شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما تكالبت الإمبريالية مرتكزة على حليفها الإستراتيجي إيران الصفوية من أجل غزو العراق وتدميره كنسيج إجتماعي عروبي وطني، ظن أغلب المثقفين والسياسيين العرب شأنهم شأن البسطاء من ابناء شعبنا أن زمن "البعث" كحالة نضالية وجماهيرية وحتى فكرية قد إنتهى بمجرد سقوط بغداد ووضع مناضلي الحزب تحت الحظر والإجتثاث لأن زمن الأصوليات سيحكم المنطقة العربية برعاية أمريكية وصهيونية تحت مظلة صفوية هنا أو تكفيرية هناك!

لهذا لم يكن قرار السير في معركة "الحواسم" من بوابة المقاومة المسلحة الشعبية عادياً بالنسبة الى القيادة العراقية وعلى رأسهم القائد المجدد صدام حسين بل كان قراراً ضرورياً لنقل مرحلة الصراع مع اعداء الأمة من اطارها النظري الفكري الى الواقع النضالي الميداني مع ما سيحمله الواقع الجديد من تضحيات جسام وتحديات جمة لأنه من دون قرار القيادة المضحي بالسلطة لصالح الثورة كان "البعث" سيفقد مبرر وجوده كحالة نضالية قومية جماهيرية تدريجياً في ظل تنامي قوة حركات الفكر الإسلامي السياسي إن بنسخة "الشاه المعمم" يومها او بنسخة التشدد الإسلامي والتكفيري لاحقاً في مواجهة الأنظمة العربية علماً أنهم لم يحملوا مشروعاً حقيقياً للحكم والتغيير نحو الأفضل(مصر - تونس- سوريا- ليبيا مثالاً) سوى الدعم الإستعماري الغربي الساعي من خلالهم لإنهاء الهوية العربية وكأن الإسلام لا يكمل العروبة او العكس!

ومن هنا لم يكن مستغرباً طوال 12 عاماً من النضال في صفوف المقاومة الوطنية العراقية ضد الإحتلال الأمريكي ثم في صفوف الثورة العراقية الكبرى ضد الإحتلال الصفوي الحاقد أن يكون "البعث" هو الوحيد المغيب إعلامياً عن الساحة العربية وإن كان له حصة الأسد في كلتا الحالتين النضاليتين في ظل تضخيم أدوار الإسلاميين المتشددين التكفيريين خدمة لمشروع أمريكا الساعي لجعل الأصولية الصفوية الفارسية تتنفس من وقود الأصولية السنية التكفيرية بما يدفع بإتجاه الإقتتال الطائفي والمذهبي على إمتداد الوطن العربي الكبير تحت مسميات مختلفة.

وبما أن أمريكا تعلم قبل غيرها أن "البعث" مع ما يحمله من حصانة فكرية أوجد بذورها ميشال عفلق، وحده الضامن لوحدة العراق في مواجهة الأطماع الفارسية كما أنه الصادق الوحيد تجاه قضية فلسطين وسائر قضايا العروبة سعت عبر "جهابزة" إعلامها المأجور للتشويش على مجريات الأحداث التاريخية الحاصلة في العراق مؤخراً من خلال ربط "البعث" فكراً وأفراداً بمذهب أو منطقة عراقية دون غيرها حتى أن بعضهم جعلته خصوبة مخيلته يتصور البعث حزباً إسلامياً سنياً او مناطقياً أو مناوىء للطائفة الشيعية في العراق مستفيداً من إنشغال الحزب بقيادة عزت إبراهيم بالواقع النضالي المستجد منذ العام 2003 بعيداً من العرضات الإعلامية الفارغة مفضلين العمل بصمت وسرية حرصاً على تحقيق أهداف الثورة النهائية.
إلا أن "أبا أحمد" حطم في خطابه الأخير من داخل بغداد العروبة أكاذيبهم وأساطيرهم مؤكداً للجماهير العربية قبل الحزبية على ان "إنتماء البعث الى مدرسة العروبة أولاً كما كان عفلق يردد بكتاباته حتى أنه كشف عن رؤيته بصفته الأمين العام للحزب لتطور أحداث صعود الإسلام السياسي ثم سقوط تجاربهم تباعاً"، متوقعاً بقراءة إستراتجية بعيدة المدى عودة" المدّ القومي كما كان في ثلاثينيات وأربعينات القرن الماضي". وهنا لا بد من التذكير على أن "البعث" وقادته ومفكريه عندما تحدثوا عن الأخطار الشعوبية على الأمن القومي العربي ثم عندما إختاروا مواجهة امريكا لعلمهم أنها العائق الأكبر أمام أي تقدم عربي حقيقي بوصفها الحليف الإستراتيجي لطهران ظن الكثيرون أن "البعث" بشخص أمينه العام الشهيد صدام حسين يعيش في عالم أخر خارج سياق التاريخ غير أن الأحداث المتتالية منذ فترة وما أظهرته إيران من نواياها الحقيقية تجاه الخليج العربي وصولاً الى السودان جلعت كل العرب يتحدثون بلسان البعث مستنتجين ما إستنتجه البعث وقيادته منذ زمن بعيد. وما يحصل في الخليج العربي من ردة فعل ما هو إلا بداية مجتزئة للوعي العربي المنتظر الذي تحدث عنه "أبا أحمد" بلهفة الإيمان وعمق الرسالة الخالدة. فما الذي ينتظره العرب خصوصاً قادة الخليج أكثر كي يقولوا "لا لأمريكا ذات الوعود الخائبة بحفظ امنهم فيما تسير بتحالفها مع ايران حتى أنها أورثتها إحتلال العراق" ؟ فأنتم انتظرتم إيران كي تصل الى عقر دارهكم كي تصدقوا العراق وقيادته الحكيمة وتتحدثوا بلسان البعث في مواجهة إيران.

بالتأكيد لن تكون طريق البعث في الدفاع عن مصير الأمة العربية "معبد بالورود والرياحين بل مليء بالأشواك" نظراً لكثرة التحديات وتشعبها، فإذا كان البعث قادراً على تحرير الأرض من الإحتلال الفارسي البغيض بقوة المقاومة وإحتضان الشعب العراقي لها دون أدنى شك، لا بد لنا من إطلاق ورشة عمل فكرية بالتوازي لضمان تحرر الإنسان من الفهم الخاطىء للعلاقة بين العروبة والإسلام في ظل ما سيتركه الإسلام السياسي، صفوياً كان أم تكفيرياً، من مخلفات لدى مجتمعاتنا سيما وان تخمر التجربة النضالية ستجعل البعث أكثر نضوجاً في المرحلة المقبلة عكس التجارب السابقة.






السبت ١٥ جمادي الثانية ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / نيســان / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير خالد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة