في ذكرى رحيل الرفيق أبو جعفر.. مسيرة العطاء والتضحية

 

في ذكرى رحيل الرفيق أبو جعفر..

مسيرة العطاء والتضحية

محمد ضياء الدين

في الذكرى الأولى لرحيل الرفيق المناضل أبو جعفر، عضو القيادة القومية وأمين سر قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي، نستذكر سيرته النضالية العطرة التي كانت مليئة بالعطاء والتضحية. اسمه الحقيقي صبار فلاح المشهداني، وهو من القيادات الحزبية  التي كرست حياتها لخدمة الأمة العربية وقضية العراق، في أوقات السلم والح-رب. تجربته الطويلة في العمل الحزبي، تحمل في طياتها تاريخا مليئا بالصعاب والتحديات التي واجهها الحزب منذ نشأته وحتى اللحظات الأخيرة من حياته، ظل أبو جعفر ثابتا على مبادئه ولم يتراجع حتى في أشد الأزمات.

انضم أبو جعفر إلى حزب البعث العربي الاشتراكي في بداية الستينيات، حين كانت الأوضاع السياسية في العراق والأمة العربية تشهد اضطرابات كبيرة. تدرج في صفوف الحزب بفضل التزامه العميق بفكر البعث، وكان له دورا بارزا في الحفاظ على هوية الحزب ومقاومته، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003. الاحتلال الذي شكل تحديا وجوديا للحزب، كان المستهدف الأول في الح-رب السياسية والعسكرية التي قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. لكن أبو جعفر، برهن على قدراته القيادية من خلال إعادة تنظيم صفوف الحزب تحت الأرض، مباشرة بعد خروجه من معتقلات السلطة العميلة هو وأحد أولاده، بعد أربع سنوات، إذ حافظ مع رفاقه على جذوة النضال مشتعلة في وجه الاحتلال وما فرضته القوات الأجنبية من عملية سياسية جديدة تهدف إلى تقويض دور البعث وإبعاده عن الساحة السياسية. لعب المشهداني دورا محوريا في الحفاظ على تماسك الحزب في هذه الظروف الصعبة، مما جعله رمزا للصمود والاستمرارية رغم الضغوط الكبيرة.

 تولى أبو جعفر مسؤولية أمانة سر قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي، بتاريخ 23 ديسمبر 2020 ولحين وفاته بتاريخ 25 سبتمبر 2023 وهو موقع القيادة في الحزب، في ظل الظروف التي كان يمر بها العراق بعد الاحتلال، وما تلاه من تحديات أمنية وسياسية وطائفية مزقت العراق . استطاع أبو جعفر قيادة الحزب بحكمة وحنكة، معتمدا على إرث الحزب التنظيمي والفكري في مواجهة المشاريع التي كانت تستهدف تفتيت وحدة الحزب والعراق واستمرار الاحتلال بأشكاله غير المباشرة. واصل الرفيق أبو جعفر الدعوة إلى مقاومة الاحتلال بكل السبل المتاحة، مشددا على أهمية الوحدة الوطنية في مواجهة التفتيت الطائفي والتدخلات الأجنبية، كما ركز على المحافظة على وحدة الحزب فكريا وتنظيميا وسياسيا، ليظل كما كان دوما، ركن الأساس في النضال الوطني والقومي .

لم يكن تأثير أبو جعفر محدودا على العراق فقط، بل امتد ليشمل الساحة العربية الأوسع من خلال دوره في القيادة القومية لحزب البعث، مع رفاقة في القيادة القومية،  كان داعما لوحدة الصف العربي في وجه التحديات المشتركة مثل التدخلات الأجنبية والهيمنة الغربية على موارد ومقدرات الأمة العربية. كما عمل على بناء جسور التعاون مع الفصائل القومية الأخرى، إيمانا منه بأن القوة الحقيقية تكمن في وحدة الأمة العربية. إضافة إلى ذلك، كان له ارتباط وثيق مع رفاقه في الشتات، وعمل على الحفاظ على ترابط الحزب رغم التحديات الأمنية والسياسية.

في سبتمبر / أيلول 2023، رحل أبو جعفر بعد صراع مع المرض، تاركا خلفه إرثا نضاليا عميقا وذاكرة مشرفة لدى رفاقه وكل من عرفه أو تأثر بفكره. شيعه رفاقه ومحبيه بقلوب حزينة ولكن فخورة بما قدمه من تضحيات طوال حياته. كانت سيرته وستظل محفورة في ذاكرة الحزب والنضال العربي، كأحد القادة الذين لم يلينوا في مواجهة الصعاب، وظلوا ثابتين على مبادئهم رغم التحديات. في الوقت الذي تظل فيه تحديات العراق والأمة العربية قائمة، سيبقى أبو جعفر رمزا للثبات على المبادئ والإخلاص للقضية العربية، ودعوة مستمرة للنضال من أجل تحرير الأرض والإنسان العربي من كل أشكال الاحتلال والهيمنة.