إضاءات فكرية
أ.د. طارق السامرائي
سيناريو التوغل البري الصهيوني بداية مشروع اقليمي لمشروع دولي
قد يخيب ظن البعض من يقرأ الحوادث بعكسية أهدافها، فالأمر يتعلق بتحليل مجمل ما يجري لما سيجري.
فبعد أن تم جر إيران إلى سوح المنازلة أصبح للجريمة طعم خاص ومذاق معسل، الرعب في لبنان وديمومة نيران الحرب مكلفة لكنها مطلوبة وتوسيعها إقليمياً ودولياً هدف مركزي واستراتيجي ملح وإن لا زال تحت المظلة.
إيران لا ترغب بإسقاط حالات التقادم لمشروعها الحلم العسكري السياسي المذهبي (النووي) تلوح به وهو في مرحلة طفولته وتنتظر مرحلة النضج ثم التلويح بالحرب، لكن جملة من الضغوط القسرية دفعتها لخوض شفاف للمعركة مع حسابات بإطار تفاهمات ستجري وراء اللا_مرئيًا مع الخصوم لترسيم حدود المعركة وما تتمخض عنه.
إيران وأمريكا و”إسرائيل” ليسوا أغبياء، ولكن الظروف تفرض تناولها بحكم الحسابات في الربح والخسارة.
الآن تكاملت ملامح الصورة …نحن في حرب أركانها “إسرائيل” -إيران- فلسطين -لبنان -أمريكا -الغرب، والباب مفتوح على مصراعيه للصين وروسيا من طرف ودعوة منظمات جهادية أفغانية وباكستانية وإسلامية وأجنبية من طرف ثاني.
إيران تريد السلام والهدوء و”إسرائيل” تجبرها على زجها في أتون الحرب وبعلم الولايات المتحدة الأمريكية…
والمجتمع الدولي بين القوانين بلا تطبيق ويطالب بسياسة ضبط النفس!!!
والأمور تجري بما لا تشتهي براقش!!!
سيعقد مجلس التعاون الخليجي بعد ساعات.. ما عليه وما له والعلم عند الناس اليوم، يريد المجلس تطبيق القرار 1651 تطبيق مخرجات اتفاق الطائف بشأن لبنان وهو مرتعب من تهديدات إيران إن شذ العرب عن مواقفهم وذهبوا لدعم تل أبيب.
السؤال هل سيعقد هذا المؤتمر بمعزل عن دراية وعلم أمريكا والغرب؟ وهل ستترتب الأوراق حسب أولوياتها وأهميتها؟ (وهل سينجح ويجتاز المحنة أم يخفق ويستدير للوراء؟
وهنا يبرز سؤال آخر مرادف (لماذا نجحوا هم …. ولم ننجح نحن)
هو ما على الطاولة للمؤتمر الآن!
نجح دعاة الخراب والتدمير والحرب، نجحوا في قلب الموازين وتخلف معايير المصلحة الوطنية العربية وإعاقة نضج مشاريع التقدم والمقاومة النظيفة، وهو تفوق له أدوات نجاحه في التصنيع والتقنية والدونات السياسة الملتوية الغربية.
دخلت إيران عنوة عنها الحرب لكي تصبح الخطوة الأخيرة للحرب الإقليمية قائمة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على الخصوص، والمستجد الحالي هو (أن نصر الله تابع انتهت صلاحية استخدامه…. فقتل).
ولابد من مراجعة وقراءة للأحداث المتصاعدة في لبنان والاستهدافات التي نفذتها عساكر “إسرائيل” ضد فلول وقادة حزب الله وحماس من أذى واغتيالات وصولًا للتهديد باجتياحه وفرض الطاعة إزاء صمت دولي رهيب وعجعجة إعلامية مذبذبة وتأييد أمريكي غربي صارخ.
أحداث متشابكة متسارعة يومية بإطار حرب تجاوزت حدود 370 يوماً تتطلب تعاملًا جديًا عربياً إسلامياً ودولياً بإطار الاستنكار الشديد لجملة الجرائم البشعة والإبادة الجماعية التي تستهدف بشكل ممنهج الأطفال والنساء وكبار السن بلا تفريق، والتي لها استراتيجيتها المبرمجة والتي صنعت وتبلورت وطبخت في مطابخ الأجنبي.
ومن هذا الباب فإن الطبخة الجديدة بعد فلسطين ولبنان هو الأردن ومصر ومحاولات خلق المناخ الاحتجاج التأجيجي ضد السلطة في البلدين وتغذية النعرات الطائفية في العراق واليمن وأقطار الخليج العربي، وهو تنسيق بين المشروعين الصهيوني الغربي الصفوي رغم توفر بعض التعارض في مقاربات تطبيقه إلا أن الاتفاق قد تم وهو الذي يحمل رياح الكراهية والتفتيت للعرب في المنطقة.
إن منطلقات نجاح هذا المشروع يدعو إلى تكريس سياسة (التجويع والترويع والحصار الاقتصادي) لترويض شعب الأمة للاستسلام وتوديع ما يدعى وحدة الأمة العربية كنواة لوحدة الأمة الإسلامية والاستعانة بنظريات (الإبادة الجماعية والتهجير القسري).
وهو مشروع ممنهج لتوظيف حالات العقم للنسل العربي واجهاض التوليد البشري العربي. إن ما يجري في بلدان الوطن العربي لا ينحصر في حلم عدائي للتوسع وإشاعة الوجود “الإسرائيلي” اللقيط القسري إنما لنشر العقيدة الصهيونية والفكر الالحادي وشرذمة المجتمع العربي والإسلامي (رامبو التخلف المقصود).
ساهمت إيران بغيها التاريخي وكرهها العرب والإسلام بقسط وفير من الحرب والتنكيل بالأمة، تتعامل مع الشيطان بلا تردد، لذلك ساهمت وعبر ذراعها في لبنان خدمة لولاية الفقيه جرائم منكرة بحق شعب العراق وسوريا ولبنان وقتل الناس تحت مسميات طائفية ومذهبية وتعميق سياسة النزوح بحق العراقيين وأهل الشام لا تمحي من الذاكرة.
لكننا نلاحظ أن المشروع الصهيوني يتقدم على المشروع الصفوي من حيث القوة العسكرية والدعم الغربي والأمريكي وعدم التقيد بالقوانين والتشريعات الدولية ويتقدم المشروع الصفوي الإيراني على الصهيوني من حيث المراوغة السياسية وأسلوب التدليس وممارسة الخداع واعتماد صيغ التوريط ثم الانسحاب والتنصل من الالتزامات وهو ما نجح فيه بالتعامل مع دول الجوار عبر التاريخ.
وكلاهما من حيث المبدأ يهدف إلى تمزيق اللبنة المجتمعية العربية الإسلامية واحداث شروخ في بنيته القيمية والأخلاقية كمنظومة صعبة الاختراق وتقويض قدراته في المواجهة على كافة الأصعدة ، يصاحبه مع الأسف والألم النفسي قبول جزئي لما يحدث من قبل بعض الأنظمة العربية التي تباطأت في نصرة القضية الفلسطينية كقضية عربية ثم دولية وترك مصيرها متعلق بقرارات الغرب مطحونا بالمزايدات وأسواق المراهنة كما حدث في العراق سنة 2003 حيث أعلن المزاد العلني تبعًا للمصالح وتم استباحة الساحة العربية بالفيضان الإيراني وموجاته التترية، ودفعت الفاتورة بأثمان باهظة ولا زالت الجريمة مستمرة تطال الأردن وسوريا من جديد ومصر وهي ضريبة مضافة لما حدث وسبب الغصة ودعا حماس وفلسطين أن تلجأ إلى دفء الحضن الإيراني كضرورة تاريخية لتجاوز منعطف استئصال دورهم الجهادي في التحرير.
ونتيجة لهذا الوضع صممت إيران شعاراتها التكتيكية تحت يافطة فلسطين قضية إيرانية، الأمر الذي دعا حزب الله أن يلعب دوراً إجرامياً في سوريا والعراق ولبنان مستثمرًا الموقف لينال من الأغراض والنفوس قتلًا وتشريدًا.
وهنا لابد من طرح الحقيقة إن القاتل صهيوني وهو عدو الأمة الأول لكن هذا لا يمنع أن تقاس الجرائم بما جرت وهو أمر يتطلب وعيًا لما يحاك للعرب والمسلمين وإن تداخلت الخنادق وما هو في طريق البلورة من استهدافات لمصير الأمة والذي يدعونا بالضرورة إلى قراءة المشهد بدقة وموضوعية كونه يمثل مشروعًا جديداً قابلاً للافتتاح فمن العراق إلى غزة إلى لبنان وعلى المدي القريب على الأردن ثم مصر وبذلك تنتهي مراسيم المشروع الصهيوني الصفوي الغربي وعلينا تفويت الفرصة قبل استفحالها وسريان سرطانها في جسم الأمة.