شبكة ذي قار
عـاجـل










نهض الشعب العربي التونسي بعد معاناة طويلة منتفضا على النظام الدكتاتوري القمعي الذي حكم البلاد لمدة 23 عاما والذي تميَّز بالفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي وسلب الحريات العامة والخاصة للجماهير التونسية. إضاءة شرارة بركان الانتفاضة التي أدت إلى هروب الطاغية زين العابدين بن علي من قصره واللجوء إلى المملكة العربية السعودية في 14 يناير/كانون ثاني 2011  بدأت بالاشتعال في 17 ديسمبر/كانون أول 2010  بعد أن أضرم الخريج الجامعي الشاب محمد ألبوعزيزي العاطل عن العمل النار في جسده أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا على منعه من قبل السلطات المحلية في المدينة من ألاستمرار في عمله كبائع متجول وذلك لعدم إمكانيته دفع الرشوة من أجل الحصول على رخصة الوقوف وبيع الفاكهة من عربته في السوق المحلي. الاحتجاجات الجماهيرية العفوية التي حصلت في مدينته على إثر وفاته اتسعت أفقيا لتشمل العديد من المدن التونسية الأخرى ومن ضمنها كانت العاصمة تونس. أتساع هذه الاحتجاجات أدت إلى نزول الجيش إلى الشارع وحدوث مصادمات بين المحتجين وقوات الأمن الخاصة التي أطلقت القنابل المسيلة للدموع والعيارات النارية الحية على المتظاهرين وأردت العشرات منهم بين قتيل وجريح، هذا ماعدا اعتقال المئات منهم. تعاظم الحركة الاحتجاجية أرغمت الطاغية زين العابدين بن علي في النهاية إلى الفرار من البلاد بشكل مخزي على الرغم من بطشه ومن محاولاته اليائسة لامتصاص النقمة الشعبية وإنقاذ حكمه الدكتاتوري القمعي الفاسد من خلال وعود خاوية للجماهير المنتفضة. العامل المساعد الذي أعطى زخما واسعا للجماهير الغاضبة في الاستمرار بالتظاهر والاحتجاج ضد السلطة كان رفض الجيش الانصياع لأوامر الطاغية بإطلاق النار ضد الجماهير المحتجة وانسحابه من الشارع قبل توريطه في مجازر ضد الشعب. اتساع المناوشات بين المتظاهرين وقوات الأمن خصوصا مع تلك المولية لزين العابدين بن علي نتج أيضا إلى انفلات أمني واسع النطاق في العديد من المدن التونسية. كذلك حصلت إضرابات في السجون وهروب المئات من السجناء منها وإتلاف العديد من الأملاك العامة والخاصة. أعيد الهدوء النسبي خصوصا إلى العاصمة تونس والعديد من المدن الأخرى بعد نزول الجيش إلى الشارع للمرة الثانية ومطاردته لـ وإلقائه القبض على العناصر المخربة والعناصر الأمنية الموالية لبن على وسيطرته على الحرس الجمهوري الخاص في القصر الجمهوري.  

 

بعد فرار زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية أعلن رئيس وزراءه محمد الغنوشي نفسه رئيسا مؤقتا للجمهورية التونسية معتمدا على المادة 56 من الدستور التونسي لحين إجراء انتخابات جديد لانتخاب برلمانا وحكومة ورئيسا جديدا للبلاد إلا أنه بعد احتجاجات على عدم شرعية تنصيبه تنازل من منصبه في اليوم الثاني وانتخب بدلا عنه رئيس البرلمان التونسي فؤاد المبزع رئيسا مؤقتا لتونس اعتمادا على المادة 57 من الدستور التونسي. فؤاد المبزع طلب بعد ذلك من محمد الغنوشي تشكيل حكومة انتقالية تتكون من عناصر حزب السلطة وعناصر من أحزاب تونسية معارضة على الرغم من التشكيك برأسته وبشرعية هذه المبادرة من قبل الجماهير الثائرة وأواسط في المعارضة التي اتهمت السلطة الجديدة بمحاولة الالتفاف على الثورة.

 

ذكرنا في مقال سابق نشر تحت عنوان "هل ستمتص نقمة الشعب التونسي بعد هروب زين العابدين بن علي؟!!!" بأن التغيير الذي حصل في تونس لم يكن أكثر من تغيير شكلي بسيط متمثلا فقط "بخروج زين العابدين بن علي مع عائلته والأقربون منه ولجوئهم إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي ودول أوربية أخرى وبقاء رموز النظام في أماكنهم كما هو عليه الحال الآن مع تغييرات طفيفة هنا وهناك، وإعلان حالة الطوارئ ونشر الجيش والشرطة والقوى الأمنية كلها تدل على محاولة امتصاص النقمة الشعبية العارمة وتهدئة الشارع التونسي من أجل السيطرة على الانفلات الأمني الذي حصل على إثر الاضطرابات"، وقد سألنا أيضا عدة أسئلة منها كانت "هل كان هذا التغيير متوقعا أم أنه كان حدثا مفاجئا ومن الذي يقف خلفه؟!!! أهي قوى شعبية منظمة وأحزاب تقدمية مؤثرة داخل المجتمع التونسي؟!!! أم أن هذا التغيير هو مجرد انعكاس لاضطرابات داخلية قامت بها مجاميع عفوية مستاءة غير منتظمة أو غير منظمة سياسيا؟!!!". بالفعل هذا ما حصل لأننا ولحد لم نلاحظ أي حدث جديد أو تغيير جذري ذات أهمية كبرى قد وقع في خضم المتغيرات السياسية المتوقعة في مثل هذه الاضطرابات الداخلية، لأن هيكل نظام الدولة بقى كما هو عليه لم يتغير، وأن العناصر التي سيطرت على نظام الحكم الآن هي نفس العناصر التي كانت تخدم في إدارة زين العابدين بن علي. وهنا نطرح سؤال آخر لماذا توقف التغيير فقط عند حد هروب زين العابدين بن علي وزمرته إلى الخارج؟!!!

 

الشيء الوحيد الذي حصل وكما توقعنا هو تشكيل وزارة انتقالية جديدة من قبل محمد الغنوشي الذي كان رئيسا للوزراء قبل الأحداث. الوزارة الانتقالية الجديدة التي شكلها محمد الغنوشي تتكون من ستة وزراء كانوا يخدمون في وزارته السابقة - مع احتفاظهم بنفس حقائبهم الوزارية القديمة-، بالإضافة إلى وزراء جدد اختيروا من المعارضة وبعض النقابيين والحقوقيين. تشكيل هذه الحكومة الانتقالية وسيطرة الجيش والشرطة على الشارع التونسي يعني وكما نتوقع أولا محاولة تهدئة الجماهير الغاضبة المتعطشة لحدوث تغيير جذري في نظام الحكم في تونس ومن ثم الالتفاف الكامل على الإنتفاضة وإخمادها بشكل كامل. الغريب في سياق هذه الأحداث والأخبار المتضاربة والمتداخلة هي قبول المعارضة المشاركة في الحكم مع جلادي الشعب التونسي. هل تعني هذه المشاركة في الحكومة الانتقالية حقن الدم التونسي والإقلال من الهدم والتدمير للبنى التحتية والسيطرة على الأمن والوضع الداخلي من أجل المصلحة العامة لحين إجراء انتخابات جديدة؟!!! الجواب على هذا السؤال يعتمد على مصداقية الحكومة الانتقالية في أجراء انتخابات حرة ديموقراطية وشفافة من أجل بناء دولة المواطنة التي تسمح للمواطن أختيار ممثله في البرلمان بحرية كاملة.  

 

الحكومة الانتقالية الجديدة وعدت بأنها ستقوم بتشكيل لجان تحقيق من أجل الوصول إلى المشاركين في أعمال الفساد الاجتماعي والاقتصادي والمالي وجمع الثروة الغير مشروعة في عهد زين العابدين بن علي. لكن هل تستطيع هذه الحكومة محاسبة نفسها وكذلك محاسبة عناصر حزب التجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم؟!!! هل يثق الشعب التونسي الذي عانى وضحى بالكثير من اجل استمرار شعلة الإنتفاضة مضيئة لحين التغيير الحقيقي في نظام الحكم ومحاسبة العناصر الفاسدة؟!!! ومن يضمن ذلك؟!!! ماذا سيكون دور المعارضة التي ترفض الانخراط في العملية السياسية الجارية بعد تشكيل الوزارة الانتقالية؟!!! هل ستستمر في الحث على الإضرابات والإعتصامات وقيادة المسيرات الاحتجاجية أم أنها ستقف بالمرصاد لتحركات الحكومة الجديدة وتراقب مدى مصداقيتها في تنفيذ الوعود التي طرحتها على الشعب؟!!! من هي المعارضة الحقيقية التي تقود الجماهير المحتجة المنظمة منها والغير منظمة في أحزاب وتجمعات سياسية... وأين هي؟!!!!

 

الذي يقلقنا حاليا هو التدخل الخارجي في الأحداث المستمرة التي تعصف بالمجتمع التونسي. الشعب التونسي المنتفض يحتاج إلى المساعدة والإسناد من قبل كل القوى الخيرة في العالم من أجل تحقيق طموحاته المشروعة في الحرية والعيش الكريم. لكن الذي نشكك في مصداقيته هو التشجيع الإيجابي الغير متوقع للشعب التونسي المنتفض ضد طغمة زين العابدين بن علي من قبل إدارة الصهيوني نيكولاي ساركوزي وإدارة باراك أوباما المتصهينة اللتان تعملان على بث روح التفرقة بين الشعوب خصوصا في البلدان العربية. لذا يبدو لنا أن هاتين الدولتين بالإضافة إلى دول الإتحاد الأوربي وبعض الدول العربية التي تآمرت على العراق تريد فقط التخلص من زين العابدين بن علي وبطانته الفاسدة التي أصبحت عالة على هذه الدول بعد فضيحة تسريبات ويكيليكس. لذا نحذر شعبنا العربي التونسي من الاختراقات ومحاولات الالتفاف على الإنجازات التي حققها لحد الآن من قبل عناصر إستخباراتية عميلة للغرب والرجعية العربية المتحالفة مع الغرب ضد مصالح أمتنا العربية.

 

 





الاربعاء١٥ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب دجلة وحيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة