شبكة ذي قار
عـاجـل










استغل رئيس وزراء الحكومة العراقية نوري المالكي مناسبة احياء ذكرى عاشوراء ليلقي خطابا طائفيا تحشيديا ورنانا في أتباعه، داعيا الى ‘حاجة العراق لنهضة حسينية لمواجهة الإرهاب’.. وخطب قبل اسبوعين في معهد السلام في واشنطن داعيا الى حرب عالمية ثالثة، ومقترحا ان يعقد العراق مؤتمرا بهذا الخصوص، كون العراق البلد الأول في الإرهاب. ما يلفت الانتباه هو أن خطاب المالكي، سواء في معهد السلام ام في ذكرى عاشوراء لا يعبأ بوضع الشعب العراقي، الذي تزداد نقمته على الأداء الحكومي المشين الذي أصبحت سيرته على كل لسان من شمال العراق الى جنوبه، يتحدث عنها الكبير والصغير وتمتلئ بها صحف العالم ومواقعه الإخبارية، من دون ان تحرك الحكومة ساكنا، مع استمرار انعدام الخدمات الأساسية وعدم اهتمام الرسميين والمسوؤلين، خاصة في موسم أمطار بدأ مبكرا هذا العام، أغرق كل الأحياء البغدادية والمدن العراقية المهملة منذ عشر سنوات، من دون صيانه ولا عناية تذكر، وسبب تذمرا شمل كل محافظات العراق من دون استثناء. لكن عن أي إرهاب يتكلم القائد العام للقوات المسلحة وقوات سوات والمخابرات، التي وصل تعدادها الى اكثر من مليون شخص، تستحوذ على نصف ميزانية الدولة العراقية منذ استلامه رئاسة الوزراء؟ ولماذا الآن في هذا الوقت وهو الذي يصمت عن كل ما يحصل في العراق من ابادة وقتل للعراقيين يوميا ومنذ تسلمه لرئاسة الوزراء؟ أم ان الإرهاب هو مجرد بضاعة سهل تسويقها يستغلها المالكي في بغداد وفي واشنطن قبل موعد الانتخابات لكي يفوز بولاية ثالثة؟


لقد بذل المالكي كل جهوده للحصول على موعد لزيارة واشنطن، ونشر له مقالا في الـ’نيويورك تايمز′ بعنوان ‘اصبروا علينا ‘، وألقى في معهد السلام خطابا غريبا، ربما تصوره مفتاحا لقلوب الإدارة الأمريكية للحصول على ولاية ثالثة، داعيا الى حرب عالمية، وكأن الولايات المتحدة تنتظر مقترحاته وأراءه لكي تخوض حربا مثل هذه. والتزم بتفعيل المعاهدة الاستراتيجية التي وقعها مع الولايات المتحدة قبل مغادرة غالبية القوات الأمريكية من العراق، لكن كل جهوده في التودد لادارة الاحتلال هذه باءت بالفشل. فقد حصد التأنيب والتوبيخ من أعضاء الكونغرس، ليس لأنه يبيع لهم بضاعتهم في الإرهاب، فهم من نصبوه واختاروه بتوافق مع ايران في الانتخابات السابقة، بل لأنه سمح للأخيرة بتجاوز خطوطها الحمراء في العراق وفي سورية. فهل منحت او ستمنح الادارة الأمريكية المالكي فرصة أخرى وبشروط لولاية ثالثة، أم أنها طوت صفحته التي سمحت لتوسع النفوذ الإيراني في العراق وتمدده وتغلغه في سورية؟


ان تركيز نوري المالكي على موضوع الإرهاب في خطاب ذكرى عاشوراء، بالاستعانة عليه ‘بنهضة حسينية’، تؤكد ان ادارة الاحتلال ما تزال تشجع المالكي في نهجه ونهج مليشياته والعصابات والمرتزقة المرتبطين به، التي شكلت لمحاربة مقاومة الشعب العراقي وليس لحفظ أمن العراق او الدفاع عن سيادته، ويبدو أن رسالة الاحتجاج التي بعث بها نائب رئيس الاتحاد الأوروبي الى اوباما بشأن قتل العراقيين عشية زيارة المالكي لواشنطن، هي رسالة تهديد له، ومثلها ربما تصريح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف: بـ’أن ما يجري في العراق هو إرهاب أعمى يرقى الى مستوى الإبادة الجماعية، وعلى المجتمع الدولي ان يأخذ دوره فيه’، فقد التقى ملادينوف نوري المالكي ليقول له ان قواته تحتاج الى تدريب في ما يخص حقوق الانسان. وكذلك قال الشيء نفسه لمجلس النواب من دون توجيه اي اتهام للحكومة ولا مواجهتها بخروقات القوات الأمنية او العسكرية التي شاهدها هو وغيره من موظفي الأمم المتحدة، فلم يؤد اطلاع ملادينوف على ما سماه ‘الابادة الجماعية’ لا الى تحرك حكومي ولا الى تحرك دولي، كما هو الحال في مثل هذه التهم لحكومة ما، بل خرج لنا المالكي ليصرح بـ’أن الاعتصامات في الأنبار تحولت الى بؤر ارهاب وقاعدة’.


وادعى محمد العكيلي احد أعضاء ائتلاف دولة القانون الذي يترأسه المالكي من على شاشة الجزيرة الفضائية، ان الحكومة العراقية تحترم حقوق الانسان، متهما عسكريي النظام السابق الذين يقول انهم يشكلون ثمانين بالمئه من الجيش الحالي، بخرق حقوق الانسان وقتلهم للمواطنين، وكل الانتهاكات التي تجري، متناسيا ان حكومته اصدرت قرارا باجتثاث كل عسكري ومدني من النظام السابق، ثم يعود هذا الشخص ليناقض نفسه فيقول ان قتل واغتيال العراقيين يوميا بالعشرات هو فقط ‘قصور غير ممنهج وتصرفات فردية’! على عكس ما تؤكده منظمة ‘هيومن رايتس ووتش’ التي اشارت في تقرير لها الى ‘ان قوات الأمن العراقية تحاصر مناطق سنية وتنفذ اعتقالات جماعية’.


ان هدف المالكي من إثارة موضوع الإرهاب بمناسبة ذكرى عاشوراء، هو التحشيد الطائفي لحملته الانتخابية، متناسيا ميثاق الشرف الذي وقعه قبل اشهر، اذ فضل ان يؤجج الفتنة من جديد بين ابناء الشعب العراقي، باعتباره المدافع عن طائفة معينة، ويؤلب العراقيين بعضهم على بعض بدلا من مخاطبته لهم بكل اطيافهم.


أما الرسالة الاخرى التي يحملها هذا الخطاب فهي الطاعة الكاملة لولاية الفقيه ومرشدها الايراني، الطرف الثاني في معادلة التوافق لبقائه في الحكم مع ادارة الاحتلال الأمريكي، هذه الادارة التي نصحته ايضا خلال زيارة واشـــــنطن بالانفتاح على تركيا وعلى المملكة العربية السعودية، حيث قام وزير الخارجية التركي اوغلو قبل ايام بزيارة العـــراق وسيزورها ايضا رئيس البرلمان قريبا، فيما صرح المالكي بانه مستعد لزيارة السعودية شخصيا او استقبال اي مسؤول فيها، لكن كيف يتصور المالكي ان تسويقه لموضوع الارهاب وللخطاب الطــــائفي سينطلي مرة اخرى على العراقيين بعد أن اكتشفوا كذبه، بعد ان أخذ حلفاؤه في التيار الصدري يفضحون فساده وفساد حاشيته الى درجة ان السيد مقتدى الصدر قال بصراحه بأنه لن ينتخبه، وتنكرت قيادة المجلس الأعلى لأدائه وأداء الحكومة وكثرت انتقاداتها له ومطالبته بالاستماع لشكاوى وحـــاجات الناس؟ أم ان رئيس الوزراء لا يهتم بكل هذا بل هو بانتظار ان تقرر الولايات المتحدة وايران مصيره ومصير الانتخابات في العراق؟ فهل ستشفع له نصائح واشنطن بالانفتاح على تركيا وعلى السعودية، والكف عن تهميش السنة في الحكم التي بدأ بتنفيذها حال عودته من مقابلة اوباما؟


لقد انكشفت العملية السياسية للشعب العراقي بشكل كامل وتعرت بطريقة مخــــزية عن انها ليست عملية ديمقراطية، وهي مجرد كذبة استمرت طويلا، لذا هتف مئات المواطنين الزوار بمناسبة عاشوراء في ميســـان وكربلاء والبصــرة مرددين شعارات وطنية تتهم الحكومة برئيس وزرائها وسياسييها، ببرلمانها واحزابها بالفساد والارهاب، مسقطة عنهم اقنعة التدين التي اهترأت من كثرة استهلاكها، فهتف المئات بشعارات ضد الحكومة.


فمتى ينهض الشعب العراقي ليقرر انه هو مصدر السلطات لا غيره وليس الولايات المتحدة الأمريكية ولا ايران؟ متى ينهض العراقيون ليواجهوا قتلتهم وقتلة ابنائهم وسجانهم ويصرخوا كفى بمن جاء مع المحتل الأمريكي ومن يسوق ويجمل عمليته السياسية، متى يزحف المعتصمون والمتظاهرون ليقتلعوا جدران السجون التي تخنق العراق؟







الاربعاء ١٧ محرم ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة