شبكة ذي قار
عـاجـل










كنت قد كتبت مقالا مطولا العام الماضي بمناسبة الذكرى 71 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي بعنوان ( قيادة الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم لحزب البعث ضرورة تاريخية ) نشر على حلقات في مجلة صدى نبض العروبة وفي شبكتي ذي قار والبصرة المجاهدتين، كما كان تدخلي أثناء مشاركتي في فعاليات الاحتفاء بذكرى التأسيس التي أقامتها حركة البعث - تونس، في هذا الإطار وتحت هذا العنوان الكبير.

ورغم حرصي الشديد على أن يكون مقالي ذلك دقيقا وعميقا مبنى ومعنى، ورغم المحاولة في تفصيل خصوصية قيادة الرفيق القائد للحزب في الظروف التي صعد فيها للمسؤولية الأولى فيه والتي تلت مباشرة اعتقال الرفيق القائد ورفيق دربه صدام حسين ثم محاكمته فاغتياله، ورغم الانطباعات الجيدة والردود الإيجابية التي حظي بها مجهودي المتواضع، حتى كدت أعتقد في لحظة خاطفة أني أوفيت الموضوع حقه وأتيت على أهم دعائمه، فإني أجدني اليوم مضطرا للاعتراف والإقرار بأنني لم ألامس حقيقة الأمر إلا سطحيا، بل إني لم أوفه حقه ولو بنسبة ضئيلة جدا.

وليس في هذا الاعتراف أي رئاء أو غرور مصطنع مغلف بتواضع ظاهري أو مزيف، بل إنه اعتراف وليد مزيد المتابعة ومحاولات التعرف أكثر على جوانب من شخصية الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم وخصاله وأدائه المتفرد وعبقريته ومهاراته القيادية ومعارفه وإلمامه الواسع بما يحدث سواء محليا أو قوميا أو دوليا ناهيك عن قدراته الفارقة على الاستشراف والاستباق والتخطيط.

وفي الواقع، كنت مطمئنا جدا لما تناولته في ذلك المقال، وكنت راضيا شديد الرضى عنه، وكنت مقتنعا به شديد الاقتناع، وكنت مقتنعا أكثر أني وفقت فيه توفيقا مقبولا.

لكن، سرعان ما انقلبت تلك الطمأنينة إلى نقيضها تماما، ليس لأن ما كتب كان غير سوي أو سليم، ولكن لأنني اكتشفت واقتنعت تماما أنه كان منقوصا جدا، بل منقوصا لحد أكبر مما يجب.

تفطنت لذلك التقصير قبل يومين، وتحديدا يوم وردنا مقطع يوثق كلمة للرفيق القائد صوتا وصورة لا تتجاوز مدته خمس دقائق وبعض الثواني في 12-04-2019، قدم فيها تلخيصا لخطابه التاريخي بمناسبة الذكرى 72 لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، وتناول فيها بعض المسائل التي قد تبدو للمتلقي العادي بسيطة أو عادية، ولكن بالتدبر فيها وبمعاودة الإنصات إليها، يدرك المرء ويستشف منها ما لا يخطر على بال، ويتعرف على جوانب مذهلة ومشرقة في شخصية الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم فيزداد احتراما وتوقيرا له، فيكتشف فيه طينة نادرة من الرجال الرجال، وعقلا فطنا نبيها حكيما مجربا حكيما، وشعلة وقادة من الإرادة والعزم والتصميم.

كانت كلمة في دقائق معدودات حبلى بالرسائل والعبر، تعج بالمعاني والدلالات، وتفيض ثورية وانقلابية ورسالية وإنسانية، محفوفة بنور الإخلاص والهمة العالية والإيمان الهائل والمبدئية الصافية التي لا تشوبها شائبة ولا تلوثها نقيصة.

لقد ظهر الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم، صوتا وصورة، حتى لا يبدد أساطيل المحللين والخبراء في عواصم الأعداء ومنابرهم الدعائية جهودهم للتحري والتدقيق في سلامة الخطاب وفيما إذا كان مفبركا ( كما عودونا في كل إطلالة خطابية أو حوارية صحفية للرجل الرجل ) وحتى يقطع تكهنات المرتجفة قلوبهم من الذين أصروا على الحنث العظيم وامتهنوا التشويش على خطاباته بفعل ما تخلفه فيهم من رعب وتزرعه فيهم من حيرة وارتباك، وما أكثر ما أفزغ ظهور القائد المجاهد عزة إبراهيم رعاة مشروع الغزو وأقطابه وجواسيسه وعملائه وشرذمة المتساقطين من الذين لفظتهم مسيرة الحزب!.

وكان ظهوره صوتا وصورة فوق كل ذلك، تسفيها للادعاءات المغرضة المتعلقة بحياته من جهة وبمكان إقامته وتواجده من جهة أخرى، فصفع المتقولين جميعا، وتحداهم مجددا فلامسوا أن الرفيق القائد المجاهد حي يرزق تحفه عناية الرحمان، وأنه في العراق ولم يغادر وديانه وسهوله وجباله وصحاريه وأقضيته ومدنه وقراه ومحافظاته، وأنه لا يقيم في قصور زيد أو عمر، فكان مقر إقامته بسيطا متواضعا متناسبا مع ما عرف به من زهد وتعفف أيام التمكين والحكم وما قبلها وما بعدها، ولا يحميه غير توكله على الله حق التوكل، ومناضلي حزبه الشجعان وأبناء العراق الغيارى الأصلاء.

وكان ظهوره ذلك، فرصة جديدة ليكتشف البعثيون الأصلاء وجماهير الأمة العربية وأحرار العالم، مدى صدق الرجل وشفافيته وصراحته ومبدئيته، حيث اعترف بأن خطابه التاريخي بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب هذا العام 2019، سيذاع صوتا فقط، بعد أن حالت الظروف المحيطة به وبرفاقه وحزبه دون تصويره وتوثيقه كاملا. ولقد قال بمنتهى الوضوح والواقعية، أنه تعذر إيجاد طاقم المصورين في تلك الظروف، وتوفير ضمانات توثيق خطاب من ساعة وثلث الساعة.

وهنا، أوجز الرفيق القائد وأبدع في عرض الصعوبات الخيالية والعوائق التي تحيط بعمل قيادة البعث وبالبعث، حتى أنه لا يخجل من الإقرار بالعجز عن توثيق أهم المواعيد على الإطلاق، والتي ينتظرها الجهاز الحزبي وأحرار العرب بشغف وبشوق كبيرين.

وهنا أيضا، بسط الرفيق القائد حقيقة شديدة الأهمية، تتعلق بظروف النضال والجهاد، والتي يتجاهلها المترفون والقاعدون ومستقلو الربوة وغيرهم، فيوغلون في التقول على البعث وقيادته ومناضليه دون تريث ولا موضوعية، وبلا إنصاف أو مراعاة للمحن والخطوب المدلهمة التي ترافق فعله وتحف بمسيرته.

إلا أن أهم ما تحمله هذه الفاصلة شديدة الأهمية، هو اعتذار الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجهاد والتحرير للرفاق البعثيين ولشعب العراق وجماهير الأمة.

نعم .. هو يعتذر عن استحالة توثيق خطابه صوتا وصورة.. ويعتذر بسبب تلك الظروف، ويعتذر لما للخطاب من أهمية قصوى، ولما فيه من تشخيص عالي الدقة للوضع في العراق، وللأوضاع القومية والإقليمية والدولية، ولما فيه من رصد رصين للأخطار التي تهدد الأمة، وتضع خارطة طريق لوأدها وصدها.

ولسائل أن يسأل : ما موجبات هذا الاعتذار؟

إننا لا نجد من دواعي للاعتذار، بل ولا نفهمها إلا من خلال إيمان الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم، بما عليه من واجبات تجاه رفاقه ووطنه وأبناء أمته، وهي الواجبات التي فرضها البعث على نفسه وعلى مناضليه من أعلى درجة إلى أدنها، وكذلك لوعيه بمسؤوليته القومية وما يتفرع عنها، حيث لا يتصرف الرجل من منطلقات شخصية أو حزبية ضيقة، بل ينضبط تمام الانضباط لتبعات مسؤولياته ومنصبه، والتي يتحمل فيها أوزار الأمة وقطاعاتها كاملة، بصرف النظر عن علاقتها به وبحزبه.

وهكذا يسمو الرفيق القائد عن قوانين السياسة الميكانيكية المتعارف عليها، ويذكر بأن للبعث تقاليد ومناظير سياسية مختلفة تماما، تنطلق من الإنسان وتنتهي عنده، دون مخاتلة أو رئاء أو توظيفات أو مصالح شخصية آنية.

هذا ويبقى اعتذار الرفيق القائد شيخ المجاهدين وشكره لرفاق البعث وتثمينه لأدائهم وعطائهم وثباتهم وصمودهم وتماسكهم، دليلا ساطعا على معدنه البعثي المتميز، وعلى مدى استملاكه لجوهر عقيدة البعث وفلسفته، ولإدراكه وفهمه لثوابت البعث ومثاباته والتي انطلق منها في خطابه فيما بعد.

فالرجل، يصر على أن يكون المبادر بتطبيق تلك الثوابت، فيعطي المثل، ويكون القدوة الحسنة والأسوة الرائعة، ويقدم الدرس البليغ، بأن المسؤولية في البعث تكليف وليست تشريفا بحال من الأحوال، وأن المسؤول البعثي لا يهمل ولو للحظة المحافظة على العلاقة الرفاقية وما تمليه من تحابب وتوادد واحترام وتواضع وإيثار بعيدا عن التعالي والغرور والنرجسية مهما تميز ذلك البعثي مهارات وكفاءات ومعارف وخبرة وتجربة وأداء عن غيره.

كان الاعتذار إذن، اعتذار الكبار العظماء المتواضعين، وكان اعتذار الحريص على ضرب المثل الأروع لما يجب أن يتحلى به البعثي والعربي عموما..

وكان اعتذار المتسامح المتجاوز الرؤوف، وكان اعتذار القادر العفيف المتعفف الحليم النقي المؤثر على نفسه..

وكان اعتذارا يحضر فيه الاقتداء بالرسول الكريم العربي القرشي محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، حين دعا ربه أن اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

وكان اعتذار الإنسان للإنسان، مجردا من الرتب، واستحقاقات المسؤولية وفروضها.

وكان فوق كل هذا وقبله وبعده، اعتذارا ربما ما فكر فيه البعثيون ولا خطر ببالهم بل وبأشدهم ثباتا وأوسعهم عطاء، إذ أن البعثيين جميعا على امتداد ربوع الوطن العربي وفي المهجر، إنما يفاخرون الدنيا بحزبهم وبقيادته الحكيمة المجاهدة وعلى رأسها الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام للحزب، ويسيرون خلف الرجل مؤمنين بقدراته وكفاءاته وباستحقاقه القيادي بلا منازع، يبايعونه على الثبات والصمود، وينهلون من نصحه وتوجيهه وإرشاده الحكيم.

هذا، ولقد شكلت هذه الدقائق المصورة على قلتها، فرصة ذهبية (على الأقل لي شخصيا) لأكتشف مجددا ومرة أخرى - وإن كنت شديد الثقة بها من قبل وعارفا واعيا بها مقتنعا تماما بخصاله كافة -، وأكثر من ذي قبل، المعارف الواسعة والمقدرة الفكرية والثقافية الفذة للرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي والقائد الأعلى للجهاد والتحرير، حيث اختزل في دقائق معدودات خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى 72 لتأسيس الحزب، وفصله وشرحه تشريحا بليغا دقيقا واستثنائيا، حتى لجعل من مهمة سبر أغوار خطابه ذاك، مهمة أسهل وأيسر على من يروم الخوض فيه.

هي دقائق معدودات إذن، أكدت لي سلامة طرحي في الذكرى السابقة لتأسيس الحزب، ووجاهة حكمي على أن قيادة الرفيق القائد شيخ المجاهدين عزة إبراهيم للحزب إنما هي ضرورة تاريخية، بل ربما هي أكثر من ذلك ولا ريب، رغم أني لم ألج إلى أعماقها كما يجب، إلى أن هدانا ذلك المقطع لما لم نتمكن من النفاذ أو التفطن إليه أو سهونا عنه.

فمن يتحوز على هذه الكفاءة القيادية العالية، ومن يمتلك هذا الإصرار والتوثب والتحفز، ومن يتوفر على مخزون إيماني متفرد، ومن يتواضع لرفاقه ولحزبه بهذا المثال العبقري من التواضع المترع صفاء وحبا وحنوا، ومن يقبض على جمر المبادئ وسط بحر متلاطم الأمواج من الأخطار والأهوال التي تشيب الولدان للحد الذي لا يتحرج فيه من مصارحة من يوجه لهم خطابه توجيها ونصحا وعرضا وتفصيلا، بأنه لم يتمكن ورفاقه من توثيقه، ومن يجدد العزم على المضي قدما على درب الجهاد والتحرير مهما غلت التضحيات.. فإن قيادته لا يمكن إلا أن تكون ضرورة تاريخية ملحة وملحة جدا.





الاربعاء ١٢ شعبــان ١٤٤٠ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / نيســان / ٢٠١٩ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة