شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى مولد شهيد الحجّ الأكبر

سَلامٌ علَى العِرَاقِ، سَلامٌ عَلى الأُمَّةِ العَرَبيَّةِ

سَلامٌ عَلى رُّوحِ القَائِد الشَّهيد صَدَّام حُسَين

جزء أول

صَدَّام حُسَين

مَرحَلةٌ جَدِيدةٌ فِي نُهوضِ الأُمَّة

 

د.إياس الطائي

 

في اليومِ الثامنِ والعشرينَ من نيسانِ الخيرِ والعطاء، كانَ العراقُ والأمةُ العربية على موعدٍ تاريخيٍّ في حياتهما المعاصرة، عندما أشرق وأضاء صبحه عن مولدِ أحد رجالهما وقادتهما التاريخيِّين الرفيق القائد المناضل صدَّام حسين، ابنهما البَّار، والحافظ لعهدَيهما، والمُخلص لميثاقَيهما الغليظَين، والأمين على وجودهما ومُستقبل أبنائهما، والمدافع الشَّرس عن تُربتَيهما الطاهرتَين.

عاشَ صدَّامٌ ثائراً ومقاوماً شرساً ومناضلاً لا يُشقُّ له غبار، وقائداً هُماماً من القادة العظام في تاريخ العراق والأمة، وأُستُشهد بطلاً مؤمناً مرفوع الهَام، جريئاً شجاعاً راضياً بقدره في الدنيا وبقضاء الله وابتلائه له. 

لقد حدَّثنا صدَّامٌ عن جوهرنا نحن العراقيون وأبناء الأمة العربية، وشدَّنا الى هُويَّتنا الوطنية والعربية بأشدّ ما يكون الانشداد والتَّعلق والفخر والاعتزاز، وكانَ له الفضل الكبير في تَنامي الوجدان وصحوة الضمير العراقي والعربي في نفوس أبناء العراق والأمة. فتَعزَّزت قيَم المواطنة، والارتباط بالأرض من خلال منظومة القيَم المتجذرة في بناء الشخصية العراقية الجديدة التي سعى اليها البعث بعد قيام ثورته في السابع عشر من تموز عام1968م، فالعراقي أصبح أكثر تَمسُّكاً في البقاء على أرضه وفي الحفاظ عليها، بعد أن غرست الثورة في نفسه كلّ الجوانب الايجابية التي تؤهله للبناء والنهضة التنموية الشاملة وفي الدفاع عن العراق وترابه الطهور. وكان للرئيس الشهيد دوراً فاعلاً في تكريس قيَم الوطنية الصادقة وعلى أصولها، فلم يكن العراقي في ظل الثورة وقائدها صدَّام حسين يحب الهجرة، بسبب تمسّكه الشديد بأرضه، فهو يرى أنَّ العراق أفضل بلاد الأرض، وإذا غادره فإنَّ الحنين اليه يظلّ يكبر في نفسه، وإن عمل في الخارج فإنَّه لا يفكِّر إلَّا بالعودةِ اليه، حتى أنَّ العراقيين أكثر من غيرهم يُصابون بأعراض مرض الحنين الى الوطن، خاصة من جيلنا والذي سبقه وما بعدنا، فقد غرست الثورة في نفوس مَن هُم من جيلها الكثير من الحب للعراق والأمة، حتى أصبحت قيمٌ مغروسةٌ في شخصية العراقيين، تتوارثها الأجيال الصاعدة جيلاً بعد جيلٍ. هو صدامٌ الذي رحلَ عنَّا بجسده، والخالد بروحه الزكيَّة فينا ومعنا ما حيِّينا، لقد طافَ الشهيد خلال سنين عمره النضالية بشتَّى الأحداث والوقائع والظروف الوطنية منها والعربية. وغاصَ في أعماق الذات العربية، في تاريخ الأمة المجيد، باحثاً عن رُوح العروبة الوثَّابة الزاهية والزاخرة بكلّ المفاخر والأمجاد، انَّه الرَّجل الفذّ المقدام الذي لا تَلِده وتأتي به سوى الأمم الحيَّة العريقة والفاعلة في التاريخ الانساني. فقد نبتَ صدامٌ من صُلبِ هذه الأمة، فارتسم بملامح شخصيَّتها المُتَفرِّدة، ورسمَ لها ملامح شخصيَّتها الجديدة بعد أن سبر أغوار عبق تاريخها التليد، وبعد أن تَملَّكته مباديء وقيَم حزب البعث العربي الاشتراكي. لقد كان مولده ونسَبه ودمه العربي الأصيل من بطون العرب المعروفة، مُحفِّزاً ومُحرِّضاً له في محاولته جاهداً من أجل صياغة الشخصية الجديدة للأمة التي يريدها البعث ويناضل من أجلها، فالبعث صاغ هُوية الأمة القومية في أرقى وأروع صياغة، ولا نظنُّ أنَّنا نغالي كثيراً عندما نقول أنَّه لم يبلغ أحدٌ مكانته السامقة الشامخة في عصرنا الحديث.

كانَ صدَّامٌ يثقُ دوماً بما للعراق من دورٍ محوريٍّ في أمته العربية، وحيثُ كان يعتزّ ويَفتخر في هُويَّته العراقية، فهو أيضاً كان يَتباهى ويفتخر بهُويته القومية وانتمائه العروبي الأصيل، بل كانَ مُتَيَّماً بحبِّ عروبته، وانتمائه الى أمة عريقة تاريخها مُمتدّ الى أزمانٍ سحيقةٍ، وتراثها الزاخر المشرق الذي تُفاخر به الأمة غيرها من الأمم . وكان يرى أن لا قوَّةً ومحوريَّةً للعراق دون حضنها العربي الكبير، وفي ذات الوقت فهو يرى أنَّ العراق المُعافى والمقتدر والمَهيوب هو صمَّام أمان للأمة، وعندما يَتألَّق العراق، وتزدحم ذاته بكلَّ مستلزمات القوَّة والمكانة والمنزلة الراقية، فإنَّ ذلك يُشكِّل خيراً عميماً للأمة كلّها، وأنَّه عندما ينكسر العراق فذلك يكون بمثابةِ ويلٍ وثبورٍ ونكسةٍ للعرب جميعاً.

 كان الرئيس صدَّام يَعي جيداً وبعمقٍ معنى الشخصية العربية التي تتميَّز بها الأمة، وتالياً لها خصائِصها ومُقوّماتها وطبائعها التي تَلتصق بها ولا تغادرها، واستوعب ما في أمة العرب من مكنونات معنوية ومادية وحضارية، كما هو مدركٌ لظروفِ حاضرها، وما تعانيه وتعيشه من آلام وأوجاع الفُرقة والتَشتّت والضعف والهوان في عصرنا الحالي، وأدركَ الغايات والأهداف العظيمة المنشودة لأمة عريقة حيَّة وفاعلة بين الأمم والشعوب. كانَ يحتضن الأمة في نفسه ووجدانه، وحُبُّها يجري في عروقه مجرى الدم في الشرايين، وكان يرى أنَّ الوطنَ العربي وحدةٌ موحَدةٌ لا تقبل التجزئة، وأنَّ التجزئة اليوم هي حالة طارئة على الأمة ولن تكون تجزئة دائمة أو مستديمة على الاطلاق.

 انَّنا هنا لا نريد أن نوَثِّق الموَثَّق، أو أن نؤكِّد المُؤَكَّد، عن سجايا وصفات وسيرة القائد الخالد صدَّام حسين، فقد سجَّلتها صفحات التاريخ بأحرفٍ من نور، وهي محفورةٌ في ذاكرة العراقيين الشرفاء وكلّ العرب الأصلاء. عندما تَقرأ لصدَّام سطراً واحداً من كتاباته الفكرية والنضالية عرفتَ دونَ أن تقرأ اسمه مَن هوَ الكاتب، انَّه بحقٍّ سيِّد القول والكلمة العربية، لقد عرفناه كيف يقوم بـ(ضفر) أفكاره في براعةٍ وانتقاءٍ ورصانةٍ ليس لها مثيل، وينطقها لسانه في أناقةٍ تَستَجيبُ لها الآذان والمسامع، وتَنسابُ الى القلوب والعقول والنفوس، بكلِّ رَويةٍ وهدوءٍ ولُطف. وظَّفَ ذكاءَه الحادّ، وفكره النيِّر الخلَّاق في أرقى وأعلى وأشمل توظيف في خدمة شعبه العراقي وأبناء أمته العربية،من هنا كانت مرحلته ثريَّةً، غنيَّةً، بالغة الأهميَّة، بل هي مرحلةٌ فارقةٌ في تاريخ العراق والأمة.  

كانَ العراقُ في عهدِ صدَّام حسين وجهاً وصورةً وحالاً مشرقاً للعرب أينما كانوا، احتَضن أشقاءه من كلّ أرض العروبة، حتى أصبح عنوان فخرٍ واعتزاز لكلِّ عربي أصيل. وحرَّكَ في العرب ايمانهم وشعورهم بالانتماء الى أمةٍ عريقةٍ اجتباها الله تعالى لتكون لها رسالة عربية انسانية خالدة. غير أنَّ أرباب الشرَ في العالم اتَّفقوا وتحالفوا وبيَّتوا النيَّةَ للاجهازِ على النظام الوطني والقومي المجيد في العراق بقيادة البعث الخالد وقيادته الحكيمة المتمثِّلة بالرفيق صدّاَم حسين ورفاقه الأوفياء، في مقصدٍ خبيثٍ، وغايةٍ شرِّيرةٍ أرادوا بهما اغتيال المشروع القومي الحضاري والانساني النبيل. انَّ قيادة الرئيس صدَّام حسين للبعث والعراق دولةً وشعباً وجماهيراً، تُمثِّلُ مرحلةً في غاية الزَهوّ والفَخر في تاريخ العراق والأمة العربية، وقد حَظيَ صدَّام حسين بحبّ العراقيين وأبناء الأمة، ولا نغالي ان قلنا أنَّه الزعيم العربي الوحيد الذي حظيَ بكلِّ هذا الحب من العرب، في حياته وازداد بعد استشهاده كثيراً. فقد نذر حياته ومعه رفاق الدرب الميامين من أجل العراق والأمة، نعم نجح الشهيد ورفاقه في القيادة والتنظيم الحزبي في تحرير العراق من التبعية للأجنبي، وفي تحقيق استقلالية القرار السياسي العراقي، وفي تأميم ثروات العراق النفطية تنقيباً وانتاجاً وتسويقاً، وتنظيم قوانين الاصلاح الزراعي لتصبّ في صالح الفلاح والمزارع العراقي، وتحقيق الوحدة الوطنية بين فئات المجتمع العراقي بكلَ تنوعاته القومية والعِرقية والدينية، فكان تحقيق الحكم الذاتي لشعبنا الكردي في شمالنا العزيز، وفي التأسيس لصناعاتٍ وطنيةٍ، ومنها الصناعات العسكرية المتطورة، وتطوير الجيش العراقي الوطني الباسل في التدريب والسلاح والعدَّة والعدد، ليكون جيشاً احترافياً يُضاهي جيوش الدول المتقدمة. وكان الانجاز الملحمي التاريخي الذي حقَّقه العراقيون في ظل ثورة البعث، هو الانتصار الناجز والحاسم على العدو الإيراني الفارسي الصفوي في ملحمة قادسية العرب الثانية بقيادة فارس الأمة وقائدها صدَّام حسين.

كان العراقيون في عهد الرئيس الشهيد صدَّام شعباً واحداً متآلفاً متماسكاً، وفي وحدة صلبة، ولحمة وطنية لا تقبل التَفكّك والتَجزئة، وليس كاليوم شُتاتاً مبعثراً، تَنخر في جسده الطائفية المقيتة، وتتصارع فيه الارادات التي تأتمر بأمر أعداء العراق من فرس وصهاينة، وتَتعدَّد في الولاءات بين مذهبٍ وآخر، بين حزبٍ وكتلةٍ وتيارٍ ليست لها صلة بالعراق وشعبه. كانت كرامة العراقي مُصانةً ومحفوظةً في دولةٍ يحكمها القانون والنظام والحقّ والعدل، وكانَ العراقيُّ مُهاباً محترماً اينما تَوجَّه شرق الأرض أو مغربها، أينما ذهبَ وحلَ، فأصبح العراقُ في زمن القائد صدَّام ليس رقماً مُهمَّاً وصعباً عربياً أو اقليمياً فحسب، بل على المستوى الدولي والعالمي.

انَّ قائداً تاريخياً كصدَّام حسين لا يمكن أن تَستوعبه سراديب النسيان أو الانكار، ولا ينفع معه غسيل الأدمغة الذي يَتعمَّده المنحدرون من العملاء والخونة الحاكمين في المنطقة الصفراء وأحزابهم القذرة، فالشهيد صدَّام حيٌّ في قلوب العراقيين وأبناء العروبة. غاب عنَّا صدَّامٌ  بجسده ولكنَّه حيٌّ في وجدان العراقيين والعرب، مهما حاول الهابطون من خونة الدار والديار بتشويه ذاكرة أبناء الرافدين الغيارى والتشويش عليها، فلن يَتمكنوا من سرقة الدور البطولي والملحمي للشهيد الرَّمز ورفاقه في القيادة. فالنُخب والقادة التاريخيون لا يموتون وترحل معهم صورهم الزاهية المتلألئة، وإن رحلت أجسادهم، فنحن ومعنا كل أبناء الأمة لا ننسى قادتنا التاريخيين كسيدنا عمر وعلي رضي الله عنهما، أو خالد بن الوليد وسعد وصلاح الدين الأيوبي وطارق بن زياد وغيرهم كُثر، فالقيادة والرمزيَّة لا تنتهي وتُمحى بزوال عصرها. لأنَّ التاريخ كما نراه ونتعامل معه، هو كائنٌ حيٌّ يعيشُ وينبضُ بالحياة فيُحرِّك البشر والأشياء، وهو لا يموت بل أنَّه يتجدَّد مع الزمن والحياة والبشر، إذْ هو ليس قبوراً صامتةً، أو مجرَّد أحداثاً انتهت واندثرت وصوراً غَطَّتها تلالٌ من الرمال، من هنا فإنَّ مسيرة الحياة لا تنقطع، وسَتأتي بأشخاصٍ آخرين ربما يحملون صفات وسَجايا ومباديء وقيَم الأشخاص الراحلين، ويُكمل الزمن دورته والتاريخ يشهد على مانقول. فالعراقُ ولَّادٌ، وكذلك هي الأمة والخير كلّ الخير في الأجيال الصاعدة التي نتوسَّم فيها قيادة المرحلة القادمة بإذنه تعالى.

وفي الختام نقول للرفيق القائد الشهيد صدَّام حسين: نُقرِؤكَ السلام سيِّدي القائد، ونُعلمكَ يا تاج الرؤوس أنَّ العراق اليوم لم يَزل وسيبقى يَتَعطَّر باسمكَ الخالد، ونُطمئِنكَ أنَّ العراقَ الذي أسكَنتَه شغاف قلبكَ يُهديكَ السلام والحبّ والامتنان، وأنَّه اليوم يشكو اليكَ ضَياع سقفه الذي يُغطِّيه فيَحميه، وأنَّ أبناءه اليوم لا ظلَّ يَظلّهم، ولا بيوتاً وأسقفاً تَسترهم، وهُم يعيشون في ظُلمٍ وبغيٍّ واستبدادٍ وضَيمٍ لا مثيل له، بعد أن غادَرتَهم ورفاقكَ في البعث، الذين أُخرِجوا من ديارهم بغيرِ حقٍّ في أشتات الأرض. لقد بَذلتَ الرُّوحَ يا سيِّدي من أجل العراق والأمة، فلا أقلّ للعراقيين اليوم من التَضحية بكلِّ غالٍ ونفيس لتطهير العراق من هؤلاء الحُثالات الأوباش الذين خرجوا من جحورهم كالأفاعي والهُوام بعد الاحتلال الأمريكي الغاشم، فأقبلوا يَتلَوَّوْنَ بين أرجلِ الناس، انَّه شرٌّ مستطيرٌ يا سيدي، وأنَّها حربٌ حقيقيةٌ يقفُ أبناؤنا الشباب في مقدمة المدافعين عن العراق وما كان لك من شواخصٍ حضاريةٍ، ومن أرثكَ الكبير ورفاقك المناضلين في الحزب، يَصرُّ العراقيون النشامى على خوضها بقبَسٍ من روحكَ الطاهرة، وثبات مواقفكَ وبقوَّة ايمانكَ واصراركَ وشجاعتكَ، فوالله يا سيِّدي انَّ الناسَ اليوم تتَغنَّى باسمكَ، فقد صُرتَ رمزاً لهم، فالملايين من العراقيين والعرب الشرفاء يُقرؤنكَ سلاماً خالصاً وحُبَّاً مُصَفَّى من غير حدود، واليوم هُم بأمسِّ الحاجةِ اليكَ من أيِّ وقتٍ مضى، رمزاً ومعنىً وتاريخاً وإرثاً تَشحذُ هِمَمهم، فمجداً مجداً ثمَّ مجداً يا سيِّدي القائد، يا شهيد الحجّ الأكبر.......






السبت ٩ شــوال ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / نيســان / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د.إياس الطائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة