شبكة ذي قار
عـاجـل










توفي صباح الثلاثاء 11 / 10 / 2016، د. وميض جمال عمر نظمي وبفقده خسرت القوى القومية في العراق والوطن العربي، والأسرة الأكاديمية العراقية أستاذا ومناضلا وكاتبا اعتزت به الحركة الوطنية والقومية في العراق والوطن العربي.

الكثيرون ممن عرفوا د. وميض جمال عمر نظمي داخل العراق وخارجه وعلى امتداد الأحداث التي مر بها العراق لقرابة نصف قرن لا بد أن يدركوا مدى صلابة هذا الرجل وأصالته الوطنية والقومية وقيمته الفكرية والنضالية.

والجدير بالذكر هنا أنه حتى لحظة وفاته، ربما يجهل الكثير من العراقيين والعرب انه كان كردي الأصل، ينتسب إلى عائلة كردية معروفة. ومثل هذا الأمر سيكون ملفتاً للانتباه لكثير من قراء هذه المقالة ، حيث هنالك الكثير من الأسماء الكردية العراقية نشطت في تنظيمات الحركة القومية العربية وترعرعت في أحضان الثقافة العربية وعقيدتها القومية السياسية، ومنهم د. وميض جمال عمر نظمي، حفيد الوزير الكردي المعروف، عمر نظمي، من عشيرة الونداوي الكردية في كفري، والذي اعتبره البعض من قراءه انه بات منظرا ومؤرخا لقضايا القومية العربية والحركة الاستقلالية في العراق، رغم أن جده الوزير عمر نظمي سبق أن تقلد مقاعد وزارية لفترة طويلة خلال العهد الملكي على أساس كرديته.

توزير جده عمر نظمي في العهد الملکي تم وفقا لمبدأ المحاصصة القومية في العراق؛ حيث کان يمثل المقعد الکردي في جميع الوزارات التي استوزر فيها. فالوزير عمر نظمي أصبح وزيراً لـ ( 21 ) مرة في العهد الملكي، ابتداء من وزارة نوري السعيد بتاريخ 25 / 1 / 1938م ، وقبل ذلك كان متصرفاً في كركوك.

أما أبوه جمال عمر نظمي فقد كان متصرفاً في لواء اربيل في العهد الملكي سنة 1944م ، ثم أصبح وزيراً في وزارة علي جودت الأيوبي بتاريخ 17 / 6 / 1957م.

- ولد وميض جمال عمر نظمي في بغداد عام 1941. وفي الخمسينيات من القرن الماضي طُرد التلميذ وميض عمر نظمي من العراق أيام نوري السعيد لدوره في مسيرات رفض حلف بغداد وسياسات الحكم آنذاك، رغم قرب موقع والده من الحكومة ، فذهب وميض جمال عمر نظمي طالباً لمواصلة التعليم في الثانوية العامة ( I.C. ) في بيروت. ومن هناك ارتبط الفتى بالقضايا القومية العربية حين وقف بحزم ضد انفصال سوريا من الجمهورية العربية المتحدة وسقوط أول تجربة للوحدة العربية ، فوقف مع قيادة جمال عبد الناصر واتجه اتجاها قوميا كمناضل فاعل في اغلب التنظيمات القومية في العراق والوطن العربي.

- تخرج وميض جمال عمر نظمي من كلية الحقوق العراقية عام 1964، وحاز على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة درهام بإنكلترا عام 1974، كانت أطروحته [الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية الاستقلالية ، أصدرها مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت 1984ضمن سلسلة أطروحات الدكتوراه 5] وكان رئيساً للاتحاد العام للطلاب العرب في المملكة المتحدة وأيرلندا، في الفترة ما بين 1971 – 1974.، عمل كرئيس لقسم العلوم السياسية في جامعة بغداد للفترة ما بين 1976 – 1982، وكان رئيساً لمركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد، خلال عامي 1980 و1981.

له كتب ومقالات ومحاضرات وتراجم في المواضيع التالية: الفكر العربي الإسلامي، الفكر الاشتراكي، الفكر القومي العربي، التطور السياسي المعاصر في العراق، الاستعمار والإمبريالية، التخلف والتنمية، الأوضاع السياسية في بعض بلدان العالم الثالث. ومن ابرز أبحاثه " مستقبل عروبة العراق" الذي قدمه في ندوة [ احتلال العراق وتداعياته: عربياً وإقليميا ودولياً] ببيروت في الفترة بين 8 ــ11 مارس / آذار 2004. والخلاصة التي ينتهي إليها بحثه الغني بالوقائع الفكرية والتاريخية: ( ... أعتقد بأن العروبة باقية في العراق كهوية وكفعل وكحركة، وكل هوية أخرى " غير هوية الاثنيات والقوميات" إلى زوال. فالعروبة في فهمنا هي أكثر ما ينفع الناس وكل ما سواها هو الزبد ) .

وبقي وميض وإخوانه على صلة بشخصيات كردية، متفهماً لأوجاعها وهو يقول: ( ... لا يمكن أن أكون قومياً عربياً... وامنع غيري من التمسك بهويته القومية... ) ، فاستحق احترام العديد من الأكراد كما العديد من أبناء المكونات العراقية الأخرى.

وكان الدكتور وميض نظمي من أبرز الشخصيات العراقية المقاومة للاحتلال، وأسس مع شخصيات عراقية المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي، وحركة التيار القومي العربي، وخلال الحصار على العراق ترأس اللجنة العربية للتضامن مع الشعب العراقي في وجه الحصار عام 1991. وكان مؤسسا وعضوا للأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي لدورات عديدة .

ومنذ تأسيس المؤتمر القومي العربي ثم القومي / الإسلامي في أوائل التسعينات حتى أقعده المرض عن المشاركة، كان وميض يمثل نموذجاً للمعارض الوطني الذي يرفض أن تكون معارضته جسراً لعبور المستعمر إلى وطنه، فاستحق احترام الجميع بمن فيهم من كانوا في السلطة آنذاك الذين كانوا يقولون وميض نظمي معارض من نوع مختلف عن معارضي الفنادق في الخارج.

بعد حرب 1991 التي أعقبت غزو الكويت، وترافقت مع عقوبات جائرة ضد الشعب العراقي من حصار وعدوان، لم تمنعه معارضته للحكم آنذاك أن يؤسس حملة للتضامن مع شعب العراق بوجه الحصار، وكان لا يترك جهة أو شخصية عربية أو عالمية يعرفها إلا ويدعوها للمساهمة في معركة رفع الحصار عن العراق بل والمساهمة في توفير الدواء والحليب لأطفال العراق.

والدكتور وميض نظمي معروف جيدا في الأوساط القومية العربية، ولدى كل المعنيين بالمسائل القومية، زياراته للأردن خلال فترة الحصار لم تنقطع أبدا، بل ظل وهو في ذروة معارضته للنظام العراقي بزعامة الرئيس الراحل صدام حسين، يتردد على الأردن وخارج العراق، ويحث أصدقاءه ومعارفه، جمع الأدوية والمساعدات لمواطنيه العراقيين الذين يعانون ويلات الحصار، بكل ما اشتمل عليه من فقدان الدواء والغذاء.

الدكتور وميض نظمي، لم يترك العراق وبغداد، لكي يهاجم نظام الحكم في بلاده، بل بقي في وسط بغداد وحضر محافلها الفكرية والثقافية، وكان جريئا حينما كان ينتقد أسلوب الحكم والتفرد في اتخاذ القرار حتى فرض احترامه من خصومه ومعارضيه في السلطة وخارجها ؛ حتى أن رموز النظام الوطني السابق وكوادر حزب البعث كانوا يعرفونه جيدا، ويحترمونه لأنه أكد في سلوكه السياسي إنه يرفض ويحتقر نهج الاستعانة بالأجنبي والمستعمر، حتى وان اختلف مع السلطة السياسية الحاكمة في العراق ورغم اختلافه مع البعث وانه كان ذو نهج قومي.

بعد أيام قليلة على الاحتلال الأمريكي للعراق في آذار / مارس 2003 استضافت قناة الجزيرة الدكتور وميض عمر نظمي، الأستاذ الجامعي البارز، وأحد الوجوه القومية العربية في العراق، وأحد مؤسسي المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي في برنامج الاتجاه المعاكس فكانت مواجهة بين احد الذين اعتبروا الاحتلال "تحريراً" ومناضل قومي يرفض الغزو والاحتلال.

تمت المواجهة بين الدكتور وميض جمال نظمي وبين المدعو انتفاض كمال قنبر المتحدث الرسمي آنذاك باسم المؤتمر الوطني العراقي الذي يتزعمه عميل وعراب الاحتلال سيئ الصيت احمد ألجلبي.

وما أن مرت دقائق على المقابلة التي أكد فيها الدكتور وميض رفضه القاطع للاحتلال، ولكل إفرازاته حتى قفز ذلك العميل يريد الاعتداء على وميض عمر نظمي في الأستوديو، مستقوياّ بقوات الاحتلال في الخارج، فتصدى له نظمي بكل جرأة وشجاعة وأمطره بما يستحق من كلمات.

لم يكن في بال مشاهدي قناة الجزيرة وملايين مشاهديها أن تبلغ صفاقة ووقاحة العمالة بمتحدث عراب الاحتلال الأمريكي المقبور أحمد ألجلبي أن يتجرأ مساعده كلب حراسة الاحتلال ومرتزقته المدعو انتفاض قنبر ان ينهض ويعتدي على الدكتور نظمي بالضرب الجسدي وتوجيه اللكمات إلى وجهه، ويهدده بالقتل علانية. ,ما لفت النظر في تلك الحادثة، ليس الرسالة التي وجهتها القناة الفضائية لرئيس المؤتمر الوطني احمد ألجلبي تطلب فيها ( .. ان يقدم للدكتور وميض اعتذار مكتوب مما لحقه من أذى أدبي ) ، ولكن في الرسالة التي بعث بها الدكتور وميض إلى ضياء الدين داود أمين عام المؤتمر القومي العربي و جاسم القطامي رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان والدكتور محمد المجذوب رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية، وقال لهم فيها ( .. ان انتفاض قنبر ورئيس ما يسمى " المؤتمر الوطني العراقي" القادم على ظهر دبابات أميركية وحراب أجنبية، هددني بالقتل علاني ) ، وأضاف الدكتور نظمي: ( .. إني لا أرجو شيئا منكم؛ فالأعمار بيد الله ، ولعل الموت قتلا بالرصاص الأجنبي أو مرتزقته هو نعمة كريمة وبمثابة صرخة احتجاج أخيرة على ما آلت إليه أمور امتنا العربية، ومنها أموركم وأمورنا جميعا وبلا استثناء ) .

ورغم التهديد العلني لزبانية الاحتلال أمثال احمد ألجلبي وانتفاض قنبر والحملات الطائفية الشوفينية المتطرفة، عربية كانت وكردية، ضد الدكتور وميض عمر نظمي، لكنه ظل مرابطا في بيته في الأعظمية، وواجه اللحظات الصعبة التي تلت غزو واحتلال العاصمة بغداد.

كان ذلك المشهد من مشاهد المقاومة السياسية الأولى التي شهدها العراق بعد الاحتلال وهي التي واكبت انطلاق المقاومة المسلحة الباسلة التي أدت إلى هزيمة الدولة الأكثر قوة وجبروتا في العالم، وجاءت الساعة التاريخية الحاسمة تؤكد إن العراق عصي على الاحتلال، وعصي على إفرازاته جميعاً، وعصي على الاستسلام لقوى الأمر الواقع .

ورغم إغراءات عديدة قدمت له ولأمثاله من رموز التيار القومي العربي في العراق كخير الدين حسيب ، وعبد الكريم الفرحان، وصبحي عبد الحميد، وناجي طالب وعبد الكريم هاني وغيرهم، حيث رفض نظمي وإخوانه أي صلة بالاحتلال وإفرازاته وقدموا أمثلة للتمييز بين معارضة نظام والتآمر على وطن.

لقد رفض وميض أن يغادر بيته في الأعظمية في بغداد رغم عروض عمل كثيرة له في الخارج، عمل ونشط كأكاديمي بارزـ وشخصية عراقية مرموقة، وقال ( إن البقاء في بغداد والثبات على المبادئ هو أيضاً مقاومة ترفد المقاومين الأبطال في كل أرجاء العراق ) .

لم يكتف وميض بالصمود في مدينته، عاصمة الرشيد؛ بل سعى مع شخصيات وطنية عراقية أخرى كالشيخ جواد ألخالصي، والشيخ د. حارث الضاري والسيد احمد الحسني البغدادي وغيرهم من التيار القومي العربي في العراق إلى تشكيل اطر وطنية عابرة للمحاصصات والانقسامات الطائفية والمذهبية والعرقية التي رأوا فيها مشروعاً استعمارياً لتمزيق العراق.

من تصريح منسوب إلى الشيخ جواد ألخالصي بصفته الأمين العام للمؤتمر التأسيسي الوطني العراقي بعد سنة من تأسيس المؤتمر معرفا بالقوى والشخصيات التي ضمها المؤتمر التأسيسي جاء فيه :

( ... يتكون المؤتمر التأسيسي العراقي الوطني الآن من ثلاث جهات رئيسية مازالت عاملة في المؤتمر ومتمسكة بأطروحته وثوابته الوطنية وهي :

أولاً : المدرسة الخالصية.
ثانياً : هيئة علماء المسلمين.
ثالثاً : التيار القومي العربي.

إضافةٍ إلى شخصيات وطنية بارزة منهم : د. عبد الكريم هاني – الأستاذ . سلمان عبد الله – د. وميض عمر نظمي، وشخصيات نتوقف عن ذكر أسماؤهم بسبب أوضاعهم الخاصة . وقد كلفت هذه الجهات والشخصيات ، سماحة الأخ الشيخ جواد ألخالصي باستمرار مسؤولياته في الأمانة العامة لحين عقد جلسة من الأعضاء العاملين للمجلس المركزي في داخل العراق .وقد خرج من المؤتمر أو أخرج عدد من الأعضاء بسبب رغبتهم الخاصة أو بسبب سلوكياتهم المسيئة أو بسبب انتمائهم إلى العملية السياسية وجهاتها المشبوهة في ظل الاحتلال مع استمرار التواصل مع المخلصين حتى بعد خروجهم من المؤتمر . ) .

وميض عمر نظمي هو "أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد" في عهد البعث، وبعد الاحتلال 2003 أصبح الناطق الرسمي لما يسمى بـ " المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي" الذي ضم في عضويته الشيخ د. حارث الضاري والشيخ جواد ألخالصي وآية الله السيد احمد البغدادي ومجموعة من رموز التيار القومي العربي والشخصيات العراقية المستقلة المناوئة للاحتلال والعملية السياسية التي فرضها المحتلون الأمريكيون.
ولا شك كان د. وميض عمر نظمي وهو يواجه تركة الاحتلال والغزو الأمريكي ، كان الكردي الأصل ذي الفكر القومي العربي الوحيد من بين المتواجدين من شخصيات دينية وإسلامية برزت بشكل ملفت للنظر بعد الغزو والاحتلال وعبرت بموقف مقاوم للغزو والاحتلال كالشيخ المرحوم د. حارث الضاري والشيخ جواد ألخالصي والسيد احمد الحسني البغدادي لكن هذه المجموعة لم تفلح بتطوير مبادرتها لتحويل المؤتمر الوطني العراقي التأسيسي إلى نواة لجبهة وطنية وقومية وإسلامية شاملة لأنها تمسكت بمواقفها الموروثة السابقة من البعث وبقيت أسيرة رؤيا قصيرة النظر في موقفها من إمكانية التحالف مع حزب البعث وفصائل المقاومة الوطنية الأخرى المرتبطة به.

وجد د. وميض عمر نظمي نفسه بمهمة صعبة، لا يحسد عليها، حينما اسند إليه المؤتمر التأسيسي الوطني العراقي مهمة المتحدث الرسمي له، فباتت مهمته صعبة للعمل ضمن هذه المجموعة غير المتجانسة فكرياً والتي تسعى بعض أطرافها أيضا وبكل الوسائل إلى إقصاء حزب البعث واستبعاده كحزب وقوة قومية من صيغ التحالفات الوطنية المطروحة آنذاك مما قطع الطريق على القوى السياسية العراقية المناهضة للغزو والاحتلال من إمكانية تشكيل جبهة وطنية وقومية وإسلامية عريضة تواجه الاحتلال وتجهض قيام العملية السياسية التي كانت الإدارة الأمريكية من خلال السفير بول بريمر عازمة على فرضها وإقامتها في العراق.

وبعد ان فشلت تجربة التحالف من خلال المؤتمر الوطني العراقي التأسيسي انشغل د. وميض جمال عمر نظمي وبعض رموز التيار الناصري والقومي في العراق بمحاولة العمل السياسي وإصدار الصحف القومية بانتظار المستجدات التي يمكن ان تفرزها العملية السياسية في العراق، فخابت آمال الكثيرين منهم ، فكانوا ما بين منتظر في العراق، ومهاجر إلى الخارج، ومنهم من تعرض إلى الاعتقال من قبل قوات الاحتلال، وحتى التصفية الجسدية والاغتيال على يد عملاء الاحتلال.

اتجه د. وميض عمر نظمي إلى العمل السياسي والكتابة والاهتمام بإصدار عدد من الصحف التي حوصرت ففشلت ولم تجني شيئا، فمن مقالة توثيقية بعنوان ( الصحافة القومية والناصرية في العراق بعد الاحتلال ) ( من 9 / 4 / 2003م لغاية 2007م ) نشرها خالد العزاوي

http://www.alfikralarabi.net/vb/showthread.php?t=2686

تعكس توصيفاً عن تسابق مبكر عقب الاحتلال سعى إليه البعض في تأسيس الأحزاب والتجمعات القومية الناصرية في العراق بعد اليوم الأسود 9 / 4 / 2003م ، حيث بدأ سباق من نوع آخر، منه في مجال الأعلام بتأسيس الصحف وإصدار النشرات السياسية وتشكيل الأحزاب والتحالفات التي تنتظر العمل السياسي والحرية، فقد باءت تلك المحاولات بفشل ذريع، وقد استفادت بعض الأسماء من فرص المحاصصة السياسية بعد تراجعهم عن أهداف القوى القومية وانسلاخهم للانضمام إلى كتل مشبوهة قبلت بالدستور والدخول في اللعبة السياسية من خلال الانتخابات المشبوهة.

وعلى الجانب الآخر ظن البعض ان الزمن قد يساعدهم بتشكيل رأي عام وطني يدعمهم في العمل السياسي وفق آفاق ظنوها واعدة لهم فكان ان قرروا إصدار الصحف ذات الخطاب القومي والناصري.

و رغم قلة الإمكانيات المادية وندرة الإمكانات البشرية المؤهلة ( من إعلاميين وصحفيين ) برزت محاولات محكومة بالفشل كان تظن أنها يمكن أن تتحدى شيوع الخطاب الطائفي والشوفيني المتعصب والمدعوم بخطاب المرجعيات المذهبية والطائفية الذي اجتاح العراق من أقصاه إلى أقصاه ، كان البقاء في مثل هذه العاصفة رهانا محكوما بالمخاطر لوميض عمر نظمي وأمثاله. وحسب تعبير كاتب إحدى المقالات عن تجربة الإعلام والصحف القومية والناصرية كتب خالد العزاوي واصفا ذلك الوهم : ( ... ذلك أن هواء الحرية قد هب، أو هكذا توهم به القوميون الناصريون ، فلديهم مساحة يمكن أن يتحركوا فيها علنيا، ولأول مرة منذ خمسة وثلاثين عاما ) .

وهكذا كان الأمر حين أستمر بالصحافة، كمهنة، عدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، منهم حسب خالد العزاوي: عبد الله اللامي ، فؤاد العبودي ، ياسين الحسيني ، عبد الناصر الدليمي، حسام الصفار ، قيس العزاوي ،إضافة للدكتور مبدر الويس وحاتم السعدي اللذين أشرفا على إصدار جريدة "الاشتراكي" في الخارج من سوريا ولبنان قبل الاحتلال ، إضافة إلى عبد الستار ألجميلي الذي أشرف على إصدار جريدة "الطليعة" من السليمانية صدرت بعددين فقط ، وبفترة قصيرة قبل احتلال العراق . كان أغلب هؤلاء قد عادوا من خارج العراق ، ويضاف لهم أمير الحلو الذي عمل رئيسا لتحرير جريدة القادسية ومجلة ألف باء أثناء عهد النظام الوطني السابق ، ومعهم فوزي عبد الواحد الصحفي المخضرم وخضر ألعبيدي و نمير العاني ( أبن الصحفي القدير الذي أشرف على صحيفة العرب أيام الستينيات ) . وهن بينهم من تمرس بالصحافة السرية والكتابة في صحف الداخل والخارج وحسب الظرف المتاح له ، إضافة إلى عدد من الكتاب و المثقفين الذي دخلوا هذا المجال بكتابة المقالات من دون الإلمام السابق بفنون الكتابة الصحفية ، لكن الواقع الملموس في تلك التجربة الصعبة هو ظاهرة محاولة الاستحواذ على الهياكل التنظيمية للتنظيمات القومية التي حاولت هيكلة حالتها بسرعة ، ومثل هذا قد فرض نفسه على ظروف الحركة الناصرية ، وأجنحة وشخصيات منشقة من تنظيماتها القومية السابقة، بمن فيهم بعثيون سابقون، قدموا من سوريا والمهاجر البعيدة والقريبة إلى العراق بعد الاحتلال.

وطالت تلك الحالة من الفوضى السياسية والتنظيمية ما كان يطلق على نفسه إدارات الصحافة القومية بعد الاحتلال ، و في العموم فشلت تلك الصحافة بسبب قلة إمكانياتها وظرفيتها ودوافع تأسيسها الحزبي وتسلط بعض الأسماء عليها، إضافة إلى الحصار والتضييق عليها ومنع الإعلانات والإشهار فيها ومنع الترويج لها ومحدودية توزيعها .

وفي أغلب تلك العناوين القومية حاول الراحل وميض جمال عمر نظمي الكتابة وترأس في حالات منها رئاسة التحرير ولكنه ظل يميل إلى الكتابة الأكاديمية والبحث ونشر المقالة السياسية التي تعبر عن مواقفه ومواقف كتلته القومية من خلال إصدارات خاصة بهم، إضافة إلى مواصلة كتاباته في مجلة المستقبل العربي وإصدارات مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت في ما يتعلق بالشأن العراقي وظروف الاحتلال وتداعياته.

لقد كانت تجربة تأسيس صحيفة "العروبة" كمثال
عن أول إصدار ببغداد لصحيفة تنتسب للتيار القومي العربي بعد التاسع من نيسان 2003م امرأ في غاية في الصعوبة، حتى لو كانت صادرة عن حزب سياسي قومي جديد، منذ تأسيس الحزب القومي الناصري الموحـــــد الذي تأسس في 19 / 6 / 2003 وقررت قيادته إصدار صحيفة ظهر العدد الصفري لها بعد مرور ستة أشهر كاملة ، بعد عقد اجتماع لقيادة الحزب القومي الناصري الموحد، تم فيه اتخاذ إجراءات لإصدار الصحيفة التي نشرت لاحقا مقابلات سياسية مع أبرز الشخصيات القومية والناصرية ، منهم زعيم التيار القومي الراحل صبحي عبد الحميد .

عندما صدر العدد صفر لاقى ترحيبا حارا من جميع القوى القومية وبنى عليه بعض القوميين آمالا عريضة؛ إلا ان الاستئثار باستغلال هذا المطبوع الجديد للدعاية الشخصية أو لدعم التكتلية والشللية أفسدت الوضع وأدت إلى الخسارة عندما بدأ البعض يوزع الجريدة مجانا لكسب الشهرة لنفسه أو لكتلته ،كما فعل زيدان خلف ، أحد أعضاء قيادة التنظيم القومي الناصري الموحد، فخرج عن خطة التوزيع واسترجاع النفقات التي اعتمدت من مالية المكتب السياسي للحزب القومي الناصري الموحد ، فأخذ هذا وذاك يوزع الجريدة مجانا" على بعض مقرات الأحزاب وعلى الأشخاص والمعارف ، كسبا للشهرة ، فأحدث ذلك عجزا في الميزانية ، وعندما تم إصدار العدد الأول وبعده الثاني خرجت الصحيفة خالية الوفاض، وبائسة الإعداد ، في موادها، ماعدا الصفحة الثقافية، وما حملته من مقابلات لبعض رموز التيار القومي في العراق، فاستقال البعض من محرريها فتوقفت دون ان تصدر عددها الرابع .

وعلى منوال تجربة إصدار صحيفة " العروبة" تتالت المصاعب والإخفاقات بالنسبة لأغلب الصحف القومية الأخرى التي صدرت في العراق بعد الاحتلال تباعا . تشير بعض المقالات والأبحاث والدراسات التي تابعت دراسة أوضاع الصحف العراقية بعد الاحتلال والمنسوبة إلى الناصريين والقوميين: ( ... إنها اشتركت جميعها في الفقر المهني ، وكثرة الاعتماد على الانترنيت في مواد النشر ) ، مع استثناء حالات قليلة منها مثل جريدة "العرب" و "راية العرب" اللاحقة بعد فشل جريدة " العروبة" وغيرها كمثال بارز على كونهما مجلات أكاديمية أكثر منها صحف ، ذلك أن الذين كانوا يكتبون بهما لا يتجاوزون عدد محدود من الأسماء المعروفة مثل مساهمات الدكتور وميض جمال عمر نظمي الذي دعمها بجهده بصفة وخبرة ألأكاديمي ( وهو أستاذ علوم سياسية ومتخصص بالقانون والتاريخ المعاصر ) ، وقد أضفى بمهنيته على تلك الجرائد والصحف التي أسهم بها كاتبا أو رئيسا أو نائبا للتحرير.

وكما انتهى مصير جريدة " العروبة" إلى الإغلاق بسبب سوء استخدام الإمكانات المادية التي ترد عليها من خلال التبرعات وليس من خلال المبالغ التي تأتي من موارد التوزيع ،انتهت وتوقفت أيضا الجريدة التالية التي أصبح اسمها "راية العرب" لأسباب مادية، وذلك بسبب المرتجعات الكبيرة من نسخ الجريدة .

كان التوزيع يتم عن طريق شركة تسمى الظلال. وفي ظل هكذا وضع سيء للتوزيع أدى إلى توقف الجريدة بعد أن استنفذت مبالغ تمويلها ، ولعدم وجود مصدر مالي يرفدها من مال الإعلانات المفقودة .

نفس المصير انتهت إليه عناوين أخرى مثل "الطليعة" وجريدة "الوحدة" التي صدرت لعدد واحد فقط ، رغم أن تكاليف ومصروفات مقر واحد من مقرات حزب الوحدة التي تجاوزت الأربعين مقرا مثلا، كانت من الممكن أن تغطي مصاريف إصدار جريدة ، ولكن الاهتمام مرة أخرى توجه إلى التزاحم على الوصول إلى مواقع القيادات الحزبية وكتلها ولم ينصب على الصحافة الحزبية الجديدة .

والآمر نفسه تكرر مع جريدة "البلاغ" التي لم تتعدى إصداراتها خمسة أعداد ، و كذلك صحيفة "البيرق" التي لم تتعدى العشرين عددا، رغم وجود الإمكانات المادية لهما ، فيما صدر من صحيفة "العروبة" عددين فقط ، ومن صحيفة "الوحدة" صدر عدد واحد فقط ، و من صحيفة "الاشتراكي" صدر منها عدة أعداد ، وكذا الآمر بالنسبة لــ " المناضل الناصري" و "الرطبة" وغيرها.

انقسمت الصحف القومية والناصرية الصادرة في العراق بعد الاحتلال إلى ثلاث مجموعات : الصحافة الناصرية وهي : العروبة ، الطليعة ، الوحدة ، العرب ، راية العرب ، الاشتراكي ، ومجلة المناضل الناصري ، ومجلة الاشتراكي ، ومجلة الرطبة. والصحافة القومية وهي : الحرية ، البيضاء ، الجريدة ، العربي ، البلاغ ، البيرق ، الخلاص ، الوحدة ، الوحدة العراقية ، الإصلاح . صوت العرب ، صوت الحق ، نداء الوطن ، الوفاق الديمقراطي ، والصحافة القومية العامة : العربية ، الميزان ، المستقلة ، السفير.

والجدير بالذكر صدرت " راية العرب " كجريـــدة أسبوعية ( مؤقتا ) ، مصنفة لنفسها ، أنها سياسية فكرية ، وشعارهـــــا ( صوت التيار القومي العربي في العراق و منبر المعارضـة الوطنية والديمقراطية للاحتلال ) صدرت عـن مؤسسة رايـة العرب للنشر والتوزيع والترجمة ( وهي كانت شركة مساهمة قيد التأسيس ) . صدر العدد الأول برقـم 21 ( استمراراً لجريدة العرب، سابقتها في التوقف بعد 20 عدد ) ، صدرت بثمان صفحات ثم أصبحت 12 صفحة ( وتوقفت بعد العدد ( 105 ) لتعـــود بلا ألوان في صفحتيها الأولى والأخيـرة ، ولتنقطع مجددا لمـدة شهر ليصدر العدد 107 في يوم الأحد المصادف 11-17 / 6 / 2006م .

بقي الأستاذ صبحي عبد الحميد ، رئيس مجلس الإدارة، وهو الأمين العام للتنظيم القومي الناصري الموحد، عمل د. وميض جمال عمر نظمي ، مستشاراً للتحرير، وكان مجلس أمناء الجريدة مؤلفاً من صبحي عبد الحميد – رئيسا ، الدكتور وميض نظمي – نائب الرئيس ورئيس التحرير ، الدكتور حبيب الدوري عضوا ، الدكتور سعـــــــد ناجي جواد – عضوا ، الدكتور الشهيد عبد اللطيف المياح عضوا ( اغتيل على يد جماعات إجرامية في عام 2003م ) ، الدكتور سعد مهـــدي شلاش ، عضوا ( اغتيل على يد جماعات طائفية مع زوجته يوم 27 / 10 / 2006م ) ، صفـــوت جميل الو نداوي / عضوا، عنوان الجريدة ( بغداد / الأعظمية / خلف المقبــرة الملكية ( .

أما صحيفة "العرب"، وهي جريــــــدة أسبوعية سياسية عامة ، شعارها ( منبر المعارضة الوطنية والديمقراطية للاحتلال ، صدرت عن دار العرب للنشر والتوزيع والترجمة ( شركة مساهمة ) ، صدر العدد الأول في 9 / 12 / 2003 م ، 8 صفحات مــــن قطع النصف ، رئيس مجـلــــــس الإدارة للمرحوم صبحـــي عبد الحميد ، ونائب رئيس مجلس الإدارة ، د. وميض جمال عمر نظمي ،و نمير نعمان العاني.رئيس التحريـر. كانت الصحيفة اقرب إلى المنشور السياسي في افتتاحيتها ، واقرب إلى المجلة الفكرية في دراساتها ، كانت تفتقر إلى بعض الفنون الصحفية ، تغير اسمها ورئيس تحريرها بعد العدد 20 إلى جريدة "راية العرب" ، ومن المعلومات المفيدة أن نذكر أن تمويل الجريدة بدأ عن طريق اشتراكات المساهمين وكان عددهم خمسة عشر لغاية 25 / 2 / 2004م ومجموع الاشتراكات بلغ عشرة ملايين ومائتين وخمسين ألف دينار وعلى الرغم من استمرار التبرعات إلا ان الجريدة التي أصبح اسمها " راية العرب" قد توقفت لأسباب مادية وذلك بسبب المرتجعات الكبيرة من نسخ الجريدة المطبوعة.

تميزت "نداء الوطن" كصحيفـة أسبوعية سياسية عامة ، كان شعارها ( منبر الرؤية الوطنية المعارضة للاحتلال ، العراق باق .. والاحتلال إلى زوال ) ، صدر العدد الأول في 28 آذار 2004 م إلى العدد 25 في يوم الاثنين المصادف 20 أيلــول 2004 م الموافق 6 شعبان 1425 هجريـة ، 8 صفحات من قطع النصف ،كان رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير المرحوم عبد الجبار الكبيسي ( معتقل لدى قوات الاحتلال منـذ 1 / 9 / 2004م وقد أطلق سراحه وسفر إلـــى فرنسا فـي بدايــة العــــام 2006م ) .





الاحد ٢٩ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة