شبكة ذي قار
عـاجـل










أحبتي وأخوتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحظى شهر المحرم عندكم يا أحبّائي وعند كل أهلنا في العراق بمكانة خاصة وطقوس معينة، فهو عدا كونه من الأشهر الحرم فهو شهر إستشهاد أحد سيدي شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليهما السلام. وهاهو هلال شهر محرم الحرام يوشك أن يطل علينا، فماذا أعددتم لهذا الشهر الفضيل؟


سيقول بعضكم أنّه قد أعدَّ العُدّةَ لزيارة الحسين (ع) أو أنّه سيمشي من بلدته- بعدت أو قربت إلى كربلاء سيراً على الأقدام تعظيماً وتقديراً لمكانة الإمام الشهيد، وأنّه إستعد لهذه الزيارة نفسياً وجسدياً وحفّـز بعض اصدقائه ورفاقه وحثهم على مشاركته لينالوا الثواب والأجر العظيم عند الله جل وعلا. وأن قراره هذا لن يتغير بتغيّر الوضع الأمني في البلد فهو لن يتراجع أمام تهديدات "الإرهابيين والتكفيرين والصدّاميين" وغيرهم ولن تثنيه المفخخات ولا العبوات والأحزمة الناسفة عن بلوغ مقصده، وإن حصل واصيب بمكروه أو أستشهد فهو فداء لأبي عبد الله الحسين! وهو الآن يبحث عن موكب يلتحق بركبه في الوقت المناسب.


وسيقول بعض آخر أنّه قد هيأ مستلزمات طبخ "الرز والقيمة والهريسة" وهي الاطباق الرئيسية التي توزّع في العراق على الأهل والجيران والأحباب وكل محبي أهل البيت أيام عاشوراء، وأنّه ولهذا الغرض قد أشترى أحسن أنواع الحبيّة والحمص والرز وإنه سيشتري أفضل أنواع اللحوم في حينها ليكسب بما يقدمه رضا الله ومحبة الإمام الحسين وسيستنفر كل أهل بيته للمشاركة في طبخ الطعام، كما سيشاركه كل أهل المحلة في تحريك الهريسة طيلة ليلة العاشر من المحرم طمعاً في الأجر وتحقيقاً للإمنيات التي سيتوسط الحسين(ع) لقضائها عند ربه. كما سيشارك بعض اهل المحلة- وبغض النظر عن مذهبهم وحتى ديانتهم- بوضع بعض الحبيّة- وهي نوع من القمح المعامل بشكل خاص- في قدر الهريسة العملاق للمشاركة في الثواب ولزيادة البركة.


وستتمثل تحضيرات البعض منكم بالملابس السوداء والإعلام الحمراء والخضراء والسوداء والتهيئة النفسية والإستعداد للطم الصدور والخدود وجلد الظهور وربما طبر الرؤوس، فكلما أزدادت درجة المعاناة والأذى التي يلحقها المؤمن بنفسه زاد معها الأجر والثواب، وزادت معها القربى إلى اهل البيت الأطهار، وكان الدم الذي سيسيل من الرؤوس والظهور والصدور دليل التفاني في محبة الأئمة الذين قال عزَّ وعلا في محبتهم: قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ.


وبالطبع ستشمل هذه التحضيرات والإستعدادات كل العائلة صغاراً وكباراً وسيأخذ البعض منكم صغارهم لمشاهدة أوالمشاركة في فعاليات اللطم والجلد والتطبير، وستسيل دماء بعض الصغار على جباههم وتلطخ دشاديشهم واثوابهم - ولكن هذه الدماء وكما سيخبركم السيد ستطفيء غضب الله وتطفيء نار جهنم. ولو حصل المكروه-لا سامح الله- وتعرض الطفل لأذىً بالغ فهو في سبيل الحسين وفداءً لأبي عبد الله.

 

وسيكون لنساء البعض منكم تحضيرات إضافية تختص بـ "القراية"- وهي نوع من أنواع التجمعات النسائية داخل البيوت تشابه المأتم الحسيني الذي يمارسه الرجال في الحسينيات والجوامع ويتم فيها وعلى مدى عشرة ايام تناول مفردات مسيرة الحسين وأهل بيته عليهم السلام من المدينة المنورة حتى وصولهم كربلاء وتفاصيل واقعة الطف الشهيرة ( الطف هو الأسم القديم لكربلاء) التي إنتهت بإستشهاده عليه السلام مع كثير من أهل بيته وانصاره. ويتم التركيز خلال هذه القرايات والمآتم على الجانب المأساوي للواقعة وتناول أدّق تفاصيل المعركة بشكل يثير المشاعر الحزينة ويعمق الشعور بمأساوية الحدث دون التطرق كثيراً إلى الجوانب المبدأية والقيمية لتلك الواقعة المهمة في التاريخ الإسلامي إلا باشارات عابرة تضيع في خضم العويل والبكاء ولطم الخدود الذي يسود مثل هذه التجمعات،،، ولم لا؟ ففي الحديث الذي يتناقله هؤلاء الذين يعتلون المنبر الحسيني والذين يسمّون بــ " الرواديد ومفردها رادود" أن الرسول الكريم – صلى الله عليه وآله وسلّم- قال ما معناه أن دمعة واحدة تذرف على الحسين تطفيء نار جهنم. ولن ينسى هؤلاء الرواديد وأقرانهم من النساء الذين يسمّون "ملاّيات ومفردها ملاّية- وهي تانيث لفظة ملاّ" أن يكيلوا اللعنات على قتلة الحسين وأهل بيته وعلى "الأمة التي قتلته"... وهو تعبير يخفي وراءه أهدافاً سياسية وعنصرية لم تعد خافية على أحد إلا البسطاء واصحاب النوايا الحسنة.


ولابد أن للبعض منكم تحضيرات أخرى مختلفة فاتني أن اذكرها أو اتذكرها، ولكنها جميعاً ستصب في السياق العام الذي تحدثنا عنه فيما مر أعلاه... فطقوس الحزن والبكاء وذكريات المأساة هي التي تغلب على كل تصرفاتكم وتصبغ فعالياتكم باللون الأسود ؛ لون الحزن الذي يملأ قلوبكم، وطعم الندم على الجريمة التي أرتكبها اسلافكم يملأ أفواهكم ويفطر أكبادكم.


ولكن هل المطلوب منّا أن نبكي شهيداً مثل الحسين ذهب إلى ربه راضياً مرضيا؟ يقول الله تعالى في سورة البقرة: " وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ" فالحسين عليه السلام ومن استشهد معه أحياء عند ربهم " فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " فالموت في سبيل المبادئ هو غاية المؤمنين وخلاصهم، وهو حياتهم الخالدة عند ربهم،،، ويقيناً أن الحسين عليه السلام كان يتمنى الشهادة ويدعو ربه أن يرزقه إياها. أليس هو القائل فيما ينسب إليه:


أن كان دين محمد لايستقيم إلا بموتي فيا سيوف خذيني؟
وهل سيعيد البكاء والندم عجلة الحياة إلى الخلف؟


إن يقينيً أنكم تمنيتم أن تكونوا قد حضرتم الموقعة كي تنصروا الحسين وتستشهدوا بين يديه،،، أليس هذا صحيحاً؟ ألستم القائلين ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما؟ وما أدراكم لو أنكم كنتم هناك أنكم لن تنقلبوا عليه وتتبعوا جيش الكوفة؟؟؟ وما أدراكم أنكم لو كنتم هناك أنكم ستضيعون الفرصة كما ضاعت من الذين من قبلكم؟ فقد تسربت الجنة من بين أصابعهم كما يتسرب الماء من الغربال، ولم يحصدوا غير الخزي والعار والندم،،، ستقولون مستحيل كيف لنا أن نفوّت الفرصة ونخسر الجنة وهي ماثلة أمام أعيننا؟ كلا، سنكون كالحر بن يزيد الرياحي الذي تحول من جيش الكوفة إلى جيش الحسين بعد أن خيّر نفسه بين الجنة والنار وأختار الجنة. وسنقول لكم أنكم خذلتم وطنكم الشهيد وأعلنتم إصطفافكم مع جيش الكفر والعدوان وسمحتم للغزاة المعتدين أن يستبيحوا وطنكم وشعبكم وخيراتكم،،، وبذلك تكونوا قد خسرتم فرصة الفوز بالجنة! وسنقول لكم أنكم كما خان السابقون حسينهم خنتم حسينكم وتخليتم عن كل عهودكم ومواثيقكم وملتم إلى مغريات الدنيا من مال وجاه وعيش رغيد!!! لكن الله لم يمتعكم حتى بهذا فأبتلاكم بشراركم كي يحكموكم وسلط عليكم الخوف والجوع ونقص الأنفس والأموال والثمرات لأنكم خنتم الأمانة- إلا من رحم ربي. ستقولون إننا لم نوالي الأمريكان ولا الإيرانيين وإنما أستعنّا بهم على "حاكم ظالم" ، وسنقول لكم أن ذاك "الحاكم الظالم" كان ارحم بكم من هؤلاء الذين جاء بهم الأمريكان وأعوانهم ليظلموكم عشرات أضعاف ما كان قد وقع عليكم من ظلم، وليسلبوكم دينكم ودنياكم بمعممين جهلة ضالّين مُضلّين لو بقيتم خلفهم لأحلوكم " دَارَ الْبَوَارِ *جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ " يدعوكم للبكاء على الحسين دون أن يدعوكم للتمثل بالمباديء التي أستشهد من أجلها، يدعوكم للطم الخدود والصدور دون أن يدعوكم لرفض الذل وظلم الإحتلال، يحثوكم على إحياء المراسم الحسينية كل عام دون أن يحثوكم على إحياء سنة الرسول الكريم وآل بيته الأبرار في رفض العبودية لغير الله والموت من أجل الحرية، يملأون آذانكم ضجيجاً بوقائع المأساة ناسين ومتناسين أن العراق كله قد اصبح طفاً وأن واقعة كربلاء قد أتسعت لتشمل الوطن الجريح كله واهله معه!


ياسادتي وأحبتي كنّا خاطبناكم قبل سنة من الآن وقلنا لكم إن إحياء الذكرى يجب أن يتناغم مع التمثل بقول الإمام الحسين" هيهات منّا الذلة" ولكنكم رضيتم الذلّة وماتزالون، ونقول لكم الآن إن كنتم تريدون أن تحيوا ذكرى أبي الشهداء الحسين فعليكم أن تثوروا كما ثارعليه السلام، فمن يحكموكم الآن ليسوا بأفضل ممن كان يحكم زمن الحسين ولا هم اقل فساداً منه، وإن كنتم تريدون أن تطفئوا غضب الله فلا تتولوا الكافرين والمنافقين " وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ " ولا تفتحوا لهم مدنكم ومضايفكم وبيوتكم، وإن كنتم تريدون التقرب لله عز وجل بحب آل البيت فكونوا كما يريدكم آل البيت تحفظون الأمانة وتصونون البلاد ولا تستحلون دماء العباد... ولن يقربكم بكاؤكم ولطمكم وتطبيركم قيد إنملة من سيدنا الحسين، بل سيفعل ذلك تمثلكم بما استشهد من أجله وأن تحفظوا الدين...


وفقكم الله لما يرضيه وهو من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 

 





الخميس٢٦ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أمير البياتي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة