شبكة ذي قار
عـاجـل










ما انفكت العلاقة الأمريكية الإيرانية تسيطر على اهتمام المتابعين والمهتمين بالشأن العام الدولي والإقليمي، وما فتئت تلك العلاقة تنتج قراءات متنافرة ومتصادمة كل حسب مصالحه وحساباته، وازدادت نسبة التركيز على هذه العلاقة خصوصا منذ مجيئ ترامب وتصريحاته المثيرة للجدل ومواقفه المتناقضة على الدوام.

ومع احتداد التصريحات الأمريكية وتتالي الردود الإيرانية وما تتسم به من عدوانية لفظية غالبا ما تتجاوز حدود المقبول والمتعارف عليه ديبلوماسيا، تصاعدت التأويلات والتفاسير والتكهنات بطبيعة العلاقة الثنائية في المرحلة القادمة.

وانقسمت تلك القراءات إلى قسمين متضادين :

1- انسداد العلاقة الأمريكية الإيرانية واقتراب التصادم المحتوم: يرى أصحاب الموقف الأول أن القطيعة النهائية هي مصير العلاقة بين إيران وأمريكا، ويستند هؤلاء على التطورات الأخيرة وخصوصا فرض العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران وهو ما يشمل كل الشركات الكبرى التي تتعامل مع طهران وما خلفه ذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد المحلي، وكذلك التلويح بتصنيف عدد من الشخصيات والأجهزة الإيرانية وعدد من الميليشيات المرتبطة بإيران عقائديا ومذهبيا وطائفيا وسياسيا في عدد من الأقطار العربية على لوائح الإرهاب، ناهيك عن التعلل بالتطورات الميدانية في الداخل الإيراني والمتمثل أساسا في اتساع دائرة احتجاجات الشعوب الإيرانية وإرهاصات خروجها عن سيطرة النظام.

2- استمرار العداء المتبادل بين إيران وأمريكا علنا وتواصل التحالف بينهما سرا: ويذهب أصحاب هذا الموقف إلى أن الصراع الأمريكي الإيراني هو لا يزيد عن المناوشات والمشادات الإعلامية وقضم الأصابع فقط، بينما ستحافظ الدولتان على تبادل الأدوار وخدمة مصالحهما بنفس الأسلوب القديم الذي استمر خصوصا منذ انتصاب ولاية الفقيه بقيادة الخميني.

ويستند أصحاب هذا الرأي إلى جملة من الحقائق الاستراتيجية التي تجعل من الاعتقاد بقرب تصدع العلاقة الأمريكية الإيرانية ضربا من الخيال ولا يتجاوز حدود المراهقة السياسية التي تمنع أصحابها من الولوج إلى حقائق الأمور بسبب انشغالهم بفرقعات وبالونات إعلامية لصرف الأنظار عن الواقع فعلا.

إلا أننا نرى أن العلاقة الأمريكية الإيرانية ستتغير وستعرف تحولات سطحية طفيفة لا تطال الجوهر ولا تهدد المصالح المتبادلة بين الفرس والأمريكان، وبالتالي فإننا نؤكد بكل ثقة ويقين على أنه لا سبيل لتصادم إيراني أمريكي قادم رغم شعبوية ترامب وتشدق الملالي بتهديداتهم الاستعراضية التي لا تتوافق وإمكانياتهم الحقيقة فعليا.

وحين نتحدث عن التغيير الطفيف والسطحي، فإننا لا نناقض أنفسنا ولا نجانب الصواب حسب معرفتنا بتاريخ العلاقات الثنائية بين الطرفين، بل إننا نعتقد أن ذلك التغيير بات مطلوبا من كليهما، وأنه في المقابل سيضمن استمرار علاقاتهما الخفية لوقت طويل.

ولذلك، علينا أن نحافظ على أقدامنها فوق الأرض ولا نطلق العنان للأماني والخيال فيحلقا بنا بعيدا عن براغماتية الأمريكان من جهة وعن حقيقة الفرس ومقدرتهم على مواجهة أزمة كبرى حقيقة مع أمريكا من جهة أخرى.

ونذكر في هذا الإطار بجملة من الحقائق أهمها :

أ- تأسيس نظام ولاية الفقيه بزعامة الخميني تم بتخطيط ورعاية أمريكية خالصة، بل إن الخميني كان عين أمريكا وخادمها الأهم في المنطقة وتفوق على سلفه الشاه.

بــ- انضباط ملالي إيران لمخططات الأمريكان في المنطقة والعالم منذ 1979، بل ساهموا بإنجاحها وتقليل خسائر الأمريكان في كل تلك العقود، وبالتالي فإن التصعيد الإعلامي والرعونة الديبلوماسية الفارسية لا يمكنهما التأثير على استراتيجية علاقتهما الثنائية من وجهة نظر أمريكية.

ج- تواصل حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لنظام ولاية الفقيه في المنطقة لتسهيل تنفيذ رهاناتها على معاودة تقسيم الوطن العربي إلى دويلات متناحرة وعاجزة تقوم على أسس طائفية وعرقية ملغومة، وذلك لتحقيق أمن الكيان الصهيوني ولشرعنة قيام الدولة اليهودية في قلب فلسطين المحتلة. فوجود دولة تدعي أنها إسلامية شيعية تناصب العداء صوتيا للصهاينة، يسمح بمخادعة العالم والعرب خصوصا ويحقق حلم الوطن القومي اليهودي الذي تم مؤخرا.

وليس يخفى في هذا الصدد الخدمات الجليلة التي قدمها نظام ولاية الفقيه للأمريكان والصهاينة، ويكفي للتدليل عليه، التذكير بتبجح كبار قادة الفرس بفضلهم على مشروع غزو العراق واحتلال أفغانستان، وما تلاه من تنسيق دقيق بينهما في العراق، ناهيك عن فضيحة إيران غايت إبان الحرب الإيرانية على العراق.

ولهذا، ونظرا لدور إيران ولاية الفقيه في تحقيق المشاريع الامبريالية والصهيونية في المنطقة العربية، فإن صداما محتملا بين واشنطن وطهران لا يمكن أن يخامر إلا السذج.

ولكن، كل الأزمة الحاصلة الآن، إنما هي للتأكيد على أن واشنطن قد ضاقت ذرعا بتنامي أحلام الفرس التوسعية حتى هيئ لهم أنها قادرون على منازعة أمريكا أو التفكير بالتمرد عليها في بعض الملفات والساحات، وتبقى الضغوطات الأمريكية موجهة أصلا لابتزاز إيران من جهة ودفعها على تنفيل كبريات الشركات الأمريكية بالاستثمار فيها وجني أرباح طائلة هناك من شأنها إنعاش الاقتصاد الأمريكي المتهالك، ومزيد حلب العرب بإيهامهم بفضل أمريكا في درء الخطر الفارسي عنهم، ناهيك عن المساعي الجدية لتغيير عدد من بنود الاتفاق النووي الذي يرى الجمهوريون أن الديمقراطيين بزعامة أوباما أوغلوا في التساهل مع إيران ومنحها امتيازات لا موجب لها وبلا مقابل.

وعليه، فإن أمريكا ولحفظ ماء وجهها أمام العالم، ستزيد الضغط على نظام الملالي وتخويفه حتى ينكفئ للداخل فيتقلص تمططه غربا، وذلك لفرض ترتيبات جديدة في المنطقة تقدر أمريكا ألا دور لإيران فيها دون أن يكون ذلك مقرونا بصدام كما يمني البسطاء به أنفسهم.

أنيس الهمامي
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام
تونس في  ٩ / أب / ٢٠١٨





السبت ٢٩ ذو القعــدة ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / أب / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة