شبكة ذي قار
عـاجـل










الثروة و العلم و التحكم في التكنولوجيا عناوين ابداع العقل الإنساني في عصرنا هذا بما وفرته من امكانات فوق ما كان يعتقده العقل بصيغة الخيال العلمي ، غير ان انحصارها في ساحة دون ساحات اخري تحت تأثير فوارق التقدم الإقتصادي بما اسس لظهورأوليغارشية جديدة " نخبة معولمة " متنفذة ، وطبقية جديدة بخاصة بعد سقوط ثنائية الإستقطاب الدولي لا علي مستوي الفئات الإجتماعية داخل المجتمع الواحد كما هو متعارف عليه و انما علي مستوي الدول . " نخبة معولمة " حولت مفهوم التعاقد بين المجتمعات بثوابته الإنسانية المشتركة التي راكمها التطور التاريخي التي أكدته جملة المواثيق الدولية ، وبما شكلته من قواسم مشتركة في الخطاب السياسي و الإعلامي و المعرفي الي مضامين جديدة تتقصد فيما تتقصده أساسا اعادة صياغة وعي الإنسان في المجتمعات المتضامنة و التحكم فيه توجيها و حركة ميدانية مستخدمة الدولار السياسي ،و الإقتصادي ،و الإعلامي ،و الإجتماعي ،و العسكري ... و كان علي قمة اولوياتها ساحة الوطن العربي لعدة اعتبارات تختزل في جملة واحدة هو معرفتها من أن السيطرة علي سرة العالم التي تمثلها هذه الساحة هو السيطرة علي الحبل السري الذي يمكنها من تخليق العالم الجديد الذي تود التأسيس له موظفة لذلك :


نظريا : لافتة " الفوضي الخلاقة " بما تعنيه من تخريب ما هو قائم و اعادة بناء ما خرب و كتفسير ميداني "الصدمة و الترويع " أولا و بفشلها في العراق انتقلت الي "نظرية التسرب المرن" الموظفة في الحراك الشعبي العربي منذ انطلاقته ، نظريتان وجهان لعملة واحدة تختصر في " نظرية الدم ".


تطبيقا : اعلان الحرب و المطاردة للشعوب بصيغ متعددة بالمارينز، وب"الأحذية البالية" في صيغة أو كار لأحزاب مولتها بسخاء، و بعض من ألوان المجتع المستهدف ممن رضو القطع مع موروثهم ، وبعض من القوي الطبقية التي تري مصلحتها من خلالها كما حصل في العراق منذ 1991 وبعد احتلاله، ومن خلال أنظمة متواطئة وأخري مرتشية كما هو في باقي الوطن العربي بشكل بائن في مصر مبارك و تونس بن علي وغيرذلك من الساحات الأخري في العالم، واسست جيوشا من المرتزقة في صيغة شركات أمنية جاهزين للتحرك حسب الطلب، ودعمت ذلك كله بإقامة جيوش من الإرهابيين، والمجرمين ،والقتلة سهرت على تدريبهم وترويضهم وتثقيفهم علي أجنداتها التخريبة عقودا طويلة وأبرز مثال لهؤلاء، "تلك المجموعات التي طفحت في ساحة العراق عند اشتداد المقاومة العراقية الباسلة بين 2005 - 2007، أو تلك المجاميع المتنقلة بانسيابية تثير ألف سؤال وسؤال بين أقطار الوطن العربي اعتراضا تخريبيا للحراك الشعبي من ليبيا الي سوريا بشكل بائن وتونس ومصر بصيغة جس النبض".


ان العقل المجرم ل"اوليغارشية النخبة المعولمة " لا يري اجرامه و لا يقوم ما يعتمده من نظرية "الصدمة و الترويع ــ التسرب المرن " التي هي " نظرية الدم " و تحصين " تكتل الجريمة " الذي يمثله بمن معه بالقدر الذي يري فعل الاخر ممن يستهدف اخراج بلده من المآزق التي بقت تتجمع بصيغة كورة ثلج متدحرجة من قمة من يعتبرون قادة الوطن بين 14 جانفي و 23 أكتوبر 2011، الفترة التي فكك الشعب فيه و بارادته هذه الكورة بكل ما تجمعه من متناقضات راكمها نظام " بن علي " بما اختاره ك"نظام مرتشي" من مواقع و سياسات ، دوره فيها لا يتجاوز أكثر من تابع ذليل لتصورات هذا العقل المجرم في المنطقة .


هذا الشعب اعتقد منطلقا من بساطة المجتمعات المتضامنة أن كنس هذه المتناقضات التي فككها يكمن في ما وعدته به النخبة السياسية التي تم اختيارها انتقائيا في " لجنة بن عاشور ذات الإسم الطويل " رغم ما اثير حولها من احترازات من مسار ديمقراطي يكون فيه للشعب الكلمة الفصل ، من خلال اطار دستوري ينظم العلاقة بين السلطة و الشعب في جانب ، وفي جانبه الثاني يحفظ الحقوق الطبيعية للإنسان و يؤشر حقوق المواطنة برؤية مدنية تحافظ علي المكتسبات ، و تؤشر منطلقات جديدة علي طريق نقل الدولة من دائرة دولة الفئة الي دولة الكل ، و بما يضعه من سيتصدر القيادة من مناهج فعل تؤشر ظاهرة الإنتقال الديمقراطي بشفافية بائنة تنهي ما كان سائدا من " الدولة الفئة / الحزب " لفائـــدة " دولة المواطنة المتساوية في الحقوق و الواجبات " ... ليستيقظ كشعب علي فترة انتقالية أولي تستهدف لا البناء كما كان يمني النفس بذلك ، و انما صياغة مجتمع " رحيم " منغلق علي نفسه معتقدا في كونه ظل الله في الأرض . قيادة لم تكن قيادة شعب بقدر ما كانت قيادة " مجتمع رحيم " أعاد تشكيل التناقضات و عمقها بدل وضع الحلول لكنسها، أي زيادة حجم اضافي لكورة الثلج بما جعل فعلها لا تتوقف بعيدا عند حافة الإرتطام بالشعب و الوطن و انما دفعها الي ملامسة الحافة بما هدد الشعب بالتناثر و الوطن بالتشظي و وضع البلاد في طريق مجهول يعلم الله وحده المآلات التي يمكن ان تصلها البلاد في حالة استمراره .


فعل جعل من يوم 23 أكتوبر 2012 منطلق الإنحراف الممنهج من خلال الإخلال المتعمد التأخير في وضع الإطار الدستوري ، اخلال يتقصد اضافة وقت يستهدف تحصين الفرصة التي أتاحتها صناديق الإقتراع بعنوانها البارز " صياغة البناء القانوني للمرحلة الإنتقالية " ، لتحويلها الي حالة ممتدة تمكن من حملته صناديق الإقتراع الي بناء نظام دائم تكون له اليد الطولي رؤية و تسييرا ، انحراف جعل البلاد تتجه نحو المجهول الذي أشرته ظاهرتي الإغتيال السياسي لكل من الشهيدين " شكري بلعيد و الحاج محمد البراهمي في جانب ، و ظاهرة ارهاب الدولة الذي أخذ خط تصاعدي من الإعتداء علي فعاليات الإحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و أهمها المركزية النقابية للإتحاد العام التونسي للشغل في 04/12/2012 من قبل عصابات " حماية الثورة " التي تحضي بالدعم و القبول من قبل قيادات الفترة الإنتقالية حد الإستقبال لشخوص من هذه العصابات في قصر قرطاج ... بما شرع لغيرها من العصابات ممارسة الإرهاب المفتوح الذي يستهدف التدمير و تفكيك الروابط الإجتماعية ، و جر الجيش الي مربع المواجهة ان كان استهدافا يتقصد اشغاله عن الإهتمام بالواقع السياسي المتردي و هو المؤسسة التي تربت منذ تكوينها علي حرفية الدفاع عن الوطن دون الإنخراط في ما هو سياسي موجه كما أشرته حوادث الشمال الغربي أو الجنوب أو الوسط الغربي ــ جبل الشعانبي و جملة أخري من الجبال علي طول الظهرية التونسية ــ لا يتردد أطراف هم يتواجدون في مؤسسة منتخبة تعد اعلي سلطة في البلاد من التحالف معها بصيغة تشكيل قطب مدافع عن الرؤية الإيديولوجية ل" المجتمع الرحيم " ، في انكشاف واضح لما يعنيه من استهداف المواطن نفسيا و وضعه بين ثنائية " القبول بالواقع المر أو غياب الأمن الشخصي و الأمن الغذائي " ... فكان للميزتين التي تحضي بهما تونس و أبنائها علي خلاف كل الأقطار العربية التي عاشت ذات الحراك بما جعلها كاقطار تنحرف الي التقابل القتالي، والتدمير للمكتسبات عامة و للدولة خاصة ... ميزتين تتمثلان في :


أولا ــ حرفية المؤسسة العسكرية و حضور الوعي الوطني و تعاليها علي الدور السياسي من خلال تقدمها و معالجتها لهذه الظاهرة رغم ما للكلفة الغالية التي تتمثل في جملة الشهداء الذين سقطوا حتي الآن " تغمدهم الله بواسع رحمته " .


ثانيا ــ وجود مجتمع مدني نشط وفاعل يشكل الضمانة الرئيسية لاستقرار البلاد ونجاح التجربة الديمقراطية ، الي جانب حماية مكتسبات الحداثة التي حققتها لبلاد بما في ذلك حضور الدولة كرصيد معنوي عند المواطن . مجتمع مدني تمثله ثلاث قوي رئيسية :


ــ الاتحاد العام التونسي للشغل وهو المركزية النقابية القوية بإرثها التاريخي كقيادة للحركة الوطنية إلى جانب الحزب الدستوري ، المركزية التي لازالت قوية و متماسكة في بنائها التنظيمي رغم محاولات الشيطنة و التفكيك التي تقودها أطراف عديدة أهمها القطب الإسلامي


ــ المنظومة الحقوقية بكل مكوناتها أساسا هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان الوطنية .


ــ الحركة النسوية بقيادة اتحاد نساء تونس التي تستند في حركتها الي ارث هام من الحقوق المكتسبة.


ثقل الميزتين أرهب المتصدرين للقيادة في المرحلة الإنتقالية في طورها الثاني الذي تمثله حكومة " علي العريض " و تحت تأثير صدمة المتغيرات التي قادت الي اسقاط " مرجعيتهم المتقدمة " في مصر في جانب و انكفاء الدور الغربي ممثلا في امريكا سياسيا في سوريا لفائدة أجندة جديدة ملامحها ــ اعادة ترتيب الأولويات ــ ان انصاعت ظاهريا للوفاق بقبول فتح حوار وطني نتائجه لا تعدو ان تكون أكثر من لعبة مشابهة للعبة تجميد الأسعار في البورصات المالية التي تلتجئ لها الشركات العملاقة و تفرضها علي الشركات الصغري مقابل مساعدات تديم استمرار الوضع يراوح بين الأمل و هاجس الإفلاس ، حتي تنهي هي كشركات كبري حالات الإنسداد التي تعانيها ، بما يعني نتائج تفرض علي التونسي أن يترقب ستة أشهر اخري ــ أي حل المسألة السورية و مدي تقيد ايران باتفاق جنيف ــ ليري النور في نهاية نفق هذه المرحلة أو يدخل مرحلة الظلام بما يعنيه من مضامين سياسية .


فهل افتقدت النخب السياسية بالبلاد استقلالية القرار لهذه الدرجة ؟


d.smiri@hotmail.com

 





الاربعاء ١٥ صفر ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / كانون الاول / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة