عام على معركة الأقصى
أحمد صبري
من المناسبِ ونحن نتوقَّف عِند الذِّكرى الأُولى لمعركة طوفان الأقصى ومخرجاتها ودلالاتها بالتَّحليل والقراءة الاستباقيَّة لمسار معركة بحجم طوفان الأقصى، ينبغي رصد اتِّجاهاتها وما حقَّقته في ميزان الصِّراع العربي ـ الصهيوني والتَّحدِّيات الَّتي واجهتها لِتَصحيحِ مسار المعادلة الَّتي كانت على الدَّوام تميل لصالحِ الكيان الصهيوني المدعوم أميركيًّا.
وعِندما نتوقَّف عِند رصدِ ومتابعة هذا الحدَث بفعل ارتدادات معركة طوفان الأقصى، فإنَّنا نركِّز بمزيدٍ من الفخر والاعتزاز بالمقاومة الفلسطينيَّة وما حقَّقته على الأرض من مكاسب، فإنَّ معركة (طوفان الأقصى) الَّتي أدَّت إلى إحداثِ خرقٍ كبير في جبهة العدوِّ الصهيوني، وانتزعت مِنْه زمام المبادرة على الرّغم من استشهاد كوكبة من رموز العمل المقاوم للعدوِّ الصهيوني الَّذي لم يفتَّ من عضد الصُّمود الفلسطيني وهو يواجه آلة الحرب العدوانيَّة على أصحاب الأرض وتصدِّيه لقطعانِ المستعمِرِين.
لقَدْ أثبتَتْ معركة الأقصى أنَّها واحدة من المعارك الفاصلة في تاريخ الصِّراع على فلسطين مع العدوِّ الصهيوني؛ لآثارها الاستراتيجيَّة الَّتي ستتركها هذه الصولة على الكيان الَّذي أقام بنيانه على آلة حربيَّة إرهابيَّة بامتياز بدَّدتِ الخوف، وأزالتِ الوهْمِ من خلال تكريس حقيقتَيْنِ اثنتَيْنِ: الأُولى هي إمكانيَّة النَّيْل من الكيان عسكريًّا على وَجْهِ الخصوص، والأُخرى أنَّ هذا الكيان ليس قويًّا بالصُّورة الَّتي يبدُو عَلَيْها، وأنَّ عوامل التَّفكُّك والتَّآكل قد تسلَّلت إلى مفاصلِه.
وعلى الرّغم من مرور عامٍ على معركة طوفان الأقصى، وتغوُّل الكيان الصهيوني في إيقاع أفدح الخسائر بالشَّعب، فإنَّنا نرصد انعكاسَه على الموقف الغربي والأميركي عِندما تداعَتْ دوَل الغرب وأميركا منذُ اللَّحظات الأُولى لإنقاذِ كيان الاحتلال، ومحاولة تعزيزِ روحِه المعنويَّة، وأكَّدت أنَّ هذا الكيان هو موقع أميركي وغربي متقدِّم، وأنَّه أُقيم في هذا المنطقة لاستنزاف قوَّتها ومنع وحدتها، فضلًا عن كونه جدارًا متقدِّمًا للدِّفاع عن الهَيْمنة الغربيَّة في هذه المنطقة الحيويَّة.
لقد وضعَتْ معركة الأقصى النّقاط على الحُروف برؤيةٍ واضحة المعالِم لمسارِ المعركة وارتداداتها على جميع الصُّعد، وهي رؤية أبرزَتْ موقفها المُتقدِّم في رصدِها لمسارِ التَّحدِّي وأدواته في مقارعة اغتصاب الأرض والحقوق التَّاريخيَّة للشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته المُستقلَّة وعاصمتها القدس الشَّريف.
إنَّ المنازلة المتوالية فصولًا كشفَتْ عن قدرة المقاوَمة الفلسطينيَّة وأذرُعِها على مواجهةِ الحرب العدوانيَّة من خلال التَّمسُّك بثوابتِ العمل المقاوِم وشرعيَّته عَبْرَ رفضِ كُلِّ محاولات التَّهويد وقضمِ الأرض وإنكار الحقوق، وما يجري على ثرى فلسطين الدَّليل على أنَّ قضيَّة فلسطين قضيَّة عادلة رغم محاولات النَّيْل ومصادرة أحقيَّة الفلسطينيِّين بدَولةٍ قابلة للحياة.
وباتَ الصُّمود الفلسطيني بعد مُضي عامٍ على انطلاقه، سيبقَى عنوانًا ورايةً لكُلِّ المُتطلِّعين للحُريَّة والاستقلال؛ لأنَّ ما جرَى ويجرى في غزَّة والضفَّة الغربيَّة هو انتصار لإرادة الصُّمود الَّتي جسَّدها أبطال فلسطين في مواجهة عدوٍّ طامعٍ بالأرض والمُقدَّسات.
ومهما حال العدوُّ الصهيوني من التَّأثير على إرادة وصمود ومعنويَّات المقاوَمة الفلسطينيَّة، فإنَّ نتائج هذه المنازلة التَّاريخيَّة ستظهر للعالَم أجمع أنَّها معركة بَيْنَ الحقِّ والباطل مهما تغوَّل العدوُّ الصهيوني في غيِّه، إلَّا أنَّ إرادة الصُّمود والتَّمسُّك بالحقوقِ ستبقَى حيَّة ووازنة في موازين الصِّراع وارتداداته.
كاتب عراقي