دراسة
أهداف الغزو الأمريكي على العراق وتداعياته
الملخص
بعد أن دقت طبول الحرب، وارتفع أزيز الطائرات تقصف المدن والأحياء العراقية، ونشطت الآلة العسكرية الأمريكية تساندها قوات التحالف على رأسها بريطانيا، كان من الجلي أن هناك أهداف ومصالح تسعى وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنّها قد أعلنت عدد من الأهداف لهذه الحرب لكن ما خفي من أهداف كان أشد هولًا وأبعد عمقاً في التأثير ليس على مستقبل العراق بل مستقبل المنطقة كلها، ولا يخفى على المحلل للأحداث أن المحرك الأساسي للآلة العسكرية الأمريكيّة هي المصالح الاقتصادية ويتربع على قمة هذه المصالح آبار النفط العراقيّة الغنيّة بمخزونها والأقل كلفة في استخراجها مقارنة مع باقي آبار النفط الأخرى، وعلى الأهمية الموقع الجيو-استراتيجي للعراق لتوسطه وقربه من روسيا والصين اللتين تتوجس من قوتهما وتسعى لمراقبتهما عن كثب، فضلًا أن موطئ القدم الأمريكي القريب من “إسرائيل” يؤمن لها الغطاء الذي تحتاجه على الدّوام.
مقدمة
من أشد ما عانت منه منطقة الخليج العربيّ هو الغزو الأمريكي على العراق في تاريخها الحديث، وتُعدُّ الحرب على العراق 2003 واحدة من أكثر المنعطفات التّاريخيّة المصيريّة خطورة، وقد رسمت أحداث الشّرق الأوسط خلال الرّبع الأول من القرن الحالي، إذ إنّها لم تكتفِ بإسقاط نظام صدام حسين وفتح العراق على ساحة الصّراع التي حولت البلاد إلى مسرح تجربة قاسيّة مستمرة إلى يومنا الحالي، بل أسهمت في التّمهيد إلى مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب وصعود التّيارات المتشددة والحرب الطائفيّة، وحركات ما عرف باسم “الربيع العربيّ”. ولا يمكن فهم حدث كبير ومركزي واستنباط العبر منه من دون الوقوف على مجمل الظروف والأهداف التي رافقته، سواء البعيدة منه أو القريبة، والنتائج والتحليلات التي انبثقت عنه. لقد حملت الولايات المتحدة وبريطانيا لواء الحرب والترويج لها من أجل إقامة الدّيمقراطية في العراق. ما هي مجموعة الأهداف التي حركت هذه القوى لغزو العراق؟ وما هي الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة ومهدت لها عوامل النجاح في مسعاها؟ ما هي التّحولات السياسيّة التي شهدها العراق في ظل الاحتلال الأمريكيّ؟ وهل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها سواء المعلنة أم غير المعلنة لحربها على العراق؟
الأهداف الأميركية لغزو العراق
إنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة خلال القرن العشرين، وما مضى من القرن الحالي تعتم بشكل رئيس في سياستها على استخدام القوة العسكريّة، إذا ما استثنينا إدارة الرئيس باراك أوباما، وعليه فإنّ هذا النّهج الأمريكي ما هو إلا نتاج للقوة العسكريّة الأمريكيّة التي عُدَّت الأكثر تفوقًا خلال المدّة المنقضية، ومن ناحية أخرى فإن هذا النهج ما هو إلا ترجمة للإدارة السياسية للإدارات المتعاقبة. فهنا نجد أنفسنا خلال دراسة الأهداف الأمريكيّة لأيّة عملة عسكريّة نجدها تأتي في سياق السياسة والمصالح الوطنيّة. وفي حالة الرئيس الأمريكي بوش الابن، هناك عامل لا يقل أهمّية عن فائض القوة العسكريّة علينا أن نوجه عنايتنا له، وهو الدّوافع الأيديولوجيّة لتوجهات الرّئيس بوش الابن، وتعمقت هذه الدّوافع من خلال تأثير المساعدين والمستشارين الذين أحاطوا بالرئيس من الذين ينتمون إلى التّيار المسمى بالمحافظين الجدد، أيّ أتباع الفكر المحافظ، وقد كان هؤلاء هم الأكثر تعبيرًا عن طموحاتهم، وعدم التّردد في استخدام القوة وعن حاجتهم لإعادة صياغة السياسة الخارجيّة الأمريكية، بما يتلاءم مع طموحهم بإمبراطوريّة أمريكيّة تهيمن على العالم، وتمنع قيام أيّة قوة منافسة لها من خلال استخدام القوة والدبلوماسيّة القسريّة، واستراتيجيّة الحرب. وسيطرة كاملة على موارد نفط الشّرق الأوسط. من أبرز أهداف الولايات المتحدة:
أولاً: إعادة هيكليّة دول المنطقة لما يخدم مصالحها: فمنذ سبعينيات القرن العشرين كان مهندسو السياسة الأميركية قد وضعوا خططًا بعيدة المدى، منها إعادة هيكليّة دول المنطقة العربيّة إلى كيانات صغيرة ضعيفة متناثرة القوى ومتناحرة، قائمة على أسس طائفيّة وعرقيّة ومذهبيّة وعنصريّة، وبذلك تكون قد حققت السّيطرة للكيان الصهيوني بتفوقه على هذه الكيانات وإزالة كل تهديد ضده، وبالتالي تكون قد أمّنت الولايات المتحدة في الوقت نفسه سيطرتها على هذه الكيانات الضعيفة، واستغلال ثرواتها وتسخير قدراتها الاقتصاديّة والنّفطيّة على غرار ما كانت قد رتبته في دويلات منطقة الخليج العربي.
ثانياً: حصار العراق وخنقه اقتصاديّاً وعسكريّاً: بعد احتلال العراق للكويت، غداة حصول العراق على إشارات إيجابيّة من قبل الولايات المتحدة ممثلة بسفيرتها في بغداد، أنّه لا مانع لديها إذا ضم العراق الكويت إليه، هنا أسرعت الولايات المتحدة مستغلة هذا الحدث، لتطبيق تنفيذ مخططها للمرحلة الأولى للقضاء على قدرات العراق العسكريّة والاقتصاديّة باستحصالها على قرارين من الأمم المتحدة الأول: إخراج القوات العراقيّة من الكويت بالقوّة، والثاني: فرض الحصار الاقتصاديّ عليه والذي استمر عشرة سنوات، وبقي حتى حرب الخليج الثانية العام 2003، واتضح أنّ مفاعيل حرب الخليج الثانية ونتائجها السياسيّة والعسكريّة بقيت غير مكتملة بسبب بقاء النّظام والكيان السياسي العراقي مستمرًا.
وهكذا بقي العراق خاضعًا لعقوبات الأمم المتحدة وعمليات التّفتيش على الأسلحة للبحث عن أسلحة الدّمار الشّامل التي تشمل الأسلحة البيولوجيّة والكيماويّة والنوويّة. هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدّولي كانت حسب الفصل السّابع الذي يسمح باستخدام القوة لتطبيقها، وجعلت العراق خاضعًا إلى نظام كامل من الوصاية طويلة الأمد، وعبر تدخل عسكري أميركي بريطاني في شمال العراق وجنوبه. وخلال السّنوات الأولى لتطبيق هذه العقوبات التي عزلت العراق كليًّا عن العالم، بدأت ملامح الكارثة تظهر في التّدمير المنهجي لقطاعات العراق الاقتصاديّة، وبنيته التحتيّة وأجياله الطالعة في صورة تزايد وفيات الأطفال، وغياب الأدوية والحليب ونقص النّمو فضلًا عن التّشوهات والأمراض الناتجة عن الحرب والتلوث. ولأجل ذلك وافق العراق على صيغة النّفط مقابل الغذاء من أجل تلبية المطالب الإنسانيّة. وإذا كانت قرارات مجلس الأمن 661 و665 و666 و678 قد فرضت عقوبات اقتصاديّة وتجاريّة على العراق لإرغامه على الانسحاب من الكويت، فإنّ القرار 687 في نيسان 1991 يُعدُّ القرار الأساسيّ لعقوبات ما بعد الانسحاب من الكويت والذي ينص على تدمير أسلحة الدّمار الشّامل من أجل رفع العقوبات الاقتصاديّة والتجاريّة عنه.
ثالثًا: الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة: كان الدّافع الأمريكي لغزو العراق هو تحقيق هيمنة أمريكية سياسيّة وعسكريّة على المنطقة بشكل مباشر، وسيطرة كاملة على انتاج النفط وتسويقه وأسعاره، ولن تتحقق هذه الأمور من دون إقامة قواعد عسكريّة ووجود مباشر في المنطقة، إضافة إلى تغيير النّظام العراقي السّائد وإحلال نظام حليف. وتحدثت تقارير عديدة عن التّحريض لغزو العراق من جانب مسؤولي شركات نفط أمريكيّة كبيرة، من بينها مجموعة هاليبيرتون النّفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي آنذاك يتولى إدارتها، ويستدل على ذلك أنّ وزارة الدّفاع الأمريكية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون وحتى من دون إجراء مناقصة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 عقدين الأول بقيمة سبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطيّة العراقيّة والتزوّد بالمنتجات النفطيّة المكررة في العراق، والعقد الثاني تقدم مجموعة هاليبيرتون دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشّرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليار دولار.
ولا بدّ من الإشارة إلى حدث قد وقع قبل ستة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وقّع ديك تشيني عقدًا مع شركة نفط أذربيجان في سبيل تطوير قاعدة بحريّة لدعم عمليات التنقيب عن النفط في مياه بحر قزوين، وقد كانت التوقعات التي وضعتها وكالة الإعلام والطاقة في واشنطن بحدود 200 مليار برميل، لكن تبين في ما بعد أنها كانت توقعات عبثيّة فانسحبت الشّركات الأمريكيّة الكبيرة بهدوء، هذا الأمر جعل الرئيس بوش الابن ينظر للعراق فجأة للتّعويض عن نفط أذربيجان، فهو يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربيّة السّعودية، أضف إلى ذلك أنّ الحقول النّفطيّة العراقيّة أغزر الحقول في العالم وأكثر قربًا من سطح الأرض، ومعدل إنتاجها يوميًّا يتراوح بين 10 إلى 11 ألف برميل يوميًّا مقارنة مع متوسط إنتاج آبار النفط في غيرها من الدّول لا يزيد عن 4 إلى 8 آلاف برميل يوميًّا، ناهيك أن تكاليف إنتاج نفط العراق منخفضة حوالي 50 سنتًا فقط مقارنة بنحو 5.3 دولار في كل من السّعودية، والكويت، وإيران.
رابعاً: إقامة الديمقراطيّة في العراق والعمل من أجل حقوق الإنسان وتخليصه من النّظام الديكتاتوري: لقد كان من الأهداف المعلنة إزاحة النّظام العراقي القائم وإقامة نظام ديمقراطي على الطريقة الغربيّة، يكون نموذجًا يحتذى به لدى العديد من دول الشّرق الأوسط، إذ بنظرهم سيصبح العراق واحة للديمقراطيّة في المنطقة. وكان أن أعطى النّظام العراقي الحجة للآخرين لينالوا منه بعد أن اتهمه الغرب باستخدام أسلحة محظورة ضد أفراد شعبه من المعارضين في مارس/ آذار 1988، إلى جانب استعماله القنابل الانشطارية وغازات سامة من بينها غاز الخردل، وغاز مثير للأعصاب إضافة لاستخدامه ملح الحمض الأزرق المعروف بالسّيانيد.
وقد ورد في مقال لبرهام فولر نائب رئيس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية: “لقد اضهد صدام شعبه بأسوأ طريقة أكثر من أيّ نظام عربي في التاريخ الحديث، من حيث عدد المسجونين، والذين أعدموا وقتلوا… ولذلك فإنّ الشّعب العراقي في أحسن حال بوجوده خارج نظام حكم رئيسه وحزبه الشّمولي”.
خامساً: استغلال فرق التّفتيش الدّوليّة: ولتحقيق هذا الهدف قامت عدة لجان مختصة من الأمم المتحدة بإرسال خبراء التفتيش عن أسلحة الدّمار الشّامل بعملها حتى نهاية العام 1998، وبعدما تبين للعراق أنّ تعاونه مع اللجان لا أفق له، إضافة إلى كشف محاولات تجسس وتعاون مع استخبارات أميركيّة وبريطانيّة وإسرائيليّة من قبل بعض أعضاء لجنة “أونسكوم”، قرر عدم التعاون معها، ولم يلبث أن انسحب أعضاء اللجنة في كانون الأول 1998 وهنا استغل الرئيس الأمريكي فرصة رفض الرّئيس العراقي، السّماح لمفتشي الأمم المتحدة المنسحبين بالعودة إلى البلد ليبرز تصعيدًا آخر، وهو القيام غارات جوية قام بها الجيش الأميركي والبريطاني على مواقع عراقية إمعانًا في إضعاف القدرات العسكريّة العراقيّة. وعلى الرّغم من تسليم اللجنة وثائق مهمة من قبل بعض العراقيين المنشقين الذين كانوا يشغلون مراكز مهمة. فإنّ الولايات المتحدة استمرت في تصعيد الموقف ضد النّظام العراقي.
سادساً: الإيحاء بأن العراق تهديد لجيرانه وضرورة إسقاط نظامه بالقوّة العسكرية: إذ في العام 1998 أعد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفويتز تقريراً وجهاه إلى قيادة الحزب الجمهوريّ، يحذران فيه من إمكانيّة استخدام صدام حسين لأسلحة الدّمار الشّامل تمهيدًا ليصبح القوّة الفاعلة في الشّرق الأوسط، وفي العام 2000 تبين أنّ هناك تقريرًا آخر كتبه رامسفيلد مع نائبه وديك تشيني نائب الرئيس الأميركي مفاده أنّ هناك حاجة لنشر قوات أمريكية واسعة في الخليج العربي. وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 بات رامسفيلد يريد حربًا ضد أفغانستان والعراق.
الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لغزو العراق:
منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح جليًّا أنّ هناك تغيّرًا في السّياسة الأميركيّة تجاه العراق. والانتقال من سياسة الاحتواء والرّدع التي كانت تمارسها الولايات المتحدة منذ تأسيس وزارة الدفاع الأمريكية في 1947، وامتداد هذه السياسة حتى العام 2001، لتصبح بعدها مرحلة الاحتواء العسكري أي سياسة هجوميّة لأيّ نظام معاد لها يهدد مصالحها القومية، بل وتدعيم تفوقها في الهيمنة الشّاملة على العالم من خلال دعم الأمن الأمريكي، وأخذت الدّعاية الأمريكية تحقيقًا لمصالحها تدعو لإسقاط نظام حكم صدام حسين، وإحلال نظام حليف لها بوصفه نظام معاد لها. علمًا أنّها انتهجت هذه السياسة في أفغانستان قبلًا ومع حركتيّ طالبان والقاعدة. ولأجل المضي بشكل قانوني في سياستها هذه استحدثت وزارة الأمن القومي، وما ساعدها على ذلك صعود تيار اليمين المتشدد الجمهوري وإمساكه بالسياسة الداخلية. وفي اليوم التالي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، حصل الرئيس بوش الابن على موافقة الكونجرس، كقرار مشترك يجيز له استخدام القوة العسكريّة ضد من ساهم أو نفذ الهجمات، واستغلها الرئيس الأمريكي في قوله بوجود ارتباط بين هذه الهجمات وبين النّظام العراقي، كما حصل الرئيس الأمريكي على موافقة مجلس الشيوخ بتفويض باستخدام القوّة ضد العراق. لقد شكلت أحداث 11 أيلول قرارًا حاسمًا لإعلان الحرب على الإرهاب، تحت غطاء الدّفاع الشّرعيّ للرد على اعتداء 11 أيلول وذلك من خلال قراري مجلس الأمن 1368 بتاريخ 12/9/2001 والقرار 1373 بتاريخ 28/9/2001 ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وهكذا استطاعت الولايات المتحدة على موافقة مجلس الأمن لشنّ حرب استباقيّة ضد من يشكل تهديدًا لمصالحها في أيّ منطقة بالعالم تحت غطاء الحرب على الإرهاب.
الرّبط بين الحرب على الإرهاب والحرب على العراق:
ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأت حملات دعاية ضد النّظام العراقي قبل عام من الغزو، عملت الولايات المتحدة على تضخيم الخطر العراقي، فأسرعت بعد ثلاثة أيام من وقوع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وقبل الوصول إلى أيّة إثباتات في التّحقيق، باستهداف العراق عبر نائب وزير الدّفاع بول ولفويتز بقوله: “إنّ مواجهة الإرهاب لا تعني اعتقال النّاس فقط بل كذلك إنهاء الدّول التي ترعى الإرهاب”. وبعدها بأيام قام بتسرب تقرير (تبين فيما بعد أنّه غير صحيح) ونفته الحكومة التّشيكيّة أيضًا، عن اتصال محمد عطا، أحد خاطفي الطائرات، مع ضابط مخابرات عراقي في براغ، وعن احتمال أن يكون نظام صدام حسين قد قام بتمويل هذه العمليات. وهنا لم تثبت تهمة الإرهاب ضد العراق، فلجأت الإدارة الأمريكية لإلصاق تهمة أخرى ألا وهي أسلحة الدّمار الشّامل. وفي أحد خطابات الرئيس الأميركي بوش الابن أدرج العراق مع إيران وكوريا الشّمالية وسوريا فيما أسماه “محور الشرّ” الذي يسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل.
كل هذا يؤكد أنّ العراق لم يكن مستبعدًا منذ اللحظة الأولى لوقوع أحداث أيلول، بل وقبلها، وأنّه جرى التّحضير للغزو عبر الحصار الاقتصاديّ وإضعافه لمدة تزيد على عشر سنوات. وما أكد على ذلك أنه خُطِط للغزو الأمريكي قبل التّاسع من أيلول/ سبتمبر العام 2001 بمدّة طويلة، وهو ما أشار إليه رئيس السياسة الخارجيّة للاتحاد الأوروبيّ السّابق والأمين العام السّابق لحلف الناتو خافيير سولانا، أنّ بوش على الرّغم من التّرويج للحرب كجزء من “الحرب على الإرهاب” فإنّ بوش جعل من العراق واحدة من أولوياته في السياسة الأمنيّة بعد أولوية انتخابه رئيسًا في العام 2000.
قبل ستة أسابيع على بدء غزو العراق قال وزير الخارجيّة الأمريكيّة كولن بأول في خطابه أمام مجلس الأمن الدّولي بتاريخ 5 شباط 2003، بتأكيده امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وكيميائي، وكذلك دعم نظامه الإرهاب الدّولي وسعيه إلى صنع أسلحة نووية. رافق خطاب باول هذا عرض بيان مدعوم برسوم توضيحيّة، وتابع بالقول: “ومن أجل هروب نظام صدام من ضوابط المراقبة الصّارمة من قبل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، تم تحويل أسطول الشّاحنات في العراق إلى مختبرات كيميائيّة ومخابئ للأسلحة البيولوجيّة”. فيما بعد وصف باول هذا الخطاب العام 2005 بأنّه وصمة عار في حياته المهنيّة.
في المحصلة لقد ساعدت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الرئيس الأمريكي بوش الابن في عدة أمور منها أولاً في تغيير المزاج الشّعبيّ الأمريكيّ الذي أحس بتهديد في أمنه القوميّ، وأصبح أكثر تقبلًا وداعمًا لسياسة التّدخل العسكري وإلى التّحرك أو الحرب الاستباقيّة تحت حجة القضاء على الإرهاب، وبالطبع استغل اليمين الجمهوريّ المتشدد في الإدارة الأميركيّة هذا التغيير لصالحه، وانتقل إلى سياسة ضرب المناطق المتهمة بإيواء الإرهاب بدءًا بأفغانستان ثم ضرب حركة طالبان بزعامة أسامة بن لادن التي اتهمت بأنّها هي من ارتكب أحداث 11 أيلول مباشرة بعد وقوع الهجوم على برج التّجارة العالميّة في نيويورك، وضرب حركة القاعدة، ثم ربط الأحداث والانتقال بها إلى الحديث عن “محور الشّر” الذي تمثله الدّول التي تسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل، وهي إيران والعراق وكوريا الشّماليّة. والتقت هنا مصلحة الكيان الصهيونيّ المسمى “إسرائيل” بقيادة شارون مع المصلحة الأمريكيّة في ضرب العراق وإضعافه كونه يعدُّ في نظر محلليها العسكريين العمق الاستراتيجي لسوريا ولبنان وفلسطين وفي ربط نضال الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وتحريرها بالإرهاب، وبالتالي فإنّ إضعاف العراق وإخضاعه سيسهل إخضاع الأطراف الأخرى، ولا ننسى أنّ مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وهي مسألة حيوية بالنسبة إلى صنّاع القرار الأمريكيين والإسرائيليين فستصبح أكثر سهولة إذا ما أُخضِع العراق وأُحِلّ نظام حليف لهم. والدّافع الثاني الأكثر حيوية لصانع القرار الأمريكي هو تحقيق هيمنة سياسيّة وعسكريّة على منابع النّفط وسيطرة فعليّة على إنتاجه وتسويقه وأسعاره، ولن يحصل ذلك من دون إقامة قواعد عسكريّة قرب منابعه.
وكما رأينا فقد تمت المرحلة الأولى للوجود العسكري الأمريكي المباشر العام 1991 في الخليج والجزيرة العربيّة. في الوقت نفسه عملت إدارة الرئيس بوش على تجميع المعارضة العراقيّة في محاولة للاستفادة منها، وفي مطلع سنة 2003 يناير/ كانون الثاني، أعلن جورج بوش الابن في خطاب ألقاه بقاعدة “فورت هود” بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأمريكية، أن “بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً إذا رفض العراق نزع أسلحة الدّمار الشّامل التي يملكها”. وأضاف “أن بلاده لا تريد غزو العراق وإنّما تحرير الشّعب العراقي” وأعرب عن ثقته في “تحقيق نصر حاسم لأنّ أمريكا تمتلك أفضل جيش في العالم”. كما اتّهم الرئيس جورج بوش صدام حسين بأنّه يمثل تهديدًا حقيقيًّا لأمريكا وحلفائها لأنّه استخدم أسلحة الدّمار الشّامل سابقًا كما استخدمها ضد شعبه، واتهمه بــ “تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النوويّة والبيولوجيّة والكيميائيّة لمفتشي المنظمة الدّوليّة، الذين استأنفوا عملهم في العراق في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، وذكره بالاسم كجزء من “محور الشرّ”. وساعدت بريطانيا ممثلة برئيس وزرائها بحملات الدّعاية هذه ضد العراق لاسيما تقارير منظمات حقوق الإنسان، واستخدمتها بشكل سياسي لخدمة المشروع الأمريكي بتبرير استهداف العراق. كما استخدمت إحكام قبضة صدام حسين على العراق كحجة تبرير الغزو. وفي خريف العام 2002 نشرت الحكومة البريطانيّة برئاسة توني بلير تقريرًا يحذّر من “المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل” وذلك في محاولة لكسب تأييد الشّعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.
المعارضة الدّوليّة للحرب على العراق:
أخذ الجو الدولي لاحقًا يتغير لمصلحة العراق، وضرورة إنهاء العقوبات عليه وبدأت علاقاته تتحسن تدريجيًّا مع جيرانه، كما أصبحت دول الخليج بما فيها الكويت لا تؤيد حربًا على العراق، ومثلها قطعت فرنسا وروسيا والصين وأخذت جميعها تعقد اتفاقات تجاريّة واقتصاديّة معه. لكن بعد فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في الحصول على قرار دولي يسمح بالحرب على العراق، اجتمع الرئيس بوش الابن ورئيسا وزراء كل من بريطانيا واسبانيا في “جزر الأزور” في 17 آذار 2003، ووجهوا إنذارًا للأمم المتحدة باستصدار قرار للحرب على العراق، وإلا سوف يضطروا إلى الذّهاب للحرب عليه من دون تفويض. بينما الدول الثلاث الأخرى فرنسا وألمانيا وروسيا كانت من الأساس رافضة لفكرة الحرب وقد أكدت من خلال إعلان مشترك في اليوم السّابق، أن استخدام القوة يجب أن يكون الخيار الأخير.
وأعرب الرئيس الفرنسي عن معارضة شديدة للتدخل العسكري، ما عكر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن، وقال الرئيس الفرنسي آنذاك واصفًا الحرب على العراق: “بالنسبة لنا تعد الحرب دائمًا دليلًا على الفشل وأسوأ الحلول، لذا يجب بذل الجهود لتجنبها“(كانون الثاني/ يناير 2003).
أمّا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال: “إذا سمحنا بأنّ يحل قانون القوة محل القانون الدولي، حينئذٍ سيكون مبدأ حرمة سيادة الدول محل شك” (مارس/ آذار 2003).
كما عبر ساسة أمريكيون عن قلقهم، من بينهم باراك أوباما، الذي كان ما يزال يشغل في ذلك الوقت منصب سيناتور ولاية ألينوي: “لا أعارض جميع الحروب، بل أعارض الحرب الغبيّة، حرب لا تتأسس على سبب، بل على الرّغبة، لا مبدأ لها، بل تتأسس على السياسة”. في لندن تجمع حشد تجاوز المليون شخص في مسيرة كبيرة احتجاجًا على الحرب.
كما أعرب واحد من الشّخصيات الرئيسة في حكومة رئيس الوزراء توني بلير زعيم الأغلبيّة العماليّة في مجلس العموم ووزير الخارجيّة السّابق روبين كوك، وقد قال: “المجتمع الدّولي والرأي العام البريطاني غير مقتنعين بسبب ملحٍ لهذا العمل العسكري في العراق”.
أمّا ملك الأردن عبد الله الثاني فقال: “نعارض بشدة قتل النّساء والأطفال، نحن مع شعبنا الرافض للغزو” (أبريل/ نيسان 2003).
من جهة أخرى نجد أنّ نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يقول: “أؤمن بأنهم سيستقبلوننا كمحررين” (مارس/ آذار 2003))
وقد ساد اعتقاد كبير بأنّ مدة الحرب ستكون قصيرة، وأشار لذلك وزير الدّفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد العام 2002 بقوله: “خمسة أيام أو خمسة أشهر، لكن بكل تأكيد لن تطول أكثر من ذلك”.
وعلى الرّغم من احتجاج مئات الآلاف من الأشخاص في شتى أرجاء العالم. كان الهدف في ذلك الوقت تدخلًا سريعًا في إطار حملة تهدف إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، الذي قاد البلاد منذ العام 1979، وإحلال نظام حليف لهم. وكان العراق يملك حسب زعم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ما وصف بأسلحة الدّمار الشّامل، ويطور الجمرة الخبيثة وغاز الأعصاب وأسلحة نووية، فضلًا عن دعمه للإرهاب وإبراز عدائه لأمريكا.
بَدء الحرب:
بدأت عملية الغزو في 20 آذار 2003 واستمرت 19 يوماً في عملية أطلق عليها “تحرير العراق”، وسقط النظام العراقي في 9 نيسان 2003، ونشر التّحالف الذي ضم بريطانيا وعشرين دولة أخرى، إضافة لقوى المعارضة العراقية، والتنظيمات المقيمة في المهجر مثل حركة الأحزاب الشيعيّة اللاجئة بإيران، وحزب الدّعوة، والمجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في العراق، وحركات أخرى، بقيادة الولايات المتحدة قوات قوامها 200 ألف جندي، على الرّغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة.
وبات على المحتلين إثبات وجود أسلحة الدّمار الشّامل ففي الأول من أيار أعلن الرئيس الأميركي بوش أن “الجزء الأكبر من العمليات العسكرية قد انتهى”، ما لبث أن صرح في 29 مايو/ أيار 2003 “عثرنا على أسلحة الدّمار الشّامل”. أمّا وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول فقال: “كلّ تصريح لي اليوم يستند إلى مصادر قوية، هذه ليست تأكيدات، نحن نقدم لكم حقائق واستنتاجات تستند إلى استخبارات قوية”.
لكن هذه التبريرات التي انطلقت منها الحرب الأمريكية على العراق، والتي كان من بينها القضاء على أسلحة الدّمار الشّامل تبين زيفها وعدم واقعيّة بعضها الآخر وهي بناء الديمقراطية في العراق، والتّدخل من أجل حقوق الإنسان، وتحول العراق لمركز للإرهاب، عوضًا من أن يكون موقعًا لمحاربته، وتحول هدف الإدارة الأمريكية المعلن الحفاظ على استقرار الأوضاع في العراق إلى هدف أدنى منه.
مستقبل العراق بعد الغزو
لقد شكل دخول القوات الأميركية للعراق حال من فوضى عارمة، لا سيما بعد قرار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر بحل الجيش العراقي وأيضًا حل حزب البعث العراقي في 16 أيار 2003 على الرّغم من أن أعضاء هذا الحزب وأنصاره يقدر عددهم بالملايين وتجريد نحو 23 ألف بعثي من الوظيفة العامة، وبات أغلب المواطنين العراقيين عاطلين عن العمل وحُرِم مئات الألوف من أعمالهم، رافق ذلك تصرفات أمريكيّة وحشيّة واستخدام الجواسيس والمخبرين والاعتقالات الجماعيّة، والاستجوابات الخشنة وغيرها من تصرفات لا تتماشى مع ما نادى به دعاة احتلال العراق.
نقلت السّلطة في العراق إلى حكومة مؤقتة في شهر يونيو/ حزيران، وحُلت سلطة التّحالف المؤقتة التي أنشأها الأميركيون. كما أعلن دستور البلاد الذي أرسى الفيدراليّة عن طريق إجراء استفتاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2005. إلا أنّ النّخب السياسيّة في توليها للسّلطة في العراق انطلقت من تصورها للمسار الانتقالي من عقد تاريخيّة، ما يعني أنّها حولت المسار الانتقالي إلى فضاء صراعي وما ذلك إلا من أجل تثبيت سلطتها، وهو ما أدى إلى انزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007 وما ذلك إلا بسبب ظاهرة انتشار الأحزاب، التي تمخضت عن حالة جديدة من الاصطفاف الطائفي الذي لم يشهد مثله تاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقيّة العام 1921، إضافة إلى تدهور الوضع الأمني بسبب الممارسات اليومية لقوات الاحتلال. إنّ ظاهرة انتشار الأحزاب السياسيّة أوجد حالة عسكريّة دائمة في البلاد، فضلًا عن قيام بعضها بتشكيل تنظيمات مسلحة لها لمواجهة الأحزاب المنافسة لها والنّشطة على السّاحة السياسيّة. ومن تداعيات استمرار الاحتلال الأمريكي ظاهرة الحدود الدّوليّة المفتوحة بين العراق ودول الجوار المحيطة به وقد استمر لمدّة طويلة الأمر الذي فتح الباب أمام المتسللين الأجانب للدخول إلى العراق، وكان من ضمنهم عناصر تشتغل بالإرهاب والتخريب.
كما أن تأخير إعادة بناء الجيش العراقي والمؤسسة العسكريّة، والأمنية بتشكيلاتها المختلفة من جيش وقوى الأمن الدّاخلي وغيرها بعد تسريح كلّ أجهزة المؤسسة العسكريّة أثبت خطأ التّصورات الأمريكيّة لهذا الإجراء؛ وأدى لانفلات الوضع الأمني ما دعا لإعادة التفكير ببناء الجيش العراقي، ليكون المساعد الرديف لقوات وزارة الدّاخلية في التصدي للوضع الأمني المتدهور في العاصمة بغداد وبقيّة المحافظات. وظهر أيضًا خطر تقسيم العراق بعد انهيار الدّولة، والسلطة ما أتاح لبعض السياسيين الطموحين الفرصة لبناء فيدرالية كأساس للنظام الجديد. إلا أنّ المبادئ الأساسية من الدّستور العراقي قطعت الطريق على مثل هؤلاء الطموحين بعد أن أصبح دستور العراق الجديد نافذ المفعول إثر الاستفتاء الشّعبي الذي أجري في 15 تشرين الثاني 2005 والذي ينص على أنّ “جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي“.
إخفاق التّدخل العسكري الأمريكي في العراق
تعرضت القوات الأمريكية يوميّاً إلى عشرات العمليات القتاليّة ضدهم، إضافة للضغط النّفسي والصحي السيء الذي أخذت تعانيه القوات الأمريكيّة. وقد فقد الجيش الأمريكي تأثيره الشّعبي بعد أن مارس أنواع القمع كافة ضد المجتمع العراقي، وانتهكت حقوق الإنسان وجعلت من الشّعب العراقي رهينة، فضلاً عن السّجون بين سرية وعامة وخاصة، يمارس فيها شتى أنواع التّعذيب حتى الموت والإذلال.
وتحت وطأة التّعثر السياسي وفشل الإدارة الأمريكية في احتواء الوضع السياسي العراقي، ظهرت بوادر تراجع أمريكيّة عن التمسك بفكرة الهيمنة على العالم بسبب كلفتها الهائلة، التي لم يعد دافع الضرائب الأمريكي قادراً على تحملها، فالفشل السياسي والعسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق دفع عدد من الخبراء الأمريكيين إلى التأكيد على أنّ استراتيجيّة أمريكا الأمنية بعد العام 2001 قد فشلت تماماً إلى الحدّ الذي صار يضغط بانتهاء الهيمنة الأمريكيّة على منطقة الشّرق الأوسط، فكان ذلك دليلاً على فشل دعاة الاحتلال بمقولتهم لنقل العراق لحال أفضل.
استمر احتلال العراق من قبل القوات الأميركية حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2011. لكن الوجود العسكري الأمريكي في العراق اتسم بالافتقار لاستراتيجيّة واضحة منذ بداية الغزو باستثناء السياسة المعلنة عن تأسيس دولة ديمقراطية في العراق، وبينما لم يكن هناك تغيير فعلي في الأهداف بعد العام 2011 وحتى العام 2014 عدَّه كثير من القادة العسكريين خطأ استراتيجيًّا كبيرًا؛ لأنّه فتح المجال أمّام انتشار تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة القوات الأمريكية بعد العام 2014 حتى بلغت ما يقرب من 5000 جندي بحلول العام 2020 وعليه فإنّ الأمر متعلق دائمًا بمستوى الحضور العسكري الأمريكي المطلوب، والدّرجة التي تكون معها مخاطر الوجود العسكريّ متوازنة مع الفوائد، والمكاسب التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.
وقد خلص باحثون أمريكيون إلى أن دعم عراق مستقر يصب في مصلحة الولايات المتحدة المستمرة على المدى الطويل، وأن هذا لا يتطلب استمرار مَهَمَّة القوات القتالية على المدى الطويل، لكنه يتطلب الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين العسكريين للمساعدة في تدريب وتطوير القدرات العسكريّة العراقيّة حتى يتمكن العراق من الدّفاع عن نفسه.
الخاتمة
كان الهدف الذي وضعته الولايات المتحدة في استراتيجيتها في المنطقة، والذي كانت قد خططت له وأعدته منذ سنة 1970، هو إعادة هيكلية دول المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة هزيلة متناثرة القوى، أكثر مما هي عليه الآن قائمة على أسس طائفيّة، وعرقيّة ومذهبيّة، ودينيّة، وعنصريّة، وعشائريّة.
ومن هذا المنطلق نلاحظ كيف تجلت حروب الجيل الثالث في أسمى معانيها من خلال الغزو الأمريكي للعراق، وبرزت دوافع هذا الغزو، وما اعتمد أهل القرار في واشنطن من استراتيجية بالتمهيد لضرب القوة الاقتصاديّة والعسكريّة العراقيّة، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانيّة، وما أعقبها من حرب الخليج الثانية لتحقيق أهداف متعددة.
بدأت إدارة الرئيس بوش الابن تخطط من خلال ما سمي بالاستراتيجيّة الجديدة واستغلال أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لنشر الدّعاية السيئة ضد النّظام العراقيّ، بغية السّيطرة بصورة كاملة على النفط العراقي وأنظمته، بسبب اندفاعها وراء مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى، متخفية وراء قضايا أيديولوجية عقائدية متلونة، وبالتالي لم تكن الغاية منها سوى تحقيق مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى فتح أسواق جديدة، أمام الشّركات الأمريكيّة الاحتكاريّة استكمالًا للهيمنة الأحاديّة على العالم والسيطرة على مقدراته.
لقد خلف احتلال العراق مشاهد مرعبة من البؤس والفوضى، لم تحقق الولايات المتحدة الهدف الاستراتيجي من عملية الغزو هذه، وهو السيطرة عليه سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، والمقولة بإقامة نموذج سياسي جديد يكون قدوة للدول المحيطة لم تنجح بها، بل نجد أن العراق ما يزال حتى يومنا لم ينعم بالأمن ولا بالديمقراطية التي وُعِد بها العراقيون.
المصادر والمراجع
الكتب
1- الألوسي، سؤدد فؤاد: الغزو الأمريكي للعراق حقائق وأرقام، الطبعة الأولى، دار المعتز، 2012.
2- أناتولي أوتكيف: الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، ترجمة أنور محمد إبراهيم ومحمد نصر الدين الجبالى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.
3-الحمداني، رعد مجيد: قبل أن يغادرنا التاريخ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بالطبعة الأولى، يروت،2007.
4- جامعة الشّرق الأوسط: الاحتلال الأمريكي للعراق وإشكالية بناء الدولة 2003-2004، إعداد الطالب علي صباح صابر بإشراف د. محمد جميل الشيخي، رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير.
5- سلزر، إيرون: المحافظون الجدد، نقله إلى العربية فاضل جتكر، الطبعة الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 2005.
6- شربل، غسان: العراق من حرب إلى حرب صدام مر من هنا، نسخة مجمعة من جريدة الحياة، 2010.
7- الشكرجي، طه نوري ياسين: الحرب الأميركية على العراق، الدار العربية للعلوم ومكتبة الرائد العلمية، الطبعة الأولى، بيروت والأردن، 2004.
8- العلوجي، عبد الكريم: الصراع على العراق من الاحتلال البريطاني إلى الاحتلال الأمريكي، ط1، الدار الثقافية للنشر، القاهرة،2007.
9- علي، محمود محمد: المخطط الأمريكي لاحتلال العراق، الطبعة الأولى، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2018.
10- فرانكس، تومي: جندي أمريكي، نقله إلى العربية محمد محمود، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، 1427 هـ.
11- هيكل، محمد حسنين: الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، الطبعة الثالثة، دار الشروق، القاهرة، 2004.
المجلات
12-زياد ماجد: لبنان والعراق في بعض مفاصل تاريخهما الحديث، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 129، شتاء 2022.
13- بشير عبد الفتاح: تجديد الهيمنة الأمريكية، سلسلة أوراق الجزيرة 18، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية لعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، الدوحة قطر وبيروت، 2010، الموقع على شبكة الانترنت http;//www.asp.com.lb
14- دراسات الشرق الأوسط، واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009.
المقالات
15- المركز الديمقراطي العربي، 3 ديسمبر 2021، استراتيجية الحرب الاستباقية وتأثيرها في العلاقات الدولية- دراسة حالة الولايات المتحدة الامريكية (2001-2020).
16- الحياة، 3/11/2002.
17- الجزيرة 23/12/2016 الغزو الأميركي للعراق.. مبررات واهية ونتائج كارثية.
18- واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009، Watheq. [email protected]
19- رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق يتحدث عن دور النظام السوري في إطاحة صدام حسين.
20 – BBC News عربي 22 مارس/ آذار 2018. بعد 15 عاماً على الحرب: ماذا قال قادة العالم عن غزو العراق؟
21- Independent عربية 10 ديسمبر 2021 إليكم تسلسل العلاقات العراقية الأميركية منذ 2003.
22- طارق الشامي: ما تداعيات انسحاب القوات الأميركية من العراق؟ INDEPENDENT عربية الجمعة 9 أبريل 2021.