شبكة ذي قار
عـاجـل










تعد حرب الخلافة الإسبانية 1701/1714 منطلق التأسيس لظهور بوادر نظام أوروبي ــ دولي بما أفضت اليه معاهدة أوتريخت 1713 ، و معاهدة راشتات 1714 من شكل من أشكال النوادي التي تلتقي بها الدول المتنفذة لصياغة السياسة الدولية التي بدأت و منذ ذلك التاريخ تتجه نحو ايجاد توازن للقوي الدولية كحقيقة واقعة انطلاقا من تحالف القوي الأربعة الكبار،التحالف  الذي وسع سنة 1718 ليشمل فرنسا كقوة خامسة ، و توجيه الصراع نحو مناطق النفوذ و بناء الإمبراطوريات التجارية في ما وراء البحار دون أن يكون ذلك بمعزل عن تنافس انقليزي ــ فرنسي انتهي الي أزمة أوروبية فجرتها الثورة الفرنسية التي كانت العامل الحاسم في انتقال سياسة  الدول الكبري الأوروبية من سياسة "النادي " الي سياسة أكثر انضباط ووضوح في مدلولاتها مثلتها " الأوبرا الأوروبية " بما اعتمدته من نظام سياسي قوامه " دبلوماسية المؤتمرات " أي ديبلوماسية المصالح بما تعنيه من تواطئ ، من مؤتمر فينا 1815 و باريس 1856 الي مؤتمري برلين الأول 1878و الثاني 1884نهاية بندوة  لندن للسفراء 1913 . دبلوماسية عجزت عن  ايجاد سلام دائم انطلاقا من أن قياداتها و في مختلف مراحلها كانت من رجال دول يحكم تفكيرهم اتجاهات متباينة لا تمليها فكرة المصالح المشتركة في السلام العالمي بقدر ما تحكمها و تمليها المصالح القومية حتي و ان تقصدت هذه المصالح اضعاف الشركاء في " الأوبرا " و الغائهم ، و وضعية الإمبراطورية العثمانية تقدم الدليل القطعي علي ذلك رغم كونها عضو فاعل في " الأوبرا " منذ مؤتمر باريس 1856 . فميترنيخ " مستشار الإمبراطورية النمساوية المجرية اهتمامه ب" الأوبرا الأوروبية " كنظام دولي ينحصر في جعل مقررات مؤتمر فينا 1815 بما تعنيه من محافظة علي النظم الإمبراطورية .. هي السائدة لما تستهدفه من وقوف " الأوبرا" بالضد من أي تطلعات تحررية للشعوب الخاضعة لهذه النظم ... مقابل رؤية ليبرالية قادها الأنقليز ممن عاصروه (بالميرستون ، روسل ، قلاديستون) لكنها لا تلغي سياسة التدخل بالضد من أي محاولة تعمل علي اعادة ترتيب النظام الدولي في حالة مشابهة لما كان قائما قبل 1815 كتلك التي حاولها نابليون الثالث و عبرت عنها " القضية اليونانية" ، أو بالضد من الطموحات الروسية .

 

و للحفاظ علي التوزن تؤكد دبلوماسية التواطئ ــ المصالح ــ الأنقليزية من أنه و في حالة أي توسع عسكري من أية قوة من قوي " الأوبرا " علي باقي الأعضاء اتخاذ اجراء عسكري رادع ، و هو ما استخدمه (بالميرستون ) لتبرير الموقف الأنقليزي من حرب القرم . ذات الدبلوماسية التي فجرت الحرب العالمية الأولي بعد ندوة لندن 1913 و فجرت الحرب العالمية الثانية بعد ندوة ميونخ 1938 ؛ مما يعني ان ديبلوماسية المؤتمرات ــ التواطئ لا تهدف انهاء الحروب  بقدر ما تعمل علي أن تجعلها لا تهدد التوازن القائم بين  دول "الأوبرا" و هو النظام الدولي الذي ساد طيلة القرن التاسع عشر و حتي نهاية الحرب العالمية الثانية ليسود نظام ثنائي الإستقطاب تراجعت فيه دبلوماسية المؤتمرات أمام حدة التنافس متعدد الميادين و الذي انتهي لفائدة الأكثر تحكما في الثروة ، و العلم ،و التكنولوجيا ، أي سقوط سياسة الدولة و بروز سياسة الشركات ... أو ما يسمي " النخبة المعولمة " أو " أوبرا العولمة " أو " أوليغارشية  الثمانة الكبار" ، أو ما يطلق علي بنادي البلدان المصنعة و الأكثر تطور .

 

ان عجز " الأوبرا الأوروبية " في التحكم في اتجاهات السياسة الدولية بالرغم من محدودية التقدم الذي كان سائدا ، يجعل التحكم في اتجاهاتها اليوم من قبل " أوبرا الثمانية الكبار " أكثر صعوبة و تعقيد ، و اذا كان التواطئ في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين خلق حالات من القسمة و الإرضاء المتبادل بين قوي " الأوبرا الأوروبية " و بانتهاء مجالات التواطئ انفجر عدم الرض بصيغة تقابل مدمر لأطرافها كما عبرت عليه الحربين الأولي و الثانية ، فإن ديبلوماسية التواطئ ــ أو ديبلوماسية المؤتمرات منذ احتلال العراق 2003 تجعل منها دبلوماسية العجز و الإنسداد الكامل في ادارة الأزمات العالمية .

 

احتلال العراق 2003 أكد بما لا يدع مجالا للشك الإنسداد التاريخي التام في ادارة الأزمات الدولية  الذي أصبح رهين رؤية منقولة عن مرحلة تاريخية ــ" الأوبرا الأوروبية "ــ انتهت ماديا و معنويا ، انسداد ولد أزمات بصيغة المتتاليات الهندسية أصبحت تعصف بمنطقة حيوية هي بكل المقاييس سرة العالم الحلول السياسية لها لا و لن تكون في  النشاط المحموم للمبعوثين الدوليين والمبادرات المتلاحقة والاجتماعات المتتالية على صعيد المنظمات الدولية ، و لا من خلال دبلوماسية مؤتمرات التهدئة و التواطئ بقدر ما ترتبط حلولها في توفر عاملين :

 

الأول = تصحيح الجريمة المرتكبة في العراق من قبل قوتين ــ امريكا و بريطانيا ــ من " أوليغرشية الثماني الكبار" ، تصحيح الجريمة يتطلب الإعتراف بها ويفرض الإعتذار العلني بصيغة خطاب و انهاء الإحتلال بكل مخلفاته المادية في جانبه الأول و في جانبه الثاني الزام دول الجوار العراقي " ايران و تركيا " بعدم التدخل في الشأن العراقي سياسيا و الإنسحاب من الأراضي العراقية المحتلة من قبل كل منهما الي ما كانت عليه الحدود سنة 2003 .

 

الثاني = الإلتزام المعنوي و الأخلاقي بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه بما في ذلك حقه في المقاومة المسلحة .

 

عاملين يصعب الإستجابة اليهما من أطراف " أوبرا الثمانية الكبار" و هم يمارسون دبلوماسية التواطئ المهترئة حد الإستهتار بالدماء العربية و هي تشكل سواقي تحولت الي أنهار بالعراق و ليبيا و سوريا ... تفرض علي العرب أساس بحكم كونهم الحالة المستهدفة في هذه المرحلة و بصيغ متعددة ان كانت عالمية أو اقليمية أن يرتقوا بفعلهم حتي و هم يعانون الإختلاف الي صياغة مرجعية الحد الأدني التي تمكنهم الدفاع عن بقائهم كهوية متميزة قابلة للفعل الحضاري علي يد الأجيال القادمة في ظل استمرار تسبيق سياسة الخيام المتفرقة و الغير معنونة علي الخيمة الكبري بعنوان الأمة و حقها في الوجود و الإستقلال و النهوض .

 

 

d.smiri@hotmail.fr






الخميس ١٨ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢١ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة