في ذكرى يوم المرأة العراقية وتأسيس الاتحاد العام لنساء العراق.
د. ياسين شاكر العبد الله
منذ أكثر من قرن من الزمان، تمتعت المرأة العراقية بحقوق أكبر نسبياً من حقوق نظيراتها في أي من دول المنطقة، مما جعلها تتبوأ مكانة بارزة في مختلف مجالات الحياة.
ويعود ذلك الإنجاز للشخصية الاجتماعية والسياسية التي تمتعت بها المرأة العراقية، وعلى الرغم من كل التحولات السياسية التي مر بها العراق منذ أن كان تابعاً للدولة العثمانية مروراً بالعهد الملكي وصولاً إلى تسلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة عام ١٩٦٨ وما تلا ذلك، فقد لعبت المرأة العراقية دوراً مهماً في جميع أدوار ومراحل التنمية السياسية والاقتصادية. والاجتماعية في البلاد، وعلى الرغم من التحولات التي شهدها العراق في أدوار الأنظمة السياسية من الملكية إلى تأسيس الجمهورية، وصولاً إلى العهد الوطني، وما ركزت عليه مبادئ الثورة المباركة في تحقيق نقلة نوعية ليس في حياة المرأة فحسب وإنما في دورها القيادي في بناء العراق الجديد وتطويره، فلقد لعبت المرأة العراقية دوراً مهماً في التنمية السياسية والاقتصادية واستطاعت أن تحقق إنجازات كبيرة ومهمة في المجتمع العراقي وذلك من خلال الاتحاد العام لنساء العراق ودوره في المحافظات والأقضية العراقية وفي الوسط النسوي بشكل خاص، ومن خلال برامج استهدفت تطوير المرأة علمياً وثقافياً وسياسياً فأصبحت بحق رائدة في مجالات عملها في البيت وفي المدرسة وفي جميع منظمات المجتمع المدني، ونافست أخوتها الرجال، وكانت عوناً لهم في الإنجاز والبناء الذي اعتمدته ثورة ١٧ – ٣٠ تموز القومية التقدمية الاشتراكية، في بناء العراق الجديد الذي أخذ يضاهي الدول المتقدمة في التطور البشري والتقني والذي أغاض الأعداء الذين لا يريدون للعراق والأمة العربية التقدم والتطور والوحدة التي هي الأساس والقاعدة الرصينة لإحياء وبعث الأمة من جديد وبناء مكانتها الحضارية التي فقدتها لقرون عديدة من الزمن.
إن القاعدة الأساسية لتطور أمة أو شعب لا يمكن أن يتحقق ذلك إذا لم تكن هناك امرأة واعية مثقفة تفهم كيف تتعامل مع الحياة ومفرداتها ومعطيات الواقع، وتلتزم من خلالها بكل ما يتعلق بالبناء والتقدم وبالحرية والكرامة والسعادة والعيش بعيداً عن التبعية والذل والمهانة التي حاول ويحاول الأجنبي صاحب المصلحة بممارستها على الشعوب وانتقاص سيادتها الوطنية.
إن بناء المجتمع وفق المعايير والقيم المعرفية والاجتماعية والسياسية لا يتم الا من خلال المرأة ذات القدرات على تحقيق الأهداف المنشودة، ولهذا جاء القول المشهور:
الأم مدرسة إذا أعددتها ….. أعددت شعباً طيب الأعراق
وهنا لابد أن نذكر القارئ الكريم والقارئة الكريمة أن الحركة النسوية الأولى في العراق بدأت في عشرينيات القرن الماضي وقبل تأسيس الدولة العراقية في العام ١٩٢١، وبرزت خلال الفترات المتعاقبة نساء عراقيات دخلن التاريخ وساهمن في أحياء الحركة النسوية العراقية بغض النظر عن الأنظمة والأدوار السياسية التي مرت بالعراق، فنشاط المرأة الوطني الهادف إلى الحرية والاستقلال وتحقيق العدالة والمساواة هو حجر الزاوية في وصف المرأة العراقية، وهناك نساء عراقيات برزن منذ ما يزيد عن قرن من الزمن في مجالات مختلفة في القضاء والسياسة والصحافة والنشاط الحقوقي، وعند الحديث عن القيادات النسوية العراقية تبرز أمامنا الكثير من خريجات كليات الطب والصيدلة والهندسة واللغات منذ عشرينيات القرن الماضي، ومنهن من نلن شهادات الدكتوراه في مختلف العلوم الجامعية، ومن تولت أول وزيرة في تاريخ العراق السياسي، ومن ترأست وأصدرت العديد من الصحف المحلية الهادفة ومن تبوأت مواقع متقدمة في إدارة شؤون الدولة ومرافقها الحيوية والمهمة.
وفي الدستور العراقي الذي صدر عام 1970، تقول المادة 19 إن جميع المواطنين متساوون أمام القانون بغض النظر عن الجنس، أو الدم، أو اللغة، أو الأصل الاجتماعي، أو الدين.
وفي يناير 1971، صدّق العراق على المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ توفر حماية متساوية للجميع بموجب القانون الدولي.
لكن أوضاع المرأة، والمجتمع العراقي عموماً والذي وصل بناؤه عالياً، تدهور بسرعة بعد الاحتلال الامريكي الأطلسي الأسود للعراق في التاسع من نيسان ٢٠٠٣ .
وعلى الرغم من ذلك وعلى عمق الجروح التي أصابت نساء العراق ، بدأت النسوة العراقيات ومن خلال الاتحاد العام لنساء العراق في ممارسة دورهن الوطني في مقاومة الاحتلال والمحتلين من خلال الفعاليات السياسية المناهضة والمقاومة للاحتلال ومشاركة الرجل في الدفاع عن العراق وحقوق شعبه وكانت سنداً للمقاوم العراقي في سوح الشرف والمقاومة.
ويأتي اليوم الرابع من آذار يوم المرأة العراقي ليؤكد ثبات المرأة العراقية ونضالها وبيان جوهرها ومواقفها من أجل الدفاع عن العراق والتمسك بالمنهج الوطني والقومي، وتحقيق ما تصبو إليه من حقوق اغتصبها وغيبها الاحتلال وحكوماته التي خرقت وألغت تلك الحقوق ونالت من كيانها الاجتماعي والإسلامي ومن خلال اصدار التشريعات التي تحط من مكانتها الاجتماعية والدينية، وجعلها سلعة بيد المعممين والطائفيين والمزورين ولشهواتهم الدنيئة، ومن المؤكد أن ذكرى يوم المرأة العراقية في هذا العام ٢٠٢٥ سيكون انطلاقة متممة للأدوار والفعاليات التي تحققت على مدى قرن من الزمان، وفي أولوية ذلك هو تحقيق الانتصار الكبير الذي ينشده ويؤمن به ويتمناه كل أبناء شعب العراق، وهو طرد كل المحتلين من عراقنا العزيز وتحريره من السيطرة الأجنبية الأمريكية والإيرانية ومن الأحزاب والميليشيات الطائفية وبناء عراق محرر كامل السيادة والاستقلال والقرار الوطني المستقل.