شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى وفاة الرفيق القائد المؤسس نستذكر:

معاني ولادة البعث....

 

أبو محمد عبد الرحمن

 

"لم يكن في تفكير الحزب عند نشأته، وليس في تفكيره اليوم، أن يكون الحركة الثورية الوحيدة، بل يطمح ويسعى لأن يكون الحركة الثورية العربية الأكثر شمولاً ونضجاً، الحركة التي تستوعب ذاكرتها تجارب الأمـة العربية في حاضرها وماضيها لكي تستخلص منها ملامح طريق النهضة والثورة ...

القائد المؤسس الراحل الأستاذ أحمد ميشيل عفلق"*

 

مما لا شك فيه أن الأمم في تاريخها تشهد أطوار مختلفة من مراحل حياتها، في بعض المراحل قد تصل أمة ما إلى أوج مجدها لتعيش عصراً ذهبياً في كنف حضارة اجتهدت في إرساء قواعدها لتنعكس إيجاباً في تطوير مجتمعها والارتقاء بهم إلى سلم الازدهار والمجد والرفاه المعيشي والاقتصادي والعلمي والاستشفائي والتعليمي والزراعي والتصنيع العسكري وغيرها من مظاهر الأمن القومي ولتكون أمثولة ومنارة يحتذى بها كرسالة إنسانية إلى سائر الأمم.

أما وفي حال تدهور حال تلك الأمة نتيجة لعوامل عدة تعرضت لها داخلية كانت أو خارجية، فينعكس ذلك تقهقراً وتراجعاً وبالتالي يسوء وضعها ويخفت بريقها، وتصبح مجرد ذكرى أمة مرت في تاريخ البشرية!

وفي تلك الفترة المظلمة من تاريخ أمتنا العربية ذات الرسالة الخالدة والتي تختزن في طياتها شرارة الانبعاث واستكمال مسيرة مجدها التليد في تأدية واجبها المقدس في نشر أسس الرسالة الإنسانية التي كان لها شرف نشره ليصل إلى كل الأقطار والأمصار في تفاعل إنساني عظيم،  يأتي من يجدد ويؤكد حضورها لتنهض مجدداً من كبوتها القسرية وتغدو كأمة غابت عن مسرح الأحداث لفترة من الوقت، وسرعان ما عادت لتحتل موقعها فيه، فهي أشبه بطائر الفينيق الذي (ينبعث) من رماده لينطلق مجدداً ويحلق في فضاء الحياة البشرية باذلاً ما في وسعه وبأقصى طاقاته لينشر مجدداً المفاهيم الإنسانية السامية والحضارات المدنية المتقدمة والرسالات السماوية السمحاء منذ بداية الخليقة وحتى آخر رسول لها في مرافئ العروبة المؤمنة المجاهدة.

فالأمة العربية منذ القدم الغارق في القدم، شهدت في مراحلها الزمنية (بعثاً) متعاقباً وما زال مستمراً وإلى يوم البعث.

فقد شهد التاريخ العربي في وقت الأزمات مجددون لها أزالوا كل لبس اعترى الأمة بكافة أشكاله وصنوفه وأرسوا دعائم القوة والثبات وروح التجدد والخطاب الإنساني وبثه في أرجاء المعمورة.

وفي زماننا الماضي والماضي القريب والحاضر والمعاصر مرت على الأمة الكثير من المصاعب والويلات من احتلالات واجتياحات متعددة وحكومات مرهونة للمستعمر قمعية دكتاتورية تسلطية، ابتداء من سقوط الخلافة العربية العباسية واستيلاء العجم الشرقيين والغربيين على مقدرات الأمة ومقاليد السلطة والتحكم بالبلاد والعباد وفق مصالحهم وعلى حساب أوطاننا الواقعة تحت نير سيوف حكمهم وطغيانهم.

فقدّر الله لهذه الأمة في أربعينيات القرن الماضي(مجددون) هم ثلة من الرجال الرجال، المؤمنين بأمتهم ورسالتها الخالدة، الذين هالهم ما تمر به الأمة من وهن وضعف وهيمنة واحتلال.

 وقد تمكنوا بحكم دراستهم الجامعية في أوروبا من الاطلاع على الحضارة هناك ومعرفة نوايا السياسات الاستعمارية المتجهة إلى تقسيم الوطن العربي وإقامة الكيان الصهيوني. وكان إسهامهم المشترك في إقامة التظاهرات الوطنية مع القوى السياسية الأخرى في القطر السوري ضد السلطات الفرنسية، الدافع إلى التفكير في تأسيس حزب قومي عربي يأخذ على عاتقه مهمة بعث الأمة وإعادتها على سكة الرسالة الخالدة.

تبلورت المبادئ والأهداف الأساسية لحزب البعث العربي الاشتراكي في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في دمشق نيسان عام ١٩٤٧ بحضور ثلة مؤمنة من عدة أقطار يجمعهم حب وطنهم العربي الكبير، ورفضاً لما يحاك ضده من مؤامرات غربية مدمرة تفتك بوحدة الأرض وتنتهك حرمة النسيج الاجتماعي المكون لها.

وتعد المرحلة السابقة لهذا التاريخ مرحلة تمهيدية اقتصرت على توضيح فكرة القومية العربية والوحدة العربية والحرية والاشتراكية وفضح الأوضاع السياسية المتردية في الأقطار العربية، من أنظمة حكم رجعية نصبها المستعمر الغربي.

وأسهم تدهور الحالة العربية بعد الحرب العالمية الأولى ووقوع دول المشرق والمغرب العربي تحت نير الاستعمار، في تنامي الفكر القومي لدى الشباب العرب في سبيل التخلص من الاستعمار وتحقيق الحرية، وكان حزب البعث الذي أسسه المرحوم الأستاذ أحمد ميشيل عفلق من ضمن الحركات القومية العربية التي انتسب إليها الشباب العرب على أثر تدفق الهجرات اليهودية إلى فلسطين بعد تنفيذ وعد بلفور الغاشم والمشؤوم.

فكانت نشأة البعث تجسيداً للفكر العربي عندما فقدت حركة القوميين الأوائل قوة دفعها لاعتبارات عدة، وكان النضال ضد الخطر الصهيوني واحداً من العوامل الأساسية في مشروعية حزب البعث ومن أهم أسباب نشأته أن القضية الفلسطينية لعبت دوراً هاماً في مسيرة البعث واعتبرها قضية العرب المركزية، فالبعث يمثل أولى الحركات العربية التي تجاوزت القومية المجردة إلى القومية العربية الشاملة في حدود الفكر والجغرافيا.

لقد ربط الحزب بين النضال الوطني ضد الحكومات العربية الرجعية وبين النضال ضد القوى الاستعمارية معتبراً إياه عاملاً مهماً في القضاء على حالة التجزئة في الوطن العربي، وفي تحقيق الوحدة العربية من أجل تحرير فلسطين.

عودة إلى هؤلاء المختارين الرساليين المجددين الذين أخذوا على عاتقهم نشر الوعي السياسي في مجتمعات أقطارهم التي تتحكم بها سياسات نصبها المستعمر، وبث روح الثورة والرفض المطلق لهذه السياسات ومناهضتها والعمل على إزالتها عبر التعبئة التي تستهدف الشباب المثقف والعمال والموظفين والفلاحين وحتى السلك العسكري.

 إن ما التزم به هؤلاء البعثيون في مؤتمرهم التأسيسي تبلور في تطبيق التوصيات والمقررات في أقطارهم وقاموا بتأسيس فروع لحزب البعث الذي شهد استقطاباً جماهيرياً واسعاً لما لفكر البعث من وضوح الرؤية ونبل الأهداف وقوة الحقيقة وأثرها على أرض الواقع في خضم الهجمة الغربية ومخططاتها المدمرة.

ففي القطر العراقي مثلاً وبعد نجاح ثورة ١٧ / 30 تموز ١٩٦٨ المجيدة أثمر بعثاً وعلى كافة الصعد، وفي خلال فترة الحكم الوطني شهد العراق تطبيقاً لما يؤمن به في نظريته الثورية الشاملة التي تطال البشر والحجر، وكان مثالاً للدولة الطموحة التي تسعى أن تحجز مقعداً لها بين الكبار كدولة رشيدة وعظيمة ساعية في الوقت عينه إلى تحقيق أهم مفردة في ثالوث مبادئه وعنينا بها الوحدة الطبيعية للوطن العربي وللأمة العربية.

هذا ملخص عن معاني ولادة البعث الذي هو ضرورة حتمية لتصحيح أوضاعنا العربية من منطلق إيماننا بقوميتنا العربية وإعادة الاعتبار لها بعد كل المؤامرات الخارجية التي تعرضت لها طمعاً بثروتنا وموقع وطننا العربي الجغرافي الاستراتيجي، وهذا لا يستقيم إلا بدحر الإسرائيليتان الشرقية والغربية وتطهير الأقطار العربية من الخونة والعملاء والعمل بكل جدية وجهد على وحدة الأقطار العربية وإرساء مداميك الحرية المسؤولة بين المواطنين والقضاء على التخلف والتبعية والعادات والتقاليد البالية.

أخيراً في معاني ولادة البعث وفي الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لوفاة القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق نقول:

أمة عربية واحدة-ذات رسالة خالدة

وحدة - حرية –اشتراكية






الثلاثاء ٢٨ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو محمد عبد الرحمن نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة