شبكة ذي قار
عـاجـل










عبد المجيد الرافعي ومتلازمة الشرعية في مسيرته النضالية:

حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

 

عندما يتناول المرء شخصية الدكتور عبد المجيد الرافعي يحتار عند أي المزايا التي انطوت عليه شخصيته يجب التوقف. وهذا يعود إلى كونه جسّد في حياته بُعْدَ الشخصية العامة، في حقل الطب والعمل الاجتماعي والنضال السياسي بأبعاده الوطنية والقومية.

بعد انهاء تخصصه العلمي عاد إلى مسقط رأسه ليمارس مهنة الطب، وقد مارسها بالمعنى الرسالي، مقدماً نموذجاً متميزاً في الاداء الانساني، ومنها انطلق إلى رحاب العمل السياسي الذي اختبرتْ مصداقيةُ الالتزامِ بأخلاقياته، بالموقف والسلوك. ولهذا

فإن العمل السياسي عنده لم يكن بقصد الوصول إلى تبوء موقع في مؤسسات الحكم، بل كان بقصد احداث تغيير في نهج الحكم وسلوكية الحاكمين من اجل محاكاة مصالح الناس وتلبية حاجاتهم الاساسية في امنهم الوطني والاجتماعي. ولهذا منحته الناس ثقتها في الدورات الانتخابية التي خاض غمارها، استناداً إلى ما اختبرته فيه من التزام بقضاياها الحيوية، وتوجت هذه الثقة في دورة ١٩٧٢، التي لم تكن بالنسبة لعبد المجيد الرافعي انتخاباً لعضوية المجلس النيابي بأغلبية موصوفة وحسب، بل كانت وبدرجة اهم استفتاءً على نهج وسلوك وتعاطٍ مع الناس لم ترَ مثيلاً له.

 

لقد حاز عبد المجيد الرافعي ثقة الناس، لأنه لم يتعالَ عليها ولم ينظر اليها من علياء، بل بقي على عهده الذي قطعه على نفسه، بأنه من هذا الشعب الذي لم يجد نفسه خارج معاناته وهمومه وأحلامه. وأن يوصف بطبيب الشعب يوم كان يمارس مهنة الطب ونائب الشعب بعدما منحه الشعب ثقته، فهذا لم يكن إلا مطابقة لواقع الحال دون توليفٍ او تصنعٍ أو انتحال صفة.

إن الإيمان العميق للدكتور عبد المجيد الرافعي بان الشعب هو مصدر الشرعية، جعله دائماً في موقع الانحياز للشعب ويقف دائماً على الضفة التي يقف عليها الشعب في مواجهة المتسلطين عليه والمتحكمين برقابه والناهبين لماله العام المقتطع من جيوب دافعي الضرائب. وهذا ما جعله يتحول إلى ظاهرة شعبية لم يستمدها من الموقع النيابي الذي شغله، بل استمدها من ميزتين أساسيتين:

الأولى، معطى شخصيته التي انطوت على منظومة قيمية، وجد فيها أبناء البيئة الاجتماعية التي ينتمي إليها، أنه يمثلهم نظراً لما تمتع به من خصالٍ طيبة من صدق ووفاء وصراحة وأمانة والتزام بقضاياهم.

الثانية، أن عبد المجيد الرافعي، الذي كان ينتمي بالولادة إلى البيئة المجتمعية التي ولد وترعرع فيها، وإليها انشد حتى مستوى الانصهار، كان ينتمي بالالتزام السياسي إلى حزبٍ رافق مسيرة توسعه وانتشاره التنظيمي ووصل إلى الموقع القيادي الأعلى في هرمية المؤسسات الحزبية.

إن الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي تميز في بيئته الشعبية بحضور لم يرْقَ له أحد من أبناء المدينة، تميز أيضاً في بيئته السياسية التي وجد نفسه منذ تفتح وعيه السياسي على القضايا الوطنية والقومية بكل مضامينها الاجتماعية والتحررية.

لقد انتمى عبد المجيد الرافعي إلى مدرسة نضالية لم يغادر صفوفها إلا إلى جوار ربه راضياً مرضياً. وهو على ستة عقود امضاها في صفوف الحزب، لم ُيضِعْ البوصلة حتى في الاوقات التي كانت تعصف بالأمة أزمات قومية، أو في الوقت التي كانت تعصف بالحزب أزمات تنظيمية. وهنا يسجل له ثلاثة مواقف:

 

الأول، عندما اتخذ موقفاً حاسماً من الانفصال الذي أنهى وحدة مصر وسوريا، وهي الإنجاز القومي الأهم ببعده الوحدوي في النصف الثاني من القرن العشرين. فالوحدة له كما بالنسبة لكل البعثيين الأصلاء في انتمائهم للحركة التاريخية التي وضعت الوحدة في رأس لائحة أهدافها، هي هدف أسمى لأنها ممر العبور الالزامي إلى التغيير كما إلى التحرير. وهو إذ انحاز إلى موقف الادانة للانفصال ولم تنل من قناعاته التبريرات التي كان يروج لها من اتخذ موقفاً مؤيداً للانفصال بسبب سوء الاداء السلطوي أو بسبب تعطيل آليات الممارسة الديموقراطية، فلأن الوحدة كان يرى فيها توقاً ترنو اليه الأمة ولا تجد نفسها ذات وزن وتأثير وحاملة لرسالة انسانية خالدة خارج عنوانها. وعندما يعتبر حزب البعث أن الأمة العربية لا تثبت وجودها وتشرّعه إلا بالوحدة، فإن عبد المجيد الرافعي ابن البيئة الشعبية التي تنشد الوحدة، وتلميذ البعث الذي يعد أطروحته النضالية عن الوحدة لا يجد نفسه خارج شرعية الوحدة كمعبرٍ عن الطموح العربي نحو بلوغ هذا الهدف الأسمى.

 

الثاني، عندما اتخذ موقفاً من إعادة الاعتبار للشرعية بما هي تعبير معنوي عن حضور الدولة في القيام بوظائفها الأساسية.

وهو عندما اتخذ ذاك الموقف يوم تعطلت وظائف الدولة، كان يميز بين الشرعية التي هي مجموع الانظمة والقوانين والاعراف التي تنتظم تحت لواء احكامها قواعد الاجتماع السياسي وتضبط ايقاعه، وبين السلطة التي يناط بها الاداء التنفيذي في تسيير المرفق العام، وهو كان دائماً في موقع المعارضة لها.

الثالث، عندما اتخذ الموقف من الذين ارتدوا على الشرعية الحزبية، حاسماً خياره بأن موقعه التنظيمي هو مع الشرعية التي تجسدها القيادة القومية للحزب. ففي ٢٣ شباط من العام ١٩٦٦، لم يحتر عبد المجيد الرافعي اي الضفة التي يجب الوقوف عليها، ولم يتردد لحظة في اختيار الموقف الذي ينسجم مع قناعاته، وهو أنه لا يجد نفسه خارج الشرعية الحزبية رغم ان موازين القوى المادية لم تكن آنذاك لمصلحة الشرعية. وان اغراءات كثيرة كان يمكن ان تُقَدم له فيما لو وقف على الضفة المقابلة للشرعية.

ان الموقف المبدئي الذي اتخذه الدكتور عبد المجيد الرافعي من ردة ٢٣ شباط، بقي ملازماً له حتى الرمق الاخير من حياته، وكانت وصيته لرفاقه في كل مرة كان يلتقي بهم، ان التزموا دائماً بضوابط الشرعية التنظيمية ولا تخرجوا عن اصولها. لان من يخرج عن سكة الاصول يذهب باتجاه الانحراف، خاصة ان اعراف الحزب وتقاليده النضالية واحكام نظامه الداخلي حفظت لكل رفيق حقه في التعبير والنقد والنقد الذاتي وطرق المراجعة النظامية.

ان استحضار السيرة الذاتية للرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي من خلال مسيرته النضالية على المستوى الشعبي كما الوطني والقومي والمستوى التنظيمي، لا تستقيم موضوعيتها الا إذا نُظِرَ لموقفه في الدوائر الثلاث المشار اليها بالاستناد إلى المكانة التي تحتلها الشرعية في تكوين شخصيته العامة.

ان الشرعية الشعبية هو ان تكون مع الشعب، والشرعية الوطنية هو ان تكون مع الكيان الاعتباري للدولة، والشرعية القومية هي ان تكون مع تلك التي تمثلها الأمة، والشرعية التنظيمية هي تلك التي تجسدها المؤسسة الحزبية القومية.

هذه الشرعية بعناوينها الاربع لا تمنح بقرار، بل تفرض نفسها على من تتجسد فيه من خلال السلوك في ميادين الفعل الحقيقي.

وهذا ما انطبق على شخصية الدكتور عبد المجيد الرافعي الذي لم يجد نفسه خارج الشرعية الشعبية وخارج شرعية كيان الدولة الاعتباري وخارج كيان الأمة القومي وخارج شرعية الكيان القومي للحزب.

ان عبد المجيد الرافعي الذي برز كقائد شعبي، اعطى لهذه القيادة بُعْداً وطنياً وقومياً، وهذه ما كانت لتحصل لو لم يكن منتمٍ إلى حزب قدم نفسه كحامل لمشروع الاستنهاض القومي والانبعاث المتجدد للامة تحت شعار:

 

أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.

 

 

 

الرفيق حسن بيان

 

عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

 رئيس حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي.






الاربعاء ١٤ ذو الحجــة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تمــوز / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة