شبكة ذي قار
عـاجـل










( خليل إسماعيل البستاني : للحقيقة والتاريخ : مذكرات رجل دولة عراقي 1919 - 1952 ) ، عنوان كتاب صدر في العام 2017 قدم له وأشرف عليه عالم الاقتصاد الاستاذ الدكتور باسل البستاني، توثق المذكرات مسيرة علم من أعلام تأسيس الدولة، من الذين وضعوا اللبنات الأولى في تشكيل قسمات العراق في القرن العشرين.

عايش البستاني البدايات الأولى لتأسيس الدولة العراقية وكان شاهداً على ولادتها ومشاركاً في بنائها، وكان في طليعة العاملين على توطيد الحكم الوطني وفي تطوير أداء الدولة الفتية وتقدمها، فقد خاض تجربة عمل طويلة الامد استغرقت أكثر من ثلاثة عقود ( 1919 - 1952 ) ، كان فيها البستاني من أوائل البناة العاملين على ترسيخ مرتكزات مملكة العراق وإقامة مؤسساتها، وبالهمة ذاتها أسهم في تطوير أداء عمل الإدارة الحكومية وتحديث أساليبها .

ولد خليل اسماعيل البستاني في محلة باب الشيخ ببغداد سنة 1903 وتابع دراسته الاولية في مدارسها. وقبل ان يكمل تعليمه نشبت الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918 ) ، وبانقضائها عاد وواصل تحصيله العلمي فحاز على شهادة الثانوية، والتحق بكلية الحقوق ونال شهادتها سنة 1925 بدرجة امتياز .

في أول عهده الوظيفي عين كاتب طابعة في بلدية بغداد سنة 1919، بعد أداء الامتحان اللازم، وكان الحكم، إذ ذاك، بريطانياً عسكرياً، كانت ادارة لواء بغداد، منوطة بالحاكم العسكري والسياسي، فهو الكل بالكل، وكان يساعده نائب حاكم عسكري وسياسي وهذا الأخير هو الرئيس الأعلى لبلدية بغداد .

أقبل البستاني على عمله بكل حماسة ونشاط، وتدرج في السلم الوظيفي، من كاتب طابعة حتى أصبح ( كاتبا أول ) ، وبعد قرابة سنتين، أصبح ( مدير أوراق ) . مترجماً بمجلس البلدية. . مرورا بـ ( معاون سكرتير، رئيس ملاحظين، سكرتير وزارة الداخلية، مدير أمور البلديات ) ثم تولى منصب القائمقامية لقضاءي :

( المحمودية، والشطرة ) ومنصب المتصرفية ( محافظ ) لمرتين في ( بغداد، العمارة ) ، وأسندت إليه مسؤوليات إدارية : منه : سكرتير عام مجلس الوزراء، مدير عام ( عشر مرات ) ، خدم فيها في ادارات الدولة المختلفة ( الادارة العامة، الداخلية، العشائر، الواردات، المالية، الجمارك والمكوس، الاموال المستوردة ) ، وعهدت اليه وكالة وزارة المالية، تسنم في ختامها منصب وزير ( المالية ) .

وقد شغل خلال عمله في مؤسسات الدولة عناوين بلغت سبعة وعشرين ( 27 ) عنواناً وظيفياً، وموقعا إدارياً توزعت مسؤوليته طوال ثلاثين عاما على ست وزارات هي : ( الداخلية، الاوقاف، المعارف، الخارجية، التموين، المالية ) .

ـــ الى جوار مسؤولياته الوظيفية، عمل البستاني أستاذا للقانون ــ في كلية الحقوق وفي مدرسة الضباط وفي كلية الاركان .

ــــ عقب انقضاء ثلاثة عقود من العمل الحكومي المستمر والجهد الدؤوب، اتخذ البستاني قرار الابتعاد عن الوظيفة العامة، ومن بعدها النيابة البرلمانية ثم المحاماة، جاء قراره هذا استجابة لحاجته الماسة الى الراحة الجسدية من بعد ارهاق متواصل، فضلا عن مسؤولية الحياة العائلية .

رجل الدولة :
 
في بواكير تأسيس الدولة، وخلال تجربته الوظيفية لثلاثة عقود ومنذ أن بدأ أولى درجاتها وانتهاء بأعلى مستوياتها الادارية كان البستاني عقلا نابها شديد الذكاء قوي الملاحظة في رصد نواحي الخلل وأوجه القصور في المواقع التي حل فيها أو تولى مسؤوليتها، فأقدم بهمة علمية على إعداد خطط تطوير آليات العمل، ورفع كفاءة العاملين، وفقا لمقتضيات علم الادارة وتطبيقه عمليا، بدءا بالتخطيط وما يوجبه ذلك من تحديث لنظم العمل، واعادة تنظيم، لتحقيق انسيابية الاداء، مع أهمية المراجعة النقدية والمتابعة الدؤوب، وصولا إلى الجودة المطلوبة.

ولمن لا يعرف فإن خليل البستاني هو والد أول وزيرة للتعليم العالي في العراق بعد العام 1968 وهي الدكتورة سعاد خليل البستاني، ووالد عالم الاقتصاد المعروف والخبير الدولي الأستاذ الدكتور باسل البستاني.

طوال ثلاثين عاما قضاها في الخدمة العامة كان الجهد الابتكاري والميل الى التحديث هو الصفة الغالبة في سيرة البستاني الوظيفية تقترن بها وتلازمها ( اخلاقيات العمل ) التي تحتم الاستقامة الشخصية

والنزاهة والتفاني. وقد تحقق ذلك، بفعل القدرات والسجايا الذاتية المتوافرة في شخصية الرجل الذي حاز باستحقاق وبذكائه وجهده مرتبة ( رجل الدولة ) بامتياز على وفق البينات الآتية :

1 ـــــ الالتزام بأخلاقيات العمل والتفاني في أداء الواجب : فقد كان اهتمامه بالقيم الاخلاقية ومتطلبات العمل الوظيفي، يفوق الذاتي والشخصي، وتتجلى هذه الموضوعية الشديدة، في حرصه على ذكر فضائل رؤسائه ومرؤوسيه، فيسرد الشمائل الوطنية والاخلاقية لكل واحد من هؤلاء الذين عمل معهم أو الذين كانوا بمعيته، قبل الحديث عن دوره، تلك ايضا قيمة أخلاقية من قيم رجل الدولة التي حازها خليل البستاني بجدارة مؤكدة واستحقاق يقين.

2 - استحداث منهجية منظمة قوامها التخطيط المنظم والتفكير الاستراتيجي وانتاج الأفكار والحلول والمبادرات، وقد تحقق ذلك في مراحل السيرة الوظيفية.

3 ــ تمكن من خلال موقع المسؤوليات الوظيفية في الدولة قيادة نهضة إدارية في الجهاز الحكومي وعمل على تنمية مهارات العاملين وتطويرها في المؤسسات التي عمل بها .

4 - القدرة على حسن ادارة الموارد المتاحة واستثمارها.

5 ــ الاهتمام والانجاز المشهود له في الشأن العام، وتقديمه على شأنه الشخصي ومصالحه الخاصة، ومن مصاديق ذلك تجربة العمل في المحمودية عندما عهدت اليه وظيفة قائمقامية قضاء المحمودية، إذ شرع فور التحاقه بدراسة احوال الناس على الطبيعة .

مؤلفاته :
 
تشير عناوين مؤلفاته ودراساته إلى ثقافته الواسعة والى اهتماماته المعرفية المتنوعة، شملت جملة من العلوم من بينه : القانون الاداري والدستوري، الاقتصاد، المالية، الادارة، التاريخ الاسلامي، الفلسفة الاسلامية، التصوف، علوم القرآن، علم الحديث النبوي، السيرة النبوية، الشريعة الاسلامية، علم الرجال، وقد أورد في مذكراته العناوين الآتية :

* علم الحقوق الادارية 
* علم الحقوق الدستورية 
* دراسة في الفلسفة الاسلامية ( في ضوء آراء الامام الغزالي )  
* في التاريخ الاسلامي . ( دراسة )  
* المالية العامة ( دراسة )  
* الادارة العامة وشؤون العشائر 
* في التشريع الاسلامي ( في ضوء أصول الفقه ) . ( دراسة )  
* في علم تفسير القرآن الكريم . ( دراسة )  
* في علم الحديث النبوي الشريف ـ ( دراسة )  
* في علم التصوف ( الموافق للشرع ) - ( دراسة خاصة )  
* في السيرة النبوية الكريمة - ( دراسة خاصة )  
* في سير المسلمين والسلف الصالح - ( دراسة خاصة )

الجوائز والاوسمة :
 
 - جائزة السير برنام كارتر : لنيله الدرجة الاولى بامتياز من كلية الحقوق في بغداد 
 - وسام الرافدين من الدرجة الاولى للخدمة المدنية من الدولة العراقية. 

هكذا ختم البستاني حياته الحافلة في تأسيس النظم الإدارية والمالية وتطويرها، ما أحدث ثورة في المواقع التي شغلها، مانحاً جهده للعراق منذ بداية خدمته حتى ختامها، فكان نموذجاً لرجل الدولة المبدع في إيثاره وجهده .. فتحية له إلى ذكراه.





الاحد ١ رمضــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أيــار / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الستار الراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة