شبكة ذي قار
عـاجـل










من كل عام وفي هذه الأيام يندفع المحبين لنصب شجرة الميلاد وتعم الفرحة و البركة على البيوت التي تحتضنها شجرة الميلاد , أقول ذلك كحقيقة عشناها في عراق قبل الاحتلال ؛حيث كنا نستقبل بل يشاركوننا كل الناس في تزيين القلوب بمصابيح النور و المحبة وحتى كانت قيادتنا سباقة لتقدم التهنئة بصفة الشراكة باحتفالات المحبة والسلام وكانت ترسل لكنائسنا باقات من ورود للتهنئة واليوم تستقبل كنائس العراق المتفجرات وقتل الأبرياء , وكان المسيحيون يصلون و يمجدون رب السماء والأرض , واليوم تقصف وتهدم الكنائس على رؤوس المصلين , كان الفرح يرقص في شوارعنا واليوم الخوف يلم بمضاجعن , كنا دوماً نحس بدفء الآخرين قبلما نحس بدفء قلوبن , كانت شوارعنا تعرض المحبة وأزقتنا تفوح منها رائحة الفرح وعلى جدران شوارعنا تُرسم ألوان العيد والبهجة وكنا ننام ونصحي بأمان وشجرة الميلاد تُصًبِحُ علينا بعافية المؤمنين , و كل طرقنا وأزقتنا كانت مضاءة بنواطير الشعب الأحباء الذين كانوا يسهرون علينا واليوم ميليشيات تترصد بنوافذنا لترقب شجرة ميلاد لتنسف الدار ومن فيه , وكنا نحظر القداديس ونتلوى الصلوات في الليل والنهار واليوم عصابات تقتل المصلين في وضح النهار وتقتل العشرات ولم يسلم من مجزرة كنيسة سيدة النجاة المئة مصلي إلا ستة وأجهزة الأمن تقول أن العملية ناجحة! وكان السلام يقفز بين سطوح بيوتنا وأبنيتنا والكل يرحب به ويضيفه ويتركنا وبسمتنا تودعه لجار عزيز أخر , و نتجول في شوارعنا والضحك يسبق التحية ونرجع في تلك الليالي الى بيوتنا وخاصة في ليلة راس السنة لِتَلُفَنَا شجرة الميلاد وتحتضنن , وكما تحتضن شجرة الميلاد الأوطان والشعوب التي تؤمن وتعيش السلام والمحبة والوحدة في ذاتها ..واحتضان شجرة الميلاد للبيوت والأوطان لايكون بأذرع بل بأثير يملئه الحب وبركة الرب العلي ..ومن عاين شجرة الميلاد لوَجَدَ جنسها من الصنوبر أو السرو الدائم الخضرة سواء في شتاء متجمد أو في صيف قار فهو دليل على حيويتها ونضارته , ففي صورتها دلالة على إستمراية الحياة وفي نفس الوقت تعبرعن المولود في المذود والذي فيه كانت الحياة والحياة نور للناس والنور يضئ في الظلمة والظلمة لم تدركه. تنتصب شجرة الميلاد في يوم ولادة ملك ورسول المحبة و السلام يسوع المسيح , والمسيح الحي هو العيد و الشجرة دالته في البيوتات والأوطان التي تنتصب هذه الدالة العظيمة , ولكن الدالة الحقيقية ليست دالة مادية أي شجرة قلعت من أرض ونصبت في وسط بيت أو مدينة أو بلدة أوتوزعت في شوارع وزينت وأُضيئت بمئات بل الالاف من الاضوية لتنير من حوله , إنها ليست دالة شجرة المولود , لان المولود العظيم من العذراء لايقبل أن تكون دالته جسدية قائمة وهو الذي قال ) ( المولود من الجسد جسد و المولود من الروح روح)) , وهي بذلك لا تعبر عن حقيقة الميلاد العظيم لان من لا يعيش النور في داخله لا يمكنه أن ينير من حوله , ومن لا يؤمن بحقيقة السلام ويعيشه لا يستطيع أن يهب السلام للآخرين ومن لايعرف أن يحب لايمكنه أن يهب الحب للآخرين.وهنا أقف لأقول إذن الاحتفال بأعياد الميلاد المجيد ليس في مظاهره بل في جوهر وعندما ستحين الساعة سيواجه اللذين زيفوا أعياد الميلاد وسرقوا من هذا العيد حقيقته وحولوها الى مظاهر كاذبة وباعوا القيم التي جاء بها صاحب العيد , فإنه في يوم الحساب سيقف صاحب العيد ليدينهم لأنه هو الديان .إذن من هولاء اللذين يهتفون ويملئون الدنيا صراخاً مؤذيا وزعقا مزعجاً بأنهم يحتفلون بميلاد المحبة والسلام وضحاياهم في العراق وفلسطين وأفغانستان وفي كل زاوية من هذا الكوكب يئنون من الأوجاع والأذى الذي تسببوه لهم , و الرب الواحد الأحد قد خلق هذا الكوكب ليكون فردوساً للإنسان؟كيف يقولون بالسلام وهم غزو العراق وبدون حق وهدموا حضارته التي بنتها سواعد عراقية مخلصة وشاعوا فيه الفساد والدمار والفرقة والقتل وفي أخر المؤامرة الوسخة جهزوا طبخة سموها حكومة شراكة وهي لا تختلف عن سابِقاتها إلا بتوسيع دائرة الوزارات وأجبروا صناعهم على القبول بهذا السيناريو الكارتوني لحفظ ماء وجههم من شعب العراق العظيم بل من العالم الذي أشمئز من هذه اللعبة الرخيصة. وبعد أن أعدوا هذه المسرحية جلس المحتل الذي جاء من الغرب مع المحتل الذي جاء من الشرق جنباً الى جنب تاركين صراخ دبلوماسيهم العدائية الكاذبة تملا أورقة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وحقيقتهم تظل في اصطفافهم مع بعض في الجلسة الافتتاحية للبرلمان.


أين السلام في العراق , وأين السلام في فلسطين الجريحة , وأين السلام في أفغانستان , وأين حقوق الإنسان ؟ فقتلة الشعب الياباني في هيروشيما وناغازاكي وسفاحي شعب فيتنام البطل أحفادهم اليوم يقتلون الإنسان في العراق وفي فلسطين وفي دارفور وفي أفغانستان وباسم ديمقراطيتهم , وطفل المذود ملك السلام المتواضع يتبرأ منهم وهوا لذي قال:(قد سمعتم إنه قد قيل للقدماء لا تقتل , ومن قتل يكون مستوجب الحُكم , و أما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب المجمع) فأين أنتم ياقتلة الشعوب من قول ملك السلام؟ , والفقر والجوع الذي ملاءته الامبريالية والصهيونية العالمية في العراق وفلسطين وأفغانستان ومعظم القارتين الإفريقية والأسيوية والذي يموت الالاف من جرائه وهم يتخمون بطونهم بمال الشعوب الجائعة , و رسول السلام هو الذي أشبع الجياع فبسمكتين ورغيف خبز أشبع خمسة إلف من الرجال ماعدا النساء والأطفال!فأين أنتم منه؟.شردتم أريع ملايين ونصف عراقي بعد ما غزيتم العراق ودمرتم كل الحياة فيه , ورسول السلام هو الذي قال:(طوبى للمطرودين من اجل البر , لان لهم ملكوت السموات) والطوبى لكل العراقيين ولكل الفلسطينيين المشردين ولكل شعوب العالم اللذين شردهم الشر وجنود الشر , ورسول السلام الذي نحتفل اليوم بميلاده جاء من اجل العالم وكل الشعوب يتوجع كل يوم من أجلنا.فالطوبى لنا مسلمين ومسيحين وصائبة وكل الطوائف.. ولكم الحساب , فأين مما أنتم ما تفعلونه بالإنسان الذي هو على صورة خالقه؟هذا والعراق المحتل من قبل إيران والولايات المتحدة يعاني من الكثير من الماسي وقد دُمر فيه الإنسان الذي ولد من اجله المسيح رسول السلام , ودمرت الأرض والحياة من أجل كذبة هم لم يصدقونها غلافها أسلحة دمار شامل حقيقتها جشع شيطاني وحقد على الإنسان الذي كان يبني لحضارة , ورُعبٌ من فكر خلاق وعقيدة مؤمنة بالله وبأنبيائه وبالإنسان وهي عقيدة البعث الخالد.فهل رسالتكم وأهدافكم هذه هي من رسالة المسيح العظيم؟وهل تشريد الملايين من الفلسطينيين ومنذ أكثر من ستين عاماً على يد عصابات وقتل أبنائهم واحتلال أرضهم واضطهادهم وتدمير الإنسان بحروب قاسية وشريرة وحاقدة كالتي جرت في أرض غزة العزيزة وخداع العرب والعالم برقصات لحنها صهيوني وعزفها جوق إمبريالي إيراني ومطربها ربوتات مُصَنَعَةٌ بعملية لاتتعدى في مكوكيتها إلا مضيعة للوقت وللجهد! فهل هذه المأساة تقبلها رسالة السلام للمسيح العظيم؟ وكيف يمكن أن نصف الوضع في دارفور وأفغانستان وكل المناطق الملتهبة في هذا الكوكب الذي أراده الله سبحانه وتعالى جنة للبشر فحولتموها الى مراع للشيطان وأتباعه والى جهنم يكتوي منها البشر. ورسول السلام الذي نحتفل بمولده حاضرُ اليوم مع كل عراقي ظلمته القوى الامبريالية الصهيونية والإيرانية , ومع كل فلسطيني شريف شُرد من دياره وقُتِلَتْ عائلته على يد الامبريالية الصهيونية العالمية وأشبعته الرجعية الإيرانية كذباً و خداع , ومع كل إنسان جائع أو عطشان أو مشرد في هذا العالم والذي تتحمل ذنبه القوى الدولية والتي تَدَعي بالاحتفال بعيد مولده وهو الذي قال :(تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيل الأحمال وأنا أُريحكم , أُحملوا نيري عليكم وتعلموا مني لاني وديع متواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لان نيري هين وحملي خفيف).

 

كم كنت أتمنى على العالم وخاصة الطيبين منهم وهم كثروا أن يهتموا بإقامة الصلوات والدعوات من أجل المظلومين في العراق وليعيدوا الشرعية لأهله ولفلسطين أن يعيدوا الأرض والمغتصبات ولأفغانستان وحدته ولدارفور سلامة أبنائه وللبنان تالفة الوطني وأن يعيدوا للعالم سلامه , لنصلي مسلمين ومسيحين في مساجدنا وكنائسنا ونطلب الرحمة من القدير شفاء للمرضى والإطلاق للأسرى والفرج للمكروبين و العودة للبعدين والهداية للضالين والألفة والاتفاق للمتخاصمين والغفران للخطاة والصفح عن ذنوب المذنبين اللذين سرقوا الفرحة من الأطفال اللذين يعيشون اليوم لحظات التشرد والحرمان والجوع والقتل , وليحاسب صاحب عيد الميلاد المجرمون من أمثال بوش وبلير وأتباعهم على قدر أفعالهم الإجرامية وبذلك يستحق هذا العالم أن يزين شوارعه وبيوته ومدنه بشجرة الميلاد , لان أعياد الميلاد تُحتَفل بها بتحقيق الدعوات التي نرفعه , أما كل هده من مظاهر خارجية للاحتفال بعيد الميلاد لا تعبر عن فلسفة المولود في المذود , ومهما تَزَيَنت البيوتات والشوارع والأزقة بهذه المظاهر الخارجية فهي لن تستطيع ان تعبر عن الولادة الحقيقية لطفل المذود.وعندما ولد السيد المسيح قبل أكثر من إلفي سنة لم يولد في مدينة عظيمة مزينة وعلامات البهرجة عليها مثل نيويورك أو باريس أو لندن ولكنه ولد في مدينة صغيرة وبسيطة هي بيت لحم , ولم يولد هذا العظيم في قصر مثل البيت الأبيض والقصر الملكي في لندن ولا في سرير ملوكي مصنوع من الحرير بل ولد في مذود وفي إسطبل بسيط ومتواضع , إنها ولادة عجيبة فيها حكمة ربانية , إنه المسيح المتواضع فهل سيلقى مذود في قلوب اللذين غزو العراق ودمروه وأحرقوا غزة وسحقوا أهله , أنا أقولها وليسامحني الرب أن المسيح سيقول لكل من ساهم في غزو العراق و تدميره وشرد أهله الطيبين وسلب أرض فلسطين وقتل أبناءها : إني لا أعرفكم!أذهبوا عني يا ملاعين الى النار المعدة لإبليس وملائكته..

 

فلنتشارك ونصلي لله سبحانه وتعالى بهذه المناسبة المقدسة من أجل العالم الفاقد للسلام , أن يمنحه السلام في يوم السلام وأن تسود روح المحبة والعدل والرحمة والإيمان والمساواة في هذا العالم , وأن يعيد للعراق أمنه والمحبة بين أبنائه وتعود البسمة في وجوه الأطفال ليحتفلوا بأمان وسلام , ويرحم شهدائنا وفي مقدمتهم رموزنا الوطنية و رموز الأمة ويطلق أسرانا في سجون المارقين القتلة ويساعد الرب كل العراقيين المهجرين ليعودوا الى أرض الوطن ليبنوه من جديد وترجع كل السواعد القوية المؤمنة لبناء العراق التي أعادة بنائه بعد العدوان اللئيم في عام 1991.

 

وتعود شجرة الميلاد الحقيقية تنبت في ارض الرافدين مرة أُخرى , وتضيء في قلوبنا بنور المحبة والسلام و نعود أمنين كما كنا .. أمين

 

 





السبت١٩ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة