شبكة ذي قار
عـاجـل










من يحاول قراءة خريطة الجغرافية السياسية لكثير من البلدان العربية قراءة متأنية ، لا بد أن يصيبه الجزع لما تواجهه من تحديات تستهدفها في وجودها أصلا ككيانات رسمية أخذت حدود الدولة المعترف بها على مستوى العلاقات الدولية .


ومرد هذا الجزع أن الدول العربية لوحدها تقريبا مستهدفة بوحدة أراضيها ومن قبل قوى تعمل جهدها من أجل إضعاف البلدان العربية ومنع إقامة تكتلات سياسية وتعمل لمنع قيام منظومة أمن قومي جماعي ، ومن أجل تحقيق ذلك يصار إلى اعتماد مشاريع للتقسيم على أسس عرقية كما يحصل في شمال العراق والمغرب العربي والسودان ، أو لأسباب دينية ومذهبية كما يواجه العراق هذا الخطر وكذلك المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى ، أو لأسباب سياسية واقتصادية ترتبط بتوزيع الثروة ومداخيل البلد من ثرواته الطبيعية .


وهنا نرى العراق حاضرا بقوة في مشاهد التقسيم كافة سواء لأسباب عرقية أو دينية أو مذهبية أو سياسية ، ومن المعروف أن فكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دول ليست من بنات أفكار نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن والتي ضمنها مشروعه الذي أقره الكونغرس عام 2007 وإن كان غير ملزم للإدارة الأمريكية ، بل كان مشروعا طريح أدراج وزارات الخارجية للدول المهتمة بالشأن العراقي ودوره عربيا وإقليميا ومدى قدرته قوة أو ضعفا ، وكان دافيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل قد رسم معالم خطة التقسيم منذ عام 1952 مستندا على نبوءات وأساطير يهودية عن دور بابل في مستقبل إسرائيل معتبرا العراق وبصرف النظر عمن يحكم فيه هو وريث بابل بصرف النظر عمن قام بالسبي البابلي ، وتم الكشف عن مشروع بن غوريون لأول مرة عام 1966 ، والذي كان يرمي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دول ، كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ، وسبق للرئيس الراحل صدام حسين أن حذر من هذا أبعاد المخطط ومراميه عام 1982 في أخطر مراحل حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران ، أي أن التقاءا بالمصالح والنوايا قد حصل بين إسرائيل وإيران ، فكلاهما يريد رؤية العراق ضعيفا غير قادر على حماية أمنه الوطني ، وبالتالي سيكون حينذاك أضعف من تهديد الأمنين الإسرائيلي والإيراني ، ومن هذه الزاوية نستطيع وضع اليد على أسباب الموقف الإيراني الضاغط على الائتلاف الوطني العراقي ( المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بشكل خاص ) الذي نشأ وترعرع في إيران بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ، لتبني مشروع فدرالية الوسط والجنوب ليرتبط بكونفدرالية مع إيران ولينسلخ مع الزمن عن العراق ويضم العراق إلى حدود الدولة الإيرانية كما حصل مع إمارة المحمرة التي كانت عاصمة لإقليم الأحواز العربي المحتل والذي يمثل في إيران الحالية عصب الثروة النفطية والغازية والتعدين ، وليتناغم مشروع فدرالية الوسط والجنوب مع مشروع إقليم كردستان في شمال العراق ، واللافت أن قرار الولايات المتحدة بفرض قرار حظر الطيران بين الخطين 32 و36 كان تجسيدا مؤقتا لشيء يراد له أن يكون حالة دائمة ، فمن المعروف أن شمال الخط 36 تعيش فيه غالبية كردية في شمال العراق وجنوب الخط 32 تعيش فيه غالبية شيعية ، وتعثر مشروع المجلس الأعلى بعد رفض عرب الجنوب العراقي لكل مشاريع التفتيت والتقسيم وكما خسر انتخابات مجلس المحافظات في كانون الثاني / يناير 2009 فقد خسر انتخابات مجلس النواب في آذار / مارس 2010 للسبب نفسه ، ولكن طموح المجلس لم يمت تماما بهذه النتائج المعبرة عن مزاج الشعب العراقي ، كما حافظ مشروع بايدن لعام 2007 والهادف إلى تقسيم إلى ثلاث دول ، على قوة دفع ميدانية بإيصال العراق من الناحية العملية إلى حافة التقسيم أو جعل مصلحة المواطن أمنيا وسياسيا واقتصاديا بفكرة التقسيم ، وكي تكتمل أبعاد المشروع الإسرائيلي الذي أخذ اسم بايدن كان لا بد من استثارة نزعة مكافئة في المنطقة الوسطى بحثا عن وعاء سياسي مماثل وهو الفدرالية السنية التي يراد لها أن تنشأ في محافظة الأنبار .


وكما أن العراق موضوع على مشرحة التقسيم فإن جنوب السودان مرشح أكثر من أي وقت سابق للانفصال عن الوطن الأم وقيام دولة جديدة تنذر بوقوع توترات ربما ستقرب السودان وحوض النيل إلى أخطار البلقنة التي لن تقف عند حدود السودان بل ستتجاوزه إلى أقاليم أخرى وليهدد بجدية في الأمن الجماعي للمنطقة ، ولعل تجربة الوحدة اليمنية التي ولدت عام 1989 ، تشكل الاستثناء العربي الوحيد والنقطة المضيئة في ليل عربي طويل ، وهي وحدها القادرة على تعزيز الآمال بإمكانية تحقيق هدف الوحدة العربية انطلاقا من مبدأ سليم وهو تحيق الوحدة الوطنية لكل بلد عربي ومن ثم الانتقال إلى هدف الوحدة القومية .


كان اليمن كغيره من الأقطار العربية ضحية للمقص البريطاني ، ولكن اليمن وبإصرار رجاله حقق حلما عربيا ممنوعا عليه أن يثبت نجاحه على الأرض ، ولذلك فقد نظر العرب إليه على أنه خطوة كبيرة على الطريق يمكن أن تهيئ الأجواء النفسية والسياسية والاقتصادية لخطوات توحيدية أكبر وأبعد مدى ، ومن هنا ينظر الكثير من المراقبين العرب إلى هذه التجربة على أنها تعبير عن طموحهم ، ولهذا أيضا ينظرون بريبة إلى من يريد أن يضع نفسه في خدمة مشروع دولي كبير يتعدى حدود الوطن العربي ليشمل الشرق الأوسط الكبير ويمتد إلى شبه القارة الهندية وصولا إلى اندونيسيا ، فهل هي مصادفة أن تتطابق أهداف أعداء الأمة مع من يريد أن ينوب عن أولئك الأعداء في زرع بذور الفتنة تحت ذرائع متهافتة لا تصمد أمام الوقائع على الأرض .


وهل يسعى البعض وراء إغراء السلطة الزائلة فيلوثوا تاريخا كتب لهم رغما عنهم في لحظة فاصلة من تاريخ هذا البلد والأمة ؟ فحاولوا توظيف إيجابياته بعد أن تركهم التاريخ وراء ظهره ، ولكنهم حينما ظنوا أن الوحدة استنفدت غرضها الذي رسموه لها ، حاولوا الانقلاب عليها في منهاج انفصالي لا يحمل أي مبرر منطقي سوى الرغبة في سلطة مضى عهدها .


يتعامل العرب مع تجربة الوحدة في اليمن على أنها حياة جديدة لتجربة كادت أن تموت في انفصال 28 سبتمبر 1961حينما أجهضت تجربة الوحدة المصرية السورية وما زال أبطال الانفصال يحملون عار تجربتهم والذي لم تمحوه السنون ، وقد رد اليمنيون على انفصال 28 سبتمبر مرتين ، الأولى بثورتهم في 26 سبتمبر 1962 بعد أقل من سنة واحدة من عمر الانفصال والثانية بوحدة شطري اليمن عام 1989 بعد أن مزق البريطانيون وحدته لعشرات السنين ، ووحدة اليمن من هذه الزاوية تحتل مكانها المرموق في تاريخ الأمة وضمير أبنائها ونضالها لتحقيق الوحدة .


يمكن أن ترافق أية تجربة جديدة بعض الأخطاء الصغيرة هنا وهناك ، ولكن الرد عليها ليس بتضخيمها دون وجه حق والعمل على الاستعانة بالخارج على أبناء الوطن ، ولعل تجربة العراق تغني لمنع أية قوة من أن تعطي لنفسها حق الاستقواء بالأجنبي وبخاصة إذا كان من القوى الدولية الكبرى التي لها مشاريع للهيمنة على مستوى العالم .


حينما تحقق تجربة ثرية وناجحة للشعب العربي في مكان ما فإنها تبعث برسالة عملية لأبناء الأمة بأن هذه التجربة الناجحة موضوعة تحت تصرف كل من يريد الانتفاع بها ، غير أن تحرك المصالح السياسية لطبقة سياسية كانت تحكم ذات يوم في الجنوب وبدأت تقتنع بأن هذه التجربة باتت تتكرس مع الوقت وأن جذورها العميقة لا يمكن أن تسمح لمغامرين أن يجربوا معارضتهم في هدف مقدس من وزن الوحدة الوطنية التي تصلح أن تكون نموذجا فريدا على صعيد الوطن العربي ويمكن الأخذ به فيما لو خلصت النوايا وتطهرت .


هذا واقع الأمة المستهدفة بمصيرها مرة بفعل سايكس - بيكو ومرات تحت تأثير المقص الأمريكي .

 

 





السبت١١ رمضان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة