شبكة ذي قار
عـاجـل










كان موضوع الوحدة ساخنا في مسلسل البعث باق ، لماذا ؟ لان الوحدة كما قلنا هي الضمانة لكل هدف صغيرا أو كبيرا تتطلع إليه امة العرب وبتحقيق الوحدة سيرى العرب ومن عاش وسكن وارتضى أن يكون معهم وظهيرا لهم ، إن الجميع قد امتلكوا زمام أنفسهم وأصبحوا أحرارا في ديارهم واغنياءا في ثروتهم ، فالوحدة سياج الأقوياء وسوف لن يستطيع طامع أو غازي من أن ينال بعد من هذه الوحدة شيء ، لا في الأرض ولا في الثروة إلا على أساس المصالح المشتركة والتعامل على أساس التكافؤ لا على أساس التابع والمتبوع كما حصل في بداية القرن الماضي ، ولا زال مستمرا للكثير من الأنظمة العربية، لقد قلنا في المقال 7 علينا أن نعرف ونؤكد حقيقة وهي إن الوحدة جزء من الثورة العربية الشاملة ، فما معنى ذلك ؟ لقد تداول هذا المصلح أيام ثورة الحسين ابن علي عام 1916 عندما رفع شعار الثورة لاستقلال الأمة العربية ونيل حقوقها بعد سيطرة الدولة العثمانية عليها مدة أربعة قرون من اجل دولة كريمة يعز بها العرب وتنطلق مسيرتهم في البناء والتقدم إلا أن سرعان ما نقض الانكليز وعودهم وقسموا الأمة إلى أقطار فرض عليها الانتداب البريطاني والفرنسي والايطالي ، وارتضى فيصل أن يكون ملكا في سورية وبعد تنحيته كان ملكا على العراق وبقرار الحلفاء أنفسهم، فانتهى الحسين وفيصل لكن الثورة بقيت ، والدليل على ذلك هي تلك المقاومة العربية في كل من العراق وسوريا ومصر وليبيا والجزائر وأجزاء الأمة الأخرى ، وتشكلت أحزاب وحركات سياسية كلها تنشد الثورة والخلاص من حكم المستعمر، لكن الاستقلال للأسف جاء قطريا وهذا ما أرادته دول الغرب الاستعماري لإبقاء وجودها وهيمنتها والحفاظ عل مصالحها في المنطقة وفي ارض الأمة , وكما ظهر إن الاستقلال القطري تناغم مع رغبات وتطلعات من كان الحلفاء سببا في وجودهم على رأس السلطة ،

والذين ربطوا مصيرهم بمصير الأجنبي الطامع في الأرض وفي الثروات ، ومن هنا بدأت الأحزاب والحركات القومية تؤكد في برامجها السياسية على التحرير الكامل وليس الشكلي ، والعمل على قيام الوحدة العربية ، وأكثر الأحزاب طرحا عميقا ومؤطرا وجريئا كان للبعث العربي الاشتراكي عندما أعلن أهدافه ونظريته في نيسان عام 1947، وكان له مفهوما للثورة العربية فقال عنها : الفكر في حد ذاته قوة تاريخية وقوة ثورية لاتقدر فمجرد وضع القضية العربية في صيغة فكرة شاملة كانت أول مساهمة في إرساء حركة الثورة العربية على اسس صلبة . وقد حددت الثورة العربية أهدافها بالاستقلال التام الناجز لكل أقطار الأمة ، من السيطرة والتبعية الأجنبية مع تحرير كامل ثروات الأمة من تلك السيطرة ، وتحرير كل شبر اغتصب في غفلة من الركود والسكون التي مرت بها الأمة وهي تئن تحت مخالب وحراب الأجنبي المحتل ، وقد جعلت الثورة العربية القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لمحور نضالها في طريق التحرير الكامل والشامل لها ، ومن هنا بدأ يتوضح معسكر الأمة الذي ينشد التحرير والاستقلال والوحدة يقابله معسكر العملاء ومن ارتبط بسياسة الأجنبي المحتل ، والذي اعتبر أن وجوده في السلطة مرتبطا بمدى خدمته للأجنبي ، ومن المؤكد إن المعسكر الثاني يمتلك الإمكانيات والدعم لأنه يتصدر السلطة ولديه من المال والوسائل ما تمكنه من إلحاق الضرر بالمعسكر الأول ،

لكنه ضرر ليس بدائم ولا يحمل سر قوته لأنه مصمم على إيذاء الآخر والانتقاص من حقوقه ومكانته ، ورغم التقسيم إلا أن الشعور بالوحدة ظل قائما رغم غياب الرمز أو ( المؤسسة السياسية للوحدة ) وعلى سبيل المثال عندما حقق المسلمون فتوحاتهم الأولى وبنوا الدول الشاسعة في المساحة والسكان سواء في زمن الخلفاء الراشدين أو زمن الدولتين الأموية والعباسية كانت الخلافة هي رمز تلك الوحدة ، وعندما سقطت الخلافة تفككت الأمة ، وهذا يعني إن التجزئة تتصل أساسا بالمؤسسة السياسية فغياب هذه المؤسسة عندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها أدى إلى تقسيم العرب ، إلا أن الوحدة ظلت وكأنها كيان قائم بينهم ولابد من عمل دؤوب نشيط يهدف إلى عودة المؤسسة السياسية القومية التي تجمعهم ، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق الثورة بشقيها الكفاحي المسلح والسياسي المنظم ، وبما أن هذا العمل هو حق للعرب كما للأمم الأخرى فان النجاح فيه سوف يتكلل بالوصول إلى الهدف المنشود ، شرط أن يكون هناك صدق في الانتماء وإيمان حقيقي لمن يحمل هذا المشروع وخاصة من الصف الأول للأمة ، وهنا لابد من التوضيح أن الثورة الشاملة لاتعني الوحدة فحسب وإنما ثورة في جميع المفاصل المكونة للأمة حتى تتحد النتائج الايجابية للتغيير وتكون هي القوة الدافعة لتحقيق الوحدة ،

وهي العناصر التي تحافظ على ديمومتها ، كيف ؟ فعندما تسعى الأحزاب إلى التخلص من الموروث السلبي وتعمل جاهدة على تخليص العدد الأكبر من الشعب من هذا الموروث ونعني به الطائفية والعشائرية والفئوية والانتهازية والأمية ، والتلون والانوية والعمل على التوعية الاجتماعية في مجالات السياسة والاقتصاد والضغط على الأنظمة لبث الوعي الثقافي والديمقراطي وإشاعة ثقافة القانون وتوكيد مبدأ المواطنة الحقة ومبدأ الإخلاص والعطاء والتميز لا يكون إلا من خلالهما ، وان ثروة الأمة هي ملك لأبنائها وليست حكرا على شعب قطر معين أو مجموعة أو فئة معينة أو عائلة بذاتها ، كل هذا يصب في طريق الوحدة ويعجل من قيامها ولهذا نرى إن الفريق المضاد للوحدة يحاول جاهدا عدم قيام أية خطوات من هذا القبيل ، لأنه يسارع في قيامها فنحن الآن في العقد الثاني من الألفية الثالثة وان حركات التحرر العربي بدأت في مطلع القرن الماضي ( القرن العشرين ) ،

ووفقا للحسابات البسيطة كان من المفروض إن العرب استطاعوا أن يؤسسوا إلى علاقات وحدوية هي الآن في أحسن أحوالها وأوج تقدمها ، بل وتتقدم على وحدات أمم أخرى لا تملك مقومات كبيرة لقيام الوحدة مثل حال الأمة العربية ، لكنها أصبحت الآن نموذجا في القوة والمنعة والرقي والازدهار ونراهم يلتئمون عند المخاطر رغم أنهم لا يعرفوا النخوة والحمية والغيرة والتقاليد الأصيلة التي تحلى بها العرب على مدى قرونا من الزمن كالوحدة الأوربية ، يقول احد الباحثين العرب في دراسة له عن مستقبل الوحدة العربية ( إن الفكر السياسي العربي بحاجة إلى إنشاء علم توحيد لا ينطلق منهجيا من مبادئ عامة حول ضرورة الوحدة بل من دراسة حالات وحدوية مصغرة تصلح كنماذج للتعميم والاقتداء ويؤدي تراكمها وتطبيقاتها إلى وحدة اشمل ) فضرورة الوحدة مسلمة لابد منها ، لكن المسالة المهمة والأكيدة والملحة هي مسالة كيف الطريق إلى الوحدة لانريد للفكر العربي الوحدوي أن يكون فكرا وجدانيا مع ضرورة الوجدانية في كل فكر وممارسة ، لكن المطلوب هو الخروج من الفكرة المجردة إلى دراسة الممارسة الاجتماعية والخروج من الوجدانية والتسجيل الوصفي للممارسة إلى الكشف عن قوانين الحركة والخروج من الأحلام والوجدانية إلى الماسي المعاشة ، يبدو أن الفكر القومي التزم بجانب ( ما يجب أن يكون وأهمل ما هو كائن )

إلا أن عليه أن يجمع بين طرفي المعادلة أي محاولة تحقيق ما يجب أن يكون مع مراعاة ما هو كائن ، ونقصد بما هو كائن هنا هو الدولة القطرية ومدى رسوخها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية العربية، إن النظرة العلمية في نشأة الدولة القطرية تبين لنا أن هناك العديد من الظروف والأسباب التي لعبت دورا في نشأتها ، ومنها خصوصية قطرية تاريخية ، وحركات توحيد قطرية ، وأخيرا خلق استعماري كامل ، فمصر واليمن قطران عربيان تحولا إلى دولتين حديثتين لا نتيجة مؤامرة بقدر كونهما ذوي تاريخ قطري خاص يمنحهما خصائص وصفات تفرقهما بشكل وبآخر عن بقية الأقطار العربية ، أو بمعنى آخر إن بذور الدولة القطرية في مصر واليمن نجدها في طيات تاريخ هذين القطرين لكن هذا لا يعني أن الاستعمار كان محايدا في هذا المجال ، بل على العكس من ذلك انه لعب دورا في تجذير هذه الإقليمية وتلك القطرية ، وان تصنيف الدول القطرية العربية إلى العوامل والأسباب الثلاث أعلاه بناءا على نشأتها التاريخية ، لايعني بناء نماذج منها بقدر ما هو محاولة تساعد على فهم ماهو كائن للوصول إلى ما يجب أن يكون ، فمصر التي كان العامل التاريخي هو الأول في قطريتها إلا أن الاستعمار كان له دور كبير في تثبيت هذه الخصوصية وفق شكل قانوني له شرعية دولية والسعودية وليبيا كانتا نتيجة حركات توحيد قطرية ،

إلا أن التدخل الاستعماري وفرض مفهوم الدولة بأشكال قانونية ودستورية كانا عاملين في تقزيم هذه الحركات التوحيدية وجعلهما دولا قطرية بشرعية قطرية داخلية ، تتكرس يوما بعد يوم وشرعية دولية ضمن النظام العالمي ، أما دول المشرق العربي نجد أن الاستعمار في تشكيلها يحتل العامل الأول لكن لا يمكن استبعاد العوامل الذاتية التاريخية التي ساعدته على خلق تلك الدول القطرية ، فمنذ بداية العصر العباسي الثاني وحتى انهيار الدولة العثمانية كانت الرقعة الجغرافية التي تشكل الوطن العربي في حالة تفتت بشكل دائم ، والدولة العثمانية بأنظمتها السياسية والاقتصادية ساعدت على التفتت مضمونا رغم إن الشكل وحدوي ، وهذا الإرث التاريخي من التفتت استغله الاستعمار وحوله إلى تجزئة ذات شرعية دستورية داخليا وخارجيا ، فدق في جسد الأمة مسمار التفرقة وعدم اللقاء على مشروع للتوحد والوحدة . سنكمل في الحلقة القادمة .






الجمعة ١٧ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة