شبكة ذي قار
عـاجـل










نوري المالكي الذي لم يكن في دائرة الضوء السياسي قبل الاحتلال الأميركي، أصبح بعد الاحتلال، واحداً من الذين وقفوا في لائحة الاصطفاف أمام مقر الحاكم الأميركي للجلوس على المقعد المحدد له على طاولة مجلس الحكم الانتقالي.

ومن يراقب تدرج المالكي على سلم "النجومية السياسية" لا يجد كثير عناءٍ ليرى أن هذا التدرج ارتبط طرداً بحجم تدرج تزايد النفوذ الإيراني في معطى الواقع العراقي على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية. وأن هذه النجومية بلغت ذروتها يوم بدأ النظام الإيراني يمارس دوره في العراق كمحتل من الباطن مالئاً الفراغ الذي خلفه خروج المحتل الأميركي.

إن المالكي الذي بدأ إطلالته السياسية عبر فعاليات ما سمي بمؤتمر" المعارضة العراقية "وكان من الموقعين على "إعلان شيعة العراق"، بات ظاهرياً بعد عام /2011 وكأنه الحاكم بآمره.

لقد قبض على السلطة التنفيذية وأمسك بمفاصل التشكيلات العسكرية والأمنية، وسرب ثروة العراق في مزاريب، بعضها كشف النقاب عند وبعضه لم يكشف، وبقي طي الكتمان حتى لحظة إزاحته عن الموقع المقرر في هرمية السلطة، وحيث تبين أن المالكي الذي كان يقدم نفسه بأنه "رجل العراق القوي" لم يكن سوى أداة تنفيذية للغرفة السرية التي كانت تديرها المخابرات الإيرانية، والتي كانت تشرف على إدارة الملفات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية وكل ما له علاقة بالشأن العام العراقي.

لقد ثبت بالحس والملموس أنه طيلة وجود المالكي في رئاسة الحكومة لم يكن يتصرف بعقلية رجل الدولة الحريص على إعادة بناء العراق الذي هدمه الاحتلال وضرب مرتكزات بنيانه السياسية، بل كان يتصرف بخلفية العقلية المليشياوية .وهذه العقلية برزت مشاهدها من خلال استمراره بتنفيذ استراتيجية المحتل الأميركي التي تلاقت وتقاطعت مع استراتيجية النظام الإيراني، والهادفة إلى الحؤول دون استعادة العراق لوضعه الطبيعي، ودون إعادة تنظيم الحياة السياسية على قاعدة الانتماء بالمواطنة، ودون إعادة ثروة العراق المسربة والمهربة إلى خزينة الدولة .

إن شيئاً من هذا لم يحصل، بل الأكثر من ذلك، فإن المالكي بدا منذ أطلقت يد النظام الإيراني بضبط إيقاع الوضع في العراق قياساً على مصالحه ومشاريعه يتصرف كرئيس مليشيا أكثر منه رئيس سلطة تنفيذية. وقد اختبر هذا السلوك المليشياوي في تعامله مع كافة الملفات ذات الصلة بالشأن العراقي. فهو بالنسبة للمال العام، تعامل معه بأنه مال خاص جرى توزيعه على الازلام والمحاسيب وتغطية فاتورة الإنفاق الإيرانية ومن العبث بالمال العام، إلى الإدارة التي نخزها الفساد ومعها صنف العراق دولة فاشلة كما بينت القيود الدفترية أن الأموال التي تدرج في أبواب الموازنة أنها للدفاع إنما كانت تذهب للتشكيلات الميليشياوية وليس أدل على ذلك سوى الرقم المصرح به بأن خمسين ألف متفرغ كانوا يقبضون رواتب دون أن يكون هناك أي توثيق لأسمائهم. وتبين أن هؤلاء "الفضائيين" إنما كانوا تشكيلات مليشياوية تديرها المخابرات الإيرانية لتأدية وظائف أمنية وعسكرية في داخل العراق وخارجه.

هذا كله كان غيض من فيض على السلوك المليشياوي والأكثر دلالة على الطبيعية المليشياوية للعقلية السلطوية للمالكي، هو الخطاب السياسي الذي أطلقه أثناء مواجهة الحراك الشعبي الذي انطلق تحت عناوين المسألة الوطنية. فعندما يُقدم مسؤول وهو الأول هو الاول في هرمية السلطة على إطلاق خطاب سياسي مفعم بالمفردات المذهبية والطائفية ويستحضر محطات مؤلمة في التاريخ العربي، ليسقطها على الحاضر بغية تأجيج المشاعر المذهبية والطائفية واللعب على أوتارها لتوظيفات سياسية، فهذا دليل قاطع بأنه يتصرف بعقلية المسؤول المكتمل المواصفات المليشياوية.

إن هذه الوقائع التي أماطت اللثام عن طبيعية التكوين السياسي المالكي بماضيه وحاضره. لم توفر له ديمومة في هرمية السلطة والسبب في ذلك أنها حجم الاعتراض الشعبي وفعالية المقاومة الشعبية التي فرضت عليها العسكرة كرد فعل على إجرامية وعنف إدارة المالكي المليشياوية، أربكت العملية السياسية التي كان يديرها .

بعد إعادة تركيب السلطة وتوزيع مواقع النفوذ، لم يحصل أي تبدل جوهري في إدارة الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية، نظراً لكون المالكي كان يمثل نهجاً سياسياً، وهذا النهج وأن أدخلت عليه بعد التعديلات الشكلية عبر تدوير بعض الزوايا، إلا أنه بقي محافظاً على جوهره وخاصة بما تعلق بإفرازات الاحتلال ونماذجها الصارخة المتمثلة بحل الجيش العراقي، واجتثاث البعث، وتطييف الحياة السياسية وتشريع التقسيم الواقعي للعراق قياساً على خارطة توزع الانتشار السكاني بحسب الانتماء الإيماني المذهبي.

مع هذا التركيب الجديد للسلطة أعيد تسمية المالكي رئيساً للجمهورية كي يستفيد من حصانة الموقع ولكي لا تفتح ملفاته في الفساد وقد أعيد تسميته قائداً لما يسمى بالحشد الشعبي.

هذا التشكيل الميليشياوي ذي البنية المذهبية الذي أطلقت صفارة تأسيسه بفتوى دينية مذهبية شرع في مجلس الوزراء وأنيط به الدور الأبرز في تنفيذ العمليات العسكرية والأمنية تحت الأمرة الإيرانية.

ومع استلام المالكي لإمرة "الحشد الشعبي"، يكون قد عاد إلى مسرح الأحداث الأمنية والسياسية من نافذة إمرته لتشكيل ميليشياوي بعدما خرج من باب السلطة التي كان يديرها بعقل مليشياوي.

هذا التشكيل المليشياوي الذي يرتفع عدده وعديده ليصبح جيش مكون سياسي ببنية مذهبية يراد له أن يحاكي في أهدافه السياسية تشكيل البيشماركة في شمال العراق، كما محاكاة ماهو مزمع تشكيله تحت مسمى الحرس الوطني في غرب العراق.
ومع الخطورة التي تشكلها عملية إبراز هذه التشكيلات الأمنية في وقت تتسارع فيه الخطوات لإجهاض التحولات الوطنية الإيجابية التي أفرزتها انتفاضة شعب العراق يعود المالكي إلى حيث يجب أن يكون، مسؤولاً مليشياوياً أخضع لدورة تدريبية في هرمية السلطة التي أدارت العملية السياسية.

لكن إذا كانت التطورات قد فرضت هذا الأمر الواقع، إلا أن ذلك ليس قدراً، بل إسقاطه حتمي، لأن من أسقط الاحتلال الأول وجوّف بطن الاحتلال الثاني قادر على إسقاط إفرازات الاحتلال أياً كانت مصادر إرضاعها الدولية والإقليمية .وعناصر إسقاط هذه الإفرازات متوفرة عبر معطى المشروع الوطني الذي تحمل لواءه قوى الثورة والمقاومة والتغيير، وأن ألف باء إسقاط هذا المشروع هو الحؤول دون تمرير قانون تجريم البعث وحظره، وإنشاء الحرس الوطني، الذي إذا ما شرع بقانون، فإن "الحشد الشعبي" سيشرع أيضاً بقانون بعدما شرع بمرسوم والبديل هو المشروع السياسي الوطني الذي أطلقته قوى الانتفاضة والذي دعت فيه إلى تجميد العمل بدستور بريمر والغاء كل القرارات الصادرة ومنها حل الجيش واجتثاث البعث، وإصدار عفوعام ، وإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين والتعويض عليهم، وتشكيل حكومة مستقلة من ذوي الكفاءات المشهودة، وتشكيل هيئة تأسيسية تتولى وضع مشروع دستور يطرح على الاستفتاء العام تعقبه انتخابات عامة استناداً إليه. وعندها تتم عملية إعادة هيكلة الحياة السياسية والتي تكشف حقيقة مكامن القوة في الوضع الشعبي والسياسي العراقي، و معها تتحدد من هي القوى السياسية التي تملك مشروعية التمثيل السياسي استناداً إلى الاستفتاء الشعبي وليس استناداً إلى الاتكاء على الدعم الأميركي والإيراني.






السبت ٢٥ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٤ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحامي حسن بيان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة