شبكة ذي قار
عـاجـل










الثورة هي موقف شمولي جذري وعلمي من المجتمع، يتناول أسس وأشكال الاستغلال القائم في هذا المجتمع ،وينطلق من حقيقة كون هذا الاستغلال هو الجذر في الضياع الانساني فهو شمولي بمعنى أنه موقف فلسفي يتناول الاستغلال ليس كظاهرة جزئية تتعلق بجانب من الجوانب الحياتية وأنما يتعدى ذلك نحو سحب الاستغلال على جميع جوانب ومظاهرة الحياة الانسانية.

وهو جذري بمعنى الرفض الكلي للحلول التي لاتمس أسس ظاهرة الاستغلال . وهو علمي بمعنى أستيعاب الواقع والكشف عن تناقضاته التي هي بدورها قوانين محركة لذلك الواقع، لان الثورية ما هي الا علم التناقضات وحلها .

هذا هو المفهوم العلمي للثورية الذي يؤمن به البعث . ولابد لنا هنا من ذكر ملاحظة هامة حول مفهوم الثورية . فالثورية هي صيغة علاقة وتجاوب مع الواقع المشخص، وبالتالي فأن مفهوم الثورية يختلف من منطقة الى آخرى ومن عصر الى آخر ، ومن أيديولوجية الى آخرى وحتى لو وجدنا في نقس المكان وفي نفس العصر. لذلك فأن القول بوجود مفهوم واحد عام للثورية هو محض هراء . صادر عن عقل لا علمي ولا منطقي .

الان وقد توضح مفهوم البعث للثورية ، لابد من تحديد مواقع السمة ـــ الثورية ــــ داخل أيديولوجية البعث .

تظهر هذه السمة ـــ الثورية ـــ من خلال مايلي :

1- أرتباط أيديولوجية البعث بحركة الواقع :
أي ترجمتها الامينة لحركة الواقع العربي في هذه المرحلة التاريخية الراهنة . لان هذه المرحلة هي مرحلة ثورية، أي أن التناقضات الكامنة في الواقع العربي تناقضات عميقة ، ولا يمكن أن تعالج الا بمنطق شمولي وجذري .

وأيديولوجية البعث هي رفض للنظرة الجزئية الى الواقع العربي التي تكتفي بمعاينه جانب واحد من جوانب التناقض والصراع، وهي أيضا رفض للنظرة الصلاحية التي تستغل التناقض بدل أن تتجاوزه. وكذلك هي رفض للنظرة الطوباوية التي تقدم الحلول للواقع العربي دون تحليل وأدراك للطبيعة الحتمية لتطور الواقع العربي في هذه المرحلة .

أذن الايديولوجية ثورية لانها ملتحمة بالواقع الثوري ، فهي جزء من طبيعة أيديولوجية الحزب التي نظرت الى الواقع نظرة شمولية كلية ونظرة جذرية حاسمة، ونظرة علمية موضوعية . فكشفت كل تناقضات الواقع العربي ووضعت الحركة العربية الثورية أمام مسؤولياتها التاريخية .

2- ألتحام الفكرة بمصلحة الطبقات الاكثر ثورية :
لقد نظر البعث الى الواقع العربي، نظرة فاحصة ناقدة محللة تمهيدا لصوغ منطلقاته النظرية وبرنامجه الفكري لتغيير هذا الواقع بواقع جديد يناقضه ويخالفه . لقد بقى البعث أمينا في ترجمته لهذا الواقع ، فكان لا بد أن يصل الى الحلول الصحيحة بخطوطها العريضة ، بغية الاعتماد عليها لقلب المجتمع . لقد وعى أهمية الوحدة والحرية والاشتراكية كاهداف وحيدة ، يتوقف خلاص هذه الامة على تحقيقها . يقول القائد المؤسس رحمه الله : ( لقد بنينا عملنا ونضالنا في هذا الحزب منذ خمسة عشر عاما على مسلمة أساسية بسيطة وهي أن القضية العربية كل لا يتجزأ . وربطنا بين تحرير الامة من الاستعمار الخارجي وبين تحررها من الاستثمار الداخلي وبين تغلبها على التجزئة وتحقيق لوحدتها القومية ، وها أن الحوادث والوقائع تجيء عاما بعد عام ويوما بعد يوم مصداقا لسلامة تلك النظرة ومتانة ذلك الاساس الذي بنينا عليه نضالنا ). في سبيل البعث .

وأستكمالا لهذا الوعي ، أدرك البعث ضرورة أرتباط هذه الاهداف الثورية بحد ذاتها بالطبقات الاكثر ثورية في المجتمع العربي، الطبقات التي يهمها فعلا تحقيق هذه الاهداف والتي تناضل نضالا دائبا في سبيلها . فهذه الطبقات ، هي الوحيدة التي تستطيع التخلص من المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أفرزتها التجزئة والاوضاع اللاطبيعية في الوطن العربي .

3- المنهج الجدلي :
في المنطلقات النظرية للحزب ورد مقطع جاء فيه ( السمة الثانية لايديولوجية حزبنا هي الثورية لان منطق التفكير القومي الاشتراكي العلمي في التحليل الاجتماعي والاقتصادي هو منطق جدلي، ينطلق من أقرار وجود تناقض في المجتمع ووجود صراع بين الطبقات ) المنطلقات النظرية .

ويتضح من هذا النص الصريح مدى تأكيد الحزب على ظرورة وعي وتبني الجدلية كمنهج ثوري وحيد في التفكير والعمل النضالي كمرتكز أساسي في الموقف الثوري.

فلقد ظل الوعي العربي ( القومي والطبقي ) مقصرا عن تحديد مضمون المنهج العلمي الثوري لدراسة الواقع العربي دراسة علمية صحيحة .

فكثيرا ما يتورط الوعي العربي ، تحت تأثير التيارات الفكرية والايديولوجية الاخرى ، في نوعين من الخطأ : خطأ الاستسلام للحلول المسبقة ، أو خطأ رد الفعل عليها ردا سلبيا .

وكلا الخطأين يعبران عن تقصير الوعي العربي عن بلوغ مرحلة النضج. ولقد جاء البعث ليؤكد بشكل قاطع أن المنهج الجدلي منهج علمي ثوري ، والوعي العربي مطالب بتبني هذا المنهج . الا أن الاختلاف يكمن حول مضمون التحليل العلمي وحول نقطة الانطلاق والبدء كما يكمن في موقف الوعي العربي الثوري من هذه الاداة العلمية وفي درجة الاستسلام أو الاستعباد لها. فالمنهج الجدلي لا يكون علميا الا أذا أنطلق من تناقضات الواقع ومن تحليل هذه التناقضات . وعلى هذا الاساس فأن طريق التحليل العلمي بالنسبة للوعي العربي هو طريق أكتشاف العلاقة الجدلية بين شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ، أي قانون التلازم بين الصراع القومي والصراع الطبقي من جهة وبين الصراع القومي والصراع العالمي من جهة اخرى .

من كل ما سبق يتبين لنا أن المنهج الجدلي هو مظهر من مظاهر السمة الثورية العلمية لايديولوجية الحزب فبواسطته أستطاع أن يكشف حركة الواقع العربي ككل .

4- مفهوم الانقلابية :
السمة الاساسية المميزة لثورية البعث هي تركيزه على ضرورة تحقيق الانقلابية كشرط لنجاح الثورة في المجتمع . فنظرة البعث الشاملة لمفهوم الثورة وأبعادها الحضارية ، وأدراكه العميق للأثار السلبية البعيدة التي خلقتها ظروف التخلف والاستعمار والتجزئة على الانسان والمجتمع العربي تجعله يفترض ذلك الشرط . الا أننا تجنبا لسوء الفهم المقصود وللخلط الناتج عن عدم الاحاطة اللازمة بمفهوم الانقلاب عند الحزب ، يجب أن ننوه الى النقاط التالية :

أ‌- الثورة الداخلية ، أو الانقلاب على الذات :
والمقصود بذلك تخلص الانسان العربي الثوري من سائر مظاهر الفساد التي علقت بحكم النشأة في مجتمع الاستغلال . يقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله : ( الفرد الانقلابي هو الذي يصارع هذا الواقع في نفسه قبل أن يصارعه في المجتمع والاوضاع المادية ، وأن كل الذين لا يصارعون هذا الواقع ، ويحبون حياة طبيعية هادئة مريحة هم ضمن الواقع الفاسد الذي يجب أن نحاربه ، أذ لو لم يكونوا منه لوجب أن تتحول حياتهم الى ألم ونضال ( في سبل البعث ).

أن أنفصال الفرد الثوري الانقلابي أنفصالا تاما وحاسما عن كل ما هو سائد في هذا الواقع الفاسد ونفسيته المنفعلة وأخلاقه النفعية وعقليته الاستغلالية القائمة على الكبت والارهاب والتفاوت الطبقي ، وعن كل التفكير الأدبي والفلسفي والفني الذي يرتبط أرتباطا صميميا بعجلة هذا الواقع ، أن هذا الانفصال النهائي هو الشرط الاساسي للبدء بتحقيق مثل هذه الثورة الداخلية في نفس الذي يتأهب ليكون مناضلا ثوريا أنقلابيا .

ب – الثورة الخارجية ، أو الانقلاب على الواقع الموضوعي :
الحزب لم يكتف بالثورة الداخلية بل قرنها بالثورة الخارجية كجناحين لجسم واحد هو الانقلاب الشامل . أن الثورة الخارجية ( أي الانقلاب على الواقع الفاسد الذي يعيشه المجتمع العربي ) أنما هي الطريق الاساسي لتمكين الانسان العربي بشكل عام والمجتمع العربي أيضا من التخلص من مظاهر وجوانب الفساد والاستغلال السائد في المجتمع ، فالانقلاب على الواقع الموضوعي الحالي هو أذن " طريق الى الغاية المنشودة ، الى المجتمع السليم الذي ننشده . ولكنه ليس طريقا من الطرق أنما هو الطريق الوحيد ، لهذا السبب قرن الحزب الانقلاب على الواقع الفاسد ، بوجود التنظيم الانقلابي القادر على تغييره .

فكما أن " الانقلابية تفرض نوعا معينا من العمل في الوسط الخارجي السياسي والاجتماعي فهي تفرض كذلك نوعا معينا من التنظيم السلوك داخل الحزب " في سبيل البعث .

أذن " التنظيم الانقلابي هو الذي يضمن تحقيق الانفصال الحاسم بين الواقع الفاسد ونفسيته المنفعلة وأخلاقه النفعية وعقليته الرجعية ، وبين حركة الانقلاب أي الجيل العربي المتحرر من كل هذه الامراض" في سبيل البعث .






الاثنين ٢٨ شعبــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال أحمد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة