شبكة ذي قار
عـاجـل










بعد اثني عشر عاماً على غزو العراق واحتلاله، اعترف طوني بلير ( رئيس وزراء بريطانيا السابق ) ان قرار الحرب على العراق كان خطأ. لأنه كان السبب في ظهور "داعش". كلام بلير جاء في مقابلة مع محطة ( C.N.N. ) الأميركية وبعد فترة من اعتراف بوش الابن والعديد من أركان الإدارة الأميركية، أن التقارير التي استندت إليها أميركا ومعها بريطانيا لتبرير الحرب على العراق هي تقارير كاذبة ومفبركة. حيث لم يكن العراق يحوز على أسلحة دمار شامل، ولا يقيم علاقة مع "القاعدة" وهما السببان اللذان اعتبرتهما أميركا ومن التحق بها كافيين لإطلاق آلة الحرب لاحتلال العراق وتدميره.
قد يقول قائل أن الاعتراف البريطاني المتأخر عن المسؤولية في تهيئة المناخات لبروز الحركات الدينية كأمثال "داعش" ومثيلاتها، والاعتراف الأميركي بعدم صدقية التقارير لتبرير عدوان هي نقاط تسجل لبلير وبوش باعتبارهما اعترفاً بخطأ ما ارتكباه بحق العراق، فيما أخرون لا يعترفون بذلك.

لو سلمتا جدلاً أن هذه الاعترافات ولو المتأخرة هي نقاط تسجل لهما، لكن من يعرف آلية اتخاذ القرارات ذات الأبعاد الاستراتيجية في هاتين الدولتين ( أميركا وبريطانيا ) لتبين أن بوش وبلير إنما يكذبان مرة أخرى من موقع الاعتراف بالخطأ.

إن بوش وكل أركان إدارته يعون جيداً، ان التقارير التي اعتبروها مبرراً لشن العدوان ليست صحيحة. ومع هذا حشدت أميركا قواتها وأطلقت العنان لغزو العراق وتدمير بنيته الوطنية لأنها لم تستطع إسقاط العراق ونظامه الوطني بالحصار السياسي والاقتصادي والمغطى بقرار من مجلس الأمن. وبلير الذي أقر بخطأه وكأنه يعاني "عقدة ذنب" و"مقاضاة ضميرية" يعرف جيداً أن إسقاط العراق كبنية وطنية ومجتمعية سيولد فراغاً لا بد ان يملأ بمنظومة أخرى وعلى قاعدة أن الطبيعة تأبى الفراغ. فعندما تُسقط دولة وطنية كانت تمارس سلطتها وسيادتها على كامل التراب الوطني وعلى كل المكون الشعبي الوطني، فإن البديل هو دويلات تحت مسميات مختلفة. وعندما يُسقط نظام سياسي عابر في تكوينه البنيوي للطوائف والمذاهب والمناطق فإن البديل نظام سياسي محكوم بالتكوين البنيوي الطائفي والمذهبي والاثني.

وعندما يُسقط نظام سياسي يضع ثروة البلاد في خدمة المشروع التنموي الشامل والتحصين الوطني، فإن البديل نظام يضع ثروة البلاد في خدمة نفاذ مشروع الطوائف والمذاهب وخدمة القابضين على زمام الأمور والمرتبطين بمراكز التوجيه الخارجيين من إقليميين ودوليين.

وعندما يسُقط نظام سياسي علماني المبادئ ويدير شؤون البلاد على قاعدة أن "الدين لله والوطن الجميع"، فإن البديل تغول طائفي ومذهبي متنوع مصادر والإرضاع والتمويل ومتعدد المواقع ويهدف إلى الاستفادة من افتقار البلاد لمناعتها الوطنية وبالتالي تحويل الشعب إلى مجموعات يفرض عليها الانشداد إلى المحفزات المذهبية والطائفية والعرقية ظناً أن ذلك يوفر لها أمناً حياتياً في لحظة ارتفاع المخاطر المهددة للأمن الحياتي.

وعندما يُسقط نظام سياسي كان يشكل مظلة وطنية واقية يحصل الانكشاف الوطني ويفسح المجال أمام القوى المعادية للنفاذ إلى الداخل الوطني وأعمال معاولها في التهديم النبوي الوطني والمجتمعي.

إن كل ذلك يدركه بلير وقبله بوش، لأن آلية اتخاذ القرارات في دولتي أميركا وبريطانيا تمر بمراكز أبحاث ودراسات ومطابخ سياسية. وهي كما تجهد لاستنباط المبررات ولو كانت غير صحيحة، فإنها تدرس كل الاحتمالات المستقبلية وما ينتح عن عملها ،خاصة إذا كان ذو بعد استراتيجي.

لقد كان احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني خياراً استراتيجياً لدى الإدارة الأميركية أولاً والبريطانية ثانياً. لأنه لولا إسقاط العراق، لما كان حصل هذا الزلزال التي ما تزال هزاته الارتدادية تتواصل، ولما كان هذا التغول الطائفي والمذهبي ليأخذ مداه، ولما كان هذا الدور البارز لقوى الإقليم وبدرجة أولى إيران وبدرجة ثانية تركيا لأن يظهرا بهذا الحجم تمهيداً لإعطائهما موقعاً في الترتيبات والأمنية والسياسية على حساب الموقع العربي.

لقد كان احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني خياراً استراتيجياً للإدارة الأميركية والإدارة البريطانية، لأنه يرتبط باستراتيجية هاتين الدولتين حول مستلزمات أمن الكيان الصهيوني وأمن النفط وأنه بدون إسقاط العراق ونظامه الوطني والمشروع السياسي الذي يحمله ما كان لهذين الامنين ان تتوفر لهما البيئة الملائمة التي تلبي حاجتهما وعلى حساب حق شعب العراق بالأمن والسلام والتقدم. ومعه حق الأمة العربية.

إن اعتراف بلير بخطأه، ليس اعترافاً بخطأ وحسب بل كذبة جديدة وخدعة جديدة تندرج في إطار خبث "الغرب السياسي" الذي يمارس سياسة قتل الشعوب ثم يعود ويذرق الدموع على ضحايا عدوانيته، أنها دموع التماسيح التي لم تعد تنطلي على أحد. فسواء أقر بلير بخطأ قرار الحرب وسواء اعترف بوش بالكذب في فبركة التقارير، فالجريمة قد وقعت وهي جريمة عدوان بكل المعايير القانونية والسياسية والأخلاقية والمساءلة حاصلة لا مفر منها، وإذا كان مقدمها مقاومة العدوان الذي رفعت لواءه المقاومة الوطنية العراقية فمؤخرها مقاضاة انسانية واخلاقية وجنائية وهي لن تسقط بالتقادم.
 





الاحد ١٩ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة