شبكة ذي قار
عـاجـل










تشتهر مدينة الفلوجة بكونها أحد أهم المعاقل العراقية التي وجد الأميركيون صعوبة لدخولها خلال غزو العراق سنة 2003، ثم اشتهرت بكونها أولى المدن التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية مطلع العام 2014، لكن تمت استعادتها منه في 26 يونيو 2016 بعد شهر على هجوم فرّ خلاله عشرات الآلاف من السكان من المدينة، وبعد حملة عسكرية انتهت بطرده لكن تحولت على إثرها الفلوجة إلى مدينة منكوبة ومعزولة، ما جعل المراقبين وأهالي المنطقة يحذّرون من أن أسبابا مشابهة، بعد خروج الأميركيين، أدت إلى نشأة تنظيم الدولة الإسلامية وإذا ما استمرت هذه الأسباب فإن السيناريو يمكن أن يتكرر.

معاناة مستمرة
عمان -
الفلوجة اسم تردد في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى على مدى 14 سنة ثم لم يعد أحد يسمع باسمها أو يعرف ما جرى لأهلها ونازحيها بعد تحريرها من داعش الذي سيطر عليها سنة 2014.

ولو أن موسوعة غينيس للأرقام القياسية التفتت إلى هذه المدينة لاختارتها أكثر المدن معاناة من التدمير والنكبات والظلم والهجرات في التاريخ. فقد عاقبها الأميركان لأنها قاومتهم، وعاقبها داعش لطردها سلفه تنظيم القاعدة، وعاقبها الطائفيون من أحزاب الإسلام السياسي بمطالبتهم بمحوها من الخارطة زاعمين أنها أصبحت غدة سرطانية في جسم العراق، وعاقبها عناصر الميليشيات الحكومية والحشد الشعبي لأن تنظيم الدولة كان فيها.

أبناء المدينة يختلفون في رؤاهم لمستقبل مدينتهم، كما يختلفون في وصف حالها بعد طرد داعش منها، فالمعارضون للعملية السياسية في البلاد يقدمون صورة قاتمة لوضعها، في حين يحاول من يحسن الظن بتلك العملية أو المشارك فيها تقديم صورة أخرى يكسوها التفاؤل والجمال.

التحرير النظيف
يقول الكاتب الفلوجي مكي النزال “في اليوم الأول من سنة 2014 فوجئ أبناء المدينة بانسحاب قوات الأمن وكانت تبلغ حينها الآلاف من المقاتلين أمام حفنة من أناس يرفعون رايات سود ويطلقون على أنفسهم اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش )!

ثم حُشدت الفرق العسكرية لتحاصر المدينة وتقصفها بالطائرات والمدفعية الثقيلة مما اضطر السكان إلى بدء هجرتهم الرابعة ليكونوا نازحين مرة أخرى، ثم بعد ثلاث سنين صرنا نسمع بمصطلح غريب هو ‘التحرير النظيف’ ووعد المحررون بإعمار ورفاهية وتعويضات بعد التحرير وتحررت المدينة، بعد أن قُتل من أبنائها 4000 وجُرح 6000 من رجال ونساء وأطفال بنيران حكومتهم، وعاد بعض أهلها ليجدوا بيوتهم ومحالهم التجارية، التي لم تُقصَف، وقد أحرقها المحررون وصار أفراد الجيش والحشد ينشرون تسجيلات فيديو لحرقهم دور المواطنين وقتلهم المئات من الفارين بدم بارد. أما الذين لم يتمكنوا من الفرار واضطروا للبقاء في المدينة فهم اليوم في معسكرات احتجاز يواجه الكثيرون منهم تهمة التعاون مع داعش ومصيرهم مجهول”.

الكثير من العوائل الفلوجية لم ترجع إلى المدينة بسبب الخوف من الظلم والاعتقال وخشية من أن يكون بعض ذويها قد جامل عناصر داعش أو صاحب مهنة تعامل معهم

ويصف حال المدينة اليوم بأنها تعيش ظروفا هي الأصعب في تاريخها في ظل تخلّي الحكومات المحلية والمركزية عن وعودها، فلا ماء ولا كهرباء ولا رعاية صحية، كما يعاني أبناء المدينة من السيطرات “الحواجز”. فالخارج من المدينة ينتظر دوره في التدقيق الأمني لساعات طوال وتحديدا في سيطرة الصقور الواقعة في منتصف الطريق إلى العاصمة بغداد، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية ومواد البناء بنحو جنوني بسبب الإتاوات التي تفرضها هذه السيطرات على شاحنات النقل الداخلة إلى المدينة. أما الفساد الإداري والمالي فهو معضلة العراقيين جميعا، لكن ضرره أكبر بكثير في مدينة مدمّرة ومحاصرة.

ويختم النزال كلامه بالقول “ذهبت وعود الإعمار التي قدمتها حكومة بغداد وأكد عليها النظام الدولي أدراج الرياح، وبقيت معاناة الفلوجيين مستمرة".

ويستعرض الناشط السياسي محمود الدحام ما عانته المدينة من قسوة الأميركان في التعامل معها فيما سمّي معركتي الفلوجة الأولى والثانية وينتقل إلى وصف حالها الآن، فيقول إن “وضع الفلوجة حاليا صعب جدا وكأن حكومة المنطقة الخضراء ورثت عن الأميركان حقدهم وقسوتهم في التعامل مع المدينة، فلم تقدم أي شيء للفلوجة المنكوبة من داعش بعد الأميركان، وكأن القدر كتب عليها أن تبتلى بالأميركان وداعش الإيرانية تمويلا وإعدادا وإخراجا”، مؤكدا أن الحكومة لم تقدم لنازحي الفلوجة أي شيء يذكر وبقيت المدينة مهدمة وأهلها يعيشون حالة صعبة عند خروج داعش.

ويقول مواطن من الفلوجة، طلب أن يرمز إلى اسمه بـ(م.م)، لأنه قدم إلى عمان لعلاج عينيه والعودة إلى الفلوجة “نعاني من نقص حاد في الأدوية بعد تعرض المستشفى الذي نعالج فيه للقصف في العشرات من المرات والوزارة لا تلبي طلباتنا بسبب التقشف”. يغطي الأسى والحزن وجهه وهو يقول “أنا الآن في عمّان لعلاج كان ممكنا أن أحصل عليه في الفلوجة لو توافرت الإمكانات ومثلي كثر يضطرون للسفر حتى وصل مرضانا إلى الهند والصين”.

استطاعت “العرب” أن تؤمن اتصالا مع أشخاص داخل الفلوجة اشتكى كل منهم من حالة يعانيها ومجموعة من الأهالي لا تعطي أحاديثهم أي صورة وردية للوضع في المدينة.

ويقول خليل المحمدي وهو ناشط إغاثة “لا تصلنا مساعدات من المنظمات الدولية ونعتمد في عملنا على تبرعات أبناء المدينة ميسوري الحال وهي لا تكفي في هذا الظرف الكارثي. هناك نقص كبير في الغذاء والدواء ومازالت الفلوجة مدينة منكوبة بكل المقاييس″.

ويشتكي الصناعي عدنان الكبيسي من استمرار إغلاق الحي الصناعي، وهو حي كبير جدا وحرمان الصناعيين والآلاف من العمال من أرزاقهم، ويضيف “فوق ذلك كله يطالبنا مجلس المدينة بأموال لدعم الجهد الحكومي".

وتقول حنان عبدالمجيد ( ربة بيت 46 عاما ) “فرحنا لأن بيتنا سلم من القصف والتخريب، لكن القوات التي دخلت المدينة أحرقته ولم نتمكن من إصلاحه، فقد أنفقنا مدخراتنا خلال فترة النزوح. أنا وزوجي وأبناؤنا الأربعة نعيش في غرفتين وفرهما لنا أحد المحسنين جزاه الله خيرا”.

ويصف المستشار سعد النمراوي، مدير الأخبار في قناة الأنبار ورئيس مجلس إدارتها، الفلوجة بأنها معزولة عن بقية أجزاء العراق والتقصير في عدم ذكرها في الإعلام هو لكثرة حواجز التفتيش وصعوبة وصول الإعلام إليها، وكذلك عمليات الخطف التي تنفذها مجاميع من حزب الله على الطريق المؤدي إليها وخاصة قرب بزيبز، وتتداول وسائل إعلام أخبارا مزيّفة عن عمليات إرهابية ينفذها داعش والواقع أنها خلافات سياسية على مغانم يكون ضحيتها المواطن.

ويتحدث عن سيطرة الصقور، فيقول إن السلطة تؤجر هذه السيطرة لضباط لأنها تدر عليهم مبالغ كبيرة بالعملة الصعبة، ناهيك عن عائدات هويات الدخول التي يزود بها سائقو الخطوط الداخلية. ووصلت حالة الابتزاز لسائقي الشاحنات إلى حد إجبارهم على دفع المئات من الدولارات لأن المواد الغذائية التي يحملونها قابلة للتلف. وانقطع عدد من طلاب الجامعات عن متابعة الدروس بسبب التأخير أثناء التفتيش الذي يصل أحيانا إلى 4 ساعات. فيما أدى تأخر إسعاف الحالات الحرجة من المرضى وكبار السن إلى وفاة الكثير منهم.

التأخير في سيطرة الصقور
هذه المعاناة القاسية تجد وقعها أخف على لسان آخرين، فالنائب في البرلمان العراقي طلال خضير الزوبعي لا ينكر أن للفلوجة وضعا خاصا يختلف عن المناطق الأخرى المحررة من سيطرة داعش الإرهابي، فهي من المدن التي قاومت وبشدة الوجود الأميركي في العراق وتعرضت بسبب ذلك إلى حصار شديد من القوات الأميركية استمر لسنوات عديدة. وبعد انسحاب القوات الأميركية استمر أهل الفلوجة في المطالبة برفع الحيف والظلم عن أبنائها إلى أن خرجت المدينة في تظاهرات للمطالبة بالحقوق والحريات من حكومة نوري المالكي لتصل الحال إلى الصدامات المسلحة بسبب عناد الحكومة، فاستمرت التظاهرات لشهور عدة إلى أن استطاع تنظيم داعش دخول الفلوجة وإلحاقها بما يسمى الدولة الإسلامية، ليبدأ سيناريو جديد أكثر فتكا وتدميرا بالمدينة وأهلها الذين نزحوا من مناطقهم مجبرين للخلاص من بطش الإرهاب، وبعد معارك عنيفة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء استطاع الجيش العراقي والقوات الأمنية تحرير المدينة من قبضة تنظيم داعش وسمحت القيادات الأمنية للنازحين بالعودة إلى بيوتهم بعد تطهيرها من فلول الإرهاب وتنظيف مناطقهم من المتفجرات وفق خطة أمنية محكمة وتنسيق عالي المستوى بين الحكومة المحلية والجيش والدوائر الخدمية الأخرى.

جسر بزيبز المغلق
يستعرض المهندس عبدالكريم عفتان الجميلي، الذي شغل منصب وزير الكهرباء في حكومة المالكي الهجرات الأربع للفلوجيين وما جرى خلالها من نكبات وإعدامات للقصّر وكبار السن والعزل باستعمال السلاح واستخدام الفسفور الأبيض في الهجمات على المدينة وتدمير البيوت وتهديم المساجد التي تشتهر بكثرتها المدينة، ويقول إن الطامة الكبرى هي الأصوات التي أطلقها متنفذون من السياسيين وبعض قادة الميليشيات وصفوا فيها الفلوجة بالغدة السرطانية.

وتعرض أهالي الفلوجة لتشويه السمعة ووصل الأمر إلى عدم السماح للنازحين بالدخول من المنفذ الوحيد للهرب إلى مدينة بغداد، فاضطروا إلى أن يتوزعوا في العراء وعلى سواحل بحيرة الحبانية، مؤكدا أن الكثير من العوائل الفلوجية لم ترجع إلى المدينة بسبب الخوف من الظلم والاعتقال وخشية من أن يكون بعض ذويها قد جامل عناصر داعش أو صاحب مهنة تعامل معهم.

ويتوقع عفتان أن تتحول المدينة إلى حاضنة لمنظمات إرهابية أخرى، وهذا ما لا ترغبه معظم العشائر وأهالي المدينة المتحضرين، مقترحا لمنع ذلك أن تتعامل القوات الأمنية مع الأهالي باحترام كما يتعامل معهم الجيش العراقي كافة اليوم، وأن تعاقب الحكومة مجرمي داعش ولا تأخذ أهلهم أو قبائلهم بجريرتهم.

ويتابع “بعد عودة النازحين إلى المدينة كانت الفلوجة خالية من الماء الصالح للشرب بسبب تحطم شبكات الماء وتعطل المحطات الرئيسة لتصفية الماء، فجهّزنا المدينة بمحطتين لتصفية وتعقيم الماء ومولد كهربائي لتشغيل المحطتين".





الاثنين ٢٩ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة