شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يختلف اثنان في ان مخاض العراق الدموي ما بعد الغزو والاحتلال فرض على العملية السياسية التي استمرت ردحا من الزمن ان تتجه إلى حالة من التفكك والتلاشي والانهيار رغم المحقنات والمنشطات المقدمة لها سواء من الإدارات الأمريكية أو ايران الخامنئية.

وأمام حتمية مثل هذا التلاشي أو الانفلاش الكلي، وبعد خراب كل شئ في العراق، يُطرح مشروع عنوانه " التسوية السياسية" الذي غاب منذ وجهته الأولى عن وعي وإدراك الواقع السياسي والاجتماعي في العراق، وعبر عن حالة عماء وعصاب اسود مطلقين لدى أصحابه ؛ لان هذه التسوية المزعومة لم تتمكن من الإفصاح عن تحديد أهدافها بوضوح للفصل ما بين طرفين أساسيين لا غير في العراق ، طرف فشل تماما في إدارة حكم العراق بعد الاحتلال ، وطرف عارض وقاوم الاحتلال والعملية السياسية برمتها، ولا توجد هوامش وقوى سياسية أخرى ذات قيمة أو أهمية على جانبي هاذين الطرفين الأساسيين.

ويفترض ان تطرح على هذين الطرفين مباشرة أفكار التسوية بعد ان تتوفر لها ممهدات وخطوات سياسية وعوامل اجتماعية تسهم في إنضاجها ووضع الطرفين حول مائدة الحوار المستقبلي حول التسوية المطلوبة.

وإذا ما أصر أصحاب التسوية السياسية في المضبعة الخضراء على تحديد ودعوة بعضهم بعضا فقط للتسوية فإنهم يكونوا قد عجلوا فعلا وعن سابق إصرار من حالة التفسخ النهائية المحتومة لكل الجماعات والتكتلات التي تحاصصت وتشاركت في الحكم طوال 13 عاما وأوصلت نظام المستنقع السياسي الحاكم إلى حالة التعفن الكلي وعمقت من درجة التفسخ التام له.

ان الجانب العضوي الكامن في عناصر هذين الطرفين المتقابلين في لجة الصراع السياسي في العراق يميل لصالح مكونات طرف المقاومة والجماعات الرافضة للعملية السياسية التي حافظت على قوتها وديمومة مقاومتها وبسالتها رغم الضربات القاسية التي تلقتها من قبل قوى الاحتلال وأنصاره؛ بينما يظهر الطرف الثاني متراجعا ومنهزما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا رغم كل ما قدم إليه من دعم من الولايات المتحدة والتحالف الدولي المرتبط بالسياسات الأمريكية، رغم ذلك فطرف تحالف المنطقة الخضراء يعيش حالة من التفكك والتراجع وحتى اليأس في البقاء في السلطة والحكم في العراق، ولا بد من إقراره بالهزيمة الكاملة.

وبطبيعة الحال فان دولة عظمى كالولايات المتحدة تدفع يوميا ثمن حماقتها بما يجري في العراق، وهي لا تريد ان تظهر بمظهر العاجز التام، أمام هزيمة مشروع المحافظين الجدد في العراق، وهاهي إدارة أمريكية جمهورية جديدة تعود وهي تتفرج على صنيعتها السياسية المتمثلة في النظام السياسي القائم في العراق وهو ينتقل مهزوما إلى أحضان وإدارة وحماية النظام الإيراني، فكان لا بد من معالجة سياسية وجراحية عاجلة تبقى خيوطها بيد الأمريكيين وتمهد إلى تسوية سياسية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.

لكن هذه العملية السياسية سيكون ثمنها فادحا بالنسبة للأمريكيين وحلفائهم، خاصة بالكيفية التي يجب التعامل بها مع أعداد كبيرة من العملاء والمرتزقة والتشكيلات السياسية من صنيعة الغزو والاحتلال والقلق حول مصيرهم السياسي في مستقبل العراق.

إن أهم مصادر القلق عند الأمريكيين وحلفائهم الإيرانيين هو مصير مرتزقة الاحتلال ؛ خصوصا بوجود غضب شعبي عارم لا حدود له ضدهم، فهم أمام حالة غامضة لمصير ما ينطبق عليهم ما تتعرض له النفايات الصناعية والبيئية من مصير تعرفه البيئة وتكنولوجيات الصناعة في مصطلحي الاستحالة وتدوير النفايات.

وما بين تفسيرات هذين المصطلحين وتطبيقاتهما قد لا تجد أمريكا حلا لتركة احتلالها للعراق من سياسيين فاشلين ولصوص فاسدين، حيث تكون حالة الاستحالة متلازمة معهم وتنطبق عليهم لغويا وسياسيا ، وإذا استحال الشئ، أي تغير، فهم عصاة على التغيير، وحتى في حالة استحالتهم فانه ينطبق عليهم القول: ان في استحالة الشئ هو بقاء اعوجاجه بعد محاولة استقامته، وهنا لا يمكن تعديله مطلقا، والاستحالة تأتي بمعنى: تغيّر الشي‏ء عن طبعه ووصفه، و الخروج عن حالة إلى حالة أخرى، وأيضاً تأتي بمعنى الامتناع وعدم الإمكان، واستحالة الكلام تعني صيرورته محالاً.

وهنا لا بد من الذهاب إلى الحل الثاني، وبما يطلق عليه الإداريون والسياسيون وحتى التقنيون بما يسمى : الرَّسكَلة أو إعادة تدوير النفايات وهي حالة موجودة منذ القدم عرفتها الطبيعة، ففضلات بعض الكائنات الحية تعتبر غذاء لكائنات حية أخرى، وقد مارس الإنسان عملية استرجاع النفايات منذ العصر البرونزي، حيث كان يذيب مواد معدنية لتحويلها إلى أدوات جديدة.

والمقصود بإعادة التدوير أيضا في عصرنا هو إعادة استخدام المخلفات؛ لإنتاج منتجات أخرى أقل جودة من المنتج الأصلي، وهنا فان مخلفات العملية السياسية لا جدوى من تدويرهم ولا أمل يرجى منهم في مستقبل العراق.

ان مجمل عناصر النفايات السياسية الطارئين على حكم العراق لا يدركون إنهم لا يصلحون بعد اليوم، لا إلى استحالة سياسية، ولا إلى رسكلة أو تدوير لأنهم ترسبوا في قيعان المستنقع الآسن الذي وضعوا أنفسهم به في حكم العراق وتفسخوا؛ لذا لا يجدون سوى التشبث بعملية سياسية يائسة، وفق شروطهم ووضعوها لأنفسهم وحدهم، وهي ذاتها وبما يطلقون عليه أيضا بــ " التسوية التاريخية" أو " التسوية المجتمعية" لا تتعدى مقاس حزب الدعوة وحليفه الحزب الإسلامي وحواشيهما من الطائفيين، وهم في كل مصطلحاتهم وغاياتهم يتحاشون الحديث عن المصالحة الوطنية التي طرحها الوطنيون العراقيون بكل وضوح وشفافية ووفق شروط وخارطة طريق واضحة.

ان بعض السياسيين العالقين على جانبي معادلة الصراع المحتدم في العراق، ممن لا يجدون لهم دورا فاعلا داخل العملية السياسية القائمة، وبعضهم من الخارجين عنها، ممن ينتظرون الاندماج والالتحاق بها، في أية فرصة تتاح لهم، من خلال هذه التسوية السياسية فهم لا يشكلون في هذه الحالة ما يسمى "بيضة ألقبان" مهما تلاعبوا وناوروا في محاولات الانزياح والتنطط بين الخندقين، كما نراهم يتقلبون من هنا وهناك، فان أدوارهم وألاعيبهم لا تتعدى ان تكون ملهاة فارغة لا تغير من موازين القوى بين خندق عراقي مقاوم وعنيد وبين مافيات في مستنقع آسن هو في دور التفكك والانهيار.

ان اختزال التسوية بمطلب عمار الحكيم الداعي إلى هدنة بين القتلة والذباحين بقوله :
( كفوا عن المفخخات وامنحونا السلم سنكون على استعداد للتسوية معكم ) ، وهو نداء مبطن موجه إلى كل من تعاونوا وتحاصصوا على ذبح الشعب العراقي طوال 13 عاما، وهم بذلك يريدون البقاء والاستمرار كحكام، ما بعد مرحلة "التسوية السياسية" المراد فرضها على شعب العراق ليعيش دائما ما بين حالتي الجزر السياسي والمد الإرهابي، وهي تسوية في جوهرها وكينونتها لا تعدو ان تكون مصالحة ضمنية مع الإرهاب بحماية الاحتلال الأمريكي وإيران أيضا.





الاثنين ١١ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الثاني / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة