شبكة ذي قار
عـاجـل










مجريات الأحداث والتحركات التي تجري على تخومها تؤكد ملمحين أثنين :

أولهما : أن مناطق النفوذ باتت واضحة في العراق وسوريا، تمثلان نفوذاً مزدوجا سياسياً وعسكرياً .. الروس في سوريا يختطفون القرار السياسي كلياً من دمشق ويحطون بثقلهم العسكري على مفاصل الدويلة التي باتت احتمالاً لبقايا نفوذ يساوم عليه على طاولة المفاوضات - حرك قطعة عسكرية بمهارة ، تجلس على طاولة المفاوضات حيث تملي أو تعرض أو تفرض شروط تفضي إلى حلول أو تسويات - هكذا إذن هي حال ساحة الشطرنج التي تقتضي إدراك قواعد اللعبة .. ومن دونها تمسي الأمور دونما طائل أو هي في أحسن الأحوال رجم في الغيب ، وعالم السياسة لا وجود للتنجيم فيه أبداً .. والأمريكيون في العراق يمسكون بتفاصيل نفوذهم السياسي والعسكري، بحكم أنهم يحتلون العراق، ولديهم قواعد، تؤكدها اتفاقية الأطار الأستراتيجي وتفاصيلها وخرائطها وملحقاتها السرية، التي تمنح القوات الأمريكية حرية الحركة والتنقل العسكري و ( ضمان أمن العراق وحماية حدوده ) ، على الرغم من الأنسحاب الشكلي للقوات الأمريكية .

وثانيهما : ان التفاهم الروسي الامريكي حول حدود مناطق النفوذ يعد القاسم المشترك للتعاون الاستخباري العسكري شريطة مراعاة عدم التجاوز على هذه المناطق او اختراق حدودها من جهة ولان امريكا لها مشروعها الكبير في المنطقة لا تسمح بتخريب خطوطه بافعال ونقلات عسكرية او استخبارية او تحالفات سياسية من شانها ان تعيد خطوات المشروع الى المربع الاول .. هذا الاطار العام ، يبدو متفق عليه والتشاور بشأنه ليس ثنائياً بين واشنطن وموسكو إنما بين القوى الاقليمية المؤثرة في مجرى الصراع، ليس على الساحتين العراقية والسورية فحسب، انما على اتساع المنطقة، وذلك تبعاً للحقيقة التي تؤكد ان احتقان اي ساحة او اشعالها سرعان ما ينتقل الاحتقان او نيران الاحداث الى خارج حدود الاقليم، كمن يسقط حجراً في بركة، فأن تردد موجاتها الناجمة عن الارتطام تتسع حلقاتها لتصل الى حافات الاطراف الاخرى او مجالاتها الحيوية .. كما حصل ويحصل لأوربا التي وصلتها موجات هجرة الحروب المستعرة في سوريا والعراق .

الملاحظات :

1- تحاول موسكو ان تتجاوز حدود النفوذ الامريكي بتمدد فعلها العسكري ( الجوي ) و ( الأستخباري ) و ( تحالفات قوى اقليمية ) صوب العراق بموافقة أو قبول عراقي، الأمر الذي سيضع النفوذ الامريكي بيم كماشتين هما التنسيق الاستخباري الرباعي ( روسيا – ايران – سوريا – العراق ) من جهة، وتحريك ايران لمليشياتها في العراق - كبيدق شطرنج - تلعبه طهران لمنع تراجع نفوذها المتآكل أصلاً في العراق نتيجة يقظة الشعب العراقي وتعاظم قدراته في كسر حاجز الخوف، وتزايد معدلات التراجع العسكري للنظام السوري وانحسار قدرات مليشيات حزب الله المرتبط بايران في الجنوب اللبناني وانهيار شبه كامل للنفوذ الايراني - الحوثي في اليمن من جهة أخرى .

2- انهيار النظام في دمشق ( الضامن للمصالح الروسية في سوريا ) وتقلص مساحة قدراته العسكرية القتالية الدفاعية، بات في عرف ( الكرملين ) يهدد المصالح الجيو- ستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط .. ممثلة بالموقع الأستراتيجي على حافات مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، وخزين النفط والغاز في أعماق المياه الأقليمية ( السورية واللبنانية والفلسطينية والمصرية والتركية واليونانية ) ، وهو خزين هائل واعد سيحول مجرى الصراع كما سيغير مرتسمات السياسات ومخططاتها العسكرية، فيما سيعيد انتاج علاقات ( جيو- اقتصادية ) واعدة يسيل لنتائجها لعاب الدول الكبرى والعظمى فضلاً عن الدول الأقليمية .. وبالتالي سيغير معادلات القوى في المنطقة .. هذا ما تفكر فيه موسكو وإيران بشكل صامت ولكنه مغلف بغطاء محاربة الأرهاب.!!

3- الأطار العام لكل من النفوذ الأمريكي والروسي، لا يسمح لإيران بالتمدد بعيداً بحيث يؤثر على نفوذهما ( إيران هنا تقتات على جهد أمريكا وجهد روسيا لتظهر كالنمر ولكنها نمر من ورق ) .. الأمر الذي يفرض تنسيقاً يسفر عن آليات من شأنها أن لا تختلط الأوراق .. بمعنى أن لا يكون هناك تداخل خنادق، ووضع حدود لمساحات النفوذ والألتزام بحدود عدم الأحتكاك والتعرض .. وعلى هذا الأساس تتردد موسكو في ممارسة فعلها العسكري في العراق على غرار ما تفعله في سوريا .. ولكن قد تجد إيران مدخلاً لحشر روسيا في العراق .. مثل ضرب أرتال الأرهاب ومنع تسربها من سوريا إلى العراق .!!

4- إن توقيع موسكو على معاهدة تعاون إستراتيجي استخباري مع حكومة بغداد، يتعارض مع اتفاقية الأطار الأستراتيجي، التي وقعتها هذه الحكومة مع أمريكا من زاوية تجاوز النفوذ الأمريكي في العراق .. أما مسألة طلب بغداد من موسكو توسيع فعلها العسكري الجوي في العراق، فقد أوضحت موسكو أنها غير مستعدة لهذا الأمر، إدراكاً منها بأن سلوكها العسكري محكوم بقاعدة التعامل المتفق عليه تجنباً لأستفزاز واشنطن، وهو الأمر في حالة الخلاف يستلزم في المقابل التحرك ( للمحافظة ) على النفوذ الامريكي في العراق .. أما سوريا فأن النفوذ الإيراني ومنذ عام 1971 قد اخذ يتسع بمجيء حكم بشار الاسد الذي فتح الأبواب على مصاريعها للتمدد الإيراني سياسياً وآيديولوجياً واستخبارياً، وللنفوذ الروسي على حدٍ سواء .

5- ولكن الأشكالية في المفارقة التي أبداها المعني بلجنة الأمن البرلمانية من ان ( العراق وافق على ان تباشر موسكو ضرب الأرتال القادمة من سوريا الى العراق ) .. والغرابة هنا من أين يبدأ التخويل بضرب الأرتال؟ هل تضرب وهي داخل الأراضي السورية ضمن العمل العسكري الروسي، أم أن التخويل يحدد ان يكون الفعل العسكري الروسي في داخل العراق؟ ، فليس من حق حكومة العراق إعطاء تخويل لقوات روسية عاملة في سوريا .. فيما تنفي حكومة المنطقة الخضراء مثل هذا التخويل وتؤكده اللجنة البرلمانية.!! ، هل هذه مهزلة أم ماذا ؟

التدخل العسكري الروسي في سوريا وإن كان شكلياً لحماية النظام السوري من الأنهيار، إلا أنه رتب جملة من الأمور :

أولاً- لم تعد ايران اللآعب الأول في سوريا والعراق والمنطقة .. لأن إيران باتت تشكل القوة المحتلة لسوريا والعراق فليس من حقها ان تفرض اجندتها في التفاوض بشأن مستقبل سوريا والعراق، وما عليها إلا سحب مليشياتها المسلحة ومستشاريها وحرسها ، عندئذٍ يمكن إشراكها في مفاوضات من أجل إحلال الأمن والأستقرار في المنطقة .. ويبدو أن الروس يتحدثون الآن بأسم نظام دمشق وبأسم الإيرانيين .. وهذا يعد منتهى الأستغراب ويستدل منه على:

- ضعف نظام دمشق وانهياره السياسي والمعنوي والمادي فضلاً عن فقدانه الأعتراف الواقعي ( Du jour ) ومعظم الأعتراف القانوني ( De facto ) .

- فقدان النظام الإيراني لقدراته في التمدد وتساقط اوراقه السياسية والآيديولوجية والعسكرية الواحدة بعد الأخرى، وهو الآن يراوغ خلف موسكو.

ثانياً- لم تعد ايران تشكل رقماً اولياً في الحركة الـ ( جيو- ستراتيجية ) و الـ ( جيو- أقتصادية ) التي تهتم بها موسكو على صعيد ( أوراسيا ) حيث الأتحاد الأوراسي الذي تشكل من كل من ( الصين وإيران وبنغلاديش وبوتان والهند والمالديف ونيبال وباكستان وسريلانكا ) ، ممثلان لأتحاد ورابطة جنوب آسيا للتعاون الأقليمي .. لأعتبارات تتعلق بانجاز ممر اقتصادي بين الصين وباكستان ( CPEC ) ، الذي يربط الكتل الأقتصادية ( الأتحاد الأقتصادي الأوربي- الآسيوي بقيادة روسيا ( EEU ) مع دول رابطة جنوب شرق آسيا للتعاون لقاطع ( شنغيانغ ) .. من هذه الزاوية فأن إيران لا تمثل اولوية في سلم علاقات موسكو بالقياس مع الباكستان التي تتميز بأهمية ( جيو- ستراتيجية ) و ( جيو- إقتصادية ) ، لذلك ستسلم موسكو باكستان طائرات من طراز ( MI-35M ) وأحدث مقاتلات من طراز ( SU-35 ) ، ولكن ليس على حساب الهند.

ثالثاً- لا مناص من أن تعجل موسكو في تسوية العقدة السورية مع قليل من المراوغة والغموض، ولكنها تدرك أن إطالة زمن العقدة ليس في صالحها وحلفاؤها .. لأن الأزمة لا يوجد فيها مخرج سوى نهاية نظام دمشق وانسحاب القوة الإيرانية من سوريا والعراق، لأن إيران باتت محتلة لأراضي سوريا والعراق ومتدخلة بصلافة في الشؤون الداخلية لدول المنطقة كافة .. وهذا تدركه موسكو وتعلم أنه يأكل من جرف ( صدقيتها ) ، وأنه من الصعب الثقة بنظام طهران.

فهل تسمح أمريكا بتداخل الخنادق على الساحة العراقية تحت خيمة اتفاقية الأطار الأستراتيجي مع حكومة المنطقة الخضراء الألعوبه؟ وهل من مجال للعب أكثر من لآعب امريكي مع تابع طائفي دموي يلهث خلف عاصمتين موسكو وواشنطن؟!

وقرار تنظيف العراق من ملوثات الأمريكان وخدمهم هو بيد شعب العراق .. وإن لعبة الطائفية التي برع الخدم الطائفيون بها، وهي الوحيدة في جعبتهم ولا يملكون غيرها، لن تصمد طويلاً أمام الحقائق التي باتت على كل لسان من ابناء شعبنا في العراق وخارجه، وامام الواقع المزري الذي وصل اليه العراق بسبب لعبة الدجل الطائفي منذ اكثر من عقد من السنين دون أي بناء، دون أي أمن، دون أي استقرار.!!





الاثنين ١٣ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة