شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يكون من الممكن أن نقول الآن أنّه قد ثبت لدينا وعرفنا ماذا كان يعني أو كان يقصد الرئيس الأميركي الموتور عقائديّاً وفكريّاً بوش الابن , أثناء ما كان يواصل سلسلة أكاذيبه وانحرافاته الفكريّة والعقليّة لسوق مبرّراته في احتلال العراق والعالم تحت ذريعة مقاتلة الإرهاب , وذلك بعد إعلانه من على حاملة طائراته  "أنّ مهمّته في العراق قد انجزت" عندما اضطرّ , وقوّاته تتلقّى الضربات القاصمة على أيدي أبناء الشعب العراقي وجثث جنوده بدأت تملأ حدائق المقبرة المخصّصة , في حدائق مقابر واشنطن , والمعدّة سلفاً لحربه على العراق وبدأت تملأ المقابر المجاورة لمقبرة حرب العراق وتطفح عن ذلك بالآلاف منها , وسط تلك الورطة صرخ بوش بأعلى صوته صراخ المتألّم من جرح عميق أخذ يتورّم ويتقيّح والمشرط يغوص فيه والكي يعبث بنزيفه "نريد حاكم يحكم العراق بقبضة من حديد!!"  أي كأنّه أراد أن يقول أريد حاكماً يستطيع أن ينقذ مشروعنا من التعثّر في العراق بأن "يلبلب" لنا عراق هادئ وآمن كى تستطيع شركاتنا النفطيّة وشركات تشيني من اللعب بالعراق "شاطي باطي" ونستطيع أن نمتص نفطه ونمتص دماء أبنائه من غير ولا إطلاقة رصاص واحدة تطلق ضدّنا .. "أريد" عراقاً راضخاً تماما لإرادتنا للمضيّ قدماً لالتهام بقيّة الدول الممانعة ...


 وكأن بوش وضع في تلك الأمنية في مخيّلته ما أفصح بما يعتريه من ندم على إزالته دكتاتور كان يحكم هذا البلد الصعب حكمه بغير الحزم والقوّة والبطش .... فكان له ما أراد بعد ما اعتقد الجميع أنّهم عثروا على هذا النمط من الحكّام , فتمّ الإعلان , في وسط الكونغرس الأميركي , وبعد مشاورات أميركيّة مع حليفها الإيراني على أرض العراق , استلّ على أثرها النظام الإيراني من جعبته بعد الاتّفاق من إحدى مختبراته التجريبيّة عنصر من عناصرها  سبق له أن مارس النضال والتفجير في العراق ضدّ "النظام السابق" , أي مارس التفجير ضدّ العدوّ اللدود للنظام الإيراني المللي , ثمّ  "طفش" بعدها على أثر تلك التفجيرات أو بعد أن ساهم بها على الأصحّ هذا النموذج المطلوب محاكمته آنذاك دوليّاً بجناية القتل العمد والإرهاب الدولي هروباً إلى خارج العراق ليمارس , انطلاقاً من بيروت , ما سبق له وأن تدرّب عليه من عمليّات تفجيريّة لم يسلم منها حتّى عناصر من الجيش الأميركي في بيروت "سبق وأن انتشرت له صورة قديمة في المنتديات الألكترونيّة ظهر فيها واقفاً في اجتماع تفجيري حاشد للعناصر المختبريّة الإيرانيّة في إحدى أوكار بيروت نشرتها المواقع الالكترونيّة ظهر فيها دكتاتور بوش المستقبلي شابّاً يافعاً في نهايةالثلاثين من عمره متحمّساً للتفجير" ..


هذا النموذج الذي اتفقت عليه واشنطن وإيران وسط جوّ من الدمار الهائل الذي كان يلحق بالقوّات الأميركيّة خاصّة بعد 2004 في العراق وصل فيه عدد القتلى المعلن عنهم من قبل البنتاغون وسط ذلك الجوّ الدموي الأقسى على الجهد العسكري الأميركي طيلة عمر هذه الدولة الطامحة إلى 168 قتيل أميركي من المارينز شهريّاً , بحسب ادّعائهم عبر بياناتهم في تلك الفترة والموثّقة والتي كان يتابعها بفجع وذهول شديد العالم أجمع ... ( والمصنوع من الحكّام في مثل هذه الظروف وفق التجارب الأميركيّة السابقة في هذا المجال لابدّ وأن تكون طريقة صناعته تتّسم بالعجالة , سلق يعني , يكون ناتجها ليس بالجودة المطلوبة .. يعني صناعة غير دقيقة , خاصّة إذا كان هذا النموذج يبصر محيطه بعين واحدة !) ..


رفع بوش الابن يد السيّد المالكي الدكتاتور الموعود ذو البطش المفترض عالياً وسط حشد رجالات الكونغرس الأميركي وطاف به طواف الفاتحين أمام الشيوخ عبر الرواق شبه الدائري الذي يتوسّط أسفل مدرج قبّة الكونغرس وسط عاصفة من التصفيق وبوش لا زال رافعاً يد السيّد المالكي وكأنّهم عثروا أخيراً على من سينقذهم من جحيم مستنقع العراق الذي ورطوا انفسهم فيه على أمل أن يدخل العراق في حضيرة هيلاسي لاسي جديد أو شاه جديد يضمن المصالح الأميركيّة في هذا البلد وبهدوء عبر اتفاقيّات أمنيّة وغيرها...


لم ينس الساسة الأميركيّون برئاسة بوش الصغير أنّهم احتلّوا بلداً لا يحتمل أبنائه رؤية غريب يتمندح أمامهم بآليّاته العسكريّة ويتبرطح جنده المرتزقة المجرمون في شوارعهم ! , كما لم ينسوا من خلال سنوات احتلالهم البلد قبل العثور على ضالّتهم أنّهم في بلد مفخّخ من رأسه إلى أسفل قدميه خاضت جميع عناصر مكوّناته حروب ضروس سنين طويلة كان من نتائجها أن أصبحت عناصر تلك المكوّنات مكوّنات عسكريّة مدرّبة عالية التدريب ما أن يلمس غلاف مكوّنها الخارجي مجتمعةً طارئ حتى يتفجّر هذا المكوّن من داخله يحرق في طريقه الأخضر واليابس ..


ولكنّ الساسة الأميركيّون المتعجرفون هؤلاء نسوا , أو تناسوا , أو هي "حيلة المضطرّ" لهم على أبعد تقدير , أو أنّهم لم يحتكّوا من قبل بالمكر الإيراني مباشرةً أو يدرسوه بشكل جيّد أو يدرسوا مكوّن العراق البارودي الطائفي الذي لإيران امتداد مهمّ في أحد مكوّناته يمكنها أن تفجّره في أيّة لحظة ..


  المالكي عنصر طائفي حد النخاع لا يؤمن بالديمقراطيّة إطلاقاً قابل لأن "يتدكوتر" وفق ولاية فقيه وفق تصوّرات جديدة بدأ يمارسها غير مخطّط لها مسبقاً وعلى مقاسات عشقه لكرسيّ الحكم بعد أن شعر بحلاوة الجلوس عليه "هو قال لن أعطيها!"  قضى جلّ  شبابه يلطم على إيقاع مأساة الحسين ع بين حواري السيّدة زينب ع  أفقه ونمط هواجسه وفق ذلك الموروث وأبعاد تصوّراته فيه لا تبتعد أكثر عن حلقات هذه الدائرة ولو بمقاس قطر خيط رفيع .. لذلك فهو , أي السيّد المالكي الذي هو نتاج مثل تلك الظروف التي ذكرنا سيكون إذا ما أتيحت له فرصة القيادة السياسيّة في أحسن مراحل عمره "منقوص القيادة"  لا يستطيع حكم مساحة أكثر من مساحة مقاسات أبعادها  قبّة ومأذنتان أو أربع مآذن تتوسط مساحة صحن استقبال واسع يتحوّل إلى فندق مكشوف تحت السماء يستوعب الحشود "المليونيّة والمليارديّة" ساعة الضرورة  تحيط به أزقّة وشوارع ضيّقة عتيقة تخترقها سواقي مجاري مفتوحة ليس فيها سقف تشتبك بين بيوتها وتتشابك مع محال حرفيّة معبّأة بسرد مصوّر لمكوّن أصحابها العقائدي تتراصف على جدرانها وتتلاصق مع مخابز عتيقة وحسينيّات صغيرة ودكاكين عطارة تفوح من جدرانها رائحة الرطوبة والعفونة تتناغم وأصوات صبية عراة حفاة أو شبه ذلك يتقافزون بين درابينها بحثاً عن طعام مجدول حسب تسلسل أيّام المصيبة التي ألمّت بآل البيت ع دسامة الطعام فيها تتناسب طرديّاً ووجع تلك المصيبة ..


في أفق الإرث المثيولوجي هذا وفي مثل تلك الأجواء نشأ المتسوّر الأوّل من متسوّرات أفق المالكي التي اكتملت مع ينعانه وانغلقت عليه وأطبقت على ضميره ونشأ معها وشبّ عليها وتشبّع بها  بما لا يرى العالم بعدها سوى عالم محكوم  بين جنبات مأساة أشخاصها حقيقيّون , يتجمّع بإعادة ذكريات حوادثها سنويّاً من يظنّون أنّهم وحدهم ورثة ذلك الإرث في تجمّعات متّفق عليها إطلاقة البداية فيها عشرة أيّام تكون ليلة العاشر منها كما هو معروف من تسلسل أحداثها التجمّع الأشامل الأوّل وفي صباحها يتحولقون جماعات وفرادى حول أواني الطعام العاشوري يفترشون الأرض والأرصفة والشوارع وعلى طين الأزقّة المعاد , لا يبالون سوى بالتلذّذ ببركة مثل ذلك الطعام حتى ولو عجن بعجاج الأتربة وعوالقها ورذاذ الأفواه الشرهة , فتراكمت أسفارها واختلطت شيئاً فوق شيء فاختلط الصحيح فيها مع المدلّس ليتجرّعه أبناء مثل هذه المجمّعات على أنّها هي فقط تأريخ الإسلام وتأريخ العالم فلا قبله ولا بعده ..


السيّد المالكي من الممكن أن يحكم ويتحكّم بما يقع بين مثل تلك الأبعاد ولكن ليس أبعد , لأنّ بعكسه ستتكسّر قشرة تسوّراته فتندلق من بينها تصوّراته وستتدفّق على الغير من بين فجواتها المتشضيّة المستور الذي كان يبطّن عقول أصحابها لترتطم وتتشابك بجميع ما هو غير متصوّر لديه من الذي يمتلكه الآخرون بما لديهم من أفق مغلق أيضاً ولكن من نوع مضاد فيتفجّر الجميع وسط بيئة أصبحت غير ملائمة للجميع  ..


السيّد المالكي وجد نفسه عائما فوق ركائز وأساسات دولة بحجم العراق تمتلك بنية تحتيّة أعدّ لها من قبل النظام السابق لتستقبل عصر ما بعد الصناعة , دولة في وعي أبنائها انّها الأعرق ممتدّة بعمق التأريخ الإنساني كان العراق هو أوّل من رفع راية الحضارة والتحضّر في هذا التاريخ , بلد يكتظ بالعلماء والمثقّفون وكل ذي واسع أفق وعميق المنبت , بلد هو من أخضع لسطوته العالم في أكثر من انبعاث حضاري جديد غيّرت مجريات تلك الانبعاثات العقول والعقائد والأفكار في العالم أجمع وفي أكثر من مرّة , بلد تراسب على أرضه على مرّ التاريخ  واستقرّ على شتّى الديانات والطوائف والمذاهب كانت دائماً متجانسة طيلة آلاف السنين لا يستطيع لا السيّد المالكي ولا مثله ولا أمثاله من السباحة عند شواطئه , لأنّه إن فعلها سيغرق وستغرق معه سفينة نوح لأنّ أفقه لا يتحمّل التوسّع , فإن توسّع سيتصدّع ويتكسّر, وسنوات حكمه الأربع  شهدت له بذلك , فكلّما كان يدّعي أنّه  "سيكحّلها"  نجده يعميها , فتراكمت الهفوات والزلاّت والكوارث في عهده فلم تنجوا من مهالكها سوى أسماء مفرّغة من محتواها تماماً إن لم تكن قد كمنت في صلبها مآسي العراق أجمع هو ومن زيّن له أعماله سمّاها .. دولة القانون .. خطّة أمن بغداد .. خطّة فرض القانون .. صولة الفرسان ... الخ ..


بوش لجأ إلى الدكتاتوريّة ممثّلة بالسيّد المالكي علّه يستطيع سحب جيوشه الغازية من وسط المعركة جانباً تحت غطاء حرب أهليّة يشعلها بمعيّة السيّد ففشل وفشل معه صاحبه ..


فهل سيفشل أوباما الأب حين يلجأ إلى صنيعة بوش الابن كي يغطّي انسحابه "النهائي" من العراق , امّ أنّ هنالك دكتاتوراً آخر صنعه أوباما على عجالة أيضاً لغرض "الانسحاب" الثاني بعد الانسحاب الأوّل لبوش يفاجأ به العراقيّين والعالم في فشل ذريع وجديد وشامل ؟ ... 

 

 





السبت٢٥ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب طلال الصالحي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة