شبكة ذي قار
عـاجـل










عادة، يلجأ أصحاب النظم والأنظمة إلى التباس مفاهيم، وتسخير نظريات، وتوظيف سياسي لطروحات، من أجل تمرير مشاريعهم المستترة، التي غالباً ما تكون لا علاقة بها بادعاءاتهم، هذه المسألة ليست محصورة في دول العالم الثالث كما يتبادر للذهن لأسباب عديدة، بل تطال تلك الدول "المتقدمة" التي تتغنى بـ "بإنجازاتها" على صعيد الديمقراطية والتطور وحقوق الإنسان والعدالة. صحيح أنها تأخذ وجهاً قاسياً في العالم الثالث، وتتراكم "مساحيق التجميل" على وجه الدول الأخرى ولكن اليد الغليظة التي تسحق إنسانية الإنسان وحقوقه، رغم أنها ترتدي قفازاً حديدياً في العالم الثالث، وقفازاً حريرياً "في العالم" المتقدم" ولكنها بالحالتين تؤدي إلى ذات النتائج الساحقة.


بين الادعاء والحقيقة، تكمن المعضلة، التي تتجاوز آثارها الكارثية الحالة الآنية، لتطال مستقبل الشعوب. وكم من المآسي التي نالت الشعوب تحت مسميات لا تنتهي: حقوق الإنسان و الحريات و الديمقراطية، على الصعيد العالمي. و : المقاومة والممانعة والصمود والتصدي والحقوق الآلهية، على الصعيد الأقليمي والمحلي.

 

وحتى نقترب بالوقائع، من واقع كل ما تقدم، دعونا نناقش الحالات الآتية: الولايات المتحدة، العدو الصهيوني، ايران، النظام السوري، حزب الله. لأن هذه الحالات تبرز مفهوم الادعياء بشكل صارخ و بكل إشكالياته.


محور الشر

أستعيد أولاً وصفاً لأحد الكتاب الامريكيين المجندين خلال حرب فيتنام: "امريكا دولة نشأت بالدم، وتعملقت بالدم، وستنتهي بالدم". هذا الوصف يؤكد حقيقة التسمية التي وصمتها بأنها "امبراطورية الشر".


ودون الخوض بالتفاصيل، وأستعراض للتاريخ الحالك، فإن السياسة الامريكية هي صنيعة مراكز قوى تمتد بين الشركات العملاقة، ومافيا الرأسمالية المتوحشة، واللوبي الصهيوني، التي رسمت الوجه القبيح للأمبريالية، إضيف لهم لاحقاً تيار المحافظين الجدد، الذي صاغ منظريه دراسات وخطط أدت ـ مع إنهيار الاتحاد السوفياتي ـ إلى تفرد القطب الواحد بالسياسة الدولية.


إرتكزت السياسة الامريكية إقليمياً، على طرفين حاولا أن يبرزان متناقضين ـ العدو الصهيوني وإيران ـ مع أن كل الأحداث أكدت إنسجامهما وتطابقهما، خاصة ما يخص إستهداف المنطقة العربية.


إصطدمت خطط محور الشر الامريكي ـالايراني ـ الصهيوني، بالسياسة الوطنية والقومية، التي صاغتها القيادة العراقية، ومواقفها الصلبة نحو كل القضايا العربية العادلة وخاصة فلسطين. وكان إستهدافها للعراق ـ عدا مواقفه الآنفة الذكر ـ يرمي الى اسقاط نظامه السياسي، و كان جيمس بيكر واضحا، قبل بدء العمليات العسكرية عام 1991 عندما قال:" ليس هدفنا تحرير الكويت و حسب بل اسقاط النظام العراقي"، و هو الهدف ذاته الذي اعلنه خميني في الطائرة الفرنسية الخاصة التي اقلته من باريس الى طهران عام 1979، عندما سأله الصحفيين المرافقين له:" ما هو اول هدف ستعمل على تحقيقه بعد وصولك الى طهران؟". لم يتحدث عن التنمية او العدالة في ايران، او عن تطبيع علاقات حسن الجوار مع الدول العربية، او حتى فلسطين او القدس. بل اجاب:" اسقاط النظام في العراق".


اذن، بات واضحا ان احتلال العراق سيكون المدخل لتحقيق مخططات الشرق الشرق الأوسط الجديد والشرق الأوسط الكبير، الذي ـ يهدف ـ كما أكد غلاة منظري تيار المحافظين الجدد، إلى تفتيت الوطن العربي. وكلنا يتذكر مقولتهم :" إتفاقية سايكس ـ بيكو تجاوزها الزمن، علينا تقسيم الشرق الاوسط على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وخلافه". وهذا ما حمل بريجنسكي على التفاخر:"أنا كنت أول من دعا إلى محاربة فكرة القومية العربية".

لم تؤدي العدوانية الإيرانية طوال ثماني سنوات من الحرب الضروس ضد العراق، إلى كسر الإرادة العروبية للنظام العراقي. ولم ينفع العدوان الثلاثيني (1991) في لي المواقف الصلبة لهذا النظام. وفي كلا هذين الحربين تجلت صور التحالف الامريكي ـ الصهيوني ـ الايراني بأبشع صورها، والدلائل كثيرة وشاخصة للعيان.


تصاعدت حمى النوايا والأهداف لدى هذا المحور ضد العراق الوطني، فكان القرار بمهاجمته وغزوه وإحتلاله، ضاربين عرض الحائط بكل القوانين الدولية والأخلاقية مستندين على سيل من الادعاءات الكاذبة والمضللة، ودون أي قرار من مجلس الأمن الدولي أو تفويض من الأمم المتحدة. الهدف تقويض العراق كدولة، وإزاحة نظامه القومي، وأتت القرارات الامريكية بعد الاحتلال تؤكد ذلك من خلال قرارين خطيرين: حل مؤسسة الجيش العراقي الباسل، وقانون إجتثاث حزب البعث، هذان القراران هدفا إلى التخلص من الجيش العراقي والثأر من صفحات بطولاته الوطنية والقومية. والتخلص من حزب البعث الذي أعطاه الرئيس الشهيد صدام حسين تجربة فريدة بين الفكر والممارسة، وكيف تتجسد العقيدة ببناء دولة حديثة، علمية، متطورة.


ويمكن أن نلاحظ توزيع الأدوار بين أطراف محور الشر بعد الاحتلال بأن أخذت القوات الامريكية الغازية "العبء الأكبر" بالإجرام ضد مختلف نواحي الحضارة العراقية المتقدمة التي تحققت في فترة زمنية قصيرة في حساب بناء الأمم. وأدى العدو الصهيوني دوره الحاقد بإستهداف علماء وكوادر الدولة العراقية. والصفوية الفارسية بإستهداف خيرة ضباط وطياري الجيش العراقي، كذلك بإستهداف قيادات وكوادر حزب البعث.


نظام الردة

يمكن القول ان تسمية حركة الانقلاب التي حدثت بسوريا في شباط 1966، ضد شرعية وقيادة حزب البعث بأنها "حركة الردة" كانت دقيقة آنذاك. وشكل إستمراره الطويل بالسلطة "علامة فارقة " لنظام "الخدمات العامة" السوري لكل المشاريع المعادية للأمة العربية. ودون الإسهاب بالتفاصيل للتاريخ الماثل أمامنا والذي عايشناه عقوداً، يمكن ملاحظة "خدماته" ضد العراق، سواء خلال العدوان الايراني طوال ثماني سنوات، أو أرسال قواته إلى حفر الباطن عام 1991، أو تسهيلات متعددة الجوانب أثناء وبعد الغزو عام 2003 (منها تسليم قيادات عراقية للقوات الامريكية، وترتيب المؤتمر الانشقاقي لمجموعة محمد يونس الأحمد في دمشق...).


وأود أن أوضح هذه الواقعة وأشخاصها على قيد الحياة ولا أود ذكر الأسماء أخلاقياً: (اتصل بي مسؤول أممي من نيويورك(مكلف حالياً بمسؤولية أممية في أحدى الدول العربية) في منتصف 2007، وسألني: شو رأيك بالأخبار؟ (كانت أحداث مخيم نهر البارد على أشدها بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام)، أجبته: المسألة أبعد من نهر البارد وأكبر من فتح الإسلام. قالي لي بنبرة غريبة: "أي فتح الإسلام وأي نهر البارد؟! هذا الموضوع لايهمنا بشئ أنا اسألك عن المؤتمر الذي تقع أحداثه في دمشق الآن بقيادة محمد يونس الأحمد ضد قيادة عزة ابراهيم". للحقيقة فوجئت بالمسألة ولم أكن قد سمعت بها ولم تتناولها وسائل الإعلام. قلت له: " هذا المؤتمر الذي تتحدث عنه لا أعرف عنه شيئاً ولم أسمع به". ثم إلتقطت أنفاسي من هذه المفاجأة وقلت له: "قل لإصحابك الامريكان، أن حزب البعث تعرض لمحاولات إنشقاقية، وكل هذه المحاولات باءت بالفشل، فلا تراهنوا عليها للنيل من البعث في العراق أو النيل من المقاومة العراقية".


لقد سخر نظام الردة السوري تاريخياً كل إمكانياته، لإستهداف القضايا العربية العادلة، ولم يترك أي حالة نبيلة ، إلا وكانت أصابعه تترك بصماتها المشبوهة عليها: تآمره على القضية الفلسطينية والعدوان على منظمة التحرير الفلسطينية والمخيمات والمقاومة الفلسطينية. تحالفه مع القوى الإنعزالية اللبنانية ومحاربة القوات المشتركة للحركة الوطنية اللبنانية.


الحزب الطفيلي

في إطار "مشروع تصدير الثورة" الايرانية، وإنسجاماً مع طروحات دوائر القرار في أمريكا والغرب، في خلق صراعات في الوطن العربي تؤدي إلى إحتقان وصراعات طائفية مذهبية وعرقية وغيره، بدأ النهج الإيراني يأخذ خطواته الأولى في تشكيل تنظيمات وقوى محلية بالدول العربية تحت شعارات ادعائية متعددة تترواح بين "المظلومية" و "المقاومة". ودغدغة عواطف الشارع العربي نحو فلسطين بأسلوب خبيث، بدءاً من مسرحية سفارة فلسطين في طهران إلى "يوم القدس" إلى "المقاومة" في جنوب لبنان.


بهذا الأسلوب تم تشكيل تنظيم "حزب الله" الذي يمكن وصفه بأنه حزب طفيلي بإمتياز. وإرتهنت قيادته وسياسته في خدمة المشروع الفارسي، على حساب الإنتماء للوطن للبنان، ولأمته العربية. وكنت قد حذرت في أكثر من مناسبة من خطورة هذا الحزب (رابط مقالي: مقاومة أم مقاولة ـ ثوار عند الطلب). وأن "الحرب" مع العدو الصهيوني عام 2006، لا تخرج عن حالة "عض الأصابع" بين الكيان الصهيوني والنظام الفارسي في اقتسام كعكة المصالح بينهما داخل الدول العربية. وبعد إنقشاع غبار الحرب الذي كان وقوده المقاتلين (لإعتقادهم أنهم يقاتلون العدو) وأعداد كبيرة من المدنيين، والبنى التحتية اللبنانية، تحولت الحدود منذ ذلك التاريخ بين لبنان وفلسطين المحتلة إلى الهدوء الشامل والكامل، أشبه بالحالة المستميدة منذ عقود على جبهة الجولان. وتحول الحزب الطفيلي إلى حارس لأمن العدو الصهيوني، ولاحق وطارد واعتقل أي مجموعات لبنانية أو فلسطينية كانت تحاول إستهداف الشمال الفلسطيني المحتل، من خلال الجنوب اللبناني الخاضع ـ للأسف ـ للهيمنة الفارسية.


أعتقد الشارع العربي ـ نتيجة حملة التضليل ـ أن الحزب الطفيلي سيفتح جبهة الجنوب ضد العدو الصهيوني، خلال عدواني 2008 و2012 قطاع غزة تضامناً مع الشعب الفلسطيني ولتخفيف الضغط العسكري عن قطاع غزة. وأكدنا مراراً أن هذا لن يحدث، وفعلاً لم يحدث، ولن يحدث مستقبلاً. فالمقاومة ليست مقاتل وبندقية وأوامر تأتي من طهران وقم.


كما كنا نؤكد دائماً أنه لن تكون هناك أي ضربة أمريكية أو صهيونية ضد ايران أو ضد مواقعها النووية ( رابط يوتيب )لأن هذه الأطراف متحالفة فيما بينها خاصة في إستهداف الأمة العربية والأمن القومي العربي.


الحقائق العارية

منذ إحتلال العراق، وصولاُ إلى الحراك الشعبي السوري العادل والمشروع، برزت جملة من الحقائق العارية، بكل قبحها، وفظاظتها، وأخطارها أيضاً. وحتى لا أثقل على القارئ الكريم سآتي على بعضها:


ـ تواطؤ النظام الفارسي في إحتلال العراق و افغانستان (تصريح وزير الحرس الثوري الايراني: لولانا لما تمكنت امريكا من إحتلال بغداد وكابول).


ـ قيام امريكا بـ "تسليم" العراق المحتل إلى المجموعات المرتبطة بإيران. ومن أسخف المقولات التي روجوا لها : (ان امريكا حاربت وإستفادت ايران من غباء السياسة الامريكية) هكذا!!!؟؟ هذا سخف مشبوه ومدان وقاصر.


ـ الضجيج والصخب الإعلامي والسياسي الايراني ضد الكيان الصهيوني، مسرحية بائسة وواضحة. ماذا قدم النظام الفارسي فعلياً من أجل فلسطين؟؟!! هل يستطيع أحداً ان يعطيني اسم ايراني واحد "إستشهد" دفاعاً عن فلسطين؟؟!! بل عمد الفرس ولنتصارح إلى خلق صراعات فلسطينية ـ فلسطينية ( بغض النظر عن الموقف من حماس والسلطة الفلسطينية) هذه الصراعات أدت خدمة كبيرة للكيان الصهيوني بإطالة أمد مفاوضات السلام (التي أعارضها شخصياً بالمطلق جملة وتفصيلاً) وسمحت للإستيطان بالتغول أكثر بالأراضي الفلسطينية المحتلة.


ـ أحمدي نجادي "الثوري جداً" والمعادي للشيطان الأكبر(؟؟!!) كان من أوائل الرؤساء الذين زاروا العراق المحتل و"حل ضيفاً عزيزاً" في المنطقة الخضراء ببغداد وبحراسة جنود الشيطان الأكبر..


ـ منذ بداية الحراك الشعبي السوري، أكدنا أن استمرار النظام السوري (بعيداً عن موقف المصالح الانتهازي الروسي والصيني) يعتمد على الدعم الصهيوني ـ الفارسي ـ الامريكي. وأكدنا، عكس ما كان يعتقد الكثيرين (بما فيهم جل المعارضة السورية مع الأسف) أنه لن يكون هناك أي تدخل امريكي أو للناتو (الذي لن نكون معه) لسبب واضح: امن الكيان الصهيوني، و حرصا على هذا النظام الذي خدم سياسة و مصالح محور الشر الآنف الذكر.


ـ جل القوى والتنظيمات والأحزاب التي تدعي أنها إسلامية، هي صنيعة أطراف محور الشر،وتنفذ مشاريعهم التي تستهدف أمتنا العربية، ويمكن القول أنهم اساؤوا للإسلام وجوهره وروحه بشكل خطير، لايقل عن خطورة أعداء الإسلام.


ـ الحقيقة التي لابد من تأكيدها، ان الهدف من وراء الهجمة الشرسة على الإسلام، هو استهداف الأمة العربية. وكل الحروب العدوانية، والاحتلالات، والتقسيم، طاولت الوطن العربي وحده بإستثناء افغانستان ضمن حالة خاصة.


جدلية التاريخ


ليس عاراً أن نعترف ان الوضع العربي، يعايش مرحلة صعبة وشاقة. وان حالة الانهيار اخذت خطها الانحداري المريع بعد احتلال العراق. وان أعداء الأمة العربية أرادوا من ذلك ان يتخلصوا منه، للإستفراد بالوطن العربي، خاصة بعد تحييد مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة. وضمن الرؤية القصيرة النظر أو التواطؤ أو الارتهان للأجنبي أو الخوف منه، شاركت الأنظمة الرسمية العربية بلا استثناء، في الاحتلال أو بالتسهيلات أو بتطبيع العلاقة مع الحكومة العراقية صنيعة الاحتلال. كما لعبت دوراً قذراً بالتآمر على المقاومة العراقية مادياً وسياسياً واعلامياً. فكان التطويق للعراق من أجل تجفيف مصادر أي دعم قد يصل لها مالياً أو تسليحياً. ومنع أي محاولة من منظمات المجتمع المدني العربي من التضامن مع المقاومة ورفض أي فعالية بهذا الاتجاه. والتعتيم الاعلامي المطلق ـ عدا حالات جد قليلة ـ على أخبار المقاومة الوطنية العراقية. ولايمكن اغفال عوامل داخلية، تترواح بين القوى المذهبية المرتبطة بدول أجنبية، وتشكيلات الصحوات التي جندها الاحتلال.


من هنا، نلاحظ العبء الكبير، الذي فرضته كل العوامل الآنفة الذكر، على المقاومة العراقية، التي قاتلت ببسالة نادرة، وإستطاعت الإستمرار بنضالها. وإن هناك عتب كبير لابد من تسجيله على الحراك الشعبي العربي ـ رغم اسقاطه لأنظمة فاسدة ـ لأنه من جهة لم يرتقي إلى الثورة الحقيقية الإنقلابية، ولم يلتحم مع أنبل حالتين: المقاومة في فلسطين والعراق. لأن نهوض الوضع العربي يبدأ من هنا، ومن هنا يتم تعرية وجوه كل الأدعياء...



الروابط

http://www.albasrah.net/pages/mod.php?mod=art&lapage=../ar_articles_2006/0806/nafth_040806.htm


http://www.albasrah.net/ar_articles_2006/0706/nafth_130706.htm


http://www.youtube.com/watch?v=vfMaoOY8GRI

 

 





الخميس ١٣ ربيع الثاني ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / شبــاط / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة