شبكة ذي قار
دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة العاشرة ﴾

الحمد لله الذي به تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد الممتثل للمأمورات والمجتنب للمنهيات سيد البشر وخير العرب من عدنان ومضر، وبعد:

فأيها الأحبة من مجاهدينا الأبطال يا من بكم أقر الله تعالى عيون المؤمنين وبكم غاض الكافرين، يقول تعالى في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ﴿النساء:٥٩﴾

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( … من أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي … )) صحيح البخاري ج3/ص1080، صحيح مسلم ج3/ص1466

جعل النبي عليه الصلاة والسلام طاعته مقرونة بطاعة الأمير ومعصيته مقرونة بمعصية الأمير ، الأمير هو ذلك الرجل الذي ترتبط به ارتباطا مباشرا ولا يكون الأمير أميرا من تلقاء نفسه بل ينصب من قبل من هو أعلى منه وطاعته واجبة شرعا ما دام لم يأمر بمعصية ولذلك يقول المصطفى صلى اله عليه وسلم في حديث آخر((عليك السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ …)) صحيح مسلم ج3/ص1467،

طاعة الأمير واجبة في ما أحببت وكرهت وفيما عسر عليك فعله وفيما يسر فرب عسير ييسره الله تعالى لك ببركة طاعتك للأمير التي ما هي إلا طاعة لنبيك عليه الصلاة والسلام وما هي إلا طاعة لله تعالى ، وهذه الطاعة هي التي نسميها الطاعة التامة أي تكون في كل الظروف وعند كل الصعاب الطاعة التي يريدها منا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام هي الطاعة التامة أما الطاعة الناقصة والتي تكون بامتثال ما أعجبك وبامتثال ما سهل عليك وبامتثال ما طاب لك فليست هي الطاعة المنشودة، وطاعة الأمير وتطبيق كلامه كاملا بحذافيره من أسباب النصر ومن أسباب التوفيق للعبد فالرماة في أحد سمعوا كلام النبي عليه الصلاة والسلام لكنهم لم يطبقوه إلى الساعات الأخيرة من المعركة فكان من الأمر ما كان.

ويعلمنا نبينا ورسولنا وقائدنا وقدوتنا عليه أفضل الصلاة السلام درسا من دروس التعامل مع الأمير حيث يروي الحديث سيدنا أبو ذر فيقول: (( إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي إن أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كان عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ )) صحيح مسلم ج3/ص1467، وهذا درس عظيم من دروس الإمارة في الإسلام يتلخص في أني لا أنظر إلى أميري من هو أو كيف هو أو ما أصله وأبدأ أقارن بين نفسي وبينه ، لا وإنما أرى أمامي أميرا جعل الله تعالى طاعتي له طاعة للنبي عليه الصلاة والسلام وطاعة لله تعالى، حتى لو كان أقل منني خبرة فواجبي أن أبين له ما أراه بكل أدب وتواضع ثم أسحب نفسي ويكون هو وحده صاحب القرار كما فعل سيدنا الحباب بن المنذر رضي الله عنه عندما أراد أن يقدم مقترحا بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام كيف قدم مقترحه بكل أدب لنعش سوية تلك اللحظات العظيمة في غزوة بدر الكبرى كما يرويها العلامة الحلبي:

((… ثم خرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يبادرهم أي يسابق قريشا إلى الماء فسبقهم عليه حتى جاء أدنى ماء من بدر أي اقرب ماء إلى بدر من بقية مياهها فنزل به  صلى الله عليه وسلم  فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزله الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال يا رسول الله: إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم (أي إذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم) قال الحباب فاني اعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب (أي وهي الآبار غير المبنية) ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماءا فنشرب ولا يشربون (لان القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب) فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  لقد أشرت بالرأي … )) السيرة الحلبية ج2/ص393

ولا يظن أحد أن المقاتل حينما يطيع أميره يقل ذلك من شأنه بل العكس ، إن ذلك يزيده رفعة عند الناس ورفعة عند الله تعالى لأن هذه الطاعة إنما هي لمرضاة الله تعالى فهي طاعة لله تعالى أولا وطاعة لنبيه عليه الصلاة والسلام .

ولا تنظر أيها المجاهد البطل إلى أميرك نظرة استصغار بل الأمير الذي يقودك في المعركة انظر إليه أنه الذي أمره شيخك أو قائدك والطعن في الأمير إنما هو طعن في شيخك وقدوتك وقائدك وفي ذلك يحضرني هذا الموقف العظيم عندما أمر النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا أسامة بن زيد في سرية كان فيها كبار الصحابة وهاكم القصة كاملة كما يرويها أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (( … فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده ثم قال اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله ، فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر الصديق وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان، فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله  صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فخرج وقد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة فلئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم في تأميري … )) المنتظم ج4/ص16،

فالطعن في الأمير إنما هو طعن فيمن أمره ، نسأل الله تعالى أن يجعل جسورا من المحبة والإخاء بين أحبابنا وإخواننا جند الله تعالى الغيارى وان يقر بهم عين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيون المسلمين في كل مكان.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة التاسعة ﴾

 

الحمد لك يا ربنا على ما أوليت لنا من نعم ظاهرة وباطنة كان أعظمها أن أكرمتنا في الانخراط بسلك الجهاد الذي به عزة الأمة وكرامتها، أيها المقاتلون الأبطال يا رجال الصولات يا من جعلتم أمريكا بقوتها وجبروتها ناكسة رأسها ذليلة خائبة اليوم وبعد أن غيرنا إستراتيجيتنا القتالية من حرب العصابات وحرب المجاميع المغلقة إلى التنظيم العسكري المنظم تجدر بنا الإشارة إلى أننا لمسنا بعض الهفوات وبعض المواقف التي نرجو من إخواننا أن يتجاوزوها إلى ما هو أسمى وأرفع حرصا منا على انتظام المسيرة الجهادية وعدم التلكؤ في العمل العسكري الذي يحتاج إلى دقة عالية في التنفيذ والأداء، ويمكن أن نلخص أسباب الإخفاق التي لمستها قيادتكم في نقطتين هامتين نسترعي الانتباه لهما ومعالجة السلبيات المتعلقة بهما معالجة ميدانية دقيقة وجدية وفعالة:

أولا :

وصلت إلى القيادة تقارير عن تفكك بعض السرايا وعدم مبالات البعض الآخر بالأوامر العسكرية ، وبعد دراسة المواقف وتمحيصها خرجنا بنتيجة تقول السبب الجوهري في أمثال هذه الأمور هو إهمال القائد الميداني لمن هم في معيته، ليعلم كل قائد ميداني من آمر حضيرة إلى آمر (قاطع) أن القيادة سلمته أمانة عظيمة يسأل عنها يوم القيامة يحاسبه الله تعالى إذا قصر فيها أو أهملها ، وكما تعلمون همة المقاتل من همة آمره فإذا أهمل الآمر من هم في معيته وتركهم وراء ظهره فعندئذ ستخفت الهمم عند المقاتلين ويظنون أن الأمر ليس أمرا جديا ويكون القائد الميداني هو السبب في ذلك وعندئذ ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((… وَمَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بَعْدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)) صحيح مسلم ج2/ص705،

فهل ترضى أخي الحبيب لنفسك أن تكون سنة سيئة ، وكل عمل أيها الأحبة بحاجة إلى متابعة لا سيما العمل العسكري لا يجوز لك شرعا أن تمضي عليك ( مدة ولو قصيرة ) ولم تر من في معيتك من غير أن تسأل عنهم وتتفقد أخبارهم ، من خلق النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتفقد أصحابه وينظر إلى الصفوف خلفه وإذا غاب أحدهم سأل عنه وإن كان مريضا ذهب وعاده وإذا كان ذا حاجة أعانه في حاجته (صلى الله عليه وسلم) فنحن نحثكم أيها المقاتلون على الجدية الصادقة والمتابعة الحثيثة لمعيتكم فهي القانون الذي يحمي مسار ونهج القيادة العليا للجهاد والتحرير في هذه الظروف التي تغيب فيها وتتعذر فيها مثوبة القانون العسكري وعقوبته التقليدية حيث أن متابعة القائد أو المسؤول لمعيته تبعث الهمة وتولد المتابعة الذاتية عند المقاتل وكذلك تبعث الانضباط في نفوس الرجال المجاهدين وان ايمانهم بالله تعالى وحبهم لدينهم ووطنهم هو الباعث لجهادهم واستمراره.

ثانيا :

ضرب صحابة النبي عليه الصلاة والسلام أروع الأمثال في الصدق والإخلاص لله تعالى ، كانوا متجردين تماما لله تعالى لا يبالي أحدهم إن قاتل وهو قائد أو قاتل وهو جندي بل ربما يفرح بالجندية أكثر ما يفرح بالقيادة وهنا أنزل الله تعالى عليه بركته وأيدهم بنصره نعم أيها الأحبة الله تعالى ينظر إلى سرائرنا وينصرنا بصدقنا ، ومهما ادعينا من الصدق والإخلاص لله تعالى في المعركة فهذا الادعاء لا يقدم ولا يؤخر شيئا ما لم يكن موثقا بالموقف إذا كنت آمر قاطع وجاءك أمر من قيادتك أن تترك القاطع وتكون آمر حضيرة (هنا تستطيع أن تحكم على صدقك بنفسك) إذا تلقيت الأمر بكل رحابة صدر وبكل سرور وقلت الحمد لله يكفيني أن الله تعالى شرفني بالقتال والجهاد في سبيله كما كان حال الصحابي الجليل البطل خالد بن الوليد كما يرويه لنا الإمام المبجل أحمد بن حنبل: ((عن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالد بن الوليد قال فقال خالد بن الوليد بعث عليكم أمين هذه الأمة )) فضائل الصحابة لابن حنبل ج2/ص739، يبين سيدنا خالد فضائل سيدنا أبي عبيدة الذي جاء مكانه ويحبب المقاتلين إلى قائدهم الجديد (ما أصدقهم رضي الله عنهم وأرضاهم) وها هو سيدنا أبو عبيدة يعلمنا درسا عظيما في الولاية ويقول مخاطبا سيدنا خال بن الوليد (رضي الله عنهما) حيث لم يسمع سيدنا خالد بعزله وتولية سيدنا أبي عبيدة (( … أتى (خالد بن الوليد) أبا عبيدة فقال له رحمك الله أنت الأمير والوالي علي ولا تعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك فقال له أبو عبيدة ما كنت لأعلمك به أبدا حتى تعلمه من عند غيري وما سلطان الدنيا وإمارتها، فإن كل ما ترى يصير إلى زوال وإنما نحن إخوان … بل لعل الوالي أن يكون أقربهما إلى الفتنة وأوقعهما بالخطيئة إلا من عصم الله وقليل ما هم )) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ج3/ص176، ومن هنا فإننا نحث المجاهدين على التجرد من حب الزعامة والرئاسة وأن يكون عملهم خالصا لوجه اله تعالى وأن يتصفوا بالإيثار وتقديم إخوانه عليهم ليقذف الله تعالى البركة في عملهم ،وهنا تتجلى أمامنا مقولة قائدنا وأستاذنا (القائد المجاهد جندي والجندي المجاهد قائد) القائد جندي بتواضعه وانكساره وعدم تعاليه عن أي عمل يكلف به أو يرى أن الأجدر به أن يقوم بهذا العمل بنفسه ، والجندي قائد من حيث المسؤولية التي يحملها القائد فإذا رأى الجندي أي ثغرة يجب عليه أن يصلحها أو يبلغ عنها القائد الأعلى لأن الجيش كله هو جيشه فهو جندي فعلا لكنه قائد حكما ، ونستذكر أيها الأحبة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين لنا دور القائد في المعركة : (( … وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ من وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ …)) صحيح البخاري ج3/ص1080، يقول العلامة الشنقيطي: (( وإنما الإمام أي الخليفة أو أميره (جنة) بضم الجيم أي كالترس فهو تشبيه بليغ (يقاتل) بصيغة المجهول (من ورائه) بكسر الميم (ويتقي به) بيان لكونه جنة أي يكون الأمير في الحرب قدام القوم ليستظهروا به ويقاتلوا بقوّته كالترس للمتترس )) مرقاة المفاتيح ج7/ص223 ..

يبين النبي عليه الصلاة والسلام حال الأمير في الحرب (لأن المراد بالإمام هنا كما ذكر أهل العلم الأمير) فهو الذي يتقدم الجنود والأعين كلها تنظر إليه وتستمد الهمة منه يكون ترسا لمعيته يحتمون به يا لها من مسؤولية إن الإمارة بحق منصب تكليف وليست منصب تشريف.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة الثامنة ﴾

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين  وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فإن المقلب لصفحات تاريخنا الإسلامي العربي المشرق لاسيما المعارك التي خاضها الرعيل الأول من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام يجد أن أغلب تلك المعارك كانت غير متكافئة من حيث العدد والعدة فدائما المؤمنون أقل من الكفار عددا وعدة لكن النصر يكون حليفهم فالله تعالى لم ينصر عباده بالأسباب المادية بل نصرهم بصدقهم وتكاتفهم فكانت الملائكة تقاتل معهم تارة أو يقذف الله تعالى الرعب في قلوب الكافرين أخرى أو يجتمع الرعب وقتال الملائكة تارة أخرى ولذلك  قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : ﴿ أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ من الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لي الْغَنَائِمُ وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ﴾ صحيح البخاري ج1/ص168، فكان جيش الكفار يقذف فيه الرعب قبل وصول جيش المسلمين بشهر.

ومما تجدر الإشارة له هو أن المقاتل يستشعر دوما أن النصر قادم لا محالة فكل يوم يمر علينا نرى أن عدونا يزداد ضعفا ونحن نزداد قوة ، أمريكا فقدت وخسرت حلفائها الواحد تلو الآخر ، أين إسبانيا وأين إيطاليا , وأين الحليف العنيد أستراليا الكل انسحب أو أعلن انسحابه ، ثم نقارن بين القاعدة الشعبية والجماهيرية التي يتمتع بها المجاهدون الأبطال وما آلت إليه حكومة العمالة من الرفض الكامل والتام من كل أبناء الشعب العراقي بكافة أطيافه كل يوم يمر نزداد فيه قوة ويزداد العدو خسرانا.

واعلموا أيها الأبطال أن ساعات الحسم قادمة وقريبة وأن هذا العام هو عام النصر إن شاء الله تعالى

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ ﴿البقرة:٢١٤﴾

ألا إن نصر الله قريب

ألا إن نصر الله قريب

ألا إن نصر الله قريب

واعلموا أيها الأحبة أنه لم تكن جيوش الحق يوما تستلهم قواها من العدد ولا العدة بل كانوا يؤمنون بالمبدأ القرآني في النصر وهو قوله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ ﴿آل عمران: من الآية١٢٦﴾ وهذا الأسلوب يسمى في العربية أسلوب الحصر أي ليس النصر بالعدة ولا بالعدد (وإن كنا مأمورين شرعا أن نأخذ بالأسباب) بل النصر من عند الله تعالى حصرا ويبين القرآن الكريم وقائع حصلت غلبت فيها القلة الكثرة يقول تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ ﴿البقرة: من الآية٢٤٩﴾ فالنصر حليفنا عند التوكل على الله تعالى وطلب المدد والعون منه وعدم التوكل على الأسباب بل التوكل على رب الأسباب والنظر بهذا المنظار القرآني ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ انظروا أيها الإخوة عندما خرج المسلمون من هذه النظرة القرآنية العظيمة ونظروا إلى القوة المادية التي يتمتعون بها معجبين بها يظنون أن هذه القوة المادية هي التي ستنصرهم  وأعني بذلك يوم حنين يقول تعالى في ذلك: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ ﴿التوبة: من الآية٢٥﴾ هذه الكثرة وهذه القوة لم تغن شيئا أبدا عندما شاءت إرادة الله تعالى أن لا يكون النصر حليف المسلمين ، فنحن لا ننظر إلى إمكانياتنا المادية ولا إلى تسلحنا العسكري بل إلى القلوب المتحابة المتآلفة المترابطة المتوكلة على الله تعالى حق التوكل ، وهنا لا يفوتني أن أبين سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب ألا وهي ما يسمى في المصطلحات العسكرية بـ (السبق العسكري) أو قل إن شئت (عنصر المباغتة في التكتيك الميداني) وسأعطي على ذلك ثلاثة أمثلة:

أولا: في غزوة بدر ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوبا جديدا في القتال لم يكن معروفا من قبل وهو نظام (الصفوف) حيث جعل ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ المقاتلين على هيئة صفوف الصلاة ، الصف الأول أصحاب الرماح الصف الثاني أصحاب النبال مع وجود قوة احتياطية بيد القائد العام يعالج بها المواقف السريعة .

ثانيا: في غزوة أحد سبق النبي عليه الصلاة والسلام المشركين إلى أحد وجعل ظهر الجيش إلى جبل أحد ووجهه إلى المدينة ووضع الرماة على إحدى التلال القريبة من جبل أحد ويسمى (جبل عينين) فأخذ المرتفع من الأرض وأجبر عدوه على أن ينزل في الأماكن المنخفضة ، ولا شك أن هذا المكان الاستراتيجي في الحروب التقليدية يعطي قوة للجيش فجاذبية الأرض هنا تقاتل مع الجيش في الأماكن المرتفعة على حساب الأماكن المنخفضة .

ثالثا: السبق العسكري الفريد في غزوة الخندق عندما  حفر المسلمون خندقا في السهول الواقعة شمال المدينة لأنها وحدها كانت الجهة المكشوفة للعدو ويمكن أن يتسلل منها وهو الذي أشار به سيدنا سلمان ﴿رضي الله عنه﴾ وكانت العرب لا تعرف مثل هذا النوع من التحصن في الحروب.

هذه سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب (السبق العسكري) ندعو أحبابنا وإخواننا أن يقتدوا هذا الأثر العظيم ويباغتوا العدو دوما بما لا يتوقعه منهم ويفكروا دائما بعمليات نوعية تهزم العدو وتزعزع معنوياته ، العدو اليوم ألف طرقنا التقليدية في قتاله (العبوات والصواريخ والقنص) لكننا إذا باغتناه بطرق جديدة في القتال فإن هذا سيربكه ويذعره ، كما فعل بعض الأحبة حينما نصبو للعدو (عبوة وهمية) وعندما تحشد العدو عندها وأراد إبطالها انهالت عليه قذائف الهاون حيث كانت المجموعة قد حددت هذه النقطة بالجي بي أس وأوقعت خسائر بالعدو لم يكن يتوقعها ، وروح (السبق العسكري) التي يدعونا لها النبي عليه الصلاة والسلام في سيرته العطرة تتفاوت بتفاوت الزمان والمكان.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

 

﴿ الدراسة السابعة ﴾

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

فقد تباينت مواقف الشرفاء من أبناء العراق العظيم عندما دخل علينا الاحتلال البغيض في التعامل مع الحكومات العميلة التي توالت على كرسي الحكم، وكذلك اختلفت فتاوى العلماء فيما يتعلق بالتعامل مع الدوائر الرسمية غير العسكرية (أما العسكرية فهي حرام قطعا).

فممن يحسب على أهل العلم أفتى بجواز التعامل مع أي دائرة كانت في ظل الاحتلال بدون أي ضوابط تذكر، ولم تكن هذه الفتوى موفقة وصحيحة ،ومنهم من أفتى بحرمة التعامل مع كل الدوائر الحكومية على الإطلاق، بما في ذلك المؤسسات التعليمية حتى أن هناك من أخرج أو أمر بإخراج أبنائه من المدارس إلى أن يخرج الاحتلال ، وفي هذا العمل من الورع والاحتياط للدين ما لا نستطيع أن نكلف الناس به ، كما لا يمكن أن نفتي بهذا على عمومه، ولأن الأمر شائك ونخشى من تحمل الفتوى لوحدنا أمام الله تعلى فقد اتفقت  كلمة العلماء والأساتذة من أصحاب الإجازات والكفاءات العلمية (أصحاب الشهادات العليا) في الهيئة الشرعية لجيش رجال الطريقة النقشبندية  وكذلك بعد الاستئناس بفتاوى كبار العلماء في العالم الإسلامي (حيث تم مراسلة كبار فقهاء الهند وباكستان وماليزيا وبعض علماء سوريا ومصر عبر الانترنت) بعد هذا كله وبعد استخارة الله تعالى تم التوصل إلى الفتوى التالية التي نطالب كل المسلمين المؤمنين أن يأخذوا بها ولا يعدلوا عنها قيد أنملة وليس بعد الحق إلا الباطل والضلال.

فتوى شرعية متعلقة بحكم التعامل مع المؤسسات الحكومية

مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا موالاة الكافرين بجميع أنواعهم (الحربي، الذمي، المستأمن، المعاهد) يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿المائدة: من الآية51﴾ ، ولا شك أن ما يسمى بقوات التحالف وعلى رأسهم أمريكا هم كفار ومن الصنف الأول (الكافر الحربي) ، فيجب علينا معهم أن يكون تعاملنا كالآتي:

  1. نقاتلهم ونعين من يقاتلهم من الشرفاء النجباء بالنفس والمال والسلاح ونعينهم لديمومة العمل الجهادي إلى أن نطهر بلدنا منهم ومن براثنهم.
  2. نتعامل معهم بغلظة وشدة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ ﴿التوبة:123﴾ ، فتحرم الكلمة الطيبة معهم بل وتحرم الابتسامة في وجوههم، لكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ضرر محقق أو مضنون في حق المسلم.
  3. عندما نذكر اسم قوات التحالف نسميهم باسمهم الحقيقي الذي يظهرهم على حقيقتهم وينفر الناس عنهم فنقول (قوات الاحتلال) هذه أفضل تسمية نستعين بها ،ولا نحبذ كلمة الاستعمار لأن هذه الكلمة لها مدلول فيه مدح لهم؛ إذ هو مأخوذ من العمارة والتعمير وهم في الحقيقة تخريب في تخريب.

أما التعامل مع الحكومة الحالية التي جاء بها الاحتلال والتي تعمل بما يأمر وبما يريد وليس لها أي اختيار معه، فهذه الحكومة لنا طرق في التعامل معها متفاوتة هذه الطرق تعتمد على طبيعة العمل وحسب التفصيل الآتي:

  1. يجب أن يعلن عصيان مدني عام يشمل جميع مرافق الحياة ولا ينتهي إلا بعد سحب قواتها كاملة من العراق، لكن شأننا اليوم مع أبناء شعبنا شأن والد له من البنين من هو بار ومن هو عاق، وهذه الصرخة (العصيان المدني) إذا أعلنت اليوم ستجد أذنا صاغية لكنها ستفاجئ بمن لا يبالي ولا يهمه سوى الطعام والشراب، لذلك سنحتفظ في حقنا هذا ليوم ولساعة مناسبة ندعو فيها كل الشعب العراقي للعصيان المدني إلى زوال الاحتلال.
  2. ينبغي أن يشاع هذا المفهوم الواقعي الذي لا يدركه كثير من الناس وهو: عندما دخل الاحتلال (وكما هو شأنه وتاريخه) أشاع بين أبناء الشعب وعوده الكاذبة (مثل زيادة الحصة التموينية) أو (إعطاء كل عراقي مبلغا من المال يكون مقابل حصته من النفط) وأغراهم بزيادة الرواتب التي في الحقيقة هي زيادة وهمية مقابل الظرف الحالي الذي يعيشه البلد لأن الحصار الاقتصادي رفع عن العراق فكان راتب الموظف ينبغي له أن يعود كما كان في الثمانينات (قبل الحصار الاقتصادي) عندما كان راتب الأستاذ الجامعي على سبيل المثال أكثر من أربعمائة دينار وكان الدينار أكثر من ثلاث دولارات تقريبا أي ما يساوي أكثر من (ألف ومائتي دولار) مع رخص المواد الغذائية ورخص المحروقات بشكل كبير ، علما أن العراق كان يخوض حربا ضروسا آنذاك ، نعم ان الاحتلال رفع الحصار من غير أن يستفيد المواطن من ذلك شيئا، ثم هذه الزيادة في الرواتب صحبتها زيادة وشحة في المحروقات وغلاء في الأسعار مما أكد للجميع أن الاحتلال لا يخدم سوى مصالحه فحسب .
  3. كل من يتعامل مع قوات الاحتلال تعاملا مباشرا فهو آثم ويتقاضى مالا محرما عليه إلا إذا كان تعامله هذا مصحوبا بعلم القيادة العليا للجهاد والتحرير وبعد موافقتها وذلك لأن القيادة ربما يكون لها حاجة في مثل ذلك وهي عندئذ توجه هذا الشخص بما تراه مناسبا.
  4. من يتعامل مع قوات الاحتلال تعاملا غير مباشر مثل المتقاعدين والمهن غير الرسمية والموظفين في الوظائف التدريسية والتعليمية والدينية (ولا يقاتل ضمن أي مجموعة من المجاميع الجهادية المباركة) يجب عليه أن يدفع ضربة جهادية بنسبة معقولة من راتبه لسببين:

أ- وجوب الجهاد بالمال والنفس على كل مسلم ومن غير استثناء وإلا يكون من القاعدين الذبن ذمهم القرآن الكريم بقوله: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ ﴿النساء:95﴾

ب- مشروع الجهاد هذا يجب أن يصرف له من بيت مال المسلمين وبما أن المال وبيته بيد الكافر المحتل ، فهنا يجب علينا لزاما أن نأخذ ممن يأخذ من المال العام مبلغا معقولا يتناسب مع دخله .

ج- هذا الحكم يشمل التاجر سواء كان تاجرا يشتري السلع من الأسواق المحلية أو التاجر الذي يستورد السلع التجارية من خارج القطر لأنه مطالب بضرائب يدفعها للدولة مثل (ضريبة الدخل، ضريبة المحل، الرسوم الكمركية للسلع المستوردة …)

ولا يتعذر أحد بأنه لا يعرف المجاهدين ولا يهتدي إليهم لأن من فتش عليهم وجدهم ومن صدق النية مع الله تعالى يسر الله تعالى له العمل ووفقه.

وختاما أقول لكم نبهنا أحد العلماء من إحدى البلدان العربية إلى المسلم الذي يدفع هذه المبالغ يحفظ دينه وعقيدته لأنه سيكون بعيدا عن حب الكافر (الذي محبته كفر أيضا) وكذلك يكتب عند الله تعالى ممن جاهد بماله وإذا مات على فراشه مات مجاهدا في سبيل الله.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

 

﴿ الدراسة السادسة ﴾

 

الحمد لله الذي يكافئ الصالحين بأحسن الأجر وأتم الثواب ويجزي المجرمين بأسوأ ما ارتكبوا واغترفوا من السيئات والصلات والسلام على سيدنا محمد سيد السادات وبعد

فإن الأيام القليلة القادمة ستكون أيام نصر وحسم بمشيئة الله تعالى ونبين اليوم موقفنا من فئة من الناس أظلوا الطريق واتبعوا السبل وزاغوا عن الحق الذي ليس بعده إلا الظلال ، إننا نتبرأ:

  1. من كل الذين ساهموا في الاحتلال ودعموه وثبتوا أركانه في بلادنا ممن تجسس على المجاهدين وكان عينا خائنة للعدو يرقب إخوانه وأبناء بلده من الشرفاء النجباء ويبلغ عنهم الكافر المحتل لقاء دولارات زهيدة ونقول لهم ليس هناك ذنب أعظم من ذنب الخيانة ولا خصلة أذم منها أبدا ، إنكم مسؤلون أمام الله تعالى عن كل مجاهد أوذي بسببكم وعن كل دم سال بوشايتكم .
  2. ومن كل الذين انظموا إلى ما يسمى بالحرس الوطني ذلك التنظيم العسكري الذي لا يمت إلى الوطنية بصلة بل كان ومازال القوة الضاربة بيد قوات الاحتلال ، اما الوطنية الحقيقية هي التي تعمل على استقلال البلد والكفاح والنضال من أجل استرجاع العراق سيادته بين دول العالم ، أما من يتلقى أوامره العسكرية من الجنرال الأمريكي المحتل ويأتمر بأمره فلا وطنية له . والله تعالى تبرأ من المشركين فقال: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾﴿التوبة: من الآية3﴾ فبدل من أن نتبرأ ممن تبرأ الله تعالى منه نأتي لنكون عونا له ويده الضاربة (شلها الله تعالى من يد) ، وهذا الكلام نفسه يوجه للذين انتموا للشرطة و ياليتهم طاردوا اللصوص ومنهم لصوص بلدهم وهم الخونة والعملاء والإجراء للأجنبي المحتل كما تفعل الشرطة في بلدان العالم ياليتهم حافظوا على شرف المهنة ، لقد كتبت الشرطة في زمن الاحتلال أسوأ سجل في تاريخ العراق تركوا اللصوص والمجرمين الحقيقيين وهم المحتلين ومن عاونهم وطاردوا المجاهدين ونكلوا بهم والله إننا منهم ومن أعمالهم بريئون.
  3. وكذلك نعلن براءتنا من كل الذين تعاونوا مع المحتل بشكل غير مباشر وأضفوا عليه الشرعية وكانوا يتنافسون على المناصب في زمن الاحتلال الذي ترك الشرفاء فيه مناصبهم فلا فخر في منصب تتقلده من بوش أو بريمر أو أي محتل آخر ، ألكل يعلم أيها الإخوة أن من يتقلد المناصب ويبدع فيها زمن الاحتلال إنما يرسخ جذور المحتل ويعطي له شرعية ويحبب الناس إليه ، وكما تعلمون (محبة الكافر كفر) فأنت لم تحب الكافر فحسب بل ساعدت على محبته أيضا.
  4. وكذلك نبرأ من كل الذين شكلوا ما يسمى بمجالس الصحوة و انتموا إليها وأسندوها ، لم يكن لفظ الصحوة في اللغة العربية يوما يعني إعانة المحتل الغازي لأرض العرب والمسلمين إعانة من انتهكوا الأعراض ودنسوها ، اما العربي الأصيل لا يرضى بالذل والهوان لا يرضى لعرضه أن يدنس ، أين أنتم من النساء العربيات اللاتي ينتمين إلى قبائلكم وعشائركم وانتهكت أعراضهن في سجن أبي غريب وغيره وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ، بدل من أن تثأروا لعرضكم أيها العرب الغيارى تضعون يدكم بيد ذلك المغتصب لعرضكم والله إنها ليست من شيم الرجولة ولا من أخلاق أسلافنا حاشا ، ثم تسمون أنفسكم بالصحوة كأنكم كنتم نائمين وعن المحتل غافلين فلما استيقظتم هرولتم (لا لقتاله والثأر منه) بل لتكونوا خدما له وقانعين تحت سطوته ، هيهات أن تكونوا عربا خالصين .
  5. وكذلك نعلن براءتنا من كل من انتمى إلى الأحزاب السياسية التي شاركت في العملية السياسية غير الموفقة التي زادت عناء العراقيين وزادت نزيف دمائهم بل تسببت في ذلك ، كل من عمل في السياسة وشارك في الحكومات العميلة إنما أعان المحتل وعمل معه في خندق واحد سواء علم أو لم يعلم ، نحن لا ننكر ضرورة وجود قوى سياسية تدير شؤون البلد ونؤمن بالتعددية في الرأي والفكر بل ديننا يدعونا لذلك ، يدعونا للاستنارة برأي الآخرين يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ﴿الشورى:38﴾ لكن هذا كله عندما نكون في منعة عن العدو مستقلين عنه ، وعندما نكون أصحاب قرار لا يستطيع العدو أن يتدخل بما نقرره ونمليه ، أما اليوم فليست الحكومة صاحبة قرار في أي صغيرة وكبيرة ، ويا لهوانها من حكومة حينما يعلن أحد مسؤوليها على الفضائيات ويقول إن الحرس الأمريكي يفتشونه عن طريق الكلاب قبل أن يدخل إلى البرلمان وآخر يعلن أنهم داسوا على رأسه ويظنون أنهم بإعلانهم هذا سيمسحون عارهم وتخاذلهم وخيانتهم من ذاكرة التاريخ والمسلمين ولكن هيهات هيهات.

نعم أيها الإخوة إننا نتبرأ من كل هؤلاء الخونة والعملاء ونحن خصوم لهم أمام الله تعالى وأمام خلقه في الدنيا وفي الآخرة أمام الأشهاد ، لكن الله تعالى فتح لعباده باب التوبة فلا نغلق ما فتحه الله تعالى ونقول :

نعم نقبل توبة هؤلاء وندمهم على أفعالهم المشينة بشرطين اثنين:

  أولهما

من تعاون بجد وبصدق وبإخلاص منهم مع المجاهدين وأعطى الولاء المطلق من غير أن ينظر إلى أي مصلحة شخصية في عمله ويعمل وفق الأوامر التي يستلمها من القيادة ويسخر كل منصب ومركز ومادة للجهاد تسخيرا تاما.

  ثانيهما

من تاب منهم قبل فوات الأوان ورحيل الأمريكان وعمل عملا يغسل به عمله المشين والمدان فهذا يصدق عليه قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ ﴿الفرقان:70﴾ ، لكن لا حجة لأحد علينا بعد رحيل الاحتلال وبعد أن تعود الأمور لنصابها فعندئذ الحجة عليهم ويدانون بما يستحقون وسيعلم اللذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

إضاءات فكرية

إضاءات فكرية

أ.د. طارق السامرائي

 

سيناريو التوغل البري الصهيوني بداية مشروع اقليمي لمشروع دولي

قد يخيب ظن البعض من يقرأ الحوادث بعكسية أهدافها، فالأمر يتعلق بتحليل مجمل ما يجري لما سيجري.

فبعد أن تم جر إيران إلى سوح المنازلة أصبح للجريمة طعم خاص ومذاق معسل، الرعب في لبنان وديمومة نيران الحرب مكلفة لكنها مطلوبة وتوسيعها إقليمياً ودولياً هدف مركزي واستراتيجي ملح وإن لا زال تحت المظلة.

إيران لا ترغب بإسقاط حالات التقادم لمشروعها الحلم العسكري السياسي المذهبي (النووي) تلوح به وهو في مرحلة طفولته وتنتظر مرحلة النضج ثم التلويح بالحرب، لكن جملة من الضغوط القسرية دفعتها لخوض شفاف للمعركة مع حسابات بإطار تفاهمات ستجري وراء اللا_مرئيًا مع الخصوم لترسيم حدود المعركة وما تتمخض عنه.

إيران وأمريكا و”إسرائيل” ليسوا أغبياء، ولكن الظروف تفرض تناولها بحكم الحسابات في الربح والخسارة.

الآن تكاملت ملامح الصورة …نحن في حرب أركانها “إسرائيل” -إيران- فلسطين -لبنان -أمريكا -الغرب، والباب مفتوح على مصراعيه للصين وروسيا من طرف ودعوة منظمات جهادية أفغانية وباكستانية وإسلامية وأجنبية من طرف ثاني.

إيران تريد السلام والهدوء و”إسرائيل” تجبرها على زجها في أتون الحرب وبعلم الولايات المتحدة الأمريكية…

والمجتمع الدولي بين القوانين بلا تطبيق ويطالب بسياسة ضبط النفس!!!

والأمور تجري بما لا تشتهي براقش!!!

سيعقد مجلس التعاون الخليجي بعد ساعات.. ما عليه وما له والعلم عند الناس اليوم، يريد المجلس تطبيق القرار 1651 تطبيق مخرجات اتفاق الطائف بشأن لبنان وهو مرتعب من تهديدات إيران إن شذ العرب عن مواقفهم وذهبوا لدعم تل أبيب.

السؤال هل سيعقد هذا المؤتمر بمعزل عن دراية وعلم أمريكا والغرب؟ وهل ستترتب الأوراق حسب أولوياتها وأهميتها؟ (وهل سينجح ويجتاز المحنة أم يخفق ويستدير للوراء؟

وهنا يبرز سؤال آخر مرادف (لماذا نجحوا هم …. ولم ننجح نحن)

هو ما على الطاولة للمؤتمر الآن!

نجح دعاة الخراب والتدمير والحرب، نجحوا في قلب الموازين وتخلف معايير المصلحة الوطنية العربية وإعاقة نضج مشاريع التقدم والمقاومة النظيفة، وهو تفوق له أدوات نجاحه في التصنيع والتقنية والدونات السياسة الملتوية الغربية.

دخلت إيران عنوة عنها الحرب لكي تصبح الخطوة الأخيرة للحرب الإقليمية قائمة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على الخصوص، والمستجد الحالي هو (أن نصر الله تابع انتهت صلاحية استخدامه…. فقتل).

ولابد من مراجعة وقراءة للأحداث المتصاعدة في لبنان والاستهدافات التي نفذتها عساكر “إسرائيل” ضد فلول وقادة حزب الله وحماس من أذى واغتيالات وصولًا للتهديد باجتياحه وفرض الطاعة إزاء صمت دولي رهيب وعجعجة إعلامية مذبذبة وتأييد أمريكي غربي صارخ.

أحداث متشابكة متسارعة يومية بإطار حرب تجاوزت حدود 370 يوماً تتطلب تعاملًا جديًا عربياً إسلامياً ودولياً بإطار الاستنكار الشديد لجملة الجرائم البشعة والإبادة الجماعية التي تستهدف بشكل ممنهج الأطفال والنساء وكبار السن بلا تفريق، والتي لها استراتيجيتها المبرمجة والتي صنعت وتبلورت وطبخت في مطابخ الأجنبي.

ومن هذا الباب فإن الطبخة الجديدة بعد فلسطين ولبنان هو الأردن ومصر ومحاولات خلق المناخ الاحتجاج التأجيجي ضد السلطة في البلدين وتغذية النعرات الطائفية في العراق واليمن وأقطار الخليج العربي، وهو تنسيق بين المشروعين الصهيوني الغربي الصفوي رغم توفر بعض التعارض في مقاربات تطبيقه إلا أن الاتفاق قد تم وهو الذي يحمل رياح الكراهية والتفتيت للعرب في المنطقة.

إن منطلقات نجاح هذا المشروع يدعو إلى تكريس سياسة (التجويع والترويع والحصار الاقتصادي) لترويض شعب الأمة للاستسلام وتوديع ما يدعى وحدة الأمة العربية كنواة لوحدة الأمة الإسلامية والاستعانة بنظريات (الإبادة الجماعية والتهجير القسري).

وهو مشروع ممنهج لتوظيف حالات العقم للنسل العربي واجهاض التوليد البشري العربي. إن ما يجري في بلدان الوطن العربي لا ينحصر في حلم عدائي للتوسع وإشاعة الوجود “الإسرائيلي” اللقيط القسري إنما لنشر العقيدة الصهيونية والفكر الالحادي وشرذمة المجتمع العربي والإسلامي (رامبو التخلف المقصود).

ساهمت إيران بغيها التاريخي وكرهها العرب والإسلام بقسط وفير من الحرب والتنكيل بالأمة، تتعامل مع الشيطان بلا تردد، لذلك ساهمت وعبر ذراعها في لبنان خدمة لولاية الفقيه جرائم منكرة بحق شعب العراق وسوريا ولبنان وقتل الناس تحت مسميات طائفية ومذهبية وتعميق سياسة النزوح بحق العراقيين وأهل الشام لا تمحي من الذاكرة.

لكننا نلاحظ أن المشروع الصهيوني يتقدم على المشروع الصفوي من حيث القوة العسكرية والدعم الغربي والأمريكي وعدم التقيد بالقوانين والتشريعات الدولية ويتقدم المشروع الصفوي الإيراني على الصهيوني من حيث المراوغة السياسية وأسلوب التدليس وممارسة الخداع واعتماد صيغ التوريط ثم الانسحاب والتنصل من الالتزامات وهو ما نجح فيه بالتعامل مع دول الجوار عبر التاريخ.

وكلاهما من حيث المبدأ يهدف إلى تمزيق اللبنة المجتمعية العربية الإسلامية واحداث شروخ في بنيته القيمية والأخلاقية كمنظومة صعبة الاختراق وتقويض قدراته في المواجهة على كافة الأصعدة ، يصاحبه مع الأسف والألم النفسي قبول جزئي لما يحدث من قبل بعض الأنظمة العربية التي تباطأت في نصرة القضية الفلسطينية كقضية عربية ثم دولية وترك مصيرها متعلق بقرارات الغرب مطحونا بالمزايدات وأسواق المراهنة كما حدث في العراق سنة 2003 حيث أعلن المزاد العلني تبعًا للمصالح وتم استباحة الساحة العربية بالفيضان الإيراني وموجاته التترية، ودفعت الفاتورة بأثمان باهظة ولا زالت الجريمة مستمرة تطال الأردن وسوريا من جديد ومصر وهي ضريبة مضافة لما حدث وسبب الغصة ودعا حماس وفلسطين أن تلجأ إلى دفء الحضن الإيراني كضرورة تاريخية لتجاوز منعطف استئصال دورهم الجهادي في التحرير.

ونتيجة لهذا الوضع صممت إيران شعاراتها التكتيكية تحت يافطة فلسطين قضية إيرانية، الأمر الذي دعا حزب الله أن يلعب دوراً إجرامياً في سوريا والعراق ولبنان مستثمرًا الموقف لينال من الأغراض والنفوس قتلًا وتشريدًا.

وهنا لابد من طرح الحقيقة إن القاتل صهيوني وهو عدو الأمة الأول لكن هذا لا يمنع أن تقاس الجرائم بما جرت وهو أمر يتطلب وعيًا لما يحاك للعرب والمسلمين وإن تداخلت الخنادق وما هو في طريق البلورة من استهدافات لمصير الأمة والذي يدعونا بالضرورة إلى قراءة المشهد بدقة وموضوعية كونه يمثل مشروعًا جديداً قابلاً للافتتاح فمن العراق إلى غزة إلى لبنان وعلى المدي القريب على الأردن ثم مصر وبذلك تنتهي مراسيم المشروع الصهيوني الصفوي الغربي وعلينا تفويت الفرصة قبل استفحالها وسريان سرطانها في جسم الأمة.

دراسة أهداف الغزو الأمريكي على العراق وتداعياته

دراسة

أهداف الغزو الأمريكي على العراق وتداعياته

 

الملخص

 

بعد أن دقت طبول الحرب، وارتفع أزيز الطائرات تقصف المدن والأحياء العراقية، ونشطت الآلة العسكرية الأمريكية تساندها قوات التحالف على رأسها بريطانيا، كان من الجلي أن هناك أهداف ومصالح تسعى وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنّها قد أعلنت عدد من الأهداف لهذه الحرب لكن ما خفي من أهداف كان أشد هولًا وأبعد عمقاً في التأثير ليس على مستقبل العراق بل مستقبل المنطقة كلها، ولا يخفى على المحلل للأحداث أن المحرك الأساسي للآلة العسكرية الأمريكيّة هي المصالح الاقتصادية ويتربع على قمة هذه المصالح آبار النفط العراقيّة الغنيّة بمخزونها والأقل كلفة في استخراجها مقارنة مع باقي آبار النفط الأخرى، وعلى الأهمية الموقع الجيو-استراتيجي للعراق لتوسطه وقربه من روسيا والصين اللتين تتوجس من قوتهما وتسعى لمراقبتهما عن كثب، فضلًا أن موطئ القدم الأمريكي القريب من “إسرائيل” يؤمن لها الغطاء الذي تحتاجه على الدّوام.

مقدمة

من أشد ما عانت منه منطقة الخليج العربيّ هو الغزو الأمريكي على العراق في تاريخها الحديث، وتُعدُّ الحرب على العراق 2003 واحدة من أكثر المنعطفات التّاريخيّة المصيريّة خطورة، وقد رسمت أحداث الشّرق الأوسط خلال الرّبع الأول من القرن الحالي، إذ إنّها لم تكتفِ بإسقاط نظام صدام حسين وفتح العراق على ساحة الصّراع التي حولت البلاد إلى مسرح تجربة قاسيّة مستمرة إلى يومنا الحالي، بل أسهمت في التّمهيد إلى مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب وصعود التّيارات المتشددة والحرب الطائفيّة، وحركات ما عرف باسم “الربيع العربيّ”. ولا يمكن فهم حدث كبير ومركزي واستنباط العبر منه من دون الوقوف على مجمل الظروف والأهداف التي رافقته، سواء البعيدة منه أو القريبة، والنتائج والتحليلات التي انبثقت عنه. لقد حملت الولايات المتحدة وبريطانيا لواء الحرب والترويج لها من أجل إقامة الدّيمقراطية في العراق. ما هي مجموعة الأهداف التي حركت هذه القوى لغزو العراق؟ وما هي الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة ومهدت لها عوامل النجاح في مسعاها؟ ما هي التّحولات السياسيّة التي شهدها العراق في ظل الاحتلال الأمريكيّ؟ وهل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها سواء المعلنة أم غير المعلنة لحربها على العراق؟

الأهداف الأميركية لغزو العراق

إنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة خلال القرن العشرين، وما مضى من القرن الحالي تعتم بشكل رئيس في سياستها على استخدام القوة العسكريّة، إذا ما استثنينا إدارة الرئيس باراك أوباما، وعليه فإنّ هذا النّهج الأمريكي ما هو إلا نتاج للقوة العسكريّة الأمريكيّة التي عُدَّت الأكثر تفوقًا خلال المدّة المنقضية، ومن ناحية أخرى فإن هذا النهج ما هو إلا ترجمة للإدارة السياسية للإدارات المتعاقبة. فهنا نجد أنفسنا خلال دراسة الأهداف الأمريكيّة لأيّة عملة عسكريّة نجدها تأتي في سياق السياسة والمصالح الوطنيّة. وفي حالة الرئيس الأمريكي بوش الابن، هناك عامل لا يقل أهمّية عن فائض القوة العسكريّة علينا أن نوجه عنايتنا له، وهو الدّوافع الأيديولوجيّة لتوجهات الرّئيس بوش الابن، وتعمقت هذه الدّوافع من خلال تأثير المساعدين والمستشارين الذين أحاطوا بالرئيس من الذين ينتمون إلى التّيار المسمى بالمحافظين الجدد، أيّ أتباع الفكر المحافظ، وقد كان هؤلاء هم الأكثر تعبيرًا عن طموحاتهم، وعدم التّردد في استخدام القوة وعن حاجتهم لإعادة صياغة السياسة الخارجيّة الأمريكية، بما يتلاءم مع طموحهم بإمبراطوريّة أمريكيّة تهيمن على العالم، وتمنع قيام أيّة قوة منافسة لها من خلال استخدام القوة والدبلوماسيّة القسريّة، واستراتيجيّة الحرب. وسيطرة كاملة على موارد نفط الشّرق الأوسط. من أبرز أهداف الولايات المتحدة:

أولاً: إعادة هيكليّة دول المنطقة لما يخدم مصالحها: فمنذ سبعينيات القرن العشرين كان مهندسو السياسة الأميركية قد وضعوا خططًا بعيدة المدى، منها إعادة هيكليّة دول المنطقة العربيّة إلى كيانات صغيرة ضعيفة متناثرة القوى ومتناحرة، قائمة على أسس طائفيّة وعرقيّة ومذهبيّة وعنصريّة، وبذلك تكون قد حققت السّيطرة للكيان الصهيوني بتفوقه على هذه الكيانات وإزالة كل تهديد ضده، وبالتالي تكون قد أمّنت الولايات المتحدة في الوقت نفسه سيطرتها على هذه الكيانات الضعيفة، واستغلال ثرواتها وتسخير قدراتها الاقتصاديّة والنّفطيّة على غرار ما كانت قد رتبته في دويلات منطقة الخليج العربي.

ثانياً: حصار العراق وخنقه اقتصاديّاً وعسكريّاً: بعد احتلال العراق للكويت، غداة حصول العراق على إشارات إيجابيّة من قبل الولايات المتحدة ممثلة بسفيرتها في بغداد، أنّه لا مانع لديها إذا ضم العراق الكويت إليه، هنا أسرعت الولايات المتحدة مستغلة هذا الحدث، لتطبيق تنفيذ مخططها للمرحلة الأولى للقضاء على قدرات العراق العسكريّة والاقتصاديّة باستحصالها على قرارين من الأمم المتحدة الأول: إخراج القوات العراقيّة من الكويت بالقوّة، والثاني: فرض الحصار الاقتصاديّ عليه والذي استمر عشرة سنوات، وبقي حتى حرب الخليج الثانية العام 2003، واتضح أنّ مفاعيل حرب الخليج الثانية ونتائجها السياسيّة والعسكريّة بقيت غير مكتملة بسبب بقاء النّظام والكيان السياسي العراقي مستمرًا.

وهكذا بقي العراق خاضعًا لعقوبات الأمم المتحدة وعمليات التّفتيش على الأسلحة للبحث عن أسلحة الدّمار الشّامل التي تشمل الأسلحة البيولوجيّة والكيماويّة والنوويّة. هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدّولي كانت حسب الفصل السّابع الذي يسمح باستخدام القوة لتطبيقها، وجعلت العراق خاضعًا إلى نظام كامل من الوصاية طويلة الأمد، وعبر تدخل عسكري أميركي بريطاني في شمال العراق وجنوبه. وخلال السّنوات الأولى لتطبيق هذه العقوبات التي عزلت العراق كليًّا عن العالم، بدأت ملامح الكارثة تظهر في التّدمير المنهجي لقطاعات العراق الاقتصاديّة، وبنيته التحتيّة وأجياله الطالعة في صورة تزايد وفيات الأطفال، وغياب الأدوية والحليب ونقص النّمو فضلًا عن التّشوهات والأمراض الناتجة عن الحرب والتلوث. ولأجل ذلك وافق العراق على صيغة النّفط مقابل الغذاء من أجل تلبية المطالب الإنسانيّة. وإذا كانت قرارات مجلس الأمن 661 و665 و666 و678 قد فرضت عقوبات اقتصاديّة وتجاريّة على العراق لإرغامه على الانسحاب من الكويت، فإنّ القرار 687 في نيسان 1991 يُعدُّ القرار الأساسيّ لعقوبات ما بعد الانسحاب من الكويت والذي ينص على تدمير أسلحة الدّمار الشّامل من أجل رفع العقوبات الاقتصاديّة والتجاريّة عنه.

ثالثًا: الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة: كان الدّافع الأمريكي لغزو العراق هو تحقيق هيمنة أمريكية سياسيّة وعسكريّة على المنطقة بشكل مباشر، وسيطرة كاملة على انتاج النفط وتسويقه وأسعاره، ولن تتحقق هذه الأمور من دون إقامة قواعد عسكريّة ووجود مباشر في المنطقة، إضافة إلى تغيير النّظام العراقي السّائد وإحلال نظام حليف. وتحدثت تقارير عديدة عن التّحريض لغزو العراق من جانب مسؤولي شركات نفط أمريكيّة كبيرة، من بينها مجموعة هاليبيرتون النّفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي آنذاك يتولى إدارتها، ويستدل على ذلك أنّ وزارة الدّفاع الأمريكية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون وحتى من دون إجراء مناقصة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 عقدين الأول بقيمة سبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطيّة العراقيّة والتزوّد بالمنتجات النفطيّة المكررة في العراق، والعقد الثاني تقدم مجموعة هاليبيرتون دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشّرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليار دولار.

ولا بدّ من الإشارة إلى حدث قد وقع قبل ستة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وقّع ديك تشيني عقدًا مع شركة نفط أذربيجان في سبيل تطوير قاعدة بحريّة لدعم عمليات التنقيب عن النفط في مياه بحر قزوين، وقد كانت التوقعات التي وضعتها وكالة الإعلام والطاقة في واشنطن بحدود 200 مليار برميل، لكن تبين في ما بعد أنها كانت توقعات عبثيّة فانسحبت الشّركات الأمريكيّة الكبيرة بهدوء، هذا الأمر جعل الرئيس بوش الابن ينظر للعراق فجأة للتّعويض عن نفط أذربيجان، فهو يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربيّة السّعودية، أضف إلى ذلك أنّ الحقول النّفطيّة العراقيّة أغزر الحقول في العالم وأكثر قربًا من سطح الأرض، ومعدل إنتاجها يوميًّا يتراوح بين 10 إلى 11 ألف برميل يوميًّا مقارنة مع متوسط إنتاج آبار النفط في غيرها من الدّول لا يزيد عن 4 إلى 8 آلاف برميل يوميًّا، ناهيك أن تكاليف إنتاج نفط العراق منخفضة حوالي 50 سنتًا فقط مقارنة بنحو 5.3 دولار في كل من السّعودية، والكويت، وإيران.

رابعاً: إقامة الديمقراطيّة في العراق والعمل من أجل حقوق الإنسان وتخليصه من النّظام الديكتاتوري: لقد كان من الأهداف المعلنة إزاحة النّظام العراقي القائم وإقامة نظام ديمقراطي على الطريقة الغربيّة، يكون نموذجًا يحتذى به لدى العديد من دول الشّرق الأوسط، إذ بنظرهم سيصبح العراق واحة للديمقراطيّة في المنطقة. وكان أن أعطى النّظام العراقي الحجة للآخرين لينالوا منه بعد أن اتهمه الغرب باستخدام أسلحة محظورة ضد أفراد شعبه من المعارضين في مارس/ آذار 1988، إلى جانب استعماله القنابل الانشطارية وغازات سامة من بينها غاز الخردل، وغاز مثير للأعصاب إضافة لاستخدامه ملح الحمض الأزرق المعروف بالسّيانيد.

وقد ورد في مقال لبرهام فولر نائب رئيس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية: “لقد اضهد صدام شعبه بأسوأ طريقة أكثر من أيّ نظام عربي في التاريخ الحديث، من حيث عدد المسجونين، والذين أعدموا وقتلوا… ولذلك فإنّ الشّعب العراقي في أحسن حال بوجوده خارج نظام حكم رئيسه وحزبه الشّمولي”.

خامساً: استغلال فرق التّفتيش الدّوليّة: ولتحقيق هذا الهدف قامت عدة لجان مختصة من الأمم المتحدة بإرسال خبراء التفتيش عن أسلحة الدّمار الشّامل بعملها حتى نهاية العام 1998، وبعدما تبين للعراق أنّ تعاونه مع اللجان لا أفق له، إضافة إلى كشف محاولات تجسس وتعاون مع استخبارات أميركيّة وبريطانيّة وإسرائيليّة من قبل بعض أعضاء لجنة “أونسكوم”، قرر عدم التعاون معها، ولم يلبث أن انسحب أعضاء اللجنة في كانون الأول 1998 وهنا استغل الرئيس الأمريكي فرصة رفض الرّئيس العراقي، السّماح لمفتشي الأمم المتحدة المنسحبين بالعودة إلى البلد ليبرز تصعيدًا آخر، وهو القيام غارات جوية قام بها الجيش الأميركي والبريطاني على مواقع عراقية إمعانًا في إضعاف القدرات العسكريّة العراقيّة. وعلى الرّغم من تسليم اللجنة وثائق مهمة من قبل بعض العراقيين المنشقين الذين كانوا يشغلون مراكز مهمة. فإنّ الولايات المتحدة استمرت في تصعيد الموقف ضد النّظام العراقي.

سادساً: الإيحاء بأن العراق تهديد لجيرانه وضرورة إسقاط نظامه بالقوّة العسكرية: إذ في العام 1998 أعد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفويتز تقريراً وجهاه إلى قيادة الحزب الجمهوريّ، يحذران فيه من إمكانيّة استخدام صدام حسين لأسلحة الدّمار الشّامل تمهيدًا ليصبح القوّة الفاعلة في الشّرق الأوسط، وفي العام 2000 تبين أنّ هناك تقريرًا آخر كتبه رامسفيلد مع نائبه وديك تشيني نائب الرئيس الأميركي مفاده أنّ هناك حاجة لنشر قوات أمريكية واسعة في الخليج العربي. وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 بات رامسفيلد يريد حربًا ضد أفغانستان والعراق.

 

الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لغزو العراق:

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح جليًّا أنّ هناك تغيّرًا في السّياسة الأميركيّة تجاه العراق. والانتقال من سياسة الاحتواء والرّدع التي كانت تمارسها الولايات المتحدة منذ تأسيس وزارة الدفاع الأمريكية في 1947، وامتداد هذه السياسة حتى العام 2001، لتصبح بعدها مرحلة الاحتواء العسكري أي سياسة هجوميّة لأيّ نظام معاد لها يهدد مصالحها القومية، بل وتدعيم تفوقها في الهيمنة الشّاملة على العالم من خلال دعم الأمن الأمريكي، وأخذت الدّعاية الأمريكية تحقيقًا لمصالحها تدعو لإسقاط نظام حكم صدام حسين، وإحلال نظام حليف لها بوصفه نظام معاد لها. علمًا أنّها انتهجت هذه السياسة في أفغانستان قبلًا ومع حركتيّ طالبان والقاعدة. ولأجل المضي بشكل قانوني في سياستها هذه استحدثت وزارة الأمن القومي، وما ساعدها على ذلك صعود تيار اليمين المتشدد الجمهوري وإمساكه بالسياسة الداخلية. وفي اليوم التالي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، حصل الرئيس بوش الابن على موافقة الكونجرس، كقرار مشترك يجيز له استخدام القوة العسكريّة ضد من ساهم أو نفذ الهجمات، واستغلها الرئيس الأمريكي في قوله بوجود ارتباط بين هذه الهجمات وبين النّظام العراقي، كما حصل الرئيس الأمريكي على موافقة مجلس الشيوخ بتفويض باستخدام القوّة ضد العراق. لقد شكلت أحداث 11 أيلول قرارًا حاسمًا لإعلان الحرب على الإرهاب، تحت غطاء الدّفاع الشّرعيّ للرد على اعتداء 11 أيلول وذلك من خلال قراري مجلس الأمن 1368 بتاريخ 12/9/2001 والقرار 1373 بتاريخ 28/9/2001 ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وهكذا استطاعت الولايات المتحدة على موافقة مجلس الأمن لشنّ حرب استباقيّة ضد من يشكل تهديدًا لمصالحها في أيّ منطقة بالعالم تحت غطاء الحرب على الإرهاب.

الرّبط بين الحرب على الإرهاب والحرب على العراق:

ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأت حملات دعاية ضد النّظام العراقي قبل عام من الغزو، عملت الولايات المتحدة على تضخيم الخطر العراقي، فأسرعت بعد ثلاثة أيام من وقوع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وقبل الوصول إلى أيّة إثباتات في التّحقيق، باستهداف العراق عبر نائب وزير الدّفاع بول ولفويتز بقوله: “إنّ مواجهة الإرهاب لا تعني اعتقال النّاس فقط بل كذلك إنهاء الدّول التي ترعى الإرهاب”. وبعدها بأيام قام بتسرب تقرير (تبين فيما بعد أنّه غير صحيح) ونفته الحكومة التّشيكيّة أيضًا، عن اتصال محمد عطا، أحد خاطفي الطائرات، مع ضابط مخابرات عراقي في براغ، وعن احتمال أن يكون نظام صدام حسين قد قام بتمويل هذه العمليات. وهنا لم تثبت تهمة الإرهاب ضد العراق، فلجأت الإدارة الأمريكية لإلصاق تهمة أخرى ألا وهي أسلحة الدّمار الشّامل. وفي أحد خطابات الرئيس الأميركي بوش الابن أدرج العراق مع إيران وكوريا الشّمالية وسوريا فيما أسماه “محور الشرّ” الذي يسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل.

كل هذا يؤكد أنّ العراق لم يكن مستبعدًا منذ اللحظة الأولى لوقوع أحداث أيلول، بل وقبلها، وأنّه جرى التّحضير للغزو عبر الحصار الاقتصاديّ وإضعافه لمدة تزيد على عشر سنوات. وما أكد على ذلك أنه خُطِط للغزو الأمريكي قبل التّاسع من أيلول/ سبتمبر العام 2001 بمدّة طويلة، وهو ما أشار إليه رئيس السياسة الخارجيّة للاتحاد الأوروبيّ السّابق والأمين العام السّابق لحلف الناتو خافيير سولانا، أنّ بوش على الرّغم من التّرويج للحرب كجزء من “الحرب على الإرهاب” فإنّ بوش جعل من العراق واحدة من أولوياته في السياسة الأمنيّة بعد أولوية انتخابه رئيسًا في العام 2000.

قبل ستة أسابيع على بدء غزو العراق قال وزير الخارجيّة الأمريكيّة كولن بأول في خطابه أمام مجلس الأمن الدّولي بتاريخ 5 شباط 2003، بتأكيده امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وكيميائي، وكذلك دعم نظامه الإرهاب الدّولي وسعيه إلى صنع أسلحة نووية. رافق خطاب باول هذا عرض بيان مدعوم برسوم توضيحيّة، وتابع بالقول: “ومن أجل هروب نظام صدام من ضوابط المراقبة الصّارمة من قبل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، تم تحويل أسطول الشّاحنات في العراق إلى مختبرات كيميائيّة ومخابئ للأسلحة البيولوجيّة”. فيما بعد وصف باول هذا الخطاب العام 2005 بأنّه وصمة عار في حياته المهنيّة.

في المحصلة لقد ساعدت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الرئيس الأمريكي بوش الابن في عدة أمور منها أولاً في تغيير المزاج الشّعبيّ الأمريكيّ الذي أحس بتهديد في أمنه القوميّ، وأصبح أكثر تقبلًا وداعمًا لسياسة التّدخل العسكري وإلى التّحرك أو الحرب الاستباقيّة تحت حجة القضاء على الإرهاب، وبالطبع استغل اليمين الجمهوريّ المتشدد في الإدارة الأميركيّة هذا التغيير لصالحه، وانتقل إلى سياسة ضرب المناطق المتهمة بإيواء الإرهاب بدءًا بأفغانستان ثم ضرب حركة طالبان بزعامة أسامة بن لادن التي اتهمت بأنّها هي من ارتكب أحداث 11 أيلول مباشرة بعد وقوع الهجوم على برج التّجارة العالميّة في نيويورك، وضرب حركة القاعدة، ثم ربط الأحداث والانتقال بها إلى الحديث عن “محور الشّر” الذي تمثله الدّول التي تسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل، وهي إيران والعراق وكوريا الشّماليّة. والتقت هنا مصلحة الكيان الصهيونيّ المسمى “إسرائيل” بقيادة شارون مع المصلحة الأمريكيّة في ضرب العراق وإضعافه كونه يعدُّ في نظر محلليها العسكريين العمق الاستراتيجي لسوريا ولبنان وفلسطين وفي ربط نضال الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وتحريرها بالإرهاب، وبالتالي فإنّ إضعاف العراق وإخضاعه سيسهل إخضاع الأطراف الأخرى، ولا ننسى أنّ مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وهي مسألة حيوية بالنسبة إلى صنّاع القرار الأمريكيين والإسرائيليين فستصبح أكثر سهولة إذا ما أُخضِع العراق وأُحِلّ نظام حليف لهم. والدّافع الثاني الأكثر حيوية لصانع القرار الأمريكي هو تحقيق هيمنة سياسيّة وعسكريّة على منابع النّفط وسيطرة فعليّة على إنتاجه وتسويقه وأسعاره، ولن يحصل ذلك من دون إقامة قواعد عسكريّة قرب منابعه.

وكما رأينا فقد تمت المرحلة الأولى للوجود العسكري الأمريكي المباشر العام 1991 في الخليج والجزيرة العربيّة. في الوقت نفسه عملت إدارة الرئيس بوش على تجميع المعارضة العراقيّة في محاولة للاستفادة منها، وفي مطلع سنة 2003 يناير/ كانون الثاني، أعلن جورج بوش الابن في خطاب ألقاه بقاعدة “فورت هود” بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأمريكية، أن “بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً إذا رفض العراق نزع أسلحة الدّمار الشّامل التي يملكها”. وأضاف “أن بلاده لا تريد غزو العراق وإنّما تحرير الشّعب العراقي” وأعرب عن ثقته في “تحقيق نصر حاسم لأنّ أمريكا تمتلك أفضل جيش في العالم”. كما اتّهم الرئيس جورج بوش صدام حسين بأنّه يمثل تهديدًا حقيقيًّا لأمريكا وحلفائها لأنّه استخدم أسلحة الدّمار الشّامل سابقًا كما استخدمها ضد شعبه، واتهمه بــ “تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النوويّة والبيولوجيّة والكيميائيّة لمفتشي المنظمة الدّوليّة، الذين استأنفوا عملهم في العراق في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، وذكره بالاسم كجزء من “محور الشرّ”. وساعدت بريطانيا ممثلة برئيس وزرائها بحملات الدّعاية هذه ضد العراق لاسيما تقارير منظمات حقوق الإنسان، واستخدمتها بشكل سياسي لخدمة المشروع الأمريكي بتبرير استهداف العراق. كما استخدمت إحكام قبضة صدام حسين على العراق كحجة تبرير الغزو. وفي خريف العام 2002 نشرت الحكومة البريطانيّة برئاسة توني بلير تقريرًا يحذّر من “المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل” وذلك في محاولة لكسب تأييد الشّعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.

 

المعارضة الدّوليّة للحرب على العراق:

أخذ الجو الدولي لاحقًا يتغير لمصلحة العراق، وضرورة إنهاء العقوبات عليه وبدأت علاقاته تتحسن تدريجيًّا مع جيرانه، كما أصبحت دول الخليج بما فيها الكويت لا تؤيد حربًا على العراق، ومثلها قطعت فرنسا وروسيا والصين وأخذت جميعها تعقد اتفاقات تجاريّة واقتصاديّة معه. لكن بعد فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في الحصول على قرار دولي يسمح بالحرب على العراق، اجتمع الرئيس بوش الابن ورئيسا وزراء كل من بريطانيا واسبانيا في “جزر الأزور” في 17 آذار 2003، ووجهوا إنذارًا للأمم المتحدة باستصدار قرار للحرب على العراق، وإلا سوف يضطروا إلى الذّهاب للحرب عليه من دون تفويض. بينما الدول الثلاث الأخرى فرنسا وألمانيا وروسيا كانت من الأساس رافضة لفكرة الحرب وقد أكدت من خلال إعلان مشترك في اليوم السّابق، أن استخدام القوة يجب أن يكون الخيار الأخير.

وأعرب الرئيس الفرنسي عن معارضة شديدة للتدخل العسكري، ما عكر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن، وقال الرئيس الفرنسي آنذاك واصفًا الحرب على العراق: “بالنسبة لنا تعد الحرب دائمًا دليلًا على الفشل وأسوأ الحلول، لذا يجب بذل الجهود لتجنبها“(كانون الثاني/ يناير 2003).

أمّا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال: “إذا سمحنا بأنّ يحل قانون القوة محل القانون الدولي، حينئذٍ سيكون مبدأ حرمة سيادة الدول محل شك” (مارس/ آذار 2003).

كما عبر ساسة أمريكيون عن قلقهم، من بينهم باراك أوباما، الذي كان ما يزال يشغل في ذلك الوقت منصب سيناتور ولاية ألينوي: “لا أعارض جميع الحروب، بل أعارض الحرب الغبيّة، حرب لا تتأسس على سبب، بل على الرّغبة، لا مبدأ لها، بل تتأسس على السياسة”. في لندن تجمع حشد تجاوز المليون شخص في مسيرة كبيرة احتجاجًا على الحرب.

كما أعرب واحد من الشّخصيات الرئيسة في حكومة رئيس الوزراء توني بلير زعيم الأغلبيّة العماليّة في مجلس العموم ووزير الخارجيّة السّابق روبين كوك، وقد قال: “المجتمع الدّولي والرأي العام البريطاني غير مقتنعين بسبب ملحٍ لهذا العمل العسكري في العراق”.

أمّا ملك الأردن عبد الله الثاني فقال: “نعارض بشدة قتل النّساء والأطفال، نحن مع شعبنا الرافض للغزو” (أبريل/ نيسان 2003).

من جهة أخرى نجد أنّ نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يقول: “أؤمن بأنهم سيستقبلوننا كمحررين” (مارس/ آذار 2003))

وقد ساد اعتقاد كبير بأنّ مدة الحرب ستكون قصيرة، وأشار لذلك وزير الدّفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد العام 2002 بقوله: “خمسة أيام أو خمسة أشهر، لكن بكل تأكيد لن تطول أكثر من ذلك”.

وعلى الرّغم من احتجاج مئات الآلاف من الأشخاص في شتى أرجاء العالم. كان الهدف في ذلك الوقت تدخلًا سريعًا في إطار حملة تهدف إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، الذي قاد البلاد منذ العام 1979، وإحلال نظام حليف لهم. وكان العراق يملك حسب زعم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ما وصف بأسلحة الدّمار الشّامل، ويطور الجمرة الخبيثة وغاز الأعصاب وأسلحة نووية، فضلًا عن دعمه للإرهاب وإبراز عدائه لأمريكا.

 

بَدء الحرب:

بدأت عملية الغزو في 20 آذار 2003 واستمرت 19 يوماً في عملية أطلق عليها “تحرير العراق”، وسقط النظام العراقي في 9 نيسان 2003، ونشر التّحالف الذي ضم بريطانيا وعشرين دولة أخرى، إضافة لقوى المعارضة العراقية، والتنظيمات المقيمة في المهجر مثل حركة الأحزاب الشيعيّة اللاجئة بإيران، وحزب الدّعوة، والمجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في العراق، وحركات أخرى، بقيادة الولايات المتحدة قوات قوامها 200 ألف جندي، على الرّغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة.

وبات على المحتلين إثبات وجود أسلحة الدّمار الشّامل ففي الأول من أيار أعلن الرئيس الأميركي بوش أن “الجزء الأكبر من العمليات العسكرية قد انتهى”، ما لبث أن صرح في 29 مايو/ أيار 2003 “عثرنا على أسلحة الدّمار الشّامل”. أمّا وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول فقال: “كلّ تصريح لي اليوم يستند إلى مصادر قوية، هذه ليست تأكيدات، نحن نقدم لكم حقائق واستنتاجات تستند إلى استخبارات قوية”.

 

لكن هذه التبريرات التي انطلقت منها الحرب الأمريكية على العراق، والتي كان من بينها القضاء على أسلحة الدّمار الشّامل تبين زيفها وعدم واقعيّة بعضها الآخر وهي بناء الديمقراطية في العراق، والتّدخل من أجل حقوق الإنسان، وتحول العراق لمركز للإرهاب، عوضًا من أن يكون موقعًا لمحاربته، وتحول هدف الإدارة الأمريكية المعلن الحفاظ على استقرار الأوضاع في العراق إلى هدف أدنى منه.

 

مستقبل العراق بعد الغزو

لقد شكل دخول القوات الأميركية للعراق حال من فوضى عارمة، لا سيما بعد قرار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر بحل الجيش العراقي وأيضًا حل حزب البعث العراقي في 16 أيار 2003 على الرّغم من أن أعضاء هذا الحزب وأنصاره يقدر عددهم بالملايين وتجريد نحو 23 ألف بعثي من الوظيفة العامة، وبات أغلب المواطنين العراقيين عاطلين عن العمل وحُرِم مئات الألوف من أعمالهم، رافق ذلك تصرفات أمريكيّة وحشيّة واستخدام الجواسيس والمخبرين والاعتقالات الجماعيّة، والاستجوابات الخشنة وغيرها من تصرفات لا تتماشى مع ما نادى به دعاة احتلال العراق.

نقلت السّلطة في العراق إلى حكومة مؤقتة في شهر يونيو/ حزيران، وحُلت سلطة التّحالف المؤقتة التي أنشأها الأميركيون. كما أعلن دستور البلاد الذي أرسى الفيدراليّة عن طريق إجراء استفتاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2005. إلا أنّ النّخب السياسيّة في توليها للسّلطة في العراق انطلقت من تصورها للمسار الانتقالي من عقد تاريخيّة، ما يعني أنّها حولت المسار الانتقالي إلى فضاء صراعي وما ذلك إلا من أجل تثبيت سلطتها، وهو ما أدى إلى انزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007 وما ذلك إلا بسبب ظاهرة انتشار الأحزاب، التي تمخضت عن حالة جديدة من الاصطفاف الطائفي الذي لم يشهد مثله تاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقيّة العام 1921، إضافة إلى تدهور الوضع الأمني بسبب الممارسات اليومية لقوات الاحتلال. إنّ ظاهرة انتشار الأحزاب السياسيّة أوجد حالة عسكريّة دائمة في البلاد، فضلًا عن قيام بعضها بتشكيل تنظيمات مسلحة لها لمواجهة الأحزاب المنافسة لها والنّشطة على السّاحة السياسيّة. ومن تداعيات استمرار الاحتلال الأمريكي ظاهرة الحدود الدّوليّة المفتوحة بين العراق ودول الجوار المحيطة به وقد استمر لمدّة طويلة الأمر الذي فتح الباب أمام المتسللين الأجانب للدخول إلى العراق، وكان من ضمنهم عناصر تشتغل بالإرهاب والتخريب.

كما أن تأخير إعادة بناء الجيش العراقي والمؤسسة العسكريّة، والأمنية بتشكيلاتها المختلفة من جيش وقوى الأمن الدّاخلي وغيرها بعد تسريح كلّ أجهزة المؤسسة العسكريّة أثبت خطأ التّصورات الأمريكيّة لهذا الإجراء؛ وأدى لانفلات الوضع الأمني ما دعا لإعادة التفكير ببناء الجيش العراقي، ليكون المساعد الرديف لقوات وزارة الدّاخلية في التصدي للوضع الأمني المتدهور في العاصمة بغداد وبقيّة المحافظات. وظهر أيضًا خطر تقسيم العراق بعد انهيار الدّولة، والسلطة ما أتاح لبعض السياسيين الطموحين الفرصة لبناء فيدرالية كأساس للنظام الجديد. إلا أنّ المبادئ الأساسية من الدّستور العراقي قطعت الطريق على مثل هؤلاء الطموحين بعد أن أصبح دستور العراق الجديد نافذ المفعول إثر الاستفتاء الشّعبي الذي أجري في 15 تشرين الثاني 2005 والذي ينص على أنّ “جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي“.

 

إخفاق التّدخل العسكري الأمريكي في العراق

تعرضت القوات الأمريكية يوميّاً إلى عشرات العمليات القتاليّة ضدهم، إضافة للضغط النّفسي والصحي السيء الذي أخذت تعانيه القوات الأمريكيّة. وقد فقد الجيش الأمريكي تأثيره الشّعبي بعد أن مارس أنواع القمع كافة ضد المجتمع العراقي، وانتهكت حقوق الإنسان وجعلت من الشّعب العراقي رهينة، فضلاً عن السّجون بين سرية وعامة وخاصة، يمارس فيها شتى أنواع التّعذيب حتى الموت والإذلال.

وتحت وطأة التّعثر السياسي وفشل الإدارة الأمريكية في احتواء الوضع السياسي العراقي، ظهرت بوادر تراجع أمريكيّة عن التمسك بفكرة الهيمنة على العالم بسبب كلفتها الهائلة، التي لم يعد دافع الضرائب الأمريكي قادراً على تحملها، فالفشل السياسي والعسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق دفع عدد من الخبراء الأمريكيين إلى التأكيد على أنّ استراتيجيّة أمريكا الأمنية بعد العام 2001 قد فشلت تماماً إلى الحدّ الذي صار يضغط بانتهاء الهيمنة الأمريكيّة على منطقة الشّرق الأوسط، فكان ذلك دليلاً على فشل دعاة الاحتلال بمقولتهم لنقل العراق لحال أفضل.

استمر احتلال العراق من قبل القوات الأميركية حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2011. لكن الوجود العسكري الأمريكي في العراق اتسم بالافتقار لاستراتيجيّة واضحة منذ بداية الغزو باستثناء السياسة المعلنة عن تأسيس دولة ديمقراطية في العراق، وبينما لم يكن هناك تغيير فعلي في الأهداف بعد العام 2011 وحتى العام 2014 عدَّه كثير من القادة العسكريين خطأ استراتيجيًّا كبيرًا؛ لأنّه فتح المجال أمّام انتشار تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة القوات الأمريكية بعد العام 2014 حتى بلغت ما يقرب من 5000 جندي بحلول العام 2020 وعليه فإنّ الأمر متعلق دائمًا بمستوى الحضور العسكري الأمريكي المطلوب، والدّرجة التي تكون معها مخاطر الوجود العسكريّ متوازنة مع الفوائد، والمكاسب التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.

وقد خلص باحثون أمريكيون إلى أن دعم عراق مستقر يصب في مصلحة الولايات المتحدة المستمرة على المدى الطويل، وأن هذا لا يتطلب استمرار مَهَمَّة القوات القتالية على المدى الطويل، لكنه يتطلب الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين العسكريين للمساعدة في تدريب وتطوير القدرات العسكريّة العراقيّة حتى يتمكن العراق من الدّفاع عن نفسه.

 

الخاتمة

كان الهدف الذي وضعته الولايات المتحدة في استراتيجيتها في المنطقة، والذي كانت قد خططت له وأعدته منذ سنة 1970، هو إعادة هيكلية دول المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة هزيلة متناثرة القوى، أكثر مما هي عليه الآن قائمة على أسس طائفيّة، وعرقيّة ومذهبيّة، ودينيّة، وعنصريّة، وعشائريّة.

ومن هذا المنطلق نلاحظ كيف تجلت حروب الجيل الثالث في أسمى معانيها من خلال الغزو الأمريكي للعراق، وبرزت دوافع هذا الغزو، وما اعتمد أهل القرار في واشنطن من استراتيجية بالتمهيد لضرب القوة الاقتصاديّة والعسكريّة العراقيّة، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانيّة، وما أعقبها من حرب الخليج الثانية لتحقيق أهداف متعددة.

 

بدأت إدارة الرئيس بوش الابن تخطط من خلال ما سمي بالاستراتيجيّة الجديدة واستغلال أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لنشر الدّعاية السيئة ضد النّظام العراقيّ، بغية السّيطرة بصورة كاملة على النفط العراقي وأنظمته، بسبب اندفاعها وراء مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى، متخفية وراء قضايا أيديولوجية عقائدية متلونة، وبالتالي لم تكن الغاية منها سوى تحقيق مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى فتح أسواق جديدة، أمام الشّركات الأمريكيّة الاحتكاريّة استكمالًا للهيمنة الأحاديّة على العالم والسيطرة على مقدراته.

لقد خلف احتلال العراق مشاهد مرعبة من البؤس والفوضى، لم تحقق الولايات المتحدة الهدف الاستراتيجي من عملية الغزو هذه، وهو السيطرة عليه سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، والمقولة بإقامة نموذج سياسي جديد يكون قدوة للدول المحيطة لم تنجح بها، بل نجد أن العراق ما يزال حتى يومنا لم ينعم بالأمن ولا بالديمقراطية التي وُعِد بها العراقيون.

 

المصادر والمراجع

الكتب

1- الألوسي، سؤدد فؤاد: الغزو الأمريكي للعراق حقائق وأرقام، الطبعة الأولى، دار المعتز، 2012.

2- أناتولي أوتكيف: الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، ترجمة أنور محمد إبراهيم ومحمد نصر الدين الجبالى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.

3-الحمداني، رعد مجيد: قبل أن يغادرنا التاريخ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بالطبعة الأولى، يروت،2007.

4- جامعة الشّرق الأوسط: الاحتلال الأمريكي للعراق وإشكالية بناء الدولة 2003-2004، إعداد الطالب علي صباح صابر بإشراف د. محمد جميل الشيخي، رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير.

5- سلزر، إيرون: المحافظون الجدد، نقله إلى العربية فاضل جتكر، الطبعة الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 2005.

6- شربل، غسان: العراق من حرب إلى حرب صدام مر من هنا، نسخة مجمعة من جريدة الحياة، 2010.

7- الشكرجي، طه نوري ياسين: الحرب الأميركية على العراق، الدار العربية للعلوم ومكتبة الرائد العلمية، الطبعة الأولى، بيروت والأردن، 2004.

8- العلوجي، عبد الكريم: الصراع على العراق من الاحتلال البريطاني إلى الاحتلال الأمريكي، ط1، الدار الثقافية للنشر، القاهرة،2007.

9- علي، محمود محمد: المخطط الأمريكي لاحتلال العراق، الطبعة الأولى، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2018.

10- فرانكس، تومي: جندي أمريكي، نقله إلى العربية محمد محمود، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، 1427 هـ.

11- هيكل، محمد حسنين: الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، الطبعة الثالثة، دار الشروق، القاهرة، 2004.

 

المجلات

12-زياد ماجد: لبنان والعراق في بعض مفاصل تاريخهما الحديث، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 129، شتاء 2022.

13- بشير عبد الفتاح: تجديد الهيمنة الأمريكية، سلسلة أوراق الجزيرة 18، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية لعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، الدوحة قطر وبيروت، 2010، الموقع على شبكة الانترنت http;//www.asp.com.lb

14- دراسات الشرق الأوسط، واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009.

المقالات

15- المركز الديمقراطي العربي، 3 ديسمبر 2021، استراتيجية الحرب الاستباقية وتأثيرها في العلاقات الدولية- دراسة حالة الولايات المتحدة الامريكية (2001-2020).

16- الحياة، 3/11/2002.

17- الجزيرة 23/12/2016 الغزو الأميركي للعراق.. مبررات واهية ونتائج كارثية.

18- واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009، Watheq. al******@or***.tr

19- رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق يتحدث عن دور النظام السوري في إطاحة صدام حسين.

20 – BBC News عربي 22 مارس/ آذار 2018. بعد 15 عاماً على الحرب: ماذا قال قادة العالم عن غزو العراق؟

21- Independent عربية 10 ديسمبر 2021 إليكم تسلسل العلاقات العراقية الأميركية منذ 2003.

22- طارق الشامي: ما تداعيات انسحاب القوات الأميركية من العراق؟ INDEPENDENT عربية الجمعة 9 أبريل 2021.

 

دراسة عن واقع الموارد المائية والوسائل الكفيلة بمقاومة الجفاف والتصحر في العراق 

دراسة عن واقع الموارد المائية والوسائل الكفيلة بمقاومة الجفاف والتصحر في العراق 

 

لقد أنعم الله على العراق بكميات هائلة من الموارد المائية غير متوفرة في بلدان عربية أخرى. إذ أن معظم دول الخليج تفتقر الى وجود أي أنهار أو بحيرات أو مسطحات مائية للمياه العذبة فيها، بينما تتميز أرض العراق بوجود أنهار كبيرة مثل دجلة والفرات وشط العرب بالإضافة الى وجود أنهار صغيرة مثل ديالى والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم والوند وسيروان والخازر. كما يتوفر فيها مسطحات مائية أخرى مثل بحيرات الثرثار والحبانية والرزازة وساوة وحمرين وبحيرات صغيرة أخرى بالإضافة الى أهوار الناصرية والعمارة. وكذلك يتصدر العراق باقي الدول العربية في كمية المياه الجوفية التي تجمعت في باطن الأرض عبر ألاف السنين. وبالرغم من وجود هذه الكميات الهائلة من الموارد المائية للمياه العذبة، إلا أن العراق يعاني في الوقت الحاضر من أزمة مائية كبيرة تتعلق بشحة كمية المياه الجارية في أنهاره الرئيسية مثل دجلة والفرات والوند وديالى وسيروان وجفاف بحيرات حمرين وساوة مما أدى الى تراجع ملحوظ في أراضي العراق الخصبة وباتت نسبة كبيرة منها مهددة بالتصحر

وأحد أسباب الأزمة المائية في الوقت الحاضر هو عدم حصول العراق على استحقاقاته المائية الكاملة لنهري دجلة والفرات من دول المنبع التي عمدت على اقامة مجموعة من السدود الضخمة على هذه الأنهر وروافدها. إلا أن مصادر في وزارة الموارد المائية العراقية تؤكد بان الجانب التركي على استعداد للتجاوب مع مطالبات العراق في الوصول الى تسوية عادلة تضمن حقوقه المائية. أما إيران التي حولت مجرى عشرات الروافد التي تصب في الأنهار العراقية مثل الوند والكارون وسيروان مما أثر على مستوى المياه في كل من دجلة وديالى وبحيرة سد دربنديخان. بل الاكثر من ذلك باتت تدفع بمياه البزل المالحة في نهر شط العرب. وقد تسببت هذه الخطوات الاحادية من الجانب الايراني الى ضرر كبير على سقي البساتين العراقية المطلة على شط العرب والمناطق العراقية الجنوبية التي يمر بها نهر دجلة. كذلك أدت مياه المبازل في الكارون الى زيادة نسبة الملوحة وتأثيرها على المياه الصالحة للشرب في محافظة البصرة. فضلاً عن تأثر الأراضي الصالحة للزراعة في ديالى بانقطاع بعض الروافد الايرانية. وهذا الموقف الايراني اللا مسؤول والمضر بحقوق العراق المائية، استغل تواطئ الذيول التابعة له والمتنفذة في سدة الحكم للمضي قدما في تجاهل موضوع التفاهم مع العراق حول إيجاد تسوية مناسبة تضمن حقوقه المائية.

أما السبب الثاني في الأزمة المائية الحالية فانه يعود الى عدم اكتراث الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 لوضع خطط بناءة  تؤدي الى ايجاد بدائل وحلول  طارئة في حالة حصول شحة في الموارد المائية  ، رغم علمها التام ومنذ زمن بعيد بمشاريع السدود العملاقة التي تقيمها كل من تركيا وايران على منابع دجلة والفرات .لأن الأولويات  لتلك الحكومات كانت منصبة بالدرجة الأولى في مواضيع لا تخص مصلحة الوطن بقدر ما تخدم بقاؤها في السلطة لأطول فترة ممكنة وكسب أكبر كمية من المغانم يتيحها لها موقعها الحكومي واشغال البلاد بصراعاتها الجانبية العقيمة .في نفس الوقت عملت تلك الحكومات على ابعاد العناصر الكفوءة وذات الخبرة الطويلة تحت ذرائع الاجتثاث أو عدم الولاء للنهج السياسي الذي تسير عليه.

المطلوب سياسة جديدة لإعادة تنظيم الموارد المائية في العراق

أصبح الواقع المائي الحالي في العراق في حالة من التردي تتطلب خطط جديدة تعمل على تخفيف الضغط عن الأنهار الرئيسية في الاستخدامات الزراعية والبشرية وذلك بتنويع مصادر المياه وتطوير مشاريع جديدة للري. بالإضافة الى ايجاد حسم نهائي الى قضية حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات من دول الجوار والتي يكفلها القانون الدولي.

وتتلخص هذه الخطة في النقاط التالية:

1.استغلال المياه الجوفية لاستصلاح أراضي البادية الغربية

المياه الجوفية تتكون على شكل أحواض في الطبقات الصخرية الخازنة للمياه بباطن الأرض، وتقسم إلى نوعين متجددة يمكن تعويضها من منابعها ولو بعد فترة وغير متجددة لا تعوض عند استهلاكها. ووفق احصائية البنك الدولي فان العراق يحتل المرتبة الأولى في الوطن العربي بكميات المياه الجوفية المتجددة التي يمتلكها. وفي دراسة حديثة تم اجراؤها عام 2018 باستخدام طريقة التحسس عن بعد وقام بها المهندس الفرنسي ألن غاشيت بتكليف من الاتحاد الأوروبي، فان معظم المياه الجوفية بالعراق تتمركز في منطقة الصحراء غرب نهر الفرات ضمن الأراضي الواقعة بين الأنبار وحتى السماوة. وهذه المياه الجوفية تتجمع في خزان كبير وعميق يتغذى باستمرار من أراضي الأردن والجزيرة العربية بسبب انحداره المائل من تلك الأراضي باتجاه الأراضي العراقية. ويفصل هذا الخزان الجوفي عن المياه السطحية لدلتا نهري دجلة والفرات وجود حاجز على شكل سد يدعى أبو جير والذي يمتد من شمال العراق الى جنوبه. وكمية المياه المتجمعة في هذا الخزان الجوفي تقدر بحوالي 1700 مرة بقدر كمية المياه التي يستوعبها سد الموصل. وهذه المياه ممتدة على شكل طبقتين الأولى 10 الاف مليار متر مكعب والثانية 16 ألف مليار متر مكعب. وكان من المفترض أن يتبع هذه الدراسة المباشرة بحفر بعض الابار التجريبية عن طريق آلات حفر متطورة لمعرفة عمق هذه المياه الجوفية وخصائصها ان كانت نقية أو ملوثة. لكن وزارة الموارد المائية العراقية لم تدعم هذه الخطوة وقررت تجميد مشروع استخراجها متذرعة بأن تلك المياه هي خزين احتياطي للأجيال القادمة. وهذا التبرير غير منطقي لأنها مياه متجددة يمكن استخدام جزء منها لإحداث تغيير جذري في الطبيعة الصحراوية لأرض الجزيرة في العراق. على العكس من ذلك فان وزارة الموارد المائية سمحت بحفر أبار ارتوازية في مناطق عدة من العراق والتي تأخذ مياهها من المياه السطحية لحوضي دجلة والفرات وبعض البحيرات مما زاد في مشكلة الجفاف مثلما حصل من كارثة جفاف لبحيرة ساوه في منطقة السماوة.

علما أن تجارب الدول في استغلال المياه الجوفية قد ساعد سكان منطقة دارفور في السودان من التغلب على العطش وحول بعض الأراضي الصحراوية في السعودية الى مزارع خضراء ومراعي بالرغم من أنها لا تملك سوى 7 % من خزين المياه الجوفية الموجودة في العراق. وتوجد تجربة رائدة في الصين تم فيها استغلال المياه الجوفية لتحويل الصحراء الى غابات وأراضي زراعية.

وعلى ضوء تلك التجارب الرائدة لبعض الشعوب في استغلال المياه الجوفية، يمكن للعراق أن يستخرج فقط 1% من مياهه الجوفية لإنشاء حوالي 17 بحيرة اصطناعية في الصحراء الغربية. تمتلك كل واحدة منها كميات من الماء بقدر سد الموصل، وهو أكبر خزان مائي في العراق. وفي حالة وجود هذا العدد الكبير من البحيرات على امتداد الجزيرة سوف تتغير الطبيعة الطبوغرافية لها ويلطف الجو فيها ويؤدي ذلك الى احداث التأثيرات الايجابية التالية:

      أ- التغلب على مشكلة هبوب العواصف الترابية:

معظم العواصف الترابية التي تهب على العراق والتي ازدادت في المدة الأخيرة سببها الرئيسي هو قلة الأمطار التي أدت الى تفكك التربة وهشاشتها في منطقة الصحراء الغربية. لذا فان انشاء هذا العدد الكبير من البحيرات في الجزيرة ووجود الحرارة المرتفعة فيها سوف يزيد من عملية تبخر الماء التي تتجمع على شكل غيوم وتشجع على تساقط الأمطار. وفي حالة ارتفاع معدل كمية الأمطار المتساقطة على أراضي الجزيرة سوف تتحسن حالة التربة فيها وتزداد تماسكا وبالتالي يقلل من احتمالية تحولها الى عواصف ترابية.

ب. استعمالها في تنمية الثروة الزراعية والحيوانية:

 يمكن ربط هذه البحيرات مع بعضها البعض بقنوات مائية وطرق معبدة محاذية لها لاستغلال الأراضي الفاصلة بين البحيرات للأغراض الزراعية والمراعي وحقول الدواجن وأحواض تربية الأسماك.

ج. انشاء مناطق سياحيه

من الممكن انشاء واحات صغيرة قرب هذه البحيرات نزرع بالنخيل وتزود بالكهرباء وأنابيب اسالة الماء وتقام عليها مرافق سياحية اسوة ببحيرة الحبانيه.

د. استعمالها لإقامة حزام أخضر حول المدن

يمكن استعمال مياه البحيرات لإقامة حزام أخضر من الأشجار المقاومة للجفاف مثل النخيل يحيط بالمدن القريبة من الصحراء.

2. اقامة سدود جديدة  

بسبب اللفط الذي قامت به الكتل الحاكمة، فقد العراق لحد الآن ما لا يقل عن 1900 مليار دولار من موارده المالية دون القيام بإنجاز مشروع تنموي واحد يمكن أن يتذكره العراقيون بعد زوال هذا النظام الفاسد. حتى السدود التي هي قيد الإنشاء في الوقت الحاضر مثل سد مكحول وسد بادوش كلها بدأ التخطيط لها في عهد النظام الوطني وتوقفت تماما بعد الغزو سنة 2003. وكانت نسبة الانجاز فيها قبل التوقف تتراوح ما بين 30-40 %. وبعد مرور حوالي 18 عاما من التوقف بدأت السلطة الحالية تدرك الأن أهمية تكملة مشروع سد مكحول على نهر دجلة لما يحمله من فوائد جمة في إحياء اراضي زراعية كبيرة بين مناطق كركوك وصلاح الدين بالإضافة الى توليد الطاقة الكهربائية. حيث تم رصد موازنة مالية له عام 2021 وبوشر العمل بتنفيذ باقي مراحل السد لكن عملية التنفيذ تسير بوتيرة بطيئة بسبب وجود صعوبات كبيرة منها ايجاد أراضي بديلة للقرى التي سوف يغمرها السد وكذلك التعامل مع الأثار المهمة التي سوف تكون معرضة للاندثار. أما سد بادوش المزمع اقامته على نهر دجلة جنوب سد الموصل فهو يمتلك طاقة تخزين استيعابية من الماء مقاربة لسد الموصل ويمكن أن يكون بديلا له في حالة حصول خلل ما فيه. فضلا عن حجم الأراضي الزراعية الكبيرة التي سوف يوفرها السد ومساهمته في توفير الطاقة الكهربائية بالإضافة الى أن جسر السد يعمل على ربط الضفة الشرقية والغربية لمدينة الموصل. للأسف لم يتم لحد الأن العمل على تكملة مشروع هذا السد وذلك بانتظار اقرار التخصيصات المالية اللازمة له من موازنة السنة المالية الجديدة التي بدورها تعتمد على عملية التوصل الى اتفاق لتكوين الحكومة القادمة. لو كان العراق قد سارع في انجاز سدي بادوش ومكحول قبل عام 2019 التي تعتبر سنة فيضان لنهر دجلة، لاستطاع حينها ان يخزن ما يقارب ال 15-20 مليار متر مكعب من الماء في تلك السدود والتي بإمكانها أن تخفف من وطأة سنين الجفاف التي يمر بها البلد الآن.

في بلد مثل الأردن يعاني فقرا في الموارد المائية، تعتبر السدود المقامة فوق واد أو منخفض ترابي بهدف حجز المياه، هي الطريقة المعتمدة لتخزين المياه من وديان تتغذى من ماء المطر. وبهذه الطريقة نجح الأردن في حصاد حوالي 80 % من مياه الأمطار داخل 10 سدود تخزينية. ونظراً لقلة تكلفة تلك السدود لكونها ترابية أو حجرية فان مجوع ما صرفه الأردن على بنائها جميعا لم يتجاوز ال 700 مليون دولار. لكنها أوجدت حلا مناسبا لمشكلة المياه في الأردن فأصبح الاعتماد كليا على هذه الخزانات المائية لتوفير المياه للاستخدام البشري في عموم المدن الأردنية، وكذلك تستخدم لري المناطق الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية وللأغراض السياحية.

 في العراق لا يختلف معدل تساقط الأمطار كثيرا عن معدل تساقطها في الأردن، لكن عدد الوديان فيه تقريبا ثلاثة أضعاف ما هو موجود في الأردن. وبشكل خاص يوجد في العراق وادي حوران الكبير الذي يمتد لمسافة 369 كلم. في البادية الغربية وتتجمع فيه مياه الأمطار بكميات مناسبة في فصل الشتاء. وتحيط بهذا الوادي جروف طبيعية عالية ذات حافات حادة يبلغ ارتفاعها ما بين 150 إلى 200 م، ويمتاز بوجود بعض الوديان الصغيرة المتفرعة منه والواحات التي تقع في القسم الشرقي منه. وبالأصل كان وادي حوران نهراً جارياً ورافداً يصب في نهر الفرات إلّا أنه جفَّ خلال العصور القديمة. وإذا ما تم الاستفادة من التجارب الأردنية الناجحة في حصد مياه الأمطار، يمكن للعراق استغلال الوديان المنتشرة في أراضيه، خاصة تلك الموجودة في الجزيرة للقيام بإنشاء سدود تحصد مياه الأمطار. وهذه الخزانات المائية الكبيرة والغير مكلفة كثيرا سوف توفر مصدرا جديدا للمياه لا يستهان به وإذا ما استغلت بشكل مناسب تستطيع أن تخفف الضغط على كمية المياه المستهلكة من نهري دجلة والفرات.

3.استخدام وسائل متطورة للري في الزراعة

ان عملية تحلية المياه باتت من الوسائل المعتمدة حديثا في كثير من البلدان لتوفير المياه النقية وفي مدينة البصرة بالذات، نجحت كوادر عراقية مؤخرا في استخدام هذه التقنية الحديثة على نطاق محدود لتحلية مياه شط العرب. والمطلوب الأن هو تعميم هذه التجربة الناجحة على مناطق أخرى من العراق مثل تحلية مياه بحيرة الرزازة القريبة من كربلاء والتي تمتاز مياهها بنسبة أملاح عالية تجعلها غير صالحة للزراعة أو الاستخدام البشري. علما أن هذه البحيرة هي من أكبر البحيرات في العراق وتتسع لمخزون مائي مقداره نحو 26 مليار متر مكعب..

كما أن طريقة استخدام الطائرات لإحداث المطر الاصطناعي باتت هي الأخرى من الوسائل المستخدمة حديثا لري الأراضي الزراعية، وللصين خبرة كبيرة في هذا المجال يمكن الاستعانة بها.  ان لجوء العراق الى هذه الوسيلة الحديثة سوف يساعد كثيرا على تحسين التربة الجافة في أراضيه وخاصة تلك الموجودة في منطقة الجزيرة الغربية.

  1. 4. تغيير مجرى نهر الفرات عند مصب شط العرب

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ماهي الفوائد التي يجنيها العراق من وجود شط العرب بوضعه الحالي؟ فمياهه أصبحت ملوثة وازدادت نسبة الأملاح فيها وصارت غير صالحة للزراعة والاستهلاك البشري بسبب قيام إيران برمي مبازلها الوسخة فيه. وفي نفس الوقت قامت إيران بقطع روافد المياه العذبة التي تصب في شط العرب ونهر دجلة الذي ينتهي فيه. من ناحية ثانية فان ميناء المعقل في البصرة المطل على شط العرب لم يعد يتمتع بأهمية ملاحية أو تجارية كبيرة بعد أن تم المباشرة بإنشاء ميناء الفاو الكبير. ناهيك عن أن الجانب العراقي لشط العرب أصبح قليل الأهمية ملاحيا بسبب مخلفات الحروب التي تجمعت فيه. وعلى العكس من ذلك فان الجانب الايراني لشط العرب قد خضع لعملية تعميق في السنوات الأخيرة بحثا عن النفط وأصبح أكثر ملائمة للملاحة البحرية. لذا عمدت إيران على استخدامه لإقامة عدة موانئ تجارية وقواعد عسكرية.

تاريخيا شط العرب هو نهر عراقي الا أن تواطئ الانكليز هو الذي منح الايرانيين موطئ قدم فيه وباتوا تدريجيا يستحوذون على فوائده أكثر من العراقيين. لذا فقد أن الأوان للعراق أن يعيد التحكم في مجرى شط العرب من جديد.

والخطة المقترحة لتحقيق هذه الغاية هو اقامة سد على نهر الفرات عند منطقة التقائه مع نهر دجلة في القرنة لتكوين شط العرب. ومن موقع هذا السد يتم انشاء قناة صناعية باسم “قناة البصرة” تكون اروائية وملاحية بديلة لشط العرب، تصب فيها مياه نهر الفرات بالكامل ويكون عرضها بقدر عرض نهر الفرات وعمقها مشابه لعمق شط العرب. وهذه القناة تمتد من منطقة السد الى الشرق من مدينة البصرة لتصب في ميناء الفاو الكبير. ويكون هور الحمار والاهوار التابعة له بمثابة البحيرة المائية التابعة لهذا السد بحيث يتم ربط السد مع الهور بجدول خاص ذهابا وايابا. ان أهمية هذا المشروع تكمن في تحقيق الفوائد التالية.

  1. انه نهر عراقي مئة بالمئة ولا تشاطره فيه دولة أخرى مثل شط العرب
  2. يصبح للعراق القرار الأول في التحكم بكمية المياه التي تجري في شط العرب. إذا ما أقفل السد تذهب مياه الفرات كاملة في قناة البصرة ويصبح دجلة لوحده هو مصدر المياه لشط العرب. وهذه الحالة من المحتمل أن تقلل من مستوى الماء في شط العرب فتكون الموانئ والملاحة في الجانب الايراني أكثر تأثرا من الجزء العراقي. فالعراق يمكن أن يعوض هذه الخسارة بالملاحة البديلة في قناة البصرة، أما الجانب الايراني فعليه أن يرضخ للشروط العراقية ويعيد حصة العراق المائية كاملة في نهري شط العرب ودجلة كي يستعيد نهر شط العرب مستواه العالي من الماء.

3.يمكن أن تتفرع جداول من القناة الجديدة باتجاه مدينة البصرة لتزويدها بالماء العذب لغرض الاستخدام الزراعي والاستعمال البشري وتعويضها عما تفقده من مياه شط العرب.

  1. السد سوف يوفر الطاقة الكهربائية لمدينة البصرة وضواحيها.

5 يمكن للسد أن ينعش المخزون المائي لهور الحمار وعندها يمكن استخدام هذه المياه لاستصلاح أراضي زراعية في مناطق الجزيرة الصحراوية المجاورة للهور. كما يمكن استخدامها في مشاريع تربية الأسماك والمراعي الحيوانية.

  1. من الممكن اقامة خط مرور سريع موازي لقناة البصرة يحمل البضائع مباشرة من الفاو الى القرنة دون المرور بمدينة البصرة. كما يمكن زراعة حزام أخضر من الأشجار بمحاذاة هذا الطريق لتعمل كمصد للغبار عن مدينة البصرة.
  2. انجاز هذا المشروع سوف يلطف الجو في مدينة البصرة لأنها سوف تصبح شبه جزيرة محاطة بالمياه من عدة جوانب وسوف يوفر المشروع ألاف الأيادي العاملة.

طول شط العرب حوالي 190 كم وقناة البصرة سوف تكون مقاربة لهذا الطول، علما أن قناة السويس في مصر طولها حوالي 180 كم وقبل سنتين تقريبا تم بناء قناة موازية لها بأيادي مصرية خالصة في مشروع استغرق عاماً تقريباً.  

فعندما تتوفر الارادة الوطنية الصادقة لا يوجد شيء مستحيل.

 

أ. د. مؤيد المحمودي

31/5/2022