شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ ، واحتلاله ، أصبح العراق بلا هُويّة وطنيّة جامعة مُوحّدة، وإنّما فُسيفساء من الانتماءات الطائفيّة المُتناحرة، حيث الولاء المُطلق للمذهب والعشيرة والمكون وليس للوطن، الأمر الذي ألغى كُل مفاهيم السيادة والمواطنة والكرامة الوطنيّة وفتح الباب على مِصراعيه أمام النّفوذ الأجنبي، وخصوصاً النفوذ الايراني.

وبعد المعاناة من الاحتلال الامريكي والايراني وجرائمه، والتدخل الاجنبي، وما قام به نظام الحكم في العراق المدعوم من ايران والعمائم الطائفيّة بألوانها، من انتهاك لحقوق الانسان وكرامته ، وقمعه الشامل للشعب العراقي ، وهدر الدم والمال العراقي والاغتيال المنهجي أو الطرد القسري للطبقة المتعلمة التي تمتلك المهارات العلمية والتقنية والمدنية والادارية والعسكرية المؤهلة لقيادة العراق بعد التحرير ، وسرقة ثروات الشعب، وانتشار البطالة والفقر والامية، والتهديد وانهيار البنى التحتية للدولة ومؤسّساتها ، والعجز عن تقديم الخدمات العامّة من أمن وتعليم وصحة وماء وكهرباء ومواصلات ، والأزمات المتفاقمة، وتشريع القوانين لصالح الاستبداد وعلى المقاس الخاص على من جاءوا على ظهور الدبابات الامريكية، والوعود الكاذبة لحكومات ما بعد الاحتلال وعلى مدار ( ١٦ ) عاماً من دون أي انجاز، والمحو التام لفكرة المواطنة، أي أن لا يكون الولاء والانتماء للعراق، والفساد المستشري بأنواعه، حتى أصبح العراق يحتل المرتبة الثالثة كأكثر بلاد العالم فساداً.

وبعد أن طفَح الكيل أصبح لزاماً على الشعب عزل النظام السياسي الحاكم برمته الذي انتهك الكرامة الوطنية، ودمر العراق كدولة وشعب ، وكرس الطائفية والفساد والفوضى الامنية، وانتشار المليشيات والمافيات والسلاح المنفلت الذي أوصل البِلاد إلى هذا الوضع المُزري، وبذلك الذي أجبر الشعب العراقي على الخروج ضد الطغمة الفاسدة من دون استثناء.

وهكذا انطلقت الاحتجاجات الشعبية في الأول من تشرين الأول عام ٢٠١٩، في بغداد والمحافظات الجنوبية ، للوقوف بوجه الفرقة ودعاتها والمتهاونين بالوحدة الوطنية وروح المواطنة، لإعادة لحمة النسيج الاجتماعي للشعب العراقي كما كانت قبل الاحتلال من زاخو الى الفاو.

إذ كانت الاحتجاجات في البداية على تردّي الأوضاع الاقتصادية للبلد، والخدمات وانتشار الفساد الإداري والبطالة وطرد المحتل الايراني، فتطورت الاحتجاجات الى تظاهرات، وارتفع سقف المطالب إلى رفع شعار ( الشعب يريد اسقاط النظام ) معناه اسقاط النظام السياسي بأكمله كونه فاقد للشرعية المتمثلة بعدم قناعة ورضاء الشعب بالنظام ، والمطالبة بوطن اسمه العراق، فالشعب يريد استرداد السيادة ، فثار على كل ظلم وظالم.

فالتظاهر حق كفله دستور عام ٢٠٠٥ الذي وضع في اعقاب الغزو الامريكي للعراق وصيغت نصوصه في ظل الاحتلال، وجرى الاستفتاء عليه في ظل التدهور الامني، إذ جاء بمفاهيم مزقت العراق والعراقيين، حيث اتجه دستور بريمر سيء الصيت الى بناء دولة المكون والعشيرة بدلاً من دولة الوطن والمواطنة، ذلك الدستور الذي حول العراقيين من مواطنين أصلاء إلى أتباع، وعبيد لطوائف وأعراق ممزقة للوطن الواحد، إذ كتبه الأغراب الطائفيون والانفصاليون، اللذين لا ينتمون لحضارة وتاريخ العراق ومجتمعه ، فقد كتب في عجالة نزولاً عند رغبة ومطالبات دولة الاحتلال الامريكي، فهو وليد مرحلة خاصة مرحلة الاحتلال الامريكي، ويعد من الدساتير المفروضة على الشعب العراقي، ، فوجوده يشكل عقبة أمام بناء الدولة من جديد.

وأما بخصوص الحق في التظاهر، فهو حق دستوري، طبقاً لما جاء في المادة ( ٣٨ / ثالثا ) من دستور بريمر، دستور ٢٠٠٥ النافذ بالنص على ان ( تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب : ثالثاً : حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون ) ، وعليه لا يجوز لأي جهة حرمان أو منع المواطنين من ممارسة الحق في التظاهر، حيث كانت الهتافات ( بالروح بالدم نفديك يا عراق ) وخطب وشعارات يعبر عنها بلافتات ضد النظام السياسي، ومن الشعارات المرفوعة ( نريد وطن ) والمطالبة ( برحيل الطبقة السياسية الحاكمة ) ، وشعار ( سوف آخذ حقوقي بنفسي ) ، حاملين العلم العراقي، ويرفضون جميع الرموز السياسية والطائفية الأخرى، وملأت الأغاني الوطنية والحماسية العراقية ساحات الاعتصام ، منددين بالتدخل الإيراني ،كل ذلك أدى ذلك إلى تمزيق أسطورة الطائفية التي ترعاها الدولة.

وعلى الرغم من أن الحرمان الاقتصادي والانهيار السياسي - هما اللذان قادا العراقيين إلى الشوارع، فإن شعورا بالفخر قد تولد من التظاهرات وتمحور حول مطلب أساسي هو ( رؤية العراق دولة ذات سيادة ) ، فقد واجهت التظاهرات رد فعل السلطات العنيف كالقناصة وغيرهم باستهداف المتظاهرين بالرصاص الحي، فضلاً عن اعتقال العديد من المتظاهرين، وقطع شبكة الانترنيت، فعمت الاعتصامات والاضرابات الطلابية والشعبية وإغلاق للدوائر الحكومية باستثناء المستشفيات وبعض الدوائر الخدمية في بعض المحافظات العراقية.

وهكذا انتفض الثوار من وسط وجنوب العراق من الشيعة والسنة والمسحيين بطوائفهم فدعسوا الطائفية بأقدامهم، وحطموا الغطاء الطائفي ، وبثورتهم المشروعة هدموا اسوارها بعد عقود من التضليل الطائفي، بالأكذوبة التي فرضها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية ضد العراق عام ٢٠٠٣ ( مفادها أن العراقيين لم تكن لديهم هوية وطنية موحدة وأن هويتهم الغالبة كانت طائفية أو عرقية، الشيعة والسنة والأكراد، مما عزل المسيحيين والإيزيديين والمندائيين وغيرهم من الأقليات في العراق ).

وبرفض الثوار للطائفية ورموزها ، والولاءات غير الوطنية، والمحاصصة الحزبية والطائفية، والشعب قال كلمته لا للطبقة السياسية الحاكمة بعد عام ٢٠٠٣، ولا لعملاء ايران والفاسدين وسراق المال العام ، ولا للوجود الايراني في العراق، فقد أكد المتظاهرين انهم عرب قبل كل شيء، فهذا يعد انتصاراً للعروبة وهزيمة للطائفية التي جاء بها المحتل الامريكي والايراني كبديل للقومية العربية.

وما لا يمكن اغفاله أو تجاهله أن الانتخابات المزورة في عام ٢٠١٨ وحدها لا تكفي لتقييم شرعية النظام السياسي الحاكم، فالتظاهرات سالبة للشرعية، فالنظام فقد شرعيته بغياب الرضاء والتأييد الشعبي الحقيقي، فانه بلا شرعية ولا سند لهذا النظام إلا القهر والترويع الذي يعتمد على قوة السلاح المتمثل بالمليشيات المسلحة والتي لا تعرف قاعدة للقانون تحكمها، والتدخل الاجنبي وبالتحديد التدخل الايراني، فلا شرعية لسلطة تواجه المتظاهرين السلميين بالقوة والعنف المسلح، واراقة الدماء والخطف، وتأمن في ظلها جماعات العنف والارهاب والمافيات، كل ذلك يعد نقضاً لميثاق الحكم بين الشعب والسلطة ، وبهذا تسقط شرعية السلطة ويهدر حقها في الاستمرار حتى وان كان الحاكم منتخباً في انتخابات حرة ونزيهة، وهذا غير متحقق في العراق ما بعد الاحتلال.

وخلاصة القول أن ثورة الشعب العِراقي ثورة مشروعة، ولا يمكن أن يعود العراق للعراقيين، دون إيقاف العمل بالدستور تمهيداً لإلغائه.

حمى الله العِراق العظيم، وشعبه الوطني الشريف، من عملاء ايران ومن والاهم الذين يدعون انهم ممثليه، فهؤلاء هم الأعداء الحقيقيين، والسّبب الحقيقي لمُعاناته.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





الجمعة ٢٣ ربيع الثاني ١٤٤١ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو ريم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة