شبكة ذي قار
عـاجـل










جمهورية مصر العربية ومنذ توقيع معاهدة "السلام" مع الكيان الصهيوني عام 1979 تحولت الى قاعدة عسكرية وسياسية وإستخباراتية تآمرية متقدمة للولايات المتحدة في منطقتنا العربية. العلاقة الحميمة بينها وبين الولايات المتحدة تطورت على مستوى الحكومات والجيش والاستخبارات بشكل تصاعدي بعد استلام الطاغية حسني مبارك زمام الأمور في البلاد على إثر اغتيال الخائن أنور السادات.  حسني مبارك قدم خدمات جليلة الى الولايات المتحدة والكيان الصهيوني خصوصا بعد تأمره على العراق عام 1990 ومشاركة جيشه في حرب 1991 ضده مع قوات التحالف الثلاثيني، وكذلك تأمره على القضية الفلسطينية بعد مؤتمر مدريد السيئ الصيت الذي عقد في تشرين ثاني عام 1991. تعتمد العلاقات الأمريكية المصرية على ركيزتين رئيسيتين. الركيزة الأولى هي ضمان حيوية معاهدة الذل والاستسلام التي وقعها السادات مع الإرهابي والمجرم الصهيوني مناحيم بيغن عام 1979 بغض النظر عن من سيكون رئيسا لجمهورية مصر العربية وذلك لحماية وجود وبقاء الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. الركيزة الثانية هي الحفاظ على مصر كحليف يعتمد عليها فيما يسمى بـ "الحرب على الإرهاب" بضمن ذلك فتح سجون التعذيب السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية في مصر لاستقبال سجناء الترحيل الاستثنائي خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، هذا إضافة الى تجيير الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات الرسمية العربية الأخرى في خدمة السياسة الخارجية الأمريكية في عالمنا العربي. مقابل ذلك تستلم مصر دعم مالي وعسكري لإدامة ولائها وإخلاصها لأمريكا وللكيان الصهيوني.

 

الدعم المالي الذي تقدمه الولايات المتحدة الى مصر حسب المعلومات المنشورة ينصب في مجريين. المجرى الأول يخص الدعم لإسناد ركائز "الديمقراطية" في مصر وهذه المبالغ لا تتعدى العشرات أو بضع مئات من ملايين الدولارات بينما المجرى الثاني يغذي المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية ويبلغ حوالي 1.3 مليار دولار سنويا. هذه المبالغ التي يبقى معظمها في أمريكا تصرف لشراء الأسلحة الأمريكية للجيش المصري من شركات أمريكية وقسم من هذه المبالغ تصرف لتدريب القوى القمعية الأمنية الخاصة بنظام الطاغية حسني مبارك وشراء ذمم البلطجية والمجرمين لقمع الشعب المصري وكما شاهد العالم مؤخرا حينما قامت تلك الكلاب السائبة المسعورة بقتل وجرح المئات من المنتفضين المسالمين ضد نظام الطاغية وحرق وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة. الأعمال القمعية والإجرامية التي قام بها نظام الطاغية ضد المنتفضين بواسطة بلطجيته المسعورة لا تؤدي بالضرورة الى قطع الدعم المالي الأمريكي للنظام المصري لأن النظام المصري الحالي حليف ثمين لأمريكا لا يمكن الاستغناء عنه خصوصا وكما ذكرنا أعلاه في حربها على ما يسمى بـ "الإرهاب"، وتجيير المؤسسات الرسمية العربية لخدمة المصالح الأمريكية، وكذلك أنه حلف للكيان الصهيوني وحامي أمنه ومصالحه من خلال قمع المقاومة الفلسطينية وإسناده للسلطة الفلسطينية المنبطحة بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.  

 

الانتفاضة المصرية العارمة التي هزت كرسي الطاغية حسني مبارك وأضعفت نظامه الفاسد أربكت أمريكا وحلفائها خصوصا الكيان الصهيوني بسبب الثقل السياسي والاستراتجي المهم لمصر في منطقتنا العربية. إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أظهرت تخبطا وارتباكا في تصريحاتها وردود أفعالها الغير متوازنة على ما يجري في الساحة المصرية بعد إصرار المنتفضين على إجراء تغيير جذري في النظام السياسي القمعي الفاسد في مصر. ردود الأفعال الأمريكية كانت تتغير حسب قوة وشدة المد والجزر بين المنتفضين من جهة وبين السلوكية القمعية لنظام الطاغية حسني مبارك. إدارة باراك أوباما التي في بداية الانتفاضة حاولت إنقاذ حليفها حسني مبارك وإبقائه في منصبه مع تقديم النصائح له بالقيام ببعض التعديلات التجميلية على نظامه لإرضاء المنتفضين. لكن بعد إحساسها بأن هذه الترقيعات المصطنعة لا تفي بمطالب الثوار حورت تصريحاتها وأخذت تبحث عن بديل ثاني وفيا لها، مشابه في الخصائص والخنوع لحسني مبارك الذي سينفذ أوامرها ويحافظ على الدعائم الأساسية للعلاقات المصرية الأمريكية، ولهذا أنها اختارت مدير المخابرات المصرية عمر سليمان لكي يكون نائبا للرئيس الذي سيحل محلة في حالة تنحية حسني مبارك. هذه السلوكية ليست غريبة لأن المعروف عن الولايات المتحدة أنها حينما لم تستطيع إسناد عميل وفي لها تبحث عن بديل آخر له يحافظ على مصالحها الحيوية وهذا ما شاهدناه يحدث في عدة دول في أمريكا اللاتينية وقارة آسيا وأفريقيا.

 

مأساة التخبط في سلوكية السياسة الخارجية الأمريكية في الشأن المصري بعد تصاعد الانتفاضة كان سببه التعامل المزدوج مع الحدث الذي اعتمد من جهة على عمليات وكالة المخابرات المركزية  ومن جهة أخرى على إسلوب الدبلوماسية الكلاسيكية لوزارة الخارجية الأمريكية. بينما كانت إدارة باراك أوباما تنسق خلف الكواليس على إبقاء الطاغية حسني مبارك في كرسيه تتعاطف نفس الإدارة في نفس الوقت وبشكل تمويهي مع مطالب الجماهير المصرية المنتفضة، حيث أنها أرسلت فرانك ويزنر "جاي. آر. (ألابن)" للاجتماع مع حسني مبارك ونائبه عمر سليمان وآخرون في الإدارة المصرية، ومن ثم أرسلت السفيرة الأمريكية في القاهرة مارجريت سكوبي للاجتماع بمحمد ألبرادعي والتحدث معه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان. هذه كانت ميزة ازدواجية السياسة الخارجية الأمريكية المتخبطة في الحدث المصري، من ناحية أنها تحت الوهم والتمويه الإعلامي المعلن تساند الحرية وحقوق الإنسان ومن ناحية أخرى في الجانب المظلم تحيك المؤامرات من خلال المبعوثين الخاصين من أمثال فرانك ويزنر "جاي. آر." في محاولة لإبقاء عميلهم المخلص حسني مبارك في منصبه.

 

بعد اجتماعه بحسني مبارك ونائبه خرج فرانك ويزنر "جاي. آر." بتصريح غريب قائلا "من الضروري بقاء الرئيس في السلطة حتى يدير الإصلاحات المطلوبة للانتقال السياسي. لذلك أعتقد أن قيادة الرئيس مبارك المستمرة للسلطة أمر بالغ الأهمية. أنها فرصة له لكتابة تراثه الخاص. لقد كرس 60 عاما من حياته لخدمة بلاده. هذه لحظة مثالية بالنسبة له لتحديد المسار الواجب سلوكه، ليس فقط الحفاظ على الاستقرار وحكومة مسؤولة، لكن في الواقع تشكيل وإعطاء السلطة الى الانتقال الذي يجب أن يكون جاريا".

 

بعد هذا التصريح المفضوح لفرانك ويزنر خرج الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي - خصوصا بعد الأحداث الدموية التي سببتها عصابات بلطجية نظام حسني مبارك - ليعلن "أن تصريحات ويزنر تعبر عن رأيه الشخصي ولم ينسقها مع الإدارة الأمريكية". وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من ناحيتها قالت "نحترم بشدة  السنوات الطويلة التي قدمها فرانك ويزنر في خدمة بلادنا، لكنه لا يتكلم نيابة عن الحكومة الأمريكية".

 

إذن من هو فرانك ويزنر "جاي. آر." وكيف اختير كمبعوث الى حسني مبارك ؟!!!

 

المبعوث الأمريكي فرانك ويزنر "جاي. آر. (الابن)" الى حسني مبارك هو ابن فرانك ويزنر سينور "الأب" المشهور جدا في وكالة المخابرات المركزية الذي كان قائدا لعمليات إجراء ما لا يقل عن ثلاث انقلابات:

 

ضد رئيس غواتيمالا  جاكوب أربينز غوميز عام 1954، ضد رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق عام 1953، ومحاولة انقلاب في غويانا، وكان أيضا الرجل الذي خلق فكرة "ورليتزر"  حيث أن الحكومة الأمريكية أو بالأحرى وكالة المخابرات المركزية كانت تدفع رواتب للصحفيين للذهاب الى أوربا وبقية أنحاء العالم خصوصا دول العالم الثالث والقيام بدعاية لصالح أمريكا والغرب.  

 

خدم فرانك ويزنر (الابن) في سلك الدبلوماسية الأمريكية لمدة 36 عاما، عاصر فيها ثمانية رؤساء أمريكان. كان له منصبا ثابتا في وزارة الخارجية، عمل كسفير للولايات المتحدة في مصر من عام  1986 الى عام 1991. خلال تلك الفترة، أصبح صديق مقرب لحسني مبارك، وفي ذلك الوقت، أقنع حسني مبارك لجلب مصر دبلوماسيا الى جانب الولايات المتحدة خلال حرب الخليج الأولى. في وقت لاحق، عمل فرانك ويزنر سفيرا لدى الفلبين ومن ثم لدى الهند قبل عودته الى الولايات المتحدة حيث أصبح جوهريا أحد أصحاب الشأن والنفوذ الكبير في الحزب الديمقراطي. أحد الأشياء الذي قام به فرانك ويزنر خلال الفترة الأخيرة هو تأليف تقرير لمعهد جيمس بيكر، حيث أنه جادل بأن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية ليس الديمقراطية، التي يعتبرونها على أنها اهتمام طويل الأمد، لكن الاستقرار، الذي هو اهتمام قصير الأمد. لذا، فإن فرانك ويزنر (الابن) يعد مسؤول متمرس في وزارة الخارجية، صديق مقرب جدا من حسني مبارك، رجل أكثر التزاما بالاستقرار من الديمقراطية. وحسب ما كتبه عنه الصحفي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة الغارديان البريطانية  أنه يعمل منذ سنتين في شركة المحاماة باتون بوغز التي تتفاخر على الملأ أنها تقدم المشورة والنصائح الى "الجيش المصري، والى وكالة التنمية الاقتصادية المصرية، وعالجت تحكيما ومقاضاة نيابة عن حكومة (مبارك) في أوربا والولايات المتحدة".  

 

لذا ليس من الغريب ان يدافع فرانك ويزنر عن صديقه الطاغية حسني مبارك الذي تربطه معه روابط مادية وروابط عمل مشتركة من أجل إبقاءه في دفة الحكم في مصر متسلطا على رقاب الشعب المصري باسم الاستقرار.

 

تحية لذكرى ثورة 14 رمضان، 8 فبراير/شباط 1963

تحية نضالية لكل المنتفضين الوطنيين الأحرار في أقطار وطننا العربي الكبير

الرحمة لشهداء الإنتفاضات العربية

الشفاء العاجل لكل جرحى الإنتفاضات العربية

ليكن صمود الانتفاضة المصرية المفتوحة بابا مفتوح لرحيل الطاغية حسني مبارك ونظامه الفاسد

نأمل أن يكون الزحف الحالي نحو البرلمان بداية للزحف الكبير لإسقاط الطاغية الفرعونية

نأمل أن تمتد هذه الانتفاضة بقوتها وحجمها الجماهيري الى جميع أرجاء وطننا العربي الكبير خصوصا في عراقنا المحتل للتخلص من الإحتلال وعملائه وكل الطغاة والحكام الفاسدين وذلك لبناء مستقبل مشرق لأبناء أمة العرب من المحيط الى الخليج.

 

 

 





الاربعاء٠٦ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة