هجومات خلبية دليل على التخادم بين الأطراف ولذر الرماد في العيون
أ.د. سلمان الجبوري
الآن ثبت لدي وبما لا يرقى إليه الشك من أن البدء بالتنفيذ لتدمير العراق بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء المحددة لتصرفات دول العالم الثالث بعد إقدامه على تأميم الثروة النفطية وارتقائه سلم التنمية بسرعة وجدارة بما يشكل قلقاً للدول الاستعمارية كونه يهدد نفوذها في المنطقة فعملت تلك الدول الاستعمارية على تسخير أداة جديدة أكثر فاعلية لإشغال العراق وتحقيق الهدف الذي رسمته تلك الدول، فكان الخميني أفضل أداة مهيأة لأداء ذلك الدور بعد أن وجدوا في الشاه غير ذي جدوى، خاصة بعد أن وقع اتفاقية عام 1975 مع العراق. وقد استخدم الخميني أدوات انطلت على الكثير من الذين انساقوا خلفه ودعموه، منها اتخاذ شعار الثورة الإسلامية وتحرير القدس، وكون العراق هو العائق لذلك الهدف. وتأكد لنا أن تعنت الخميني وعدم اذعانه لدعوات إيقاف الحرب مع العراق والتي بادرت القيادة العراقية بإطلاقها بعد أسبوع من الرد العراقي يوم 22/9/1980 على بدء الحرب التي شنتها إيران عليه في 4/9/1980 أو دعوات الوسطاء. وقد تبين الآن أن ذلك التعنت والذي ظنه الكثير بأنه من طبيعة الإيراني كان مخطط له لإنهاك العراق وتعطيل عجلة نموه واستنزاف موارده.
كل ذلك بات واضحاً بعد إثارة الضجة الكاذبة بين الكيان الصهيوني وإيران واعتمادهما النباح المتبادل والتهديد الكاذب بمهاجمة بعضهما الآخر حيث عمل نظام الملالي بالتضحية بذيوله واعتماد التهديد الأجوف بينهما لذر الرماد في عيون المتابعين ومن انخدع بأخلاقيات نظام الملالي البعيدة كل البعد عن الدين والقيم الإنسانية، وأكبر دليل على ذلك هو اعتمادهم قواعد اشتباك لا تمت بصلة لما هو متعارف عليه في العلوم العسكرية وآداب الحروب.
يضاف إلى ما سبق فيما يخص دور إيران في خدمة المصالح الاستعمارية هو توسعها في نشر أذرعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا وربما وصلت إلى أقطار عربية أخرى في غفلة صراع قواها الداخلية.
ومن يشكك بما أوردناه هنا من تحليل لسلوكيات إيران ودورها في المنطقة وللتخادم بينها وبين أميركا والكيان الصهيوني الذين اتفقوا على أن يكون التنسيق بينهما لإبقاء دول المنطقة في خوف وريبة دائمين، وأن تكون أرضهم ساحة لأداء تلك الأدوار وشعوبها ضحية، لأنهم سيكونون هم الخاسر الوحيد، على طريقة صراع الفيلة في الغابة التي يكون نتيجتها تدمير العشب وحرمان بقية الحيوانات من العيش الهانئ هناك.
أقول لمن لا يصدق ما ذهبت إليه ليتفحص ما يجري بين الأطراف أميركا، الكيان الصهيوني وايران منذ السابع من أكتوبر 2023 من تهديدات جوفاء وهجومات خلبية برعاية وتوجيهات أميركية بتجنب أهداف الطاقة ومواقع التسليح عالية القدرة (السلاح النووي) والتي تؤيدها هجومات إيران التي لم تجرح عصفوراً، عدا عن كون تلك الأسلحة المستخدمة في الهجومين كانت تخلو من متفجرات، ولا هجوم الكيان الصهيوني على إيران اليوم الذي مر على التهديد به فترة طويلة وبسيناريو وإخراج أميركي، فإن إيران سوف لن تسلك ذات السلوك في حربها مع العراق، وأكبر دليل على ذلك هو أن كلا الطرفين اللذان يدعيان العداء والتهديد لبعضهما كانا يفعلان ما هو ليس معتاداً في الحروب، كالتهديد بالهجوم وتحديد أماكن الضربة ليتسنى للمقابل أن يفعل اللازم من التهيؤ وإخلاء أماكن الأهداف المعلنة.
وحتى إن لم يصدق ما ذهبت إليه وأن هجوم الكيان الصهيوني سيكون حقيقياً وموجعاً لإيران فليصدق الجميع أن إيران سوف لن تمارس عنادها في إنهاء التصادم مع الكيان الصهيوني كما فعلت مع العراق، حيث أطالت فترة الحرب إلى ثمان سنوات.