراق العدو لأفكارهم وعقائدهم وقراراتهم ، وسنكون قادرين أيضا وبعون الله عز وجل على وضع دراسة صحيحة لكيفية أعادة بناء الإنسان والوطن ليس لعراقنا العظيم فحسب بل ولباقي أقطار امتنا المجيدة أيضا .

 

فللفكر والعقيدة دورا وأهمية خاصة في حياة الفرد والجماعة والحزب والمجتمع والأمة ، ذلك الدور وتلك الأهمية التي تحدد مصير الإنسان نفسه مثلما تحدد مصير الجماعة والحزب . فالحديث عن الفكر والعقيدة هنا هو الحديث عن امن وسلامة ومستقبل الأمة برمتها وليس عن مصير فرد أو جماعة فحسب . وهو قطعا ليس مجرد حاجة مادية تباع أو تشترى ولا حتى حاجة روحية ينتعش فيها الإنسان .

 

والحفاظ على المبادئ والثوابت ، لا تمثل اليوم ، مجرد موقف بطولي أو قضية أخلاقية أو ترف قيمي ومبدئي أو فلسفة جدلية . بل تمثل اليوم وبجدارة تجربة عميقة وصراع محتدم وقتال ملحمي ضد اعتى قوة عرفتها البشرية ، نقول تمثل اليوم الدرع الواقي للقيادة العراقية ومجاهديها البواسل من ضربات الأعداء ومؤامراتهم ومحاولاتهم الخبيثة للنيل منها .

 

فكمثال واقعي وحي لتوضيح مدى أهمية الفكر والعقيدة في حياة الفرد والجماعة ، فان المأزق الذي أصاب بعض فصائل المقاومة والمناهضة للاحتلال في العراق والذي سبق وتناولناه في الجزء الثامن من دراستنا السابقة ، يعود لأسباب فكرية وعقائدية . فعلى الرغم من توفر المال والإعلام والمقاتلين والقادة والسلاح والعتاد والملاذ الأمن ، فقد فقدت بعض الفصائل مكانتها ودورها وتأثيرها وحتى جماهيرها وتلاشت بحكم الواقع والملموس ولم يتبقى منها سوى الاسم بل وأحيانا حتى الاسم لم يعد له ذكر مطلقا . وحقيقة ً فكثيراً ما فشلت أحزاب وحركات ومنظمات وفصائل مسلحة في العالم وليس في العراق فحسب بل وتم اختراقها وتدميرها عبر اختراق فكرها وعقيدتها أي عبر اختراق فكر وعقيدة الإنسان المكون لها والمشارك فيها ذلك الاختراق والذي أصبح في عالمنا اليوم الاختراق المخابراتي الأكثر غموضا وأهمية وخطورة .

 

والمأزق الذي فرض على القيادة العراقية في عام 2003 كان قد تمثل في التشوه الكبير الذي أصاب بناء الإنسان المواطن العراقي الجديد في الوقت التي كانت فيه بأمس الحاجة للمواطن العراقي1 . فقد واجهت القيادة العراقية غزو جيوش العدوان لمدن وبلدات وقرى العراق ، وأجزاء واسعة من الشعب العراقي قد ضاعت معرفة الحقيقة بل وقد تاه البعض بعد أن فقد بوصلة الحق في اخطر واهم لحظة تاريخية من عمر العراق . وما عمليات السطو والسرقة والنهب والقتل التي شهدتها بغداد وباقي المدن العراقية إلا انعكاس لما نقول وان كان مسببيها لا يمثلون كل الشعب العراقي الكريم ، وان ساهمت وسائل الإعلام المعادية في تهويلها وتضخيم أحداثها بهدف الإيغال في تدمير نفسية العراقي وتشويه صورته أمام شعوب الأرض .


 

ولولا تأكد الصهيونية العالمية من هذا الأمر2 الذي سيفرض على العراق قيادة وشعبا لما جازفت وخاطرت بعلوجها لغزو العراق العظيم . نعم لولا تأكد الصهيونية العالمية من إن أهل العراق قد أصابتهم الفتنة والفرقة وإنها قد نجحت في إفقادهم بوصلة الحق والحقيقة وأنها قد نجحت في تغييب الوعي والإدراك عن أجزاء واسعة من الشعب العراقي وضللتهم بافتراءاتها وأكاذيبها وحملاتها الشيطانية وفتاوى عملاءها ، لما جازفت وخاطرت بعلوجها وأموالها وجيوشها واعتبارها وبمخططاتها وستراتيجيتها لغزو أهل العراق . فالذي منع جيوشها من الاستمرار والتقدم نحو بغداد عام 1991 رغم الخسائر والتضحيات التي أصابت العراق حينئذ ، كان هو ذات السبب الذي شجعها على التقدم نحو بغداد عام 2003.  فبالرغم من أن معركة الناصرية والتي شهدت اكبر وأشرس معركة دبابات بعد الحرب العالمية الثانية ، ورغم القدرة الأسطورية التي تمتعت بها القيادة العراقية والحرس الجمهوري العام والخاص في التصدي لزمر الغدر والخيانة وإعادة النظام والحياة للمحافظات العراقية التي شهدت جرائم عصابات إيران وعملاءها ، ورغم امتلاك القيادة العراقية حينئذ لأسلحة الردع ، فان وعي وإدراك العراقيين وتماسكهم فيما بينهم وعدم انغماسهم وسقوطهم في فتن العدو ومؤامراته قد شكل العائق الأبرز والاهم والأخطر أمام محاولات ومخططات العدو الامبريالي الصهيوني في غزو واحتلال العراق عام 1991.

 

ولذلك ومن اجل إحباط محاولات الصهيونية العالمية لاختراق الأمة فكريا وعقائديا ، ومن اجل تحقيق الحصانة الفكرية لأبناء الأمة والشعب ، ونظرا للدور المهم للفكر والعقيدة ، فأننا في هذا الجزء وانطلاقا من مبدأ فهم الفرد نحو فهم المجتمع وتياراته وأحزابه وتوجهاته ، سنتناول دور وأهمية الفكر والعقيدة في حياة الفرد والمجتمع والأمة . مع ضرورة الانتباه إلى أن ما نقصده بالفكر والعقيدة ليس فكر أو عقيدة دينية أو سياسية معينة .


ونكرر وننبه مرة أخرى على ضرورة إزالة حطام كل ما تهدم فكرا قبل المادة كخطوة أولى لإعادة بناء الإنسان والوطن ، والذي لن يتم هذه المرة بعد تسلمنا للسلطة أنما ينبغي علينا أن نبدأ به من هذه اللحظة بالذات ، وهنا ننبه مرة أخرى فإذا كان الهجوم خير وسيلة للدفاع فانه أيضا خير وسيلة لإعادة البناء .

 

تعريف الفكر والعقيدة :-

أثار تعريف الفكر عاصفة من الخلافات والنقاشات الفكرية حتى شمل بني البشر كلهم ، فلم يقتصر الخلاف والنقاش فيه بين علماء اللغة والدين والفلسفة والنفس والطبيعيات فحسب ، بل وشمل المفكرين وطلاب العلم وامتد الى عامة الناس . وأضحى الفكر دليل وجود الإنسان بحد ذاته ، فلا قيمة للإنسان من دون الفكر . ففاقد الفكر هو مجنون لا يحاسب من قبل القانون ولا من قبل المجتمع بل وقد عفاه الله سبحانه وتعالى من الحساب يوم القيامة .

 

كما أن الحديث عن الفكر يرتبط بالعديد من المصطلحات أما بشكل مباشر كالفكرة والتفكير والعقل والتعقل والذهن والفهم والوعي والاستيعاب والمعرفة والإدراك والاعتقاد والعقيدة ، او بشكل غير مباشر كشخصية الإنسان وكيانه ووجدانه وضميره ومشاعره وأحاسيسه وعواطفه واللاوعي واللاشعور والتنشئة والتعليم والثقافة والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ والدين والعلم ، وفي الحقيقة فان كل هذه المصطلحات تعبر عن جانب من الفكر او عن أسبابه او خصائصه او نتائجه .

 

وبرغم كل هذا التداخل والغموض والتعقيد في تعريف الفكر فقد جاء تعريفه في موقع ويكيبيديا - الموسوعة الحرة 3 :

على انه مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها عقل (ذهن) الإنسان ، والتي تمكنه من خلق نموذج العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته.

 

أما العقيدة فقد جاء تعريفها 4:

على أنها الحكم الذي لا يقبل الشك فيه لدى معتقده ، وتعنى ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به ، سواءٌ ، كان حقاً ، أو باطلا ، وهي مجموعة الأفكار والمبادئ التي يؤمن الفرد بصحتها. أما تكون العقيدة فيتم عن طريق الإدراك الحسي، الاستنتاج، الاتصال مع الأفراد ، ويتداخل مصطلح العقيدة مع مفاهيم أخرى مثل الإيديولوجيا والعقائد الدينية.

 

دور الفكر والعقيدة:-

يلعب الفكر دورا محوريا وأساسيا ورئيسيا وحاسما في حياة الفرد والمجتمع والأمة ، والإنسان باعتباره كائن أو مخلوق عاقل يتميز عن غيره من الكائنات والمخلوقات بالنعمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى له ، وهي نعمة العقل والتفكير والتدبر، قال تعالى (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون( البقرة 164 – 167. وقوله تعالى (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) الروم 8.

 

ففي هذه الآيات القرآنية الكريمة يبين لنا الله سبحانه وتعالى بان السماوات والأرض والليل والنهار والبحار واليابسة والريح والسحاب والإمطار والدواب كلها من خلقه هو تبارك وتعالى ، والتي ما خلقها إلا لفائدة الإنسان نفسه . ثم يوضح الله سبحانه وتعالى تلك الفائدة واصفا إياها بأنها آية لقوم يعقلون اي دليل وحجة لمن لديه عقل و لمن يفكر ، وهو أسلوب كلامي طالما ذكر في القران الكريم لترغيب وحث البشر على التفكير ومعرفة من هو الخالق لهذا الخلق العظيم والاعتراف به سبحانه وتعالى رب جميع المخلوقات والخلائق والموجودات والظواهر ، ولترغيب وحث البشر على التفكير ومعرفة كيفية استغلال تلك النعم .

 

أي وبمعنى أوضح ، فان لتلك الآيات والدلائل فائدتان تتجلى الأولى في كونها فائدة روحية كآية ودليل على وجود الله سبحانه وتعالى ، وتتجلى الثانية في كونها فائدة مادية ضرورية لحياة البشر كفائدة الشمس والريح والمطر ، ولكن فلا إيمان بالله سبحانه وتعالى سيتحقق ، ولا استفادة حقيقة من الشمس والرياح والدواب ستحصل ، ولا حياة للبشر ستتطور ، ما لم يتدبر ويفكر الإنسان في ذلك الخلق وتلك المخلوقات والنعم ، فالإيمان بالله سبحانه وتعالى هو إيمان علمي وفكري وليس روحي وغيبي فحسب .

 

فالمتأمل لكلام الله سبحانه وتعالى والمتدبر والمتبصر فيه سيجد نفسه أمام مسالة في غاية الأهمية قد تكون خافية عنا للوهلة الأولى ، وهي أن الله سبحانه وتعالى يقرن الإنسان والإيمان بالتفكير والتدبر في خلقه العظيم ، فدليل وجود الإنسان والإيمان هو بممارسة التفكير والتدبير فيما خلقه الله سبحانه وتعالى من مخلوقات وخلائق وموجودات وظواهر وفي التفكير والتدبير وفي دراسة الكون والكواكب والنجوم والشموس والحيوانات والحشرات والجراثيم والمكروبات والمزروعات وفي التفكير والتدبير ودراسة النفس البشرية وجسد الإنسان وسلوكه وتصرفاته وعموم ما تشهده حياته . فالله سبحانه وتعالى يخاطب البشر قائلا :

 

إن كنتم أناسا عقلاء فهذه آياتي في الأفاق وما تنظرون من سماوات وارض وشمس وليل ونهار ورياح وسحاب ومطر ودواب وفي أنفسكم انتم ، فتدبروا فيها وفكروا فهي ليست مجرد دلائل على وجود الخالق العظيم سبحانه وتعالى فقط أنما هي من أسباب عيشكم واستمراركم وتطوركم انتم أنفسكم . فالله عز وجل يحث البشر على طلب العلم والمعرفة ودراسة وفهم آلية قيام الليل والنهار والرياح والشمس والمطر ..الخ .

 

فدور الفكر المحوري والرئيسي والأساسي والحاسم في حياة الفرد والمجتمع والأمة هو الذي يعطي للإنسان قيمته وهو الذي يميزه عن سواه من المخلوقات وهو أساس الأيمان واستمرار الحياة .. فأي دور عظيم هو ذلك الذي يتمتع به الفكر ..!!!

 

أهمية الفكر والعقيدة :-

تنبع أهمية الفكر والعقيدة من طبيعة دورهما في حياة الفرد والمجتمع ، فما دام دور الفكر هو دور محوري وأساسي ورئيسي وحاسم في حياة الفرد ، وهو الذي يعطي للإنسان قيمته وهو الذي يميزه عن سواه من المخلوقات وهو أساس الأيمان واستمرار الحياة ، وهو من يقرر شكل وطبيعة حياة الفرد بأن يكون عالما أو عاملا ، فلاحا أو تجارا ، رئيسا أو مرؤوسا ، أذا ما توفرت له الإرادة على القيام بذلك . فالقدرة تنبع من الإرادة ، والإرادة تنبع من الوعي والإدراك ، والوعي والإدراك بدورهما من نتائج عملية التفكير الجارية في دماغ الإنسان ووجدانه5 ، بل الإنسان هو من يختار أن يكون مؤمنا أو ملحدا ، قال تعالى (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً) الكهف 29. فان أهمية الفكر المقترنة بدوره في حياة الفرد والمجتمع والأمة لا يمكن أن تضاهى أبدا .

 

وقد بين الله سبحانه وتعالى وفي العديد من آيات القران الكريم مدى أهمية ومكانة العلم والفكر كنعمة لبني البشر ، كقوله سبحانه وتعالى (عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) العلق5، وقوله تعالى (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا اله إِلا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَآئـِمَا بِالْقِسْطِ لا إله إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، وقوله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة 11، وقوله سبحانه وتعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) الزّمر9.

 

وهنا قد يتبادر في أذهاننا سؤال في غاية الأهمية ، عن القدر ودوره وتأثيره في حياة الإنسان ، وعما أذا كان الإنسان مسير او مخير..؟!!

أن القدر الذي كتبه الله سبحانه وتعالى لبني ادم ، ناتج  في الحقيقة عن معرفة الله عز وجل بعلم الغيب ، فالقدر هو قدرة الله سبحانه على معرفة الغيب، قال سبحانه وتعالى(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) النمل62 ، وقال تعالى (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) الحشر22 ، و قال سبحانه وتعالى (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان34 ، و قال سبحانه وتعالى (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام59.

 

أي إن الله عز وجل وهو الخالق العظيم ، والمطلع على حياة الإنسان وأسراره ، وهو الوحيد جلت قدرته القادر على علم ومعرفة غيب ومستقبل كل إنسان وكل ما يجري في الكون ، قد كتب قدر كل الإنسان ورسم حياته ومستقبله استنادا إلى معرفته سبحانه وتعالى بالغيب والمستقبل .

 

فالمقصود بالغيب هنا ليس المستقبل فحسب ، بل كل ما هو خافٍ عنا نحن بني البشر، أي أن للغيب أنواع ، غيب زماني " المستقبل والماضي" وغيب إن صح التعبير مكاني كجهل الفرد بحادث معين وقع في مكان أخر وغيب ثالث  للحال . فمعرفة النوايا الحقيقية لفرد ما هي معرفة الغيب وان كانت تلك النوايا واقعة في الحال لا في المستقبل . وكل هذه الغيوب مقسمة أيضا على غيب مطلق يستحيل الإنسان أن يطلع عليه كعلم الساعة والعرش ، وغيب أخر نسبي يمكن للإنسان الوصول إليه ومعرفته وذلك بما وهب الله سبحانه وتعالى لعباده من نعم العقل والتفكير والعلم والمعرفة وتطور وسائل الكشف والتحري كما هو الحال بالنسبة لعلم الطقس والأنواء الجوية والآثار والجيولوجيا وما شابه .

 

وبهذا فان الله عز وجل قد كتب القدر قدر كل إنسان بعد أن اطلع سبحانه وتعالى على علم الغيب والمستقبل والنوايا الحقيقية للفرد وإسراره واستحقاقه ، قال تعالى (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) غافر19، وقال تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) البقرة 235 . وحينما جعل سبحانه وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين لأنه عز وجل قد اطلع على غيب وقلوب وعقول كل البشر فما وجد اتقى وأنقى واحكم وأذكى وأكرم وأفضل من محمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى (ن والقلمِ وما يَسْطُرون . ما أنت بِنِعْمة ربِّك بمجنون. وإنَّ لك لأجراً غيرَ مَمنون . وإنَّك لعلى خُلُقٍ عَظيم) القلم 1-4.

 

وبذلك فان قدر الإنسان يحدده الإنسان بذاته عبر نواياه واستحقاقه ، فلا يكون المرء ملحدا او كافرا او عاصيا او مجرما او سارقا او زانيا والعياذ بالله ويقول إن الله عز وجل قد كتب هذا عليه وقدره تقديرا من عنده عزوجل وسيره تسييرا به رغما عنه ، قال تعالى (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين . ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين . إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين) النحل35-37.

 

فالبشر مخيرين لا مسيرين ، وان كان تـَخيّريهم وفق ما سُيّر ويسُر الله سبحانه وتعالى لهم ، وان كانوا مُسيرين وفق ما خُيّر ويسُر الله عز وجل لهم ، قال تعالى (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير 29.

 

فالله سبحانه وتعالى يُخيّر الإنسان فيما يريد الإنسان هو نفسه أن يسير فيه ، مثلما يُسيّر الله سبحانه وتعالى الإنسان لما يريد الإنسان هو نفسه أن يختاره. اي وفق الخيارات التي خلقها الله سبحانه وتعالى لبني البشر وأتاحها أمامهم ، ولهم أن يختاروا بعد أن هداهم النجدين أما الكفر والعصيان والإثم وإما الإيمان والطاعة والشكر ، قال تعالى (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ . وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ . وَهَدَيْنَاهُ النجْدَيْنِ) البلد 8-10.

 

ولو كان البشر مسيرين ، لما خلقهم الله عز وجل أصلا ، وما امتحنهم واختبرهم، وما أرسل إليهم الرسل والأنبياء، وما وهب له نعمة العقل والتفكير ، وما حاسبهم يوم القيامة ، وما شهد عليهم ملائكته وحواسهم وصوتهم وأيديهم وأرجلهم ، قال تعالى (يوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النور24، بل ولانتفت الحاجة لإبليس ووعيده وإغواءه بني البشر عدا المخلصين منهم فقط ، فما ظلمهم الله سبحانه وقد حرم الظلم على نفسه قال سبحانه وتعالى (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) النحل33.

 

أين تتم عملية التفكير 6:-

طالما استندنا إلى القران الكريم لبيان مكانة العلم والتفكير والتدبر ، وحتى ننقل صورة كاملة عن الكيفية التي تعامل بها القران الكريم مع الفكر، فسنحاول الإجابة على السؤال أين تتم عملية التفكير . فقد بات من المعروف وكبديهية مسلم بها لدى عامة الناس بان الدماغ البشري هو مركز أجراء عملية التفكير والعاطفة ، وهو أيضا رأي جل العلماء بمختلف تخصصاتهم وميادينهم وتوجهاتهم .

 

ولكن وبالعودة إلى القران الكريم فقد ذكر الله سبحانه وتعالى القلب بدل العقل في أطار الحديث عن العلم والإيمان والتفكير والتدبر في العديد من الآيات القرآنية الكريمة ، كقوله سبحانه وتعالى )فّإنَّهّا لا تّعًمّى الأّبًصّارٍ ولّكٌن تّعًمّى القٍلٍوبٍ التٌي فٌي الصَدٍورٌ) الحج 46 ، (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد 28 ، (هُوَ الذي أَنْزَلَ السَّكينةَ في قلوبِ المؤمنينَ ليزدادوا إيماناً) الفتح 4، (فأتاهُمُ اللهُ مِنْ حيثُ لَمْ يحتسبوا وقَذَفَ في قلوبِهِمُ الرُّعْبَ) الحشر 2 ، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الأنفال1 .

 

فأصبح كل باحث أو عالم مسلم في حيرة من أمره ، بين قول المخلوق البسيط وبين قول الخالق العظيم سبحانه وتعالى , فقد أثار القران الكريم نقاشا علميا ودينيا واسع النطاق منذ مئات السنين , واختلف فيه العلماء بين من يقول أن مفردة القلب التي جاء ذكرها في القران الكريم هي تعبير مجازي يراد به العقل أو الدماغ ، وبين من يقول إن عملية التفكير والعاطفة عند الإنسان تنتج عن نشاط دماغي وقلبي مشترك في آن واحد . وبين هذين الفريقين برز هناك من علل استخدام القران الكريم لمفردة القلب بدل العقل أن ذكرها وموقعها جاء في أطار الحديث عن المشاعر والأحاسيس والعواطف فمثلا الاطمئنان وهو كحالة عاطفية يكون مصدره القلب وهكذا الإيمان ومعرفة الحق ، أي أن القلب هو مركز العاطفة والمشاعر والأحاسيس والوجدان أي الضمير الإنساني بينما الدماغ هو مركز التفكير والفهم والاستيعاب والإدراك والذاكرة .

 

وفي الحقيقة فان تحديد دور القلب سواء كشريك للدماغ في عملية إجراء التفكير والعاطفة أو كمركز للعاطفة فقط ، لم يحين موعده بعد رغم التطور العلمي الهائل الذي تمكن منه البشر. فقد يتوصل العلماء في يوما ما إلى اكتشاف دور أو ادوار وظيفية جديدة يقوم بها القلب غير دوره كمضخة دماء ، فقد يكون القلب هو فعلا مركز العاطفة بل وقد يكون أيضا شريكا للدماغ في التفكير والعاطفة معا .

 

ولكن وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل علمي مؤكد وثابت على دور القلب كشريك للدماغ في عملية التفكير والعاطفة ، فقد توافرت في السنوات القليلة الماضية شواهد علمية عديدة – نقول شواهد وليست أدلة علمية مؤكدة وثابتة - تشير إلى وجود علاقة للقلب بعمل الدماغ والتي من الممكن أن تؤثر في عملية التفكير والعاطفة .

 

فضمن إطار نظرية (الطاقة القلبية) أجرى احد علماء جامعة أريزونا بحثاً على 300 شخص تعرضوا لزراعة القلب ، فوجد أن الطاقة والمعلومات تتفاعل تبادلياً ما بين القلب والمخ بصورة كهرومغناطيسية ، فيتلقى مخ الشخص الذي زرع فيه القلب إشارات كهرومغناطيسية من القلب المزروع تختلف عن الإشارات التي كان يتلقاها من القلب الأصلي  .

 

كما توصلت الباحثة الدكتورة كاندس بيرت ، مؤلفة كتاب (جزيئات العاطفة) إلى أن خلايا الجسم تتبادل الرسائل مع خلايا المخ بواسطة أحماض أمينية قصيرة السلسلة كان يعتقد سابقاً أنها لا توجد إلا في خلايا المخ ، وقد أثبتت هذه الباحثة وجود هذه الأحماض الامينية في القلب وفي أعضاء أخرى من جسم الإنسان .

 

أما الدكتور أندرو أرمور فقد طرح في عام 1991 فكرة وجود (عقل صغير في القلب) يتكون من شبكة من الخلايا العصبية ، والناقلات الكيميائية ، والبروتينات ، والخلايا الداعمة التي تعمل باستقلالية عن خلايا المخ ، وتتولى عملية التعلم والتذكر والإحساس ، ثم ترسل المعلومات إلى مراكز المخ المختصة بالإدراك واتخاذ القرار والمحاكمات العقلية . ويعتقد هذا العالم بأن الخلايا العصبية الذاتية التي توجد في القلب المزروع تمارس عملها هذا وترسل إشارات من ذاكرتها القديمة إلى دماغ الشخص الذي زرع فيه القلب .. كما أن القلب المزروع يحتوي على مستقبلات خاصة بالمتبرع تختلف عن مستقبلات الشخص الذي زرع له القلب ، وبهذا يصبح الذي زرع فيه القلب حاوياً على نوعين من مستقبلات الخلايا ، إلا أن بعض الباحثين شكك بهذه الفرضية معتمدين على نظرية (إشاعات المستشفى) التي تزعم أن تبادل الحديث بين فريق العمل الجراحي أثناء التخدير يؤثر في الشخص الذي تجرى له زراعة القلب ، فيتبنى لا شعورياً ما يسمعه من الفريق الطبي عن أحوال الشخص المتبرع.

 

وضمن أطار فكرة (ذاكرة الخلية) فان السيدة كلير سيلفيا والتي زرع لها في عام 1988 قلب ورئة من شاب عمره 18 سنة توفى بحادث سير ، قد أخذت تتصرف بطريقة ذكورية ، وتحب بعض الأكلات التي لم تكن تطيقها من قبل كالفلفل الأخضر وقطع الدجاج. وعندما قابلت عائلة الشاب الذي زرعت رئتاه وقلبه فيها ، تبين لها أن تصرفاتها أشبه ما تكون مرآة لتصرفات الشاب المتوفى . وبينما تجاهل بعض العلماء هذه القصة واعتبروها محض صدفة ، فان علماء آخرين اعتبروها دليلاً على ظاهرة (ذاكرة الخلية) التي بدأت تستحوذ على اهتمام العلماء مع تزايد عمليات زراعة الأعضاء ولاسيما زراعة القلب . فمن المعلوم أن كل خلية من خلايا جسمنا تحتوي على معلومات وراثية وغير وراثية خاصة بكل فرد منا ، وعند نقل عضو من شخص لآخر فإن ذاكرة خلايا المتبرع تمارس ذاكرتها في جسم الذي زرع فيه العضو . والأدلة العلمية على هذه الظاهرة بدأت تتزايد يوماً بعد يوم مع تزايد عمليات زراعة الأعضاء ، ما دفع العلماء مؤخراً إلى بحث هذه الظاهرة بعمق كما أنتجت حولها العديد من أفلام الخيال العلمي وتم عرضها في صالات ودور السينما العالمية وحازت على أعلى معدلات المبيعات السينمائية ، ولعل نظرية ذاكرة الخلية هي التفسير العلمي لقوله سبحانه وتعالى (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النور 24 .

 

كما نشر الدكتور بول بيرسال وهو العالم في المناعة النفس عصبية ، ومؤلف كتاب (شيفرة القلب) نتائج بحثه والذي استغرق 10 سنوات ، وشمل 74 شخصاً زرعت فيهم أعضاء ، منهم 23 شخصا تعرضوا لعملية زراعة قلب ، وخلص إلى نتيجة مفادها حصول تغيرات في شخصيات المزروع لهم توازي شخصيات المتبرعين ، وأورد في البحث عدداً من الحالات ، منها:-


الحالة الأولى :

شاب عمره 18 سنة ، كان يكتب الشعر ويلعب الموسيقى ويغني ، توفي بحادث سيارة ، ونقل قلبه إلى فتاة عمرها 18 سنة ، وفي مقابلة لها مع والدي المتبرع عزفت أمامهما موسيقى كان يعزفها ابنهما الراحل ، وشرعت بإكمال كلمات أغنية كان يرددها رغم أنها لم تسمعها أبداً من قبل..!


الحالة الثانية :

رجل أبيض عمره 47 سنة ، زرع له قلب شاب أمريكي أسود عمره 17 سنة ، المتلقي للقلب فوجئ بعد عملية الزراعة بأنه أصبح يعشق الموسيقى الكلاسيكية ، واكتشف لاحقاً أن المتبرع كان مغرماً بهذا النوع من الموسيقى ..!


الحالة الثالثة :

شاب خرج لتوه من عملية زراعة قلب ، وقد بات يستخدم كلمة غريبة بصفة مستمرة ، واكتشف لاحقاً في مقابلة مع زوجة المتبرع أن هذه الكلمة كانت (كلمة سر) اخترعاها بينهما تعني أن (كل شيء على ما يرام)..!


الحالة الرابعة :

فتاة عمرها 8 سنوات زرع لها قلب فتاة مقتولة عمرها 10 سنوات ، وبعد الزراعة أصيبت الفتاة التي زرع لها القلب بكوابيس مفزعة تصور قاتلاً يريد أن يقتلها ، وذهب بها والدها إلى استشارة الطبيب النفسي الذي استخلص منها تفاصيل الكابوس ، فوجد أن الصور التي حلمت بها واضحة ومحددة جداً ، لدرجة أن الطبيب أخبر الشرطة بصورة القاتل ، وألقي القبض بالفعل على القاتل الحقيقي.. !

 

وأخيرا فان ما تأكد علميا وثبت اليوم عن الوظائف والأنشطة الجديدة التي يقوم بها القلب غير وظيفته المعروفة في جهاز الدوران وعملية ضخ الدم لجسم الإنسان ، فهي قيام القلب بإفراز مواد كيميائية كهرمون (البابتيايد) والذي يتولى حرق الدهون في جسم الإنسان والذي تتزايد نسبته في الجسم لدى المسنين ، أو كالهرمون المسمى بـ(العامل الأذيني طارح الصوديوم) والذي يساعد على تخليص البدن من الصوديوم والماء الفائضين عن حاجة البدن ويعمل كموازن للسوائل والأملاح في جسم الإنسان . وتوجد بحوث طبية أخرى تشير إلى احتمال وجود المزيد من الهرمونات والأنشطة التي يفرزها أو يقوم بها القلب ، والتي قد تفسر لنا سبب ذكر القران الكريم للقلب بدل العقل في بعض الأحيان .

 

الخلاصة :-

بغض النظر عن تعريف الفكر وبغض النظر عن مركز أجراء التفكير فللفكر والعقيدة دور وأهمية خاصة في حياة الفرد والمجتمع والأمة ، ومصير الإنسان نفسه مرتبط ارتباطا وثيقا بدرجة وعيه وإدراكه إلى الحد الذي يتقرر فيه مصير الإنسان حتى بعد وفاته أما عبدا مؤمنا شكورا خالدا في جنات النعيم وأما كافرا جحودا خالدا في جهنم وبئس المهاد . فالحديث عن الفكر والعقيدة هنا هو الحديث عن امن وسلامة ومستقبل الأمة برمتها حتى بعد الممات وليس عن مصير فرد أو جماعة في الدنيا وحسب .

 

فدور الفكر في حياة الفرد والمجتمع والأمة هو دور محوري ورئيسي وأساسي وحاسم ، وهو الذي يعطي للإنسان قيمته ، وهو الذي يميزه عن سواه من المخلوقات ، وهو أساس الأيمان واستمرار الحياة ، وهو الذي يتولى مسؤولية إصدار القرار وتحديد خيارات الفرد المادية والمعنوية ، هو الموجه الوحيد للفرد هو من يقرر شكل وطبيعة حياة الأفراد ، فهذا يكون عامل وذاك فلاح وآخر طبيب وثالث مهندس ورابع عسكري وخامس سياسي وسادسا إعلامي .. كما أن فكر الفرد هو الذي يحدد مدى مواطنته الصالحة أو الطالحة هو الذي يجعل الفرد وطنيا أو عميلا .. مجاهدا أو جاسوسا ، معمرا أم مخربا ، نزيها أو فاسدا ، جادا أو هزليا ، مدبرا أو مبذرا ،  مؤمنا أو كافرا ... ومن هنا تنبع أهمية الفكر ، فدور الفكر بأهميته وأهميته بدوره حتى يتعسر على المرء معرفة احدهما من الأخر .


وبمعنى أخر
فان المستوى التعليمي والوظيفي والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والإيماني ، يقرره فكر الفرد ودرجة وعيه وإدراكه كموجه أساسي ووحيد له ، على الرغم من أن هذا الموجه خاضع لجملة من المؤثرات المادية والدينية والوراثية والثقافية والتي سنتناولها في الجزء القادم من دراستنا هذه . فالقرار الأخير كما يقال يعود لفكر الإنسان ولوعيه وإدراكه من قرار تناول الغذاء والماء والدواء والتحضير المدرسي إلى طاعة الوالدين ومن هم بمثابتهم إلى اختيار العمل والزوجة وتربية الأطفال والتعامل مع بقية الإفراد إلى تأدية الواجبات ولاسيما تجاه الوطن ونيل الحقوق إلى حسن تولي المسؤوليات إلى الانضمام في الأحزاب والنقابات والمنظمات إلى حمل السلاح والجهاد والكفاح إلى طاعة ولي الأمر والحاكم إلى الخروج أو الانقلاب عليه إلى الثورة على نظامه وانتهاء بالفوز برضى الله سبحانه وتعالى أو بسخطه وعذابه يوم لا ينفع إلا من أتى الله بلقب سليم.

 

الهوامش :-

1- لقد تحدثنا في الجزء السادس من دراستنا السابقة ، عن الطريقة التي عالجت القيادة العراقية المأزق الذي واجهته في عام 2003 ، والذي تمثل في التشوه الكبير الذي أصاب بناء الإنسان المواطن العراقي الجديد ، في وقت كانت هي بأمس الحاجة للمواطن العراقي الجديد الذي عملت على بناءه خلال العقود الثلاثة السابقة . وتناولنا بالتفصيل كيف تمكنت القيادة العراقية من تجاوز هذا العائق والتغلب على هذا المأزق وكيف استطاعت توفير بيئة حاضنة للمقاومة العراقية . فلقد كان للدافع الديني والإيماني والجهادي وللحملة الإيمانية التي أطلقتها القيادة قبل الغزو بسنوات الدور الكبير والمهم والرئيسي في تنفذ وتفجر واحدة من أشرس حروب العصابات الثورية ضد اعتى قوة عرفتها البشرية ، مثلما شكلت العمليات المسلحة الأولى التي فجرتها قوات النخبة التي أعدتها القيادة سلفا للمقاومة المسلحة والتي  دمرت هيبة واعتبار جيوش الغزاة ، الدور المهم والفعال في حث العراقيين على التصدي للغزاة ومقاومتهم.

 

2- اعتمدت الصهيونية العالمية في تدمير وإفشال البعث وثورة البعث وقيادة البعث على العديد من الستراتيجيات المتناسقة فيما بينها وبطريقة تدريجية وبإتباع أسلوب الخطوة خطوة ، والخطوة وبديلتها ، والخطوة ونتائجها الرئيسية والثانوية . فان فشلت هذه الخطوة في تحقيق هدف معين فلابد أن تكون قد أسست وعبدت الطريق لتنفيذ الخطوة القادمة ، بل وأحيانا لتنفيذ خطوات أخرى أكثر خبثا وخطورة . وحينما لم تنجح الأولى في تحقيق أهدافها الرئيسية فتكون قد نجحت في تحقيق أهدافها الثانوية أي إن لم تنجح كليا فلابد أن تنجح جزئيا وتمهد للقادم من المؤامرات ، وهكذا فان مؤامرة غزو العراق لم تنتج عن ستراتيجية لوحدها وما كانت لتحقق هدفها لولا سلسلة المؤامرات التي سبقتها ومهدت لها .

 

فحينما فشلت خطوة الصهيونية العالمية لتدمير وإفشال ثورة البعث عبر الشبكات الجاسوسية التابعة لها ، فقد مهدت إلى تنفيذ الخطوة القادمة والتي كانت خطوة مؤامرة الشركات النفطية الاحتكارية ، والتي بدورها عبدت الطرق لخطوات أكثر خبثا وخطورة كالدفع بالشاه إيران للتصادم مع القيادة العراقية عبر التدخل في الشأن الداخلي للعراق وتهديد وحدته وأمنه وسيادته اعتمادا على إثارة الفتنة والفرقة والتحريض بين أبناء البلد الواحد مستخدمة القضية الكردية كورقة ضغط وتهديد على القيادة العراقية . وحينما لم تفلح هذه الورقة في تحقيق الهدف الرئيسي لها ، فقد بدت الطرق لخطوات ومراحل أكثر خبثا وخطورة وأكثر تعقيدا وصعوبة . فبدأت الصهيونية العالمية بسلسلة من المؤامرات ابتدأت في ستراتيجية إنهاء نظام الشاه واستبداله بنظام الخميني بثورة عجلت بها المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية ليقوم الخميني بما عجز عنه الشاه ونأى بنفسه عنه ، إلا وهو الضغط على القيادة العراقية عبر التدخل في الشأن الداخلي للعراق وتهديد وحدته وأمنه وسيادته ، مستغلا التنوع العرقي والطائفي في العراق كعناصر إثارة للفتنة والفرقة والتحريض بين أبناء البلد الواحد . وهكذا مع باقي المؤامرات التي حيكت ضد العراق وشعب العراق وقيادة البعث في العراق .

 

3- تعريف الفكر في موقع ويكيبيديا - الموسوعة الحرة :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%83%D8%B1

 

4- تعريف العقيدة في موقع ويكيبيديا - الموسوعة الحرة :

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9

 

5- علمياً وقرآنياً لا يمكن لنا أن نحصر تفكير الإنسان في دماغه فقط ، ولذا قلنا أن عملية التفكير تتم في دماغ الإنسان ووجدانه .

 

6- أن سبب طرحنا لموضوع أين تتم عملية التفكير وعلاقة القلب والدماغ وفضلا عن محاولتنا الإلمام بكل ما جاء في القران الكريم بخصوص التفكير والتدبير والعلم فقد حاولنا أيضا أن نمهد للقارئ الكريم ما سنتناوله لاحقا عن تأثير العنصر الوراثي في الإنسان لاسيما تأثير الهرمونات والأنزيمات في عملية التفكير وفي دماغ الإنسان وقلبه .

 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

٢٩ / ٠١ / ٢٠١٢

 

 





الجمعه١٤ جمادي الاول ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / نيسان / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة