شبكة ذي قار
عـاجـل











من القضايا التي يجدر أن يدور السجال البناء بشأنها في ظل تطورات الثورات، قضية النفسية العربية في أبعادها المتعلقة بالأمل واليأس، هو الحتمية التاريخية في انتصار إرادة الشعوب الثائرة.

ليس المطلوب في هذا السجال التطرق لقضايا الفلسفة وجدليات التاريخ، كما ليس المطلوب الدفع باتجاه أحلام اليقظة أو الآمال السرابية، بل ثمة تغير في الوجدان العام لدى الشعب العراقي، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة، وفي مقدمتها جيل انتفاضة تشرين المباركة التي تفتحت أزهار شبابها في عام ٢٠١٩، وانطلقت نتيجة الوعي الذي ملأ صدورهم وعقولهم بعد أن فاضت بالإيمان باستعادة حرية واستقلال البلد بعد ١٧ سنة عجاف من السبات الشتوي القاتل، في نهضة ثورية لم يحدث نظيراً لها في تاريخ الأمة.

ويمكن القول إن التغير النفسي لدى هذا الجيل يعتبر واحداً من أهم ضمانات انتصار الانتفاضة وبلوغها مرحلة الثورة، وإنه انجاز عظيم لا يمكن التقليل من شأنه بوضع الشعب على طريق الخلاص من هذا النظام الفاسد العميل.

فإذا كان التغيير يبدو حلماً لدى البعض من عامة الناس طوال سنوات الاحتلال الأمريكي الإيراني البريطاني الصهيوني غير قابل للتحقيق فقد اكتشف الجيل الحاضر أن تراث شعبنا حافل بالروح المفعمة بالأمل والعمل من أجل إنقاذ الوطن من محنة الاحتلال.

إن قدرة الشعب العراقي الأصيل قادرة على العطاء والتصميم وإنها لا يمكن أن تموت تحت وطأة سلطة الاحتلال.

إن روح التحدي والغضب والشعور بالمسؤولية وبالحيوية والحماس على ألسنة الثوار الشباب الذين قدموا أرواحهم قناديل من النور لإنارة طريق الانتفاضة، وألهب مشاعر الإيمان لدى عامة الشعب بضرورة الثورة، وطبعاً في مقدمته جيل الشباب الجديد الذي واجه رصاص قناصي سلطة الاحتلال وميليشياتها الإيرانية الإرهابية، نتيجة الإيمان الواسع والعميق باستعادة الوطن واسترداد الكرامة مهما كان ثمن التضحيات.

إن أبيات الشاعر التونسي، أبو القاسم الشابي :

" إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر" تؤكد سبل هذه الحتمية في تحقق إرادة الشعب، والتي كانت تبدو من الناحية العملية مستحيلة لدى الأجيال السابقة الذي أتعبته عقود القمع والسجن والتواطؤ الغربي، ووقع ضحية للقوة الغاشمة.

لكن الانجاز الأكبر الذي تحقق والمتمثل بتحطم حواجز الخوف من سلطة الاحتلال الغاشمة وأحزابها وميليشياتها الإرهابية، فقد أحدث تغيراً له أبعاده الميدانية والنفسية والفكرية أيضاً.

من هنا أصبحت بصيرة الثائرين تنظر لقضايا التغيير أياً كان شكلها فهدفها واحد أنها حتمية وممكنة وغير مستحيلة.

فإن المعيار المفيد لاستشراف المستقبل بات واضحاً في ظل ما يمثله من تغيرات جوهرية في نفسية الشاب العراقي الذي اكتشف قواه الذاتية، وأدرك موقعه في مشروع التغيير الذي لن يحققه سواه.

إن انتفاضة تشرين المباركة كشفت عن عظمة دور الماجدة العراقية الثوري الفاعل في كل ساحات الثورة بالمحافظات المنتفضة وتمزيقها أستار التخلف التي وضعها النظام الديني الطائفي الظلامي الرجعي الذي جلبه الاحتلال الأمريكي البريطاني الإيراني الصهيوني.

كما انكشف ستر وزيف أحزاب الإسلام السياسي التي تقود العملية السياسية وشعاراتها وأيديولوجياتها التي كانت ترفعها في وجه "النظام الوطني" قبل الاحتلال، لكنها اليوم عارية في حمام الرذيلة والمسوخ والسقوط الأخلاقي والوطني.

إن شعبنا العراقي شعب حر أصيل، شعب الكرامة، أبو الغيرة والنخوة، شعب يتحمل قهراً أثقل من الجبال، شعب يمرض ولكنه لا يموت، فينهض كالعنقاء من تحت ركام الزمن.
 





الخميس ٢٧ شــوال ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / حـزيران / ٢٠٢٠ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. إياد الزبيدي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة