شبكة ذي قار
عـاجـل










تختلف طبيعة الشعب العراقي في وحدته وتلاحمه الاجتماعي بفضل التكوين الحضاري له عن كثير من المجتمعات والشعوب التي تعرضت إلى الصراع والاحتراب الداخلي وصولا إلى التقسيم بفعل ظروف محلية وإقليمية ودولية .

وإذا كانت بعض الاصطلاحات السياسية والتاريخية المتداولة أخذت مسمياتها من المحلية إلى العالمية كمصطلحات " البلقنة" و"اللبننة" وغيرها نجمت عن صراعات وحروب أهلية تعرضت لها بلدان البلقان ولبنان مثلا؛ فإن هناك من التآمر والحقد على وحدة العراق لا يخفى عند البعض في محاولات تبني لحالات اصطلاحية لا تختلف عن مفاهيم مثل : البلقنة واللبننة التي شاعت في تعابير واصطلاحات سياسية مماثلة عند تناول القضية العراقية المريضة الراهنة.

ولا يختلف اثنان: ان تطور مقاومة وانتفاضة الشعب العراقي بعد عشرية الاحتلال الأمريكي، وتغول النفوذ الصفوي الإيراني بعد الانسحاب القسري للقوات الأمريكية بفضل ضربات المقاومة العراقية الباسلة التي هددت الغزاة وحلفائهم بفقدان السيطرة تماما على الموقف الأمني والسياسي في العراق، وبعد أن تداعت تماما سيطرة حكومة نوري المالكي على أمور البلاد بعد تصاعد الانتفاضة الشعبية واستمرار التظاهرات والاعتصامات في اغلب محافظات القطر فكان شعار: " قادمون يا بغداد" على وشك التنفيذ لدخول بغداد لتحرير العراق وإسقاط العملية السياسية التي فرضها الاحتلال وأتباعه كخلاص وحيد لحماية شعب العراق.

لجأت حكومة باراك اوباما، وفي إجراءات سريعة، لا تخلو من التنسيق والتنفيذ الفوري وبالتآمر مع حكومة المالكي إلى إخراج وظهور وتنفيذ سيناريو "داعش" عندما احتلت فلول من الغرباء القادمين من سوريا، واستكملت قواها من بقايا عصابات القاعدة ومن المطلق سراحهم بعدة ألوف، بشكل انتقائي دقيق، من سجون المالكي والمعتقلات الأمريكية السابقة، في ليلة ظلماء لتسيطر العصابات المنفلتة على أهم المحافظات العراقية الغربية والشمالية في الانبار والموصل وصلاح الدين، فيفتح العراقيون أعينهم على واقع مرير تحت ظل تقسيم سياسي وجغرافي واجتماعي لا عهد لهم به، اصطلح عليه المراقبون السياسيون بحالة " الدعشنة" التي نفذت قواها المحلية والدولية السيناريو الخاص بها في ظهور وتطبيق أسوء نظام دموي ظلامي اسلاموي عنوانه ( تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ) المختصر بـ " داعش" عمل على "دعشنة" المجتمع في المدن التي سيطر عليها بحكم يعيد ذاكرة العالم المتحضر إلى ظلامية القرون الوسطى.

وعلى جانب ما تبقى من سلطة المنطقة الخضراء المهزومة امنيا وسياسيا وبدعم إيراني، وفي استجابة سريعة ، عملت المليشيات الشيعية الطائفية على ترميم وبناء قوتها الفاشية الصاعدة، من تشكيلات مليشياتها القديمة والجديدة، استجابة لدعوة مرجعياتها الطائفية لتشكيل الحشد الطائفي، وفي ظل ما تبقى من حكم العراق بيديها لتتحالف مكوناتهم في شبه دولة طائفية، يقودها حفنة من الثيوقراط الفاسدين، فتعلن عن تشكيل قوتها الفاشية المسلحة في ما يسمى بــ " الحشد الشعبي" الذي انفلت أياديه في جرائمه البشعة ، وبتسلطه المطلق على شؤون المجتمع والبلاد، بغياب وانحلال الجيش العراقي الجديد الذي شكله حاكم سلطة الاحتلال بول بريمر وبمساعدة نيغرو بونتي وخليل زاده ودعمته بالتسليح والتدريب قوات الاحتلال الأمريكي، رغم ملامح تشكيله الطائفي ومظاهر النفوذ الإيراني المتغلغل في كل تشكيلاته .

ولا شك ان الوضع الجديد في وضع السلطة الطائفية الحاكمة ببغداد بكل تجلياته لا يختلف عن وضع " الدعشنة" في المناطق التي انسلخت من حكم الحكومة الاحتلالية الرابعة الخامسة ، تجلى بظهور سلطة ما يسمى " الحشدنة" التي تعيث اليوم خرابا ونهبا وفسادا تحت شعار " مكافحة الإرهاب" وحماية سلطتها الطائفية المقيتة .

وإذا كانت أغلبية أبناء العراق ترى في " الدعشنة" و" الحشدنة" كلاهما وجهين لحالة ،وعملة ، وصنيعة، واحدة ، فكلاهما عبرا، فعلا وتطبيقاً ، عن واقع مرير يدفع العراقيون يوميا دونه ثمنا باهضا من الدماء والخراب الشامل في حرب أهلية طاحنة شملت محافظات عراقية عدة ، ويدفع إلى محرقتها الدموية مئات الألوف من أبناء العراق المعدمين ، إضافة إلى الملايين من النازحين والمهجرين، وهي مأساة وطنية مستمرة إلى اليوم، ويتطلع الجميع عن الكشف النهائي عن نتائجها المريعة بمرحلة ما بعد " داعش" وما بعد " ماعش" أيضا، وفي ظل تغيير متوقع للسياسات الأمريكية بوصول الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب.

ان انشغال العالم المهتم بأوضاع العراق وبأخبار نتائج التطبيقات الانفصالية والتقسيم على ارض العراق ما بين الدعشنة والحشدنة منذ أكثر من ثلاث سنوات غطت على أخبار مقاومة الشعب العراقي وممانعته ورفضه لما يجري على ارض وطنه بسبب التضليل والانحياز الإعلامي الواضح ضد تطلعات الشعب العراقي وقواه الوطنية والقومية والاسلامية التي شخصت الداء مبكرا واختصرته ببرامجها السياسية وعبرت عنه بكل وضوح، كما وضعت على ضوئه برنامجها السياسي والتعبوي للتحرير مشخصة: بان كل ما يجري في العراق ما هو إلا نتائج لاحتلال غزو أجنبي أمريكي بغيض، ونتيجة لتسليم العراق لقمة سائغة بيد حكومة وأتباع ايران الصفوية بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهو ما اعترفت به الإدارة الأمريكية الجديدة، ودعت عبر تهاليل تصريحاتها الأخيرة إلى إنهاء هذه الأحوال الشاذة في العراق بطريقة وأخرى، ومنها الإيعاز بنصيحة لأتباعها في حكومة بغداد ، وعبر الأمم المتحدة بضرورة طرح مشروع للتسوية السياسية تخرج العراق مما هو به وإنقاذه من مأساة الاحتراب الداخلي وتسلط عصابات ما فيوية فاسدة على السلطة ببغداد، إلا ان مشروع التسوية السياسية للحشدنة ولد كسيحا وخبيثا ومرفوضا حتى من بين أطراف تكتلات الحشد نفسه؛ بسبب قصور النظر السياسي لما يجري في العراق من منظور التمسك بالسلطة مستقبلا.

وهنا يظهر تيار ثالث في العراق من سقط المتاع، من سياسي الصدفة، هنا وهناك يتنقلون بين العواصم طارحين مشاريع مشبوهة لا تختلف عن ما سواها في الدعشنة والحشدنة، منهم من يتبني فدرلة العراق، أو طرح صيغ عن الحل الطائفي المبني على تسوية سياسية تحاصصية جديدة ،في محاولة منهم تجميع أطراف ما تبقى من الدواعش، ومن بقايا سلطة المواعش، أملا في جمعهما في حوار يطلق عليه جزافا بــ " التسوية السياسية" .

وهذه الكتلة الثالثة التي سنطلق عليها " الجحشنة" ، تذكرنا بتسمية الزوج الوسيط الذي يتم اقترانه بسيدة مطلقة بالثلاث من زوجها، وحلاً لمنع تكرار الطلاق يلجأ الشرع الإسلامي، لدى بعض المذاهب الإسلامية، إلى تطبيق حالة تسمى " التجحيش" ، أي بتدبير زواج مع رجل عابر مؤقت للمطلقة ، ينتهي مرة أخرى بالتطليق لها لتعود " الحرمة" إلى زوجها المطلاق السابق. وكم من مواقف التجحيش كانت مخزية لكونها تحولت إلى تجارة عابرة يسترزق منها بعض أشباه الرجال بالزواج الشكلي، ولو بشكل عابر أو مؤقت.

ظاهرة الجحشنة السياسية هنا لا تقل انتهازية سياسية وخسة عن الدعشنة والحشدنة ، عندما يتنقل أزلامها بين معسكرات وفنادقوقاعات ما تبقى من الدعشنة المهزومة وفلول قوى الجحشنة المتسلطة بقوة المليشيات الحاكمة، وبقوة وحماية " جحش" وهو مختصر يتداوله العراقيون حول " الحرس الثوري الصفوي الجديد" وبما يسمى " جيش الحشد الشعبي" الذي يقوده نوري المالكي والفياض والعبادي وهادي العامري ومن ورائهم جميعا سلطة ولاية الفقيه الصفوية الإيرانية وحرسها الثوري.

إن السنوات الثلاث عشر الفارطة من تاريخ الاحتلال الأمريكي ـ الإيراني البغيض أفرزت مثل هذه التيارات الثلاث في العراق، وكشفت عن عوراتها جميعا كمشاريع مكملة للاحتلال طالما استهدفت في مضامين أهدافها وتطبيقاتها وحدة العراق المجتمعية والترابية، ولكن الأخطر ما في مشاريع الجحشنة الجديدة هو تبني مشروع إعادة الاحتلال الأمريكي للعراق، ووضع الحل والربط بيد الإدارة الأمريكية والرهان على الرئيس دونالد ترامب من جهة، وفي ذات الوقت فبعضها يمارس الغزل المقيت بالتقارب مع سلطة بغداد والحوار معها وقبول تسويتها السياسية، ولا يستبعد اخذ موافقات ورضا دول الجوار الجغرافي وخاصة حكام ايران باعتبارها المقرر الأول والأخير في تسيير أدواتها الطائفية في العراق من دعشنة و حشدنة .

ما بعد مرحلة داعش، وإذا ما استمرت ( المليشيات الشيعية في العراق والشام ) " ماعش" في حكم العراق لا يستبعد ان تيار الجحشنة الجديد الذي يقدم نفسه البديل المقبول لدى بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ، فانه لا يتوانى ان يفصح عن بعض من مكنون دوافعه السياسية والاجتماعية بأنه يتوعد أيضا انه : إذا ما فشل في إتمام صفقته السياسية مع حكومة حيدر ألعبادي فان في طياتهم تتواجد نواتات لتنظيم قاعدي أو داعشي جديد ستفرزه الأحداث المضطربة القادمة في حالة استمرار الصراع القائم في العراق، وهو نوع من الابتزاز السياسي للجميع.

ولقطع الطريق على كل هؤلاء لا بد من الاعتماد على قوى الشعب العراقي الوطنية والقومية والاسلامية التي أكدت على الدوام ولائها لوحدة العراق واستقلاله الوطني واسترجاع سيادته.

ولعل في التغيرات السياسية والإقليمية في الأفق القريب والبعيد ما يجعل العالم الالتفات إلى حلول سياسية واقعية تنهي مأساة العراق واستعادة السلم والأمن والاستقرار في العراق والمنطقة، وهذا لا يتحقق من خلال مشاريع الدعشنة والحشدنة والجحشنة، بل بصعود القوى الوطنية العراقية العلمانية والديمقراطية التي تناضل من اجل إنسان عراقي متحرر من كل أشكال الاضطهاد والخوف والاستبداد ويتطلع إلى حياة كريمة ومستقرة بعيدا عن المرارات القاسية التي عاشها شعب العراق بكل أطيافه وقومياته واديانة بسبب الاحتلال وتسلط أتباعه.

وان غدا لناظره قريب

هيئة تحرير موقع الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية في العراق





الاربعاء ١١ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب هيئة تحرير موقع الجبهة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة