شبكة ذي قار
عـاجـل










انعقدت القمة العربية الخامسة والعشرون في الدوحة وانفضت بهدوء وبرود، ولم أر ما كنت أراه أيام زمان في شبابي من حماس شعبي لدى عموم الناس عربيا، كان انعقاد القمة فرصة للصحافة والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والدوائر الإعلامية، عناوين مثيرة بالخط العريض وشعارات تلفت النظر، تعليقات وتحليلات سياسية لا تنتهي، كان انعقاد القمة حديث المجتمع وشغله الشاغل، الطلبة في جامعاتهم، والموظفون في مكاتبهم، والناس في المقاهي، وأفراد الأسرة يتجمعون حول التلفاز ليشاهدوا الرؤساء وهم يستقبلون ويودعون، ويحرص الصغير والكبير على مشاهدة الافتتاح ومتابعة الجلسات، ويشغلهم ما قال هذا وما صرح ذاك. وفي مخيلتي صور عالقة ولقطات أعدها جزءا من حصيلة الذكريات. 


كان هذا يوم كانت لنا ثقافة مميزة نابعة من تراث واحد موحد، وقيم اجتماعية متطابقة، وشخصية قومية رصينة، كانت الوحدة العربية حلم الجيل الصاعد، والسعي إليها وفي سبيلها جهادا، وكان الهم العربي مشتركا، أيامها كنا نحفظ الكثير من الشعر العربي مما تشدك معانيه القومية، وتحضرنا تجارب التراث الشعورية الجماعية، ونتمتع بهواية جمع طوابع الأقطار العربية، وقطع عملاتها الورقية والمعدنية، وكنا نفخر بمراسلة شاب من مصر وآخر من سوريا، وأينا يمتلك أصدقاء عرب بالمراسلة أكثر، وكان نشيدنا المفضل: “بلاد العرب أوطاني، من الشام لبغداد، ومن نجد إلى حلب، ومن مصر لتطوان، فلا حد يباعدنا، ولا دين يفرقنا، لسان الضاد يجمعنا، بغسان وعدنان.


واليوم لو سألت أي شاب عما يحفظ من الشعر العربي، لا يتذكر إلا شطرا من النشيد الوطني حفظه منذ صغره في المدرسة الابتدائية، لا يعرف غير بلده الضيق وطنا، لا يميز بين أعلام الدول العربية كما كنا نميز، ولا يعرف حدود الوطن العربي، ولا أي بلد من بلاد العرب يجاور البلد الآخر، لا يدري ما تعداد أبناء أمته، ولا جغرافيتها كما كنا نعرف، ولا يشغله الهم القومي ولا ثوابت الأمة كما كانت تشغلنا، ولسان حاله يقول: “ادفع الشر عني وعسى من بعدي لأخوي وعمي”.


ثقافة أبنائنا القومية اليوم شبابا وصبايا تحت خط الفقر، مدارسنا الخاصة تدرس طلبتها العلوم باللغات الأجنبية، ولا تذكرهم من أوطانهم إلا بلمحات عن حضارة وادي الرافدين القديمة، وعن الفراعنة، وحضارة الرومان واليونان بقرطاج وجرش والبتراء، ولا شيء عن الحضارة العربية الإسلامية، ولا عن واقعنا المعاصر، وفي مدارسنا الرسمية لا يعنون إلا بالجغرافية والتاريخ الوطني، ويتخرج طلبتنا لا يعرفون عن وطنهم العربي الكبير إلا اللمم، لا يتابعون ولا يقرؤون، وإن قرؤوا يتابعون أخبار الموضة، واكسسوارات “هيفا الهيفة”، ومغامرات الفنانين والفنانات، وإذا اتسعت فمتابعة أخبار كرة القدم، التي أصبحت تفرق ولا تجمع، عنصرية مناطقية، وهمشت روح المنافسة النزيهة والأخلاق الرياضية، وشاهدنا أحداث مباراة الجزائر ومصر التي لم تمح من الذاكرة بعد، وما غابت عنا أحداث مباراة الأهلي وبور سعيد التي مازالت مصر تجني حصادها المر، وما حصل في العراق لفريق القوة الجوية في أربيل. 


شعوبنا من المحيط إلى الخليج منهكة اقتصاديا، ومشتتة فكريا بين الشرق والغرب، ومقهورة سياسيا تعاني ضغوطا نفسية متصاعدة، أمة مغلوبة على أمرها، عقول الأغلبية فيها خاوية، وأجسادهم عليلة، ومعنوياتهم منخفضة، فماذا يمكن آن يعمل الرؤساء حتى لو قرروا، الأمم والدول بشعوبها، نتاج أيدها، وتطلعات رؤاها، ونبل رسالتها، وقوة معنوياتها. كيف نريد امة يضحي الفرد منها في سبيل المجموع وهو منهك مقموع؟ هذا حال الشعوب المغيبة، فما سيكون حال القمة؟ وماذا حققت للعرب؟ وماذا كسب المواطن العربي من انعقادها سابقا ليتفاعل مع مؤتمراتها لاحقا؟ كل هذه المؤتمرات والاجتماعات واللجان والمكاتب: لم تحقق توافقا استراتيجيا على قضية واحدة، ولم تتقدم بخطوة ملموسة على طريق الوحدة، لا تكاملا اقتصاديا، ولا تعاونا بناء، ولا مفهوما موحدا للأمن القومي، ولا إيفاء بالقرارات والتزاماتها. 


قضايا شعوبنا الأساسية كما هي معلقة على الدوام ترحل وتؤجل من قمة إلى أخرى، قضية فلسطين وخلافات حماس وفتح، ومجازر سوريا، وخلافات العراق والكويت، وعواقب التخندق الطائفي هناك، واحتلال أثيوبيا للصومال، وانشطار السودان، وتشظي اليمن، والصراع الطائفي في لبنان، ونزاع الصحراء الكبرى بين المغرب والبلساريو، والتهديد الإيراني لدول الخليج العربي، واحتلالها الجزر الإماراتية وعربستان، واحتلال تركيا للواء الاسكندرونة، واحتلال اسبانيا لسبتة ومليليا المغربيتين، وتهجير العرب واجتثاثهم في مالي، فهل مع هذا الزخم ارتقت القرارات إلى مستوى المسؤوليات؟ أم حضرت القرارات وغابت الإجراءات؟ حضر الرؤساء وغابت الشعوب! ومع ذلك يبقى الرجاء كامنا، والأمل قائما، وسبحان الله الذي يحي العظام وهي رميم، يحدونا قوله تعالى: “وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ”. يوسف87.

 

 





الجمعة ١٧ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أذار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة