شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما تتعرض شعوب لاحتلال عسكري مباشر لابد أن تتولد حالة من الاستنكار وردود أفعال واهتزاز بمشاعرها ترفض الخضوع والخنوع وتعمل للمواجهة كشعوب لها وجود في الحياة تتأثر بالأحداث، إلا إذا كانت فاقدة للقدرة على الفهم والإحساس، وهذا نادراً ما يحدث مع تفاوت في درجة مشاعرها وفهمها واستيعابها لخطورة الاحتلال وفقاً لرؤية الأحزاب والحركات والشخصيات المؤثرة فيها سياسياً واجتماعياً، منها من يؤمن ويعمل برد سريع وفعل عسكري مقاوم لردع المعتدي وتحرير البلاد وطردهن انطلاقاً من قاعدة لكل فعل رد فعل، كما قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ) ، فالاحتلال العسكري لا يردع إلا بعمل عسكري مقاوم عنيد، وهناك من تكون ردة فعله ومعالجته للاحتلال سياسياً متجنباً العمل العسكري تفادياً للخسارة البشرية والمادية التي ستلحق بالشعب ومصالحه، والعمل ضمن خطوات سياسية لإنهاء الاحتلال وصوره بطريقة بطيئة وعلى مدى بعيد، ومنهم من يخلص إلى مهادنة الاحتلال ويرضخ له كعميل ذليل مسلوب الكرامة والشخصية ينفذ ما يُملى عليه، فبئس هذا الرأي والطريقة التي تفقد الإنسان كرامته وشخصيته ووطنيته، وكثيراً ما يلجأ الاحتلال لشخصيات ضعيفة محاولاً تشجيعها ودعمها لتلعب دوراً سياسياً وهي لا تقل خطورة عن الاحتلال، لتفتيت وحدة قوى الشعب المناهضة للاحتلال.

المشكلة هنا تكمن في تأطير الاحتلال بأفكار وحجج سياسية أو غيرها قد تكون مقنعة لحد ما لأحزاب أو شخصيات اعتقاداً أنها ستشكل حالة تؤدي إلى ضعف في وحدة قوى الشعب الرافض للاحتلال، إلا أنه من الواجب وممن لديه نضوج وطني وفكر سياسي وحرصاً على البلد قراءة التجارب العالمية وكيفية محاربتها للاستعمار وأساليبه ومدى نجاحاتها واخفاقاتها كدرس لتجربة واقعية يمكن الاستفادة منها عملياً وتطبيقاً.

وفي تاريخنا المعاصر تجارب حاضرة ما زالت في أذهاننا يمكن الاسترشاد بها، فالعمل العسكري يحتاج إلى عمل سياسي يعبر عن إرادة ومطالب مشروعة لكسب المعركة ومن الضرورة أن يكون كل مقاتل سياسي ليفهم لماذا يقاتل، وأن يكون كل سياسي مقاتل، لأن العمل السياسي وحده لا يحقق النصر، فالجندي في أرض المعركة يكون أكثر اندفاعاً وشجاعة لمقاتلة العدو عندما يشعر أن هناك من يؤمن له إسناد ناري.

إن العمل الحقيقي هو مقاتلة المحتل عسكرياً وسياسياً، عندما يستند إلى فهم العدو ونقاط قوته وضعفه والقوى المساندة له.

إن معرفة قوى الثورة في كيفية استطاعتها تعبئة الجماهير ضمن استراتيجية عسكرية وسياسة موحدة باتجاه التحرير الكامل الشامل ضرورة حتمية، ومن هنا فإن التأكيد على أهمية وخطورة هذا الأمر واجب، فما معنى أن نقاتل بدون فكر سياسي؟ معناه أن نقاتل بشكل مرتجل والوقوع في أخطاء واتخاذ مواقف سياسية بصورة عفوية.

إن التحرير لا يمكن تحقيقه إلا عبر تعبئة الجماهير والإيمان المطلق بحتمية الانتصار وإن اتخذت المواجهة جهداً كبيراً وتضحيات جسام، وكما قال قائد جبهة التحرير الوطني الجزائري الثائر البطل هواري بو مدين ( جبهة التحرير حياة أو ممات ) في محاربة الاستعمار الفرنسي، والبطل المجاهد عمر المختار ( نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت ) في مقاومته للاحتلال الإيطالي.

فالعمل السياسي وحده لا يخدم إلا المحتل وأطماعه، وإن رفع شعارات اصلاحية من قبله توهم من يقتنع بها أو يرتديها ثوباً وغطاء مخادعة وتضليل، ومع اختلاف الأفكار وبرامج التحرير فلا مناص من العمل معاً عسكرياً وسياسياً، بندقية وقلم، كلمة وسيف، وكما قال شهيد الحج الأكبر صدام حسين رحمه الله ( للقلم والبندقية فوهة واحدة ) ، من خلالها يتحقق النصر، فعند خلق مجتمع مقاتل مع الارتقاء بوعيه ورسالته التاريخية والإنسانية يعطي فهماً وعملاً لرؤية مستندة للواقع.

فالإرادة السياسية القادرة على استنهاض الروح الجهادية المقاتلة للجماهير ومقاومة المحتل وأعوانه كفيلة بتحقيق النصر.





الثلاثاء ٩ ذو القعــدة ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عامر سمير نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة